المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

قال مؤلف الكتاب رحمه الله تعالى ضمنا مجلس أنس بزريبة قيصون بمنظل المرحوم فخر الدين بن مكانس وكان فيه إذا ذاك جماعة من أعيان متأدبي الديار المصرية فأطلقنا عنان المذاكرة وتجار ينافى ميدان المحاضرة إلى أن استطردنا إلى ذكر الخيول وما قيل فيها من منظوم أزهى من المنثور المطلول، فقال المرحوم فخر الدين سدوا عنا المقاطيع واطربونا بالمواصيل إشارة إلى ذكر ما قيل فيها من الرسائل التي أزرت بزهر الخمائل فذكر بعض الحاضرين رسالة القاضي محي الدين عبد الظاهر التي أولها وسير من الخيول الرهاوين كلما هو على الحسن مشتمل وذكر المرحوم فخر الدين رسالة الشيخ شهاب الدين محمود التي أولها وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها وذكر المملوك رسالة الشيخ جمال الدين بن نباتة التي أولها، اما لخيل المسيرة وذكر الشيخ بدر الدين البشتكي رسالة العلامة لسان الدين بن الخطيب التي أولها....

وذكر القاضي مجد الدين بن مكانس حسب سؤال الجماعة رسالته التي أولها البلاغة جعل الله أكف مولانا ككرائم الخيل ظهورها عزا وبطونها كنزاً فما من الجماعة إلا من استحسنها وبالغ في شكرها، فقال المرحوم فخر الدين ينبغي أن تجمع هذه المقاطيع والرسائل في كراريس ويسميها مجرى السوابق. انتهى.

‌الباب الثالث والأربعون

في مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

ولبعضهم في الفهد:

وأهرت الشدق في فيه وفي يده

ما في الصوارم والعسالة الذبل

تنافس الليل فيه والنهار معاً

فقصماه بجلباب من المقل

والشمس مذ لقبوها بالغزالة لم

تطلع على وجهه إلا على وجل

ابن المعتز فيه: وعابس الوجه لا لقادحة

تحسبه من قبائل الترك

تخال أثوابه مصندلة

نقطها الغانيات بالمسك

الارجاني فيه:

وأهرت أدم بدت كأسمها

به الدهر أدم لنا يؤتدم

من النمر خيط على جسمه

أديم تعين لا عن حلم

به علقت شرر لو حت

هـ من نار خد له يضطرم

ففي كل عضو له أعين

تراصد إن هو بالصيد هم

تراه رديفاً وراء الغلام

وبالشمس الوجه منه التأم

شبيه سبية جيش غدت

تذيق الكرى مقلة لم تنم

جرى الدمع بالكحل من عينها

فنمنم جلبابها إذ سجم

وقد كاد يخرج من جلده

وراء الطريدة لما اقتحم

فقد شمر الجلد خوفاً علي

هـ أول ما الخلق منه استتم

ابن الأثير الجزري في الفهود: فخرجنا والشمس قد نقص مشرقها عن مغربها وأمنت حمة حرها وإن صارت إلى برج عقربها بكل فهد قد حيك أهابه من ضدين بياض وسواد وصور على أشكال العيون فتطلعت إلى انتزاع الأرواح من لأجساد يبلغ الأمد الأقصى في أدنى وثباته ويسبق الفريسة ولا يقصها إلى عن التفاتة.

القول في طبائعه: زعم أرسطو أنه متولد بين أسد ونمرة أو بين لبوة ونمر في طبعه مشابهة لطبع الكلب في أدواته وذواته والنوم الذي يعتريه ويقال إن الفهدة إذا حملت وثقل حملها حتى عليها كل ذكر يراها من الفهود ويواسيها من صيده فإذا أرادت الولادة هربت إلى موضع أعدته حتى إذا علمت أولادها الصيد تركتها وبهذا الحيوان يضرب المثل في شدة النوم فيقال أنوم من فهد.

قال الشاعر وقد عيره بكثرة النوم:

رقدت مقلتي وقلبي يقظا

ن يحس الأمور حساً شديداً

يحمد النوم في الجواد كمالاً

يمنع الفهد نومه أن يصيدا

ص: 254

وليس شيء في جرم الفهد من الحيوان إلا والفهد أثقل منه وأحطم لظهر الدابة والإناث أصعب أخلاقاً وأكثر جراءة وأقداماً وفي أخلاقه الحياء وذلك أن الرجل يمر بيده على سائر جسده فيسكن لذلك حتى تصيب يده مكان القنر فيقلق حينئذ ويغضب ومن خلقه الغضب وذلك أنه إذا وثب على طريدة لا يتنفس حتى ينالها فيحمى لذلك وتمتلىء رئته من الهوى الذي حبسه وسبيله أن يراح ريثما يخرج النفس وتبرد تلك الغلة ويشق عن قلب الطريدة ويشمم إياه ثم يطعمه منه ويسقى ري ماء إن كان الزمان قيظاً ودون الري إن كان الزمان برداً ولإن لم يروح لم يفلح بعد ذلك وإذا أخطأ صيده رجع مغضباً وربما قتل سائسه، ومن أخلاقه أنه يأنس لمن يحسن إليه ويقال أنه لص من لصوص السباع وهو وإن كان وحشياً فإنه يقبل الأدب إلا أن كبارها أقبل وإن تقادمي في التوحش وإنائها أصيد من ذكورها ومن طبعه أنه يحب الصوت الحسن ويصغي إليه وربما كان سبباً لصيده، ومما ركب فيه أن ما عجز عن التكسب منها الهرم يجتمع على فهد يصيد لها في كل يوم شيعها وقال أرسطو: السباع تستنشق رائحة الفهد وتستدل بها على مكانه تعجب بلحمه أشد التعجب فهو يتغيب عنها لذلك وربما قرب بعضها من بعض فيطمع في نفسه فإذا أحس السبع منع ذلك وثب عليه فأكله وهو ألطف شما لأراييح السباع القوية من شمك السباع لرائحته الشهية ولا يكاد يكون على علاوة الريح أبداً وهو يستخفي في الشجرة فإذا مر به اتل ففاجأه وثب عليه وأنشب مخالبه في أكتافه ومص دمه حتى يضعف الإبل ويسقط فتجتمع عليه الفهود فتأكله لفإن أجتاز به أسد نهض وترك الفريسة له تقرباً إليه والفهد يعتريه داء يسمى خناقة الفهود وقد ألهم أنه إذا أعتراه ذلك يأكل العذرة فيبرأ وينبغي إذا صيد أن يغطي رأسه ويدخل في جوالق ويجعل في بيت قد وضع فيه سراج ويلازمه سائسه ليلاً ونهاراً ولا يدخل عليه غيره فإذا آنس أركبه ظهر دابة ويطعمه على يده وأول من صاد به كليب بن وائل ويقال همام بن وبرة وكان صاحب لهو وطرب وأول من حملها على الخيل يزيد بن معاولة وأكثر من اشتهر باللعب بها أبو مسلم الخراسانى وأولى من استسن الحلقة في الصيد وأولع بها كثيرا المعتضد والمواضع التي يوجد فيها هذا الحيوان هما يلي بلاد الحجاز إلى اليمن وها يليها إلى بلاد العراق ومما يلي بلاد الهند إلى تبت والله تعالى أعلم.

ص: 255

القول في طبائع الكلب: قال المتكلون في طباع الحيوان الكلب لا سبع تام ولا بهيمة تامة حتى كأنه من الخلق المركب لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف الناس واستوحش من البراري وجانب القفار ولو تم له معنى البهيمة في الطبع ما كل لحم الحيوان وكلب على الناس وإنما جعلناه تبعا للفهد وهذه حالته لمشاركته له في حرفة الصيد واعتناء الناس بتربيته وتعليمه كما اعتنوا بالفهد في ذلك وهو نوعان أهلي وسلوقي ومما يختصر به الكلب السلوقي من الطباع وسبب نتاج السلوقي كما حكاه أهل الكلام في الكلبزة أن الكلاب تسفد الذئاب في أرض سلوقة من أرض اليمن فيتولد بينهما السلوقي وقال آخرون الثعالب والكلب السلوقي له نفس مولعة بتناول ما يرسل عليه ويطلبه بالإحضار خلفه حتى يدركه فيأخذه لهم لأن حرصه على الصيد وغضبه ليس هن أجل نفسه كما يغضب الفهد لأن الجوارح تعمل لأنفسها إلا الكلاب فإنها تكتسب لأصحابها وهى إذا كثرت عليها الآثار واختلطت تتنكب لذلك وتذهب في كل جهة حتى تستثبت الأثر وتتحقق جهته وذلك من حرصها على مطاوعة ربها واستعدادها لنكاية أعدائه ومسارعتها لتحصيل غرضه الذي أرسلها بسببه ومن أعجب الأحوال فيه أنه إذا عاين الظباء قريبة منه كانت أو بعيدة عرف المقبل منها والمدبر وعرف العنز من التيس، وإذا أبصر القطيع لم يقصد غير التيس لعلمه أنه إذا عدا شوطين لم يستطع البول مع شدة الحصر ورفع القوائم فينقص مدى خطاه ويعتريه الهير فيلحقه الكلب والعنز إذا اعتراها البول في العدو ولم تمسكه وقذفت به لسعة السبيل فلأجل ذلك لا يطلبها ومن عجيب أمره أنه يعرف الميت من المتماوت حتى يقال أن الروم لا تدفن ميتاً حتى يعرضونه على الكلاب فتظهر هن شمه إياه علامة يستدلون بها على حياته أو موته ويقال إن هذا الحذق لم يوجد إلا في كلب يسمعى القلطي وهو صغير الجرم قصير القوائم جدا ويسمى الصيني وهو مع هذا لا يبلغ رتبة الذئب في الشم والاسترواح وإناث. الكلاب السلوقية أسرع تعلما من الذكور والفهد بالعكس، وهذا النوع يعيش عشرين سنة على ما زعم أرسطو وربما لم يبلغ الإناث هذا العمر.

دلائل النجابة والفراهة في الكلاب السلوقية: أما في الخلقة فطول ما بين الرجلين واليدين وقصر الظهر وصغر الرأس وطول العنق وغضف الأذنين وبعد ما بينهما وسعة العينين وبعد ما بينهما وزرقة العين ونتوء الجبهة وعرضها وقصر اليدين، وأما الألوان فيقال السود أقل صبرا على الحر والبرد والبيض أفره إذا كن سود العيون وقد قال قوم إن السود أصبر على البرد وأقوى وكذلك السود من الحيوان.

الفراهة في الجرو: إذا ولدت الكلبة واحداً كان افره من أبويه وان ولدت. ذكرا وأنثى كان الذكر أفره وان ولدت ثلاثة فيها أنثى في شبه الأم كانت أفره من أبويه الثلاثة وإن كان في الثلاثة ذكر واحد فهو أفرهها قال ابن خفاجة:

ومورس السربال يخلح قده

عن نجم رجم في سماء غبار

يستن في سطر الطريق وقد عفا

قد ما فيقرأ أحرف الآثار

عطف الضمور سربه فكأنه

والنقع يحجبه هلال سرار

يفتر عن مثل النصاب وإنما

يمشى على مثل القنا الخطار

الارجانى:

وعصف يسابق عصف الريا

ح فيسبقه خصرها إن تسم

رياح مجشمة للعيو

ن مقلدة في طلاها رمم

لهن من البيض مصقولة

تسل وتغمد من كل فم

فمن أبيض مثل لون الدمق

س ومن أصفر أملس كالزلم

وآخر ذي لمع في السوا

د حكى لونها نفخة في فحم

يقرط مخلبه أذنه

ويسبق ناظره حيث أم

القول في العقاب: وهذا الصنف يؤنث ولا يذكر ويسمى العنقاء على ما ذهب إليه أهل اللغة وبهذا القول فسر قول أبى العلاء المعرى:

أرى العنقاء تكثر أن تصادا

فعاند من تطيق له عنادا

ص: 256

ولا خلاف عند أهل اللغة في ذلك وهو ينقسم إلى صنفين عقاب ورمح فأما العقاب فمنها في اللون السود والخوخية والصقع والبيض والشقر ومنها ما يأوي الجبال ومنها ما يأوي الصحارى ومنها ما يأوي البياض ومنها ما يأوي حول المدن ويقال أن ذكورها من طير آخر لطيف لجرم لا يساوي شيئا والعقاب يبيض في الغالب ثلاث بيضات ويحضنها ثلاثين يوما وما عداها من الجوارح يبيض بيضتين في كلى سنة ويحضن عشرين يوما وفى طبع الذكر انه يمتحن أنثاه هل هي محافظة له أو موافية لغيره من جنسه بأن يصوب بصر فرخيه إلى شعاع الشمس فإن ثبت عليه تحقق أنهما فرخا وإن لم يصبر عليه ونبأ عنه ضرب الأنثى كما يضرب الرجل المرأة الزانية وطردها من وكره ورمى بالفرخين وهى تربي فراخها إلى أن تقوى على الطيران فتخرجها وتنفيها عن جميع مواضعها ومن حقوقها لفراخها أنها لا تحمل على نفسها في الكسب عليها ومتى كان الذكر والأنثى في مكانين مجتمعين لا يدعان غيرهما من جنسهما يأوي قريباً منه ولا يصيد فيه وهى إذا صادت شيئا لا تحمله على الفور إلى مكانها بل تنقله من موضع إلى موضع ولا تجلس إلا على الأماكن المرتفعة لأنها لا تستقل من الأرض إلا ببطء وعسر وإذا صادت الأرنب تبدأ بصيد الصغار ثم تصيد الكبار وهى أشد جراءة من سائر الجوارح وأقواها حركة إلى الغضب وأسرعها إقداماً وأيبسها مزاجاً ولذلك هي أحدها وهى خفيفة الجناح سريعة الطيران فهي إن شاءت كانت فوق كل شيء وان شاءت كانت بقرب كل شيء تتغذى بالعراق وتتعشى باليمن وريشها الذي عليها فروتها في الثستاء وحيسها في الصيف وربما صادت حمر الوحش وذلك أنها إذا نظرت الحمار رمت نفسها في الماء حتى تبتل جناحاها ثم تتمرغ في التراب ثم تطير حتى تقع على هامة الحمار ثم تصفق على عينيه بأجنحتها فتملأهما ترابا فلا يبصر حيث يذهب فيؤخذ وهى مولعة بصيد الحيات ولوعها بها كولوع الحيات بالفأر وفى طبعها قبل أن تدرب أن لا تراوغ صيداً ولا تعني في طلبه ولا تزال موفية على شرف عال فإذا رأت سباع الطير قد صادت شيئا انقضت عليه فيتركه له وينجو بنفسه ومتى جاعت لم يمتنع عليها الذئب وهى شديدة الخوف من الإنسان تنظر إليه بقرب منها ويقال إنها إذا شاخت وهرمت وثقل جناحها وأظلم بصرها التمست غديرا فإذا وجدته حلقت طائرة في الهواء ثم تقع في ذلك الغدير وتنغمس فيه مراراً فيصح جسمها ويقوى بصرها ويعود ريشها ناشئ إلى حالته الأولى ومتى ثقلت عن النهوض وعميت حملتها الفراخ غلى ظهورها ونقلتها من مكان إلى مكان لطلب الصيد وتعولها إلى أن تموت ومن عجيب ما أُلهمته أنها إذا اشتكت كبدها هن رفع الأرانب والثعالب في الهواء أكلت أكبادها فتبرأ وهى كل الحيات إلا رءوسها والطير إلا قلوبها ويدل على هذا قول امرئ القيس:

كأن قلوب الطير رطبا يابسا

لدى وكرها العناب والحشف البالي

ومنقارها الأعلى يعظم ويتعقف حتى يكون سبب هلاكها لأنها لا تنال به الطعم حينئذ وأول من صاد بها أهل المغرب وإنما رغبتهم فيما رأوا من شدة شرهها وعظم سلاحها وصفة المحمود منها وثاقة الخلق وثبوت الأركان وحمرة اللون وغئور الحماليق وان تكون صقعا عجزا وهى التي تكون على علوتها بياض وأجودها ما جلب من سرب وجبال المغرب.

ابن نباتة:

أتيت إليها وهو كالفرخ راقد

فيا خجلي لما دنوت وإقلالي

فقلت امرسيه بالأصابع فالتقى

لدى وكرها العناب والحشف البالي

ص: 257

القول فى طبائع البازي: وتنقسم إلى خمسة أصناف البازي والزرق والباشق والعفصي والبيدق والبازي أحرها مزاجا لأنه قليل الصبر على العطش ومأواه مساقط الشجر العادية الملتفة والظل الظليل ومطرد المياه وهو لا يتخذ وكراً إلا في شجرة لها شوك مختلفة الحجون يطلب بذلك الكن ولا يقع في شتاء ولا صيف على أغصانها ولا أطرافها وإذا أراد أن يفرخ بنى لنفسه بيتا وسقفه تسقيفا لا يصلى إليه منه مطر ولا ثلج إشفاقاً على نفسه من البرد والحر ولهذا إذا أخطأ صائده وكان في برية لا شجر فيها طار فيها حتى يلج كهفا من جبل أو جدار من الأرض ليسكن فيه ولذلك علق عليه الجوسكيما يدل على موضعه إن خفي وهو لا يطيق البرد ولا الحر لرقة جوانحه فسبيله في البرد أن تقرب منه النار ليدفأ ولجعل تحت كفيه في الشتاء وبر الثعلب واللبود وسبيله في الحر أن يجعل في كن كنين من السموم بارد النسيم ولفرش له الريحان والخلاف، وهو خفيف الجناح سريع الطيران يلف طيرانه كالتفاف الفاختة ويسهل عليه أن يزج نفسه صاعداً وهابطاً وينقلب على ظهره حتى يلتقم فريسته وسبيله أن يضرأ على صيد الدراج والنبح إن كان طويل المنسر وإذا كان قصير المنسر فسبيله أن يضرأ على طير الماء والحبرج والإناث من هذا الصنف أجرأ على عظام الصيد من ذكورها، قال أصحاب البيزرة في الكلام على الإناث من البزاة إذا كان وقت سفادها وهياجها يغشاها جميع أجناس الحيوان الضواري كلها الزرق والشاهين والصقر وإنما تبيض من كل طير يغشاها ولهذا تجيء مختلفة الأخلاق من الحسن والجراءة والخبث والغدر والذكاء والقوة والضعف والحسن والقبح والشراهة ولهذا البازي لا يترك ما بين العصفور إلى الدراج والكراكي وصفة الفاخر منه أن يكون قليل الريش أحمر العينين حادهما وأن يكونا مقبلتين على منسره وجؤجؤهما مطلان عليهما لا يكون وضعهما في جنبي رأسه كوضع عين الحمام والأوراق دون الأحمر العين والأصفر دونهما وسعة الأشداق دليل على قوة الافتراس.

ومن صفاته المحمودة أن يكون طويلا عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين شديد الانخراط إلى ذنبه وإن تكون فخذاه طويلتين مسرولين بريش وذراعاه قصيرتين غليظتين وأشاجع كفيه عارية وأصابعه متفرقة لا تكون مجتمعة ككف الغراب ومخلبه اسود ومنسره اسود رقيقا وأفخر الألوان البيض ثم الشهب وهما لونان يدلان على الفراهه والكرم وأما الأسود الظهر المنقش الصدر بالسواد والبياض فهو يدل على الشدة والصلابة فإن اتفق أن يكون أحمر العينين وكثيرا ما يتفق كالنهاية وهذا اللون في البزاة كالكميت من الخيل لأنه يدل على الشدة والأحمر من هذا الصنف أحسن. البزاة لأنه فيها كالسوسي من الخيل بعيد من الصلاح، وأول هن صاد بهذا الجارح لزرتق أحد ملوك الروم الأول وذلك أنه رأى بازيا إذا علا كنف وإذا أسفل أخفق وإذا أراد يسمو ذرق فاتبعه حتى أقتحم شجرة ملتفة كثرة الدغل فأعجبته صورته فقال هذا طائر له سلاح تتزين بمثله الملوك فأمر بجمع عدة هن البزاة فجمعت وحصلت في مجلسه فعرض لبعضها إثم فوثب عليه فقتله فقال ملك يغضب كما تغضب الملوك ثم أمر به فنصب على كندرة بين يديه وكان هناك ثعلب فمر به مجتازا فوثب عليه فما أفلت منه إلا جريحا فقال هذا جبار يمنع حماه ثم أمر به فضرى على الصيد واتخذته الملوك بعد ذلك.

ابن الإيثر في البزاة: وأطلقت لك البزاة بعد أن ذكر اسم الله على إطلاقها وتعلقت بما فوقها من الطيور حتى كأنما هي أطواق في أعناقها.

ص: 258

ومن رسالة لأبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة يصف بازياً طائرا يستدل بظاهر صفاته على كرم ذاته طورا ينظر نظر الخيلاء في عطفه كأنما يزهى به جبار وتارة يرمى نحو السماء بطرفه كأنما له هناك اعتبار وأخلق به أن ينقض على قنبصة شهابا ويلوي ذهاباً ويحرقه مواقد والتهابا حميد العين والأثر حديد السمع والبصر يكاد يحس ما يجرى ببال ويسري في خيال قد جمع بين عزة مليك وطاعة مملوك فهو بما يشتمل عليه من علو الهمة ويرجع إليه بمقتضى الخدمة مؤهل لإبراز ها تقتضيه شمائله وإيجاب ما تعديه مخائله وخليق بمحكم تأديبه وجودة تركيبه أن لو مثل له النجم قنصا أو جرى للبرق فصصا لاختطفه أسرع من لحظه وأطوع من لفظه وانتشبه أمضى هن سهم وأجرى من وهم وقد أقسم بشرف جوهره وكرم عنصره لا بوجه مسفرا إلا وعاد قنيصه معفراً وآب إلى يد من أرسله مظفرا مورد المخلب والمنقار كأنما اختضب، نحبا أو كرع في عقار.

وصفاته المحمودة: أن يكون صغيراً في المنظر ثقيلا في الميزان طويل الساقين قصير الفخذين عظيم السلاح بالنسبة إلى جسمه.

القول على الصقر: وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب لأنه أصبر على الشدة وأحمل لغليظ الغداء وأحسن إلفا وأشد إقداماً على جملة الطير من الكراكي والجوارح ومزاجه أبرد من سائر ما تقدم وأرطب وذلك معروف من ركوده وقلة حركته وعدم التفات ريشه وبهذا السبب يضرأ على الغزال والأرنب ولا يضرأ على الطير لأنها تفوته وفعله في صيده الانقضاض والصرم وهو غير صاف بجناحه ولا خافق به ومتى خفق بجناحه كانت حركته بطيئة بخلاف البازى وتقول أصحاب البيزرة أنه أهدى نفسا من البازي وأسرع أنسا بالناس وأكثرها رضا وقناعة وهو يغتدي بلحوم ذوات الأربع ولبرد مزاجه لا يقرب المياه ويعافها ولو لم يجدها الدهر ما أرادها ولأجل ذلك يوصف بالبخر ونتن الفم، وفى طبعه أنه لا يركب الشجر ولا شوامخ الجبال ولا يأوي إلا المقابر والكهوف وصدوع الجبال وفيه جبن ونفسه دون سدته ولذلك يضرب الغزال والأرنب ولهرب منه ولا يكاد يعلق بفريسة فإذا فارقها عاد إليها منقضاً فيضر بها ويرقى هارباً وكلما تقدم ذكره ينقى بالماء ويغتسل وهو ينقى بالتمعك في الرمل.

وصفاته المحمودة أن يكون أحمر اللون عظيم الهامة واسع العينين تام المنسر طويل العنق والجناحين رحب الصدر ممتلىء الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين والذنب قريب الفقرة سبط الكف غليظ الأصابع فيروزجيها أسود اللسان، وأول من صاد به وضراه الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة فإنه وقف يوماً على صياد قد نصب للعصافير شبكة فانقض صقر على عصفور قد علق فجعل يأكله والحارث يعجب فأمر فأتى وقد اندق جناحاه فرمى به في كسر بيت ووكل به من يطعمه قدرته حتى صار إذا أتى إليه باللحم ودعاه أجاب ثم صار يطعمه على اليد ثم صار يحمله لانسه به فبينما هو يوما يحمله إذ رأى حمامة فطار عن يده إليها فأخذها واكلها، فأمر الحارث باتخاذها والتصيد بها فبينما هو يوما يسير إذ لاحت له أرنب فطار الصقر إليها وأخذها. فلما رآه يعاقب بين الطيور وبين الأرانب ازداد الحرث فيه محبة واغتباطاً واتخذته العرب بعده.

وقال كشاجم فيه:

عدونا وطرف النجم وسنان غائر

وقد نزل الاصباح والليل سائر

بأجدل من حمر الصقور مؤدب

وأكرم ما قربت منه الاحامر

جرى على قتل الظباء وإننى

ليعجبني أن يكسر الوحش طائر

قصير الذبانى والقدامى كأنها

قوادم نسر أو سيوف بواتر

ونقش منه جؤجؤ فكأنه

أعارته أعجام الحروف الدفاتر

فما زلت بالاضمار حتى صبغته

وليس يحوز السبق إلا ضوامر

وتحمله منا أكف كريمة

كما زهيت بالخاطبين المنابر

وعن لنا هن جانب السفح ربرب

على سنن تسستن منه الجآذر

فحلى وحلت عقدة السير فانتحى

لأولها إذ أمكنته الأواخر

يحث جناحيه على حر وجهه

كما فصلت فوق الخدود المعاجر

وما تم رجع الطرف حتى رأيتها

مصرعة تهوى إليها الحناجر

ص: 259

القول على الشاهين: تقول أصحاب البيزرة: الشاهين من جنس الصقر إلا أنه أبرد منه وأيبس ولأجل ذلك تكون حركته من العلو إلى السفل شديدة وليس يحلق في طلب الصيد على خط مستقيم وإنما يحوا لثقل جناحه حتى إذا سامت فريسته انقض على فريسته هاوياً من علو إلى سفل فضربها وطار بها يطلب الصعود وإن سقطت دلى الأرض أخذها وإن لم تسقط عاد وضربها لتسقط وذلك دليل على جبنه وفتور نفسه وبرد مزاج قلبه وعلى كلى حال فالشاهين أسرعها وأخفها وأشدها ضراوة على الصيد إلا أنهم عابوه بالاباق وربما يعتريه من الحرص حتى أنه ربما ضرب بنفسه الأرض فمات، ويقولون إن عظامه أصلب من عظام سائر الجوارح ولذلك هو يضرب بصدره ويعلق بكفه وقال بعض حذاق هذا الفن الشاهين كاسمه يعنى الميزان لأنه يحمل أدنى حال من الشبع ولا أيسر حال من الجوع. والمحمود من صفاته: أن يكون عظيم الهامة واسع العينين حادهما تام المنسر طويل العنق رحب الصدر متملئ الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين قريب الفقرة من الظهر قليل الريش تام الخوافي رقيق الذنب إذا صلبت عليه جناحاه لم يفضل عنهما شيء منه فإن كان كذلك فهو يقتل الكراكي ولا يفوته صيد كبير وزعم أهل الإسكندر أن السود منها هي المحمودة وأن السواد أصل لونها وإنما قلبته التربة فحال ويكون فيها الملمع، ويقال إن أول من صاد بها قسطنطين ملك عمودية حكى أنه خرج يوماً يتصيد بالبزاة حتى انتهى إلى خليج القسطنطينية وهو المسمى بحر ينطش فعبر إلى مرج بين الخليج والبحر فنظر إلى شاهين ينكفىء على طير الماء فأعجبه ما رأى من سرعته وضراوته والحاحه على الصيد فأمر له أن ينصب له حتى صيد فأخذه وضرأه ثم ريضت له بعد ذلك الشواهين وعلمت أن تحوم على رأسه إذا ركب فتظله من الشمس فكانت تنحدر مرة وترتفع أخرى فإذا نزل وقفت حوله: الوصف والتشبيه قال صلاح الدين الصفدي ملغزاً في بجع:

ما طائر في قلبه

يلوح للناس عجب

منقاره كبطنه

والرأس منه في الذئب

محي الدين بن عبد الظاهر:

بي من أمير شكار

هو يذيب الجوارنح

لما حكى الظبي حسناً

حنت إليه الجوارح

نقلت من كتاب المصائد والمطارد لأبي الفتح كشاجم قيل لمن كان مجمناً للصيد من حكماء الملوك إنك قد أدمنت هذا وهو من خير الملاهي وفيه مشغلة عن مهم الأمور ومراعاة الملك فقال إن للملك في مداومة الصيد حظوظاً كثيرة أقلها تنبئه في أصحاره مواقع العمارة من بلاده في النقصان والزيادة فإن رأى من ذلك ما يسره بعثه الاغتباط به على الزيادة فيه وإن رأى أمراً ينكره جرد عنايته له ووفرها على تلافيه فلم يستتر عنه حال حال ورأس الملك العمارة ولم يخرج ملك الصيد فيرجع بغير فائدة أما حداثة خيله فيمرنها ويكف من غرب جماحها، وأما شهوته فينشيها، وأما فضول بدنه فيذيبها، وأما مراودة ومفاضلة فيسلسها، وأما أن يكون قد طويت عنه حال مظلوم فيتمكن من لقائه ويرجع إليه ظلامته فيسلم من مأثمه وإما أن ينكفىء بصيد يتفائل بالظفر به إلا خلال كثيرة لا يجهل ما فيها من الربح ومنه من فضل العلم بالصيد والعادة ما حكاه لي أبي إسحاق إبراهيم بن السدي عن الملك بن صالح الهاشمي عن خالد بن برمك أنه كان نظر وهو مع صالح صاحب المعلى وغيره من رجال الدعوة وهو على سطح قربه نازل مع قحطبة حين قفلوا من خراسان وبينهم وبين عدوهم مسيرة ليال وأيام إلى أقاطيع ظباء مقبلة من البر حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة ناد في الناس بالاسراج والالجام وخذ الأهبة فتشوف قحطبة فلم ير شيئاً يروعه، فقال لخالد ما هذا الرأي فقال أما ترى هذه الوحوش قد أقبلت إن وراءها لجمعا يكشفها فما تمالك الناس أن تأهبوا حتى رأوا طليعة ولولا علم خالد بالصيد لكان الجيش قد اصطلم، ووقف بعض الملوك بصومعة حكيم من الرهبان فاستجاب له فقال له ما اللذة قال كبائر اللذات ربع فعن أيهن تسأل قال صفهن لي قال هل تصيدت قط قال لا قال ألك حظ بالسماع والشراب قال لا قال فهل فاخرت ففخرت أو كاثرت فكثرت قط قال لا قال وما بقى من اللذات.

ص: 260

الجوارح أربعة البازي والشاهين والصقر والعقاب وما يضاف إليها فنقتصر على ذكر هذه الأربعة إذا كانت أركان الجوارح ومعتمد الملوك عليها فالمبدأ به منها البازي يقال باز وبزاة مثل قاض وقضاة وبيزان كغاز وغيزان وبازي وبوازي قال لبيد بن ربيعة:

لقيت لنا بوازي صائدات

وطيرك في مكامنها لبود

وأول من تهدى إلى الصيد به تقدم ذكره ولا يعرف كحرصه حرصاً ولا كجده جداً وفي أخبار نصر بن سيار أن بعض كبراء الدهاقين غدا عليه بطبرستان ومعه منديل فيه شيء ملفف فكشف عنه بين يديه فإذا فيه هيئة شلوباز ودراجة محترقين فقال نصر ما هذا فقال الرجل خرجت ومعي هذا البازي وثارت دراجة فاضطرب عليها وأحسست به وقد كنت مررت بقصباء أفسدت أرضا لي فأمرت بإحراقها فاضطرمت فتحاملت الدراجة حتى اقتحمت النار هاربة واشتد قربه إليها فلم تثنه النار عنها واقتحم في أثرها فأسرعت فيهما فأدركتهما النار واحترقا فأحضرتهما للأمير ليرى بهما ثمرة إفراط الحرص وإفراط الجبن وما أحسن صورة اجتمع فيها ثلاث بزاة على ظهر فرس في كف رجل واختلف رأى الملوك فيما مثلته في تيجانها ولباسها، فكانت أمثلة تاج ملك جيلان ولباسه صورة بزاة فقيل له في ذلك فقال وجدت الإنسان يحمله الفرس ووجدت البازي يحمله الإنسان لينال عليه لذته وبغيته وطرده ووجدته أيضاً ملك نوعه وإذا كنت أحمله جسماً في الحقيقة فلا أعاب به فأنا في تمثيله وحمله مثالاً في لباسي وحلتي أعذر.

ومن فضائله: أن الصيد فيه طبع لأنه يؤخذ فرخاً من وكره من غير أن يكون حذق ولا تصيد مع أبويه فيصيد ابتداء من غير تضربة ولا استجابة وليس ذلك في الصقر والصقر بعكسه ومن ملح أخباره وأمثاله أن خالد بن برمك قال بينما أبو أيوب الكاتب جالس في أمره ونهيه إذ أتاه رسول المنصور فامتقع لونه فلما رجع تعجبنا من حاله، فقال أنا اضرب لكم مثلاً زعموا أن البازي قال للديك ما في الأرض حيوان أقل وفاء منك قال وكيف ذلك قال أخذك أهلك بيضة فحضنوك ثم خرجت على أيديهم وأطعموك في أكفهم ونشأت بينهم حتى إذا كبرت لا يدنو إليك أحد إلا طرت مرة كذا وصوتت وحذرت، وأنا مسوني من الجبال فعلموني وألقوني في الهواء فآخذ صيدي فأجئ به إلى صاحبي، فقال له الديك إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم مثل الذي من الديوك لكنت أنفر مني ولكنكم أنتم لو لمتم ما أعلم ما تعجبتم من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي وأقول إن هذا المثل يتصل به معنى حسن لكفاءة السلطان وأعوانه وهو أنه ينبغي لتابع السلطان أن يجتهد في توفير الحظ واجتلاب المنافع إليه حتى يكون كالبازي الذي دفع عن نفسه ما وقع الديكفيه برغبة صاحبه في كسبه ووده ولم يقنع له بالسلامة حتى أكرمه بالدستيان وأركبه يده وحلاه الجلجل وأطعمه من خالص كسبه ومن غير كسبه وعجز الديك عن هذه الفضائل والمكاسب واقتصر على شهوة الفساد والترفه واللفظ فحل به ما حل.

أمارات الجراءة فيه: يمتحن ذلك بأن ينصب في بيت مضيء ثم يقطع عنه الضوء ويسد ما يدخل إليه من النور فإذا أظلم البيت دنوت من البازي فلمسته مسرعاً فإن وثب على يدك وقبضها فهو جزيء بصيد عظام الطير وأن تقبض وسكن فليس كذلك، ومن أمارات القوة أن يشد في زاوية البيت وينظر أين يبلغ بزرقه من الحائط فأرفعها زرقاً أشدها قوة على طيرانه وصيده.

