الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال دعبل: كنت عنده في بعض الأيام أنا وجماعة فأخذنا في الحديث وطال المجلس حتى أضر به الجوع فدعاه بغداه فأتى بصحيفة فيها مرق ولحم ديك قد هرم لا تجز فيه السكين ولا يؤثر فيه ضرس فأخذ قطعة من خبز فحسا بها جميع المرق وفقد رأس الديك فبقي مطرقاً ساعة ثم رفع رأسه إلى الغلام فقال له أين الرأس فقال رميت به قال ولم قال لم أظنك تأكله قال ولم ظننت ذلك والله إني لامقت من يرمي برجله فضلاً عن رأسه والرأس رئيس وفيه الحواس الخمسة ومنه يصيح الديك وفيه عيناه التي يضرب بها المثل فيقال شراب مثل عين الديك ودماغه عجب لوجع الركبة فإن كان بلغ من جهلك أن لا تأكله فعندنا من يأكله فانظر أين هو، فقال والله لا أدري أين رميت به، فقال لكن أنا أدري اين رميت به.. في بطنك.
وكان أيضاً لا يأكل اللحم حتى يجوع فإذا جاع أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله فقيل له لا نراك تأكل إلا الرءوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك فقال نعم الرأس أعرف سعره فلا يستطيع الغلام أن يخونني فيه وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه إن مس عيناً أو اخذ أذناً وقفت على ذلك وآكل منه ألواناً شتى، آكل عينيه لوناً ودماغه لوناً ولسانه لوناً فقد اجتمعت لي فيه مرافق.
نادرة: قال أبو حاتم الأصمعي قدمت بغداد فدخلت مسجداً يحضره جماعة فسألني بعضهم عن قوله تعالى: (يوجد آية) ما يقول للواحد قلت "ق" قال فالاثنين قلت "قيا" قال فللجماعة قلت "قوا" قال فاجمع الثلاثة قلت قِ قيا قوا وفي ناحية المسجد جماعة فمضوا إلى صاحب الشرطة فقالوا له إن هنا قوماً زنادقة يفسرون القرآن على صياح الديك فما شعرنا إلا بأعوان فأحضرونا بين يديه فأعلمته ما سئلت فعنفي وأمر بضرب أصحابي عشرة عشرة.
وما أحسن قول بعضهم فيه:
قد قلت شعراً مليحاً
…
فسره لي يا مليكي
أكلت ديكاً وديكاً
…
وليس لي غير ديك
وقال ابن المعتز فيه (مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، ووفاته سنة ست وتسعين ومائتين) :
بشر بالصبح طائر هيفاً
…
مسترقيا للجدار مشترفا
مذكراً بالصبوح صاح بنا
…
كخاطب فوق منبر وقفا
صفق أما ارتياحه لسنا الصب?
…
?ح وأما على الدجى أسفاً
ولله أبو علي بن رشيق (توفي سنة وستين وأربعمائة) حيث مزق عنه جلباب الممادح وتركه من شمل الذم في الزي الفاضح فإنه قال:
قام بلا عقل ولا دين
…
يخلط تصفيقاً بتأذين
منبه الأحباب من نومهم
…
ليخرجوا في غير ما حين
بصرخة تبعث موتي الكرى
…
قد أذكرت نفح سرافين
كأنها في خلفه عضة
…
أعضه الله بسكين
وقال الشيخ زين الدين بن الوردي من رسالة منطق الطير فصاح الديك هاأنا أناديك أنا قد أذنت فأقم الصلاة أنت هذا أوان صف الإقدام ووضع الحياة ومن أحسن قولاً ممن دعى إلى الله كم أوقظك وبانقضاء الأوقات أعظك فأشفق عليك بصياحي وأرفرف عليك بجناحي أقسم لك الوظائف بلا حساب وأعرف المواقيت بغير الاصطرلاب أنهاكم عن معصية الله بخروج الوقت فلا تعصوه والله بقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فمن أدعى حسن الصحبة، فليؤثر كإيثاري ولا يختص من رفاقه بحبه كم منحت أهل الدار أخائي ووليتهم ولائي وهم يذبحون أبنائي ويستحيون نسائي.
الباب الثالث عشر
في الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة
قال الشيخ شمس الدين خلكان في تاريخه رأيت خلقاً كثيراً يعتقدون أن الصولي هو واضع الشطرنج وهو غلط وإنما واضعه صصه بصادين مهملتين أحدهما مكسورة والثانية مشدودة مفتوحة وفي الآخر هاء ساكنة وأدزشير بن بابك أول ملوك الفرس الأخيرة هو الذي وضع النرد ولذلك قيل النردشير نسبوه إليه وازدشير لفظ عجمي تفسيره بالعربي دقيق وحليب فأزد دقيق وشير حليب وقيل دقيق وحلاوة وقيل هو بالزاي لا بالراء وضعه مثالاً للدنيا وأهلها فرتب الرقعة اثني عشر بيتاً بعدد شهور السنة والمهارك ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر والفصوص مثل الأفلاك ورميها مثل تقبلها ودورانها والنقط فيها بعدد الكواكب السيارة كل وجهين منها سبعة الشش ويقابله إليك والبنج ويقابله الجو والجهار ويقابله السا وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر والجهار تارة له وتارة عليه وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش لكنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتأتى وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه مع الوقوف عندما حكمت به الفصوص.
ولما تم وضعه واشتهرت افتخرت به الفرس وكان ملك الهند يومئذ بلهيث فوضع له صصه المذكور الشطرنج فقضت حكماء ذلك العصر بتفضيله على النرد ولما عرضه على الملك وأوضح له أمره سأله أن يتمنى عليه عدد تضعيف بيوته قمحاً فاستصغر الملك ذلك من همته وأنكر عليه ما قابله من النزر القليل في ذلك فقال له ما أريد غير ذلك فأمر له بذلك فلما حسب أرباب الديوان ذلك قالوا للملك ما عندنا ما يقارب القليل منه فأنكر ذلك فأوضحوا له بالبرهان فأعجبه الأمر الثاني أكثر من الأول.
قال القاضي شمس الدين بن خلكان ولقد كان في نفسي حزازة من هذه المبالغة حتى اجتمع بي بعض حساب الإسكندرية وذكر لي طريقاً يبين لي ما ذكروه وأحضر لي ورقة بصحبة ذلك وهو أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر فأثبت اثنين وثلاثين ألف وسبعمائة وثمانية وستين حبة وقال نجعل هذه الجملة مقدار قدح وقد عبرتها فكان الأمر كما ذكروه والعهد عليه في هذا النقل ثم ضتعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة ثم انتقل من الوبيات إلى الأردب ولم يزل يضعفها حتى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف أردب وأربعة وسبعين ألف أردب وسبعمائة اثنين وستين أردباً وثلثي أردب وقال في هذا المقدار شونة ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفا وأربعة وعشرين شونة ثم قال هذا المقدار مدنية ثم إنه ضاعف إلى البيت الرابع والستين وهو آخر الأبيات فكانت الجملة ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربعاً وثمانين مدينة وقال يعلم لأنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد انتهى.
قال أبو عبد الله محمد بن الأكفاني إذا جمع هذا هرماً واحداً مكعباً كان طوله ستين ميلاً وعرضه كذلك وارتفاعه كذلك بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع بالعمل الذي هو ثلاثة أشبار معتدلة على أن الأردب المصري مساحته ذراع مكعب وزنه مائتان وأربعون رطلاً وكل رطل مائة وأربعة وأربعون درهماً والدرهم أربعة وستون حبة من القمح.
قال عمر بن الخطاب (وقد ذكر عنده الشطرنج إني لأعجب من ذراع في ذراع يديرها الحكماء مذ وضعت لم يقفوا لها على غاية.
قيل سبب وضع الشطرنج أن ملوك الهند ما كانوا يروا القتال فإذا تنازعوا في كورة او مملكة تلاعبا بالشطرنج فيأخذها الغالب من غير قتال.
ذمها: ذكر الصولي في كتابه كتاب شعراء مصر أن خرسان الشاعر كان حاذقاً بلعب الشطرنج فعابها الحسين الجمل مكائده له فقال صاحبها أبداً مشغول بهموم يحلف بالله كاذباً يعتذر مبطلاً ويشتم نفسه ويسخط ربه وكل صناعة يجوز المكاثرة فيها غيرها فإن صاحبها يغلب في ساعة فيقضي دعواه وهو لعب الصائم إذا جاع والعامل إذا عزل والمخمور حتى يفيق وإنما يهزم خشب خشباً ثم عن الرجل يسأل عن غلامه فيقال له هو يلعب فيضربه ولايستحي أن يقول قم حتى نلعب وهو يلاعبه وأن تقول في الكناس ما أحذقه وفي الطنبور ما اضربه وإذا اعترف عن الشطرنج قلت ما ألعبه فما يقول في صناعة العبارة عن الكناس أحسن من العبارة عن صاحبها.
قال الجاحظ: سمعت النظام يقول في الشطرنج غنيان عجزاً عن الأدب فتلاعباً بالخشب.
دخل أبو العبيس على أبي تمام وهو يلعب بالشطرنج وكان وسخاً فقال ما أوسخ هذا الشطرنج فقال أبو تمام واللعب أوسخ.
نادرة: حكي أن بعضهم كان إذا لعب الشطرنج ضارب خصمه فوصف لبعض الظرفاء فقال أنا ألتزم اللعب معه وما يحصل بيننا ضراب فلما أتى به ولعبا قال له في أثناء اللعب شاه استر فقال مليح والله القرنان أنت والقواد أنت فقال يا أخي ما الذي قلت لك قال قلت استر وهي اشتر وما يشتر إلا الجمل والجمل تصحيفه حمل والجمل اسم نجم في السماء يقاربه الجدي والجدي كبش والكبش القرنان هو الذي يقود فقال يا أخي ما رأيت من يضارب بتصحيف وتفسير إلا أنت.
نادرة: سأل بعض الأكابر إنساناً فقال تعرف اللعب بالشطرنج فقال لا والله يا مولانا ولكن لي أخ اسمه عز الدولة وهو أخي لأمي أكبر مني بسنتين وأكبر بشيء يسير كان قد حصل بيني وبينه خصومة غاظته فسافر من مدة عشرة أعوام وسكن مدينة قوص وبلغني أنه فتح له دكان عطر وإلى الآن ماورد على المملوك منه كتاب وهو أيضاً ما يعرف بلعب الشطرنج.
ومشى البيدق مع شاب موسوم بالجمال فقال شمس الدين المنجمة الشاعر أراك يا بيدق تفرزن حول هذا النفس، فقال له وإذا كان ذلك فقال أخشى عليك من ذلك الرخ لايقطعك من الحاشية ويرميك عن الفرس ويقطع عليك الرقعة ولو كان في كفيك الفيل يشير بقوله ذلك الرخ إلى أحد الأعيان كان يحب الشاب المذكور.
نادرة: بعض الأجناد كان كثيراً يلعب الشطرنج مع مخدومه وكان الجندي خليعاً فأعطاه الأمير فرساً وقال له لا تفرط فيها قال نعم وبعد ذلك ألفاه راجلاً وهو لابس جوخة قال ويلك أين الفرس فقال ياسيدي ضربني الشتاشاه مات سترت بالفرس.
وما أحسن قول القاضي الفاضل يصف حصار قلعة وجثا المنجنيق يحاكمها ولسان حبلة يخماصمها والخادم تحت المنجنيق الإسلامي يعرض وجهه للمنجنيق الفرنجي ونقل قطع الستائر نقل قطع الشطرنج جنب التراس بيادق والجنابي رخاخ وجنب القلاع صيد والمنجنيقات فخاخ.
وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة وظرف:
أشكوا السقام وتشكو مثله أمرأتي
…
فنحن في الفرش والأعضاء نرتج
نفسان والعظم في نطع يجمعنا
…
كأنما نحن في التمثيل شطرنج
وله ملغزاً فيه:
وما صامت يمضي ويرجع حائراً
…
ويقضي على أوصاله الوصل والصد
كأن الأسى آلى عليه إليه
…
فما فيه إلا النفس والعظم والجلد
وأحرفه خمس على أن شطره
…
ثلاث أخماس الحروف التي تبدو
وله فيمن يلعب غائباً:
ولاعب يعرب شطرنجه
…
عن ذهنه المتقد الصائب
يغيب لكن ذهنه حاكم
…
يا حبذا من حاكم غائب
وله:
لله في الشطرنج فكرة لاعب
…
إن غاب أو حضر اجتنيت حدايقه
شكرته نفس اللعب أو نفس النهي
…
هاتيك صامته وهذي ناطقه
وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب:
تأمل تر الشطرنج كالدهر دولة
…
نهاراً وليلاً ثم بؤساً وأنعما
محركها باق ويفنى جميعها
…
وبعد الفنا تحيى وتبعث أعظما
قلت: وهذا يشبه قول القاضي الفاضل وقد أخرج له السلطان الملك الناصر صلاح الدين من القصر من يعاني خيال الظل ليفرجه فقام الفاضل فقال له صلاح الدين عن كان حراماً فما نحضره وكان حديث عهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة فما أثر أنه يتكدر عليه فقعد إلى آخره فلما انقضى ذلك قال له السلطان كيف رأيت ذلك فقال موعظة عظيمة رأيت دولاً تمضي ما كأنها ودولاً تأتي ولما طوى الأزار طي السجل الكتاب إذا بالمحرك واحد فأخرج هذا الجد في هذا الهزل.
وللشيخ بدر الدين أيضاً مضمناً:
أميل لشطرنج أهل النهي
…
وأسلوه من ناقل الباطل
وكم هذبت طبع لعابها
…
وتأبى الطباع على الناقل
وقال:
لعبت بالشطرنج في غاية
…
تقصر الأوصاف عن حدها
إن صاح في الأقران لي بيدق
…
تموت منه الشاة في جلدها
وقال أيضاً وكان يلعبها غائباً وله يد طولى فيها:
لي في الشطرنج نقل
…
أتقن الأدمان حفظه
ألعب الغائب منها
…
فأراه طيف يقطه
وكتب إلى شيخنا العلامة عز الدين الموصلي من حماة المحروسة كتاباً وفيه من المتجددات قوله مضمناً:
جاهل شطرنج يناجي وقد
…
أمات نفس اللعب من عكسه
ما تفعل الأعداء في أحمق
…
ما يفعل الجاهل في نفسه
وقال جممال الدين بن نباتة: