الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: قُصاراه أنه نُسب إلى جد أبيه، ومثلُه جائز لا يقتضي ارتكابُه خطأً.
* * *
2899 -
(6875) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ:"إِنَّهُ كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ".
(فالقاتلُ والمقتولُ في النار): هذا في المتقاتلين بغير تأويل؛ لعداوةٍ بينهما، أو عصبيةٍ.
* * *
باب: قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]
2900 -
(6878) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ".
(لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأني رسولُ الله إِلَّا
بإحدى ثلاثٍ: النفسُ بالنفس، والثيبُ الزاني، والمفارق لدينه (1) التاركُ للجماعة): أي: إِلَّا بإحدى ثلاثِ (2) خصالٍ: قتلِ النفسِ، وزنا الثيبِ، ومفارقةِ المفارقِ لدينه، فحَذف المضافَ من كُلًّ، وأقامَ (3) المضافَ إليه، وكلُّها بالجرِّ على أنه بدلٌ من ثلاثٍ، ولا شكَّ في أن من اتصف بواحدة من هذه الخصال الثلاثِ، فهو مُباحُ الدم بالنصَّ، و"يشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأني رسول الله" في محل جر على أنها صفةٌ لمسلمٍ، من باب الصِّفَة الكاشفة المبينة (4) لحقيقته، وكذلك "التارك للجماعة" مبينٌ لقوله:"المفارِقُ لدينه"، والمراد بالجماعة: جماعةُ المسلمين، وإنّما تركهم بالخروج عن الدين ومفارقته، وهو سببٌ لإباحة دمه بالإجماع؛ إن (5) كان رجلًا.
وأما المرأة، فكذلك عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا تُقتل.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله: وقد يؤخذ من قوله: "التارك للجماعة"، بمعنى (6) المخالف لأهل الإجماع، فيكون متمسَّكاً لمن يقول: مخالفُ الإجماع كافرٌ، وقد نُسب ذلك إلى بعض النَّاس، وليس ذلك بالهَيَّنِ، وقد قدمنا الطريقَ في التكفير، فالمسائلُ الإجماعيةُ تارةً
(1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية:"والمارق من الدين"، وهي المعتمدة في النص.
(2)
"ثلاث" ليست في "ع" و"ج".
(3)
في "ج": "وأقيم".
(4)
في "ج": "البينة".
(5)
في "ع" و"ج": "وإن".
(6)
في "ع": "يعني".
يصحبها التواترُ بالنقل عن صاحب الشرع؛ كوجوب الصلاة - مثلاً -، وتارةً لا يصحبها التواتر (1).
فالقسم الأول: يكفرُ جاحدُه؛ لمخالفته (2) التواتر، لا لمخالفتِه الإجماعَ.
والقسم الثاني: لا يَكْفُر به. وقد وقع في هذا المكان مَنْ يدَّعي الحذق في المعقولات، ويميل إلى الفلسفة، فظنَّ أن المخالفَ في حدوثِ العالم من قَبيل مخالف الإجماع، وأخذ من قول مَنْ قال: إنه لا يكفُر مخالفُ الإجماع، أن لا يكفر هذا المخالف في هذه المسألة (3).
قال ابنُ دقيق العيد: وهو كلامٌ ساقط بالمرة، إما عن عَمًى في البصيرة، أو تَعامٍ؛ لأن حدوثَ العالَمِ من قَبيل ما اجتمعَ فيه الإجماعُ والتواترُ بالنقل عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، فيكفُرُ المخالفُ بسبب مخالفته النقلَ المتواترَ، لا بسبب مخالفةِ الإجماع.
قال: وقد استُدل بهذا الحديث على أن تاركَ الصلاة لا يُقتل بتركها؛ فإنَّ تركَ الصلاة ليس من هذه الأسباب؛ أعني: زنا المحصن، وقتلَ النفس، والردَّةَ، وقد حَصَرَ النبي صلى الله عليه وسلم إباحةَ الدم في هذه الثلاثة بالنفي العام والاستثناء.
وبذلك استدلَّ شيخُ والدي الإمامُ الحافظ أبو الحسن عليُّ بنُ المفضلِ المقدسيُّ لنفسِه في أبياته التي نظمَها في حكم تارك الصلاة. أنشدنا الفقيهُ المفتي أبو موسى هارونُ بنُ عبدِ الله المَهْرانيُّ قديماً، قال: أنشدنا الحافظُ
(1) في "ع": "لا يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب".
(2)
في "ع" و"ج": "لمخالفة".
(3)
في "ع" و"ج": "هذه المسائل".
أبو الحسن عليُّ بنُ المفضل المقدسيُّ لنفسه:
خَسِرَ الَّذِي تَرَكَ الصَّلَاةَ وَخَابَا
…
وَأَبَى مَعَاداً صَالِحاً وَمَآبَا
إِنْ كَانَ يَجْحَدُهَا فَحَسْبُكَ أَنَّهُ
…
أَمْسَى بِرَبِّكَ كَافِراً مُرْتَابَا
أَوْ كَانَ يَتْرُكُهَا لِنَوْعِ تَكَاسُلٍ
…
غَشَّى (1) عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ حِجَابَا
فَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَأَيَا لَهُ
…
إِنْ لَمْ يَتُبْ حَدَّ الحُسَامِ عِقَابَا
وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ يُتْرَكُ مَرَّةً
…
هَمَلًا وَيُحْبَسُ مَرَّةً إِيجَابَا
وَالظَّاهِرُ المَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِهِ
…
تَعْزِيرُهُ زَجْراً لَهُ وَعَذَابَا
إلى أن قال:
وَالرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ يُؤَدِّبَهُ الإِمَا
…
مُ بِكُلِّ تأْدِيبٍ يَرَاهُ صَوَابَا
وَيَكُفَّ عَنْهُ القَتْلَ طُولَ حَيَاتِهِ
…
حَتَّى يُلاقِي في المآبِ حِسَابَا
فَالأَصْلُ عِصْمَتُهُ إِلَى (2) أَنْ يَمْتَطِي
…
إِحْدَى الثَّلاثِ إِلَى الهَلَاكِ رِكَابَا
الْكُفْرُ أَوْ قَتْلُ المُكَافِي عَامِداً
…
أَوْ مُحْصَنٌ طَلَبَ الزِّنَا فَأَصَابَا
فهذا من المنسوبين إلى أتباع مالِكٍ، اختارَ خلافَ مذهبه.
وإمامُ الحرمين استشكلَ قتلَه من مذهب الشافعي.
وجاء بعضُ المتأخرين ممن أدركنا زمنَه، فأراد أن يُزيل الإشكال، فاستدلَّ بقوله عليه السلام: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ
(1)"غشى" ليست في "ع"، وفي "شرح العمدة":"غطى".
(2)
"إلى" ليست في "ع".
لا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وُيؤْتُوا الزَّكَاةَ" (1).
ووجهُ الدليل منه: أنه وقفَ العصمةَ على مجموعِ الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، والمرتَّبُ على أشياءَ لا يحصُل إِلَّا بحصولِ مجموعِها، وينتفي بانتفاءِ بعضها.
وهذا إن قُصد به الاستدلالُ بالمنطوق، وهو قوله عليه السلام: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى (2)
…
إلى آخره"؛ فإنه يقتضي بمنطوقه الأمرَ بالقتال إلى هذه الغاية، فقد وَهَلَ وسَها؛ فإنه لم يُفَرِّقْ (3) بينَ المقاتلةِ على الشيء، والقتلِ عليه؛ فإن المقاتلةَ مفاعَلَةٌ تقتضي الحصولَ من الجانبين، ولا يلزمُ من إباحة المقاتَلَة على الصلاة، إباحةُ القتل عليها من الممتنع عن فعلِها إذا لم يُقاتِلْ.
ولا إشكال في أن قوماً لو تركوا الصلاة، ونصبوا القتالَ عليها، أنهم يقاتَلون، إنما النظرُ والخلاف فيما إذا تركها إنسانٌ (4) من غير نَصْبِ قتال، هل يُقتل، أم لا؟ فتأملِ الفرقَ بينَ المقاتلةِ على الصلاة، والقتلِ عليها، وأنه لا يلزمُ من إباحة المقاتلة على الصلاة، إباحةُ القتل عليها؛ وإن كان أخذ هذا من لفظ آخرِ الحديث، وهو ترتيبُ العصمةِ على ذلك؛ فإنه بمفهومه يدلُّ على أما لا تترتب على فعل بعضِه، هانَ الخطبُ؛ لأنها دلالةُ مفهوم، والخلافُ فيها معروف، وبعضُ مَنْ نازعه في هذه المسألة لا يقول بدلالة
(1) رواه البخاري (25) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
في "ع" و"ج": "حتّى يشهدوا".
(3)
في "شرح العمدة": "فرقَّ".
(4)
في "شرح العمدة": "تركوا إنساناً".