ومن ملح ما ورد في التعريض باسمه قال التميميين لرجل من نمير ما أحسن صيد البازي فقال له النميري لاسيما إذا أرسل على القطار أراد التميمي:

أنا البازي المطل على نمير

أتيح من السماء لها انصبابا

وأراد النميري:

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا

ولو سلكت سبل المكارم ضلت

قلت وما أحسن جواب بعض الشعراء وقد حضر بين يدي أمير يمدحه فقال له الأمير ممن الرجل فقال من بني تميم فقال الذين يقول فيهم القائل:

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا

فقال بتلك الهداية جئتك فخجل الأمير وسأله كتمانها بعد الإجازة.

الأوقات المحمودة للصيد يوم الغيم الذي لا مطر فيه ويوم المطر للقصف ويوم الصحو للقاء الناس والملوك تغلس للطرد لأن الطرائد في ذلك الوقت تكون رابضة فتستثار وفيها أثر النوم وأما يوم الصيد فالسبت، وقد قيل في ذلك:

لنعم اليوم يوم السبت حقاً

لصيد إن أردت بلا امتراء

ص: 261

والاختيار في باب النجوم فهو اختيار الحرب والوجه أن يكون صاحب السابع في الطالع فيكون المتبوع مأسوراً ويكون القمر مناظراً لأحد السعدين أو متصلاً به في برج ذوات أربع قوائم، قال أبو سهل النويحتى وصاحب الطالع فيه الزهرة والمشتري يسعدها بنظره وهذا معدن من معادن علم النجوم.

الشيخ جمال الدين بن نباتة يقرض رسالة بندقية ومن بندقية لها الشرف الرفيع على كل قول والطرف البعيد على كل ذي صوغ من اللفظ وصول وصف فيها الرياض فكأنما وصف كلامه وذكر فيها الواجب فكأنما ذكر بحقوق هذه الصناعة قيامه فما قوس السماء بدا في مصباغات غلائله ورمى ببندق برده الجذب في مقاتله بأبهج من وصفه لتلك القسى المذبحة الجافية المتعطفة الجانية إلا على الطير الممتنع الصائبة بعيون أوتارها شمله المجتمع قسى قاسية الجوانح لينة إلا على الجوارح طالعة أهلتها بفناء السوانح والبوارح ومبتذلة مكرمه صامتة إلا أنها لذوات الجوارح مكملة قادرة على العطاء والعطب باهرة الفضائل التي لولا بدائع الصنع لما نبتت منها في عصب قد ألفت الرياض فلبست بعض بردوها وطلبت شأو السماء فنثرت مثل عقودها تقوم بالواجب وتعين بعين وحاجب وتأخذ على الطير المطار وتذكر قيامها تحته وهى غصن فتطالبه بأوتار كأن كل قوس منها حاجبان وقبضته البلج وكأن بيدقها طالب ما فتح باب نجاح وجناح إلا ولج ولج ومن غزالية غزلية براعية أسلية تقنص فيها شوارد الحكم وقيد أو ابدأ المعاني بجناح القرطاس ومخلب القلم وتصرف من تقريظ مواطن الصيد في باب المنايا والمنايح وتلطف في الأقوال التي لو شاء لعطف عليها الظباء السوانح وأتى بعيون الدرر التي نظمت وفنون الحلل التي رقمت لا بالجزع الذي لم ينقب من عيون الوحش ولا بمناديل أعراف الجياد التي غيرها المس والمش حتى عرت البلغاء أنها أقوى على دفع الخطب وسجع الخطب وأن أقلامهم إذا شاركت قلمه في المعاني كان منه الصيد ومنها الخطب وان غزالا وصفه قد سرف على الغزالة وزهى بما حشد من التقريظ وغزاله فلو استطاع الشكر منه كرما لسطر مدحه فكان الخط دواة والقرن قلما على أن عدل قلمه لو شاء لم ترع ظبية في مداها ولم تخف من مناسر البزاة حد مداها ولم تبلغ يد منهم من ريم مراما ولكانت عينه بل كل عين في جسده من أعين الظباء حراما وله فيها:

أسعد بها يا قمري برزة

سعيدة الطالع والغارب

صرعت طيرا وسكنت الحشى

فما تعديت عن الواجب

وللشيخ جمال الدين بن نباتة من رسالة طردية حاملين قسيا كالأهله لا جرم أنها تقصر لذوات الجناح عمرا متأبطين حرا وآت يقول الطير عن حواملها هذا الذي تسميه العرب تأبط شراً.

ومن إنشاء القاضي شهاب الدين محمود الحلبي: وبرزنا وشمس الأصيل تجود بنفسها وتسير من الأفق الغربي إلى موضع رمسها، وتغازل عيون النور بمقلة أرمد وتنظر إلى صفحات الورد نظر المربض، إلى وجوه العود فكأنها كثيب أمسى من الفراق على فرق، أو عليل تقضى بين صحبة بقايا مدة الرمق، وقد أضلت عيون النور لوداعها وهم الروض بخلع حلته المموهة بذهب شعاعها.

