الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: ليس هذا من القرآن، قال: بلى. فأقرأ أنت، فقرأ:«وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ «1» »
، فقال: هذه أخت التي تلوتها سواء إلّا أنها بعد لم تنتظم لك، وكان له أشياء ينفرد بها عن العرب. والأخافش أربعة، هذا أولهم والأوسط سعيد بن مسعدة صاحب سيبويه، والصغير علي بن سليمان، والرابع اسمه عبد العزيز بن أحمد المغربي الأندلسي أبو الإصبع.
ومنهم:
5- الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي
«13»
الأزدي، أبو عبد الرحمن، هو من أغصان الأدب ووريقها «2» ، ورشف ألسنة العرب وريقها. وهو إمام القوم ولسان القول. رأس أهل التعليم، والخليل وحاسده الكليم، ومؤسس القواعد، وإن لم يكن الخليل إبراهيم ومستنبط العلم الذي ما سبق إليه، ولا وقع خاطر امرئ قبله. افترع منه العذراء «3» واخترع منه ما ضبط به الشعراء. أتى منه بعلم جليل وأحسن إحسانا، أصبح فيه الناس ضيوف الخليل. استخرجه من صوت جرّة تقرعها جارية تتغنى عليها، وصنّفه بمكة وشرع فيه وهو طائف بالكعبة. وقد حكى صاحب بغية الألبّاء في ذلك عن عبد الله ابن المعتز أن الخليل مرّ في سكة الصفارين بالبصرة، فسمع دقّ الكوادين بأصوات مختلفة فوقف يسمع اختلافه، قال: والله لأضعنّ على هذا المعنى علما غامضا، فوضع العروض. وحدّث النضر بن شميل، قال: كان أصحاب الشعر يمرّون بالخليل
فيتكلمون في النحو، فقال الخليل: لا بدّ لهم من أصل، فوضع العروض، وخلا في بيت ووضع بين يديه طستا، وما أشبهه، وجعل يقرعه بعود، يقول: مستفعلن فاعلن فعولن، فسمعه أخوه، فخرج إلى المسجد، فقال إن أخي قد أصابه جنون، وأدخلهم وهو يضرب الطست، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن مالك، أصابك شيء، أتحب أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: أخوك يزعم أنك قد خولطت، فأنشأ يقول:[الكامل]
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني
…
أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني
…
وعلمت أنّك جاهل فعذرتكا
ويروى أن ابنه فعل ذلك.
قال ابن خلكان: كان إماما في علم النحو، وهو الذي استنبط علم العروض، وحصر أقسامه في خمس دوائر، يستخرج منها خمسة عشر بحرا، وزاد فيه سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط بحرا سمّاه الخبب، وهو المتدارك. وقيل إن الخليل دعا بمكة أن يرزق علما لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه. فلما رجع من حجّه فتح عليه بعلم العروض وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم «1» .
وقال حمزة بن الحسين الأصفهاني «2» في حقه: وبعد فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم الذي لم يكن لها عند علماء العرب أصول من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض، الذي لا عن حكيم أخذه، ولا عن مثال تقدمه احتذاه إنما اخترعه من ممرّ له بالصفارين من وقع مطرقة على طست، ثم قال: فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لنسك فيه بعض الأمم لتصنيفه مالم يصنفه أحد منذ خلق الله الدنيا. قال ابن خلكان:
وكان الخليل رجلا صالحا عاقلا حليما وقورا ومن كلامه: لا يعلم الإنسان خطأ معلّمه حتى يجالس غيره.
وقال تلميذه النضر بن شميل: أقام الخليل في خصّ من أخصاص البصرة، لا يقدر على فلسين وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال. ولقد سمعته يوما يقول: إني لأغلق بابي فما يجاوزه همي. وكان له راتب على سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة، وكان والي فارس والأهواز، فكتب إليه يستدعيه، فكتب الخليل إليه:[البسيط]
أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة
…
وفي غنى غير أني لست ذامال
سخّى بنفسي أنّي لا أرى أحدا
…
يموت هزلا ولا يبقى على حال
والرّزق في «1» قدر لا الضّعف ينقصه
…
ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقر في النّفس لا في المال نعرفه
…
ومثل ذاك الغنى في النّفس والمال
فقطع سليمان عنه الراتب فقال الخليل: [السريع]
إن الذي شقّ فمي ضامن
…
للرزق حتّى يتوفّاني
حرمتني مالا قليلا فما
…
زادك في مالك حرماني
فبلغت سليمان فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل معتذرا إليه، فقال:[البسيط]
وزلّة يكثر الشّيطان إن ذكرت
…
منها التعجّب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخير زلّ عن يده
…
فالكوكب النّحس يسقي الأرض أحيانا
وأنشد ولم يذكر لنفسه أو لغيره: [الطويل]
يقولون لي: دار الأحبّة قد دنت
…
وأنت كئيب إنّ ذا لعجيب
فقلت: وما تغني الديار وقربها
…
إذا لم يكن بين القلوب قريب «2»
وتوفي بالبصرة سنة ستين ومئة، وقال ابن الجوزي سنة ثلاثين ومئة، وهو غلط ولكن نقله الواقدي. وكان سبب موته أنه قال: أريد أن أقرّب نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى