الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهب جنح الدجى، ولا وقف دون مرتجى. فطوى البيد ونشرها، وساق البدر ونحرها حتى جال في القلوب، وجاب أكثر ما تحت السماوات، وسمابه الدهر حتى قرع باب السلطان، وولج سماه وابتهج نعماه، وحصل أضعاف ما تجرّه الموارث وساد فوق سؤدد آبائه وجدّه عبد الوارث. وكان أحد أفراد الدهر وأعلام الفضل. وهو الإمام في النحو بعد خاله، وعنه أخذ حتى استغرق علمه واستحق مكانه. أوفده خاله على الصاحب بن عباد، فأكرم مورده ومصدره، ونال منه أو فر حظ، ثم ورد خراسان، وأملى بنيسابور الأدب، ثم قدم على صاحب خوزستان وحظي عنده ثم رجع إلى غزنة ثم أتى نيسابور وأقام بأسفدانين ثم استقر بجرجان، وأخذ عنه أهلها فضلا كثيرا. ومن تلاميذه عبد القاهر الجرجاني. وتوفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. ومن شعره قوله:[الكامل]
ومطهّم ما كنت أحسب قبله
…
أنّ السّروج على البوارق توضع
فكأنما الجوزاء حين تصوّبت
…
لبب «1» عليه والثّريا برقع «2»
ومنهم:
28- أبو منصور عبد الملك بن أحمد بن إسماعيل الثعالبي
«13»
جامع أدب ما ترك، وسامع طرب لا يملك معه الحرك. ألف كتاب اليتيمة، وتصرف بها في سحاب دررما لها قيمة. جمع فيها فأوعى، لكن من مسك الحقائب، واستدعى لكن غرر الغرائب. وضمن فيها ذكر من لا شبهة في فضله، وضم الشيء إلى مثله، وأبدع في تأليفه، وشرع به منهجا جاء الدوح المثمر في لفيفه، والروض المزهر في
تفويفه «1» ، والدرّ الثمين في ترصيفه، والشهب الرقى هنّ في تصنيفه، والقمر والهلال وهما لا يبلغان مدى مدّه، ولا تصنيفه بكلام تنكل السيوف عن حدّ مقوله، وتكل الأفهام في نسيج تأوّله، وتنكر لوامع البرق أن تقاس بتطوله، وتذكر الأيام لا بل نجوم الظلام. ولا تجاري نسبة الثعالبي ثعلب فخره ولا سرحان. أو له معجز يتحدى به على البلغاء ولا يغلب، وموجز يعطي من طرف اللسان حلاوة، ويروغ كما يروغ الثعلب وفيها يقول ابن قلاقس:[الرجز]
أبيات أشعار اليتيمه
…
أبكار أفكار قديمه
ماتوا وعاشت بعدهم
…
فلذاك سمّيت اليتيمه «2»
وقد مرّ في تراجم من تقدّم من الشعراء من كلامه ما حلي ذوقا، وتدفق نهرا شق عن مائه الفضي طوقا مما خفّ موقعه، وشفّ حتى كاد يراه من يسمعه وطفا، فالتقط الدرّ من يجمعه. ولم يبق إلا من كتبه ولوعا يحسنه، وتهافتا وهو غزير، وابتذل وهو في موضع من الضنانة حرير. فسار وما كان أحد لا عتلاقه به أخلى منه سمعه، وصار أرخص القيمة. كأنه الياسمين ما يساوي جمعه. ومن شعره المروي، بل نثره الذي لو ظفرت به ذات غيد لما ضاعت من سواه حلية سوارها الملوي.
وقوله: [الرجز]
إنسانة تيّاهة «3»
…
بدر السّما منها خجل
إذا رنا طرفي بها
…
بدمع عيني يغتسل
وقوله، وكتب به إلى الأمير أبي الفضل المكيالي:[الكامل]
لك في المفاخر معجزات جمّة
…
أبدا لغيرك في الورى لم تجمع