والطل في أعين النوار تحسبه

دمعاً تحير لم يرقى ولم يكف

كاللؤلؤ ظل عطف الغصن متشحاً

بعقده وتندى منه في شنف

يضم من سندس الأوراق في صرر

خضر ويجنى من الأزهار في صدف

والشمس في طفل الإمساء تنظر من

طرف غدا وهو من خوف الفراق خفى

كعاشق سارعن أحبابه وهفا

به الهوى فتراهم على شرف

إلى أن نضا المغرب عن الأفق ذهب قلائدها وعوضه عنها من النجوم بخدمها وولائدها فلبثنا بعد أداء الفرض لبث الأهلة ومنعنا جفوننا أن ترد النوم إلا نحلة ونهضنا وبرد الليل موشع وعقده مرصع وإكليله مجوهر وأديمه معنبر وبدره في خدر سراره مستكن وفجره في حشا مطالعه سستجبن كأن امتزاج لونه بشفق الكواكب خليط مسك وصندل وكأن ثرياه لامتداده معلقة بأمراس كتان إلى صم جندل:

ولاحت نجوم الليل زهرا كأنها

عقود على خود من الزنج تنظم

محلقة في الجو تحسب أنها

طيور على نهر المجرة حوم

إذا لاح بازى الصبح ولت يؤمها

إلى الغرب خوفاً منه بسر ومزرم

إلى حدائق ملتفة وجداول محتفة إذا جمش النسيم كصونها اعتنقت عناق الأحباب.

ص: 262

وإذا فرك من المياه متونها انسابت في الجداول انسياب الحباب ورقصت في المناهل رقص الحباب وان لثم ثغور نورها حيته بأنفاس المعشوق وان أيقظ نواعس ورقها غنته بألحان المشوق فنسيمها وان وشميمها بعرت الجنان عنران ووردها من سهر نرجسها غيران وطلها في خدود الورد مهتد وفي طرز الريحان حيران وطائرها كرد وماؤها مطرد وغصنها تارة يعطفه النسيم إليه فينعطف وتارة يعتدل تحت ورقائه فيظنها قوم همزة على ألف مع ما في تلك الرياض من توافق المحاسن وتباين الترتيب إذ كلما أعتل النسيم صح نشر الروض وكلما خر الماء شمخ القضيب:

وكأنما تلك الغصون وقد ثنت

أعطافها رسل الصبا أحباب

فلها إذا افترقت من استعطافها

صلح ومن سجع الحمام عتاب

وكأنها حول العيون موايسا

شرب وهاتيك المياه شراب

فغديرها كأس وعذب نطاقها

راح وأضواء النجوم حباب

تحيط بملق ماؤها صاف وظلال دوحها ضاف وحصباؤها بصفاء مائها في نفس الأمرار كدو في رأى العين طاف إذا دغدغها النسيم العليل حسبت ماءها بتمايل الظلال فيه يتبرج ويميل وإذا اطردت عليه أنفاس نسيم الصبا ظننت أفياء تلك الغصون هوى بمثلها في قلبه وكأن النسيم أيضا كلف بها غار من دنوها إليه فميلها عن قربه والسرو مثل عرائس لفت عليهن الملاء شمرن فضل الأزر عن سوق خلاخلهن ماء والنهر كالمرأة تبصر وجهها فيه السماء وكأن صواف الطير المبيضة بتلك الملق خيام أو قباب على الرقمتين قيام وأباويق فضة رءوسها لها فدام ومناقيرها المحمرة أول ما أنسكب من المدام وكأن رقابها رماح أس! مها من ذهب أو شموع أسود رءوسها ما انطفى وأحمره ما التهب وكنا كالطير الجليل عدة وكطراز العمر الأول جدة:

من كل أبلج كالنسيم لطافة

عف الضمير مهذب الأخلاق

مثل البدور ملاحة وكعمرها

عدداً ومثل الشمس في الإشراق

ومعهم قسى كالغصون في لطافتها ولينها والأهلة في نحافتها وتكوينها والأزهار في ترافتها وتلوينها بطونها مدبجة ومتونها مدرجة كأنها كوكب الشولة في انعطافها أو أوراق الظباء في التفافها لأوتارها عند القوم أوتار ولبنادقها في الحواصل أوكار إذا انتصبت لطير ذهب من الحياة نصيبه وإذا انتضت لرمى بدت لها أنه أحق بها أن تصيبه ولعل ذلك الصوت زجر لبندقها أن يبطىء في سيره أو يخطئ الغرض إلى غيره أو وحشة لمفارقة أفلاذ كبدها وأسف على خروج بنيها عن يدها على أنها طالما نبذت بنيها بالعراء وشفعت لخصمها التحذير بالإغراء:

مثل العقارب أذنابا معقدة

لمن تأملها أو حقق النظرا

إن مدها قمر منهم وعاينه

مسافر الطير فيها وانبرى سفرا

فهو المسىء اختياراً إذ نوى سفرا

وقد رأى طالعاً في العقرب القمرا

ومن البنادق كرات متفقة السرد متحدة العكس والطرد كأنما خرطت من المندل الرطب أو عجنت من العنبر والورد تسرى كالشهب في الظلام وتسبق إلى مقاتل الطير مسددات السهام:

مثل النجوم إذا ما سرن في أفق

عن الأهلة لكن نونها راء

من فاتها من نجوم الليل إن رمقت

الإثبات يرى فيها وأضواء

تسرى ولايشعر الليل البهيم بها

كأنها في جفون الليل إغفاء

ويسمع الطير إذ تهفو قوادمه

خوافقاً في الدياجى وهى صماء

تصونها جراؤه كأنها درج درر أو درج غرر أو كمامة ثمر أو كنانة نبل أو غمامة وبل حالكة الأديم كأنما رقمت بالشفق حلة ليلها البهيم:

كأنها في وضعها مشرق

تنبت منه في الدجا الأنجم

أو ديمة قد أطلعت قوسها

ملوناً وانبعثت تسجم

فاتخذ له كل مركزا وتقاضى من الإصابة وعدا منجزا وضمن له السعد أن يصبح لمراده محرزاً:

كأنهم في يمن أفعالهم

في نظر المنصف والجاحد

قد ولدوا في طالع واحد

وأشرفوا من مطلع واحد

ص: 263

فسرت علينا من الطير عصابة أظللتنا من أجنحتها سحابة من كل طائر أقلع يرتاد مرتعا فوجدوا الكن مصرعاً وآسف يبعى ماء حماماً فورد ولكن القسم منقعاً وحلق في الفضاء يبغي ملعباً فبات هو واشياعه للقسى سجدا ركعا فتبركنