الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضا ألفاظا جمّة، ونوادر كثيرة، أوقعت أكثرها في كتابي، يعني التهذيب «1» . وذكر في تضاعيف كتابه أنه أقام بالصمّان شتوتين. وكان أبو منصور المذكور جامعا لشتات اللغات مطلعا على أسرارها ودقائقها.
وصنّف في اللغة كتاب التهذيب، وهو أكثر من عشرة مجلّدات، وله تصنيف في غريب الألفاظ التي يستعملها الفقهاء في مجلّد واحد. وهو عمدة الفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المنغلقة بالفقه وكتاب التفسير، وكتب ولادته سنة اثنتين وثمانين ومئتين، وتوفي سنة سبعين وثلثمئة في أواخرها، وقيل سنة إحدى «2» بمدينة هراة رحمه الله تعالى.
ومنهم:
15- أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم البغدادي
«13»
المعروف بالمطرّز غلام ثعلب. بحر لا يقاس، وجواد لا يخوّف بلزز «3» ، ملك ألسنة العرب بأطرافها، وقاد وشزب «4» اللغات بأعرافها، ولم ينس ما حفظ، ولا غاب عنه ما لحظ، فكان لا يذهب محفوظ من ذاكرته ولا يرهب عند محاضرته. وقد جدّ به أهل النقد فلم يروا له زيفا، وجهدوا ولم يروعوا له طيفا، فخجل مبكوه، ووجل قوم ظنّوا أن يسكتوه، وعلم أنّه الحافظ الذي قلّ أن ينسى، والمحافظ الذي به يتأسى، فلم يبق إلّا من علم أنه المبرّز؛ وأنّ علم ردائه لا يرقم مثله إلّا المطرّز.
قال الخطيب: سمعت غير واحد يحكي عن أبي عمران: الأشراف والكتّاب كانوا يحضرون عنده؛ ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها، وكان له جزء قد جمع فيه فضائل معاوية، فكان لا يترك واحدا منهم يقرأ عليه شيئا حتى يبتدئ بقراءة ذلك، وكان جماعة لا يوثّقون أبا عمر في علم اللغة حتى قال لي عبيد الله بن أبي الفتح فقال: إن أبا عمر لو طار طائر لقال حدّثنا ثعلب عن ابن الأعرابي، ويذكر في معنى ذلك شيئا. فأما الحديث فرأيت جميع شيوخنا يوثّقونه فيه. وحدثنا ابن أبي علي عن أبيه قال: ومن الرواة الذين لم نر أحفظ منهم أبو عمر غلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني، وجميع كتبه إنما أملاها بغير تصنيف ولسعة حفظه اتّهم، وكان يسأل عن الشيء الذي يقدّر السائل أن واضعه مجيب عنه، ثم يسأل غيره بعد سنة فيجيب بجوابه؛ أخبرت أنه سئل عن قنطرة صحفت، فقيل له: ما القنطرة؟، فقال: هي كذا. قال: فتضاحكنا.
ولمّا كان بعد شهور هيّأنا من سأله عنها، فقال: أليس قد سئلت عن هذه منذ شهور وأجبت.
قال الخطيب: حكى لي رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن «1» عمّن حدّثه أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فأملى يوما على الغلام ثلاثين مسألة لغة، وختمها ببيتين. وحضر ابن دريد وابن الأنباري، وأبو بكر بن مقسم عند القاضي، فعرض عليهم المسائل، فقال ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن، وقال ابن مقسم: أنا مشغول بالقراءات، وقال ابن دريد هي من وضع أبي عمر: فبلغ أبا عمر ذلك، فسأل القاضي إحضار دواوين جماعة عيّنهم له، ففتح خزانته، وأخرج تلك الدواوين.
فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة، ويخرج له شاهدا ويعرضه على القاضي حتى تمّمها. «2»
ثم قال: والبيتان أنشدناهما ثعلب بحضرة القاضي، وكتبها القاضي على ظهر الكتاب
الفلاني، فأحضر القاضي الكتاب فوجدهما، وانتهى الخبر إلى ابن دريد، فما ذكر أبا عمر بلفظة حتى مات. ثم قال رئيس الرؤساء: وقد رأيت أشياء كثيرة ممّا استنكر على أبي عمر ونسب إلى الكذب فيها مدوّنة في كتب أئمة العلم وخاصة في غريب «1» المصنف لأبي عبيد، أو كما قال.
قال عبد الواحد بن برهان: لم يتكلم في علم اللغة أحد من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزاهد، وله غريب الحديث ألّفه على مسند أحمد.
وقال أبو الحسن بن المرزبان: كان ابن ماسي ينفذ إلى أبي عمر غلام ثعلب وقتا بعد وقت كفايته ما ينفق على نفسه، فقطع مدة لعذر، ثم أنفذ إليه جملة ما كان في رسمه وكتب إليه يعتذر فردّه، وأمر من كتب على ظهر رقعته، ألزمتنا فملكتنا ثم أعرضت عنّا فأرحتنا.
قال الخطيب: وابن ماسي لا أشكّ أنه إبراهيم بن أيوب والد أبي محمد.، وأخبرني عباس بن عمر. قال: سمعت أبا عمر الزاهد يقول:
ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة.
توفي أبو عمر سنة خمس وأربعين وثلثمئة.
واعتلّ أبو علي محمد بن الحسن الحاتمي، فتأخر عن مجلس أبي عمر، فسأل عنه فقيل إنه كان عليلا، فجاءه من الغد، فاتفق أن كان في الحمام، فكتب بخطّه على بابه. [المتقارب]
وأعجب شيء سمعنا به
…
عليل يعاد فلا يوجد