الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب التعبير
(كتاب: التعبير): يقال: عَبَرْتُ الرُّؤْيا، أَعْبُرُها عِبَارةً - بكسر العين -، وعَبَّرْتُ الرُّؤْيا، أُعَبِّرُها تَعْبِيراً: إذا (1) فَسَّرْتها (2).
باب: رُؤْيَا الصَّالِحينَ وقولِهِ عز وجل {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: 27]
2915 -
(6983) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ".
(الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة): قال ابن العربي: اختلفت (3) الآثارُ في ذلك حتى بلغتْ إلى سبعين.
قيل: خمسةٍ وأربعينَ جزءاً، وستةٍ وأربعين، وخمسين (4)، وسبعين.
(1) في "ج": "إذ".
(2)
انظر: "الصحاح"(2/ 733)، (مادة: عبر). وانظر: "التوضيح"(32/ 119).
(3)
في "ج": "اختلف".
(4)
في "ج": "وخمسة".
قال علماؤنا في ذلك تأويلات:
منها: أن هذه الرؤيا المنقسمة على هذه الأجزاء إنها رؤيا النبوة، لا نفسُ النبوة، واختلافُ الأعداد فيها؛ لأنها جُعلت بشارات، فأُعطي من فضله جزءٌ من سبعين جزءاً في الابتداء، ثم زادَ من فضله حتى بلغت خمساً وأربعين.
وانتهى بعضهم إلى أن قال: إن مدة النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثاً وعشرين سنة، وإن ستةَ أشهرٍ منها كان يوحى إليه فيها في المنام.
وهذا يفتقر إلى نقل صحيح، ولو ثبت بالنقل ما أفاد شيئاً في غرضنا، ولا يصحُّ حملُ اللفظ عليه.
وأصح ما في ذلك تأويلُ الطبري - عالمِ القرآنِ والحديثِ -؛ فإن نسبة هذه الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف حال الرائي، فتكون رؤيا الصالح على ستةٍ وأربعين، والمحطوط من درجته على ما دونها، وهذا تأويلٌ جُملي، فأما تحقيقُ الأجزاء وكيفية القسمة، فلا يمكن ذلك أبداً. انتهى.
وقال بعضهم: السبب في تخصيصه هذا العددَ أن الوحي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على ستة وأربعين نوعاً، الرؤيا نوعٌ من ذلك.
وقد حاول الحليمي تعدادَ تلك الأنواع.
وقد قدحَ بعضُهم في التأويل المتقدم، وهو ادعاءُ أن زمنَ الوحي بالرؤيا كان ستةَ أشهر، وهي من ثلاث وعشرين نسبةُ جزءٍ من ستة وأربعين جزءاً؛ بأنه عليه السلام بعدَ النبوة رأى منامات كثيرة، فيجبُ أن يُلفق منها ما يُضاف إلى ستة الأشهر، فيتغيرُ الحساب، وتفسدُ النسبةُ.
قال الإمام المازري: ولا وجهَ (1) عندي لهذا الاعتراض؛ لأن الأشياء
(1) في "ج": "والأوجه".
توصف بما يغلب عليها، وتُنسب إلى الأكثر منها، فلما كانت الأشهرُ الستةُ مختصةً بالمنامات، والثلاث والعشرون (1) سنةً جُلُّها الوحيُ، وإنما فيها منامات شيءٌ يسيرٌ تُعد عَدّاً، وجب أن يُطرح الأقلُّ في حكم النسبة والحساب، وقد سلف: أن أَمَدَ الرؤيا لم يثبت أنه كان ستةَ أشهر، فهذا وجه الاعتراض.
قال المازري: ويحتمل عندي (2) أن يُراد بالحديث وجهٌ آخر، وهو: أن ثمرة المنامات الإخبارُ بالغيب، لا أكثرَ، وإن كان يتبع ذلك إنذارٌ أو تبشير، والإخبارُ بالغيب أحدُ ثمرات النبوة، وأحدُ فوائدها، وهو في جنب فوائدِ النبوة، والمقصودِ منها يسيرٌ؛ لأنه يصحُّ أن يُبعث نبيٌّ يُشرع الشرائع (3)، ويُبين الأحكام، ولا يُخبر بغيبٍ أبداً، ولا يكونُ ذلك قادحاً في نبوته، ولا مبطلاً للمقصود منها.
وهذا الجزء من النبوة؛ وهو الإخبارُ بالغيب، إذا وقع، لا (4) يكون إلا صدقاً، ولا يقع إلا حقاً، والرؤيا ربما دلَّت على شيء، ولا (5) يقعُ ما دلَّت عليه، إما لكونها من الشيطان، أو من حديث النفس، أو غلطِ العابر في تأويل العبارة، إلى غير ذلك من الضروب الكثيرة التي توجب عدمَ الثقة (6) بدلالة المنام، فقد صار الإخبارُ بالغيب أحدَ ثمرات النبوة، وهو غيرُ مقصود منها، ولكنه لا يقع إلا حقاً، وثمرة المنام: الإخبارُ بالغيب، ولكنه قد لا يقع
(1) في "ج": "والعشرين".
(2)
في "ج": "أن عندي".
(3)
في "ج": "من الشرائع".
(4)
في "م": "فلا".
(5)
في "ج": "دلت على ولا".
(6)
في "ج": "التقدير".