الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد غضب النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمرَ صحيفةً من التوراة، وقال:"لَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً، لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتَّبَاعِي"(1).
* * *
باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]
.
وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: "أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54].
وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الإِيمَانَ عَمَلًا.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ في سَبِيلِهِ".
وَقَالَ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِهَا، دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ، وَالشَّهَادَةِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلًا.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 338)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
({وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]: استُدل به على أن أفعالَ العباد مخلوقةٌ لله تعالى.
وأخذ الزمخشري يحاول (1) تنزيل الآية على معتقده الفاسد، فقال (2):{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]؛ أي: وما تعملون من الأصنام؛ كقوله: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} [الأنبياء: 56]، ويكون الشيء الواحد مخلوقاً لله، معمولًا لهم؛ كقولكَ: عملَ النجارُ البابَ؛ أي: عملَ شكلَه، لا جوهَرَه، ولا يصح أن تكون "ما" مصدرية؛ لأدلة العقل، ولأن الله تعالى احتجَّ عليهم بكونه خالقاً للعابِد والمعبود، فكيف يكون مخلوق (3) خالقاً (4)، فلو قال: وخلقَ عملَكم، لم يكن للكلام طباق، ولأن "ما" في قوله:{مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] موصولة، فالفرق بينها وبين الثانية تعسُّف، ولا يصحُّ أن تكون موصولة بمعنى: وما تعملون من أعمالكم، فتوافق الأولى في كونها موصولة؛ لبقاء الإلزامين في عنقك، لا يفُكُّهما إلا إِذْعانُك للحق، فإنها، وإن كانت موصولة، فقد أردت بها المصدر الذي هو العمل، وأردتَ بالأولى عين المنحوت وفيه فَكُّ النظمِ كما لو جعلْتَها مصدرية (5).
قال صاحب "الانتصاف": يتعين حملُها على المصدرية؛ إذ لم يعبدوا
(1) في "ج": "محال".
(2)
في "ج": "قال".
(3)
في "م": "فكيف مخلوق".
(4)
في "م": "مخلوقاً".
(5)
انظر: "الكشاف"(4/ 54).
الأصنامَ من حيث هي حجارةٌ عاريةٌ عن الصورة، ولولا ذلك، لما خَصُّوا حَجَراً دون غيره، بل عبدوها باعتبار أشكالها، وهي أثرُ عملِهم، فعلى الحقيقة إنما عبدوا عملَهم، فوضحت الحجة في أنهم وعملَهم مخلوقان لله، فكيف يعبدُ مخلوقٌ مخلوقاً؟
وقوله: هي موصولة، فالمراد: عملُ أشكالها، مخالفةٌ للظاهر، واحتياجٌ إلى حذف مضاف؛ أي: وما تعملونَ شكلَه وصورته، وهو موضعُ لَبْس، وإذا جعل المعبود نفسَ الجوهر، فكيف يُطابق توبيخَهم ببيان (1) أن المعبودَ من صنعةِ العابد، وهم يوافقون على أن (2) جواهر الأصنام ليست من خَلْقهم، فيكون على هذا ما هو من عملهم ليس معبوداً لهم، وما هو معبود، وهو الجوهر، ليس عملاً لهم.
وقوله: المطابقةُ تنفكُّ على رأي أهل السنة؛ فإنا نحمل الأولى على المصدر، وهم في الحقيقة عبدوا نحتَهم؛ لأنها قبلَ النحت لم تُعبد، والمطابقةُ والإلزام على هذا أبلغُ، ولو كان كما قال؛ لقامت الحجة لهم، ولكافحوا، وقالوا: ما خلقَ الله ما نعمل؛ لأنا عملْنا التشكيلَ والصورة، ولله الحجة البالغة، ولهم الأكاذيب الفارغة (3).
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]: جعله ابنُ الحاجب مثالاً لما يجبُ فيه النصبُ في باب: الاشتغال؛ حذراً من لبس المفسر بالصفة، فيوقع ذلك في خلاف المقصود.
(1) في "ج": "بيان".
(2)
في "ج": "يوافقون أن".
(3)
"الفارغة" ليست في "ج".
ونازعه الرضيُّ في ذلك، وقال: المعنى في الآية لا يتفاوت بجعل الفعل خبراً، أو صفةً، وذلك لأن مراد الله تعالى بكل شيء: كلُّ مخلوق، نصبتَ كُلاًّ، أو (1) رفعته، سواءٌ جعلتَ "خلقناه" صفتُه كائناً مع الرفع، أو خبراً عنه، وذلك أن قوله:(خلقنا كلَّ شيء بقدر)(2) لا يريد به: خلقنا كلَّ ما يقع عليه اسمُ شيء، فكلُّ شيء في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]؛ لأن معناه: أنه قادر على كل ممكن غير متناهٍ، فإذا تقرر هذا، قلنا: إن معنى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]: على أن "خلقناه" هو الخبر: كلُّ مخلوقٍ مخلوقٌ بقَدَر، وعلى أن "خلقناه" صفة: كلُّ شيء مخلوق كائن بقدر، والمعنيان واحد (3).
* * *
3060 -
(7555) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالْقَاسِم التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جُرْم وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً، فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ: لا آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نستَحْمِلُهُ، قَالَ: "وَاللَّهِ! لَا أَحْمِلُكُمْ،
(1)"أو" ليست في "م".
(2)
"بقدر" ليست في "ج".
(3)
انظر: "شرح الرضي على الكافية"(1/ 463).
وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ". فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إِبلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: "أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ "، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحْمِلُنَا، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ، وَاللَّهِ! لَا نُفْلِحُ أَبَداً، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: "لَسْتُ أَناَ أَحْمِلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي - وَاللَّهِ - لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَتَحَلَّلْتُهَا".
(وعنده رجلٌ من بني تَيْم الله، كأنه من الموالي): وقع في "السنن الكبير" للبيهقي: أن أخرج بإسنادٍ إلى محمدِ بنِ إسحاقَ الصنعانيِّ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ المبارك، قال: ثنا الصَّعِقُ بنُ حَزْنٍ، قال: ثنا مطرٌ الوراقُ، عن زهدم الجرميِّ: قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكلُ لحمَ دجاج، قال: ادْنُ فَكُلْ، فقلت: إني حلفتُ لا آكله، فقال: ادنُ فكل، وسأخبرك عن يمينِك هذه، قال: فدنوتُ فأكلتُ، وساقَ حديثَ سؤالِ الحملان، ثم أخرجه من طريق أخرى إلى شيبانَ بنِ فروخ، قال: ثنا الصعقُ ابنُ حزن، فذكره، وقال: رواه مسلمٌ في "الصحيح"(1).
وحديثُ شيبانَ عن الصعقِ بنِ حزنٍ في "مسلم" كما ذكره، لكن لم يذكر التصريح بأن الممتنعَ من الأكل هو زهدمٌ، بل ساقه محالًا على حديث أبي قلابةَ، والقاسمِ، عن زهدم الذي فيه: "فدخل رجلٌ من بني تيم الله أحمرُ شبيهٌ بالموالي، فقال له: هَلُمَّ، فتلكَّأَ، فقال له: هَلُمَّ؛ فإني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 31).
يأكل منه، فقال الرجل: إني رأيتُه يأكل شيئاً فقذرته" الحديث، فذكر ثلاثة طرق محالة عليها ثم قال: ثنا شيبانُ بنُ فروخ، قال: ثنا الصعقُ - يعني: ابنَ حَزْنٍ -، قال: حدثنا مطرٌ الوراقُ، قال: ثنا زهدمٌ الجرميُّ، قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكلُ لحمَ دجاج، وساق الحديث بنحو حديثهم (1)، والظاهر أنهما معاً امتنعا زهدمٌ، والرجلُ التيميُّ.
وقال الدارقطني: الصعقُ ومطرٌ ليسا بالقويين، ومع ذلك فمطرٌ لم يسمعه من زهدم، وإنما رواه عن القاسم بنِ عاصمٍ، عنه (2).
وقد أخرج الترمذي قصة زهدم مختصرة عن زيدِ بنِ أخزم، قال: ثنا أبو قتيبة، عن أبي العوام، عن قتادة، عن زهدم، قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكلُ دجاجاً، فقال: ادْنُ فكُلْ؛ فإني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله (3).
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" من طريق الحميدي، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن أبي، قال: عن زهدم الجرمي، قال: قُرِّبَ إلى أبي موسى لحمُ دجاج، فقال: ادنُ فكُلْ، فقلتُ: إني لا أُريد، إني حلفتُ أن لا آكلَها، إني رأيتها تأكلُ قَذَراً، فقال أبو موسى: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسْتحمله، الحديث (4). انتهى من "الإفهام".
(فقال: والله! لا أحملكم، وما عندي ما أحملُكُم): الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم
(1) رواه مسلم (1649).
(2)
نقله عنه النووي في "شرح مسلم"(11/ 113).
(3)
رواه الترمذي (1826).
(4)
رواه أبو عوانة في "مسنده"(4/ 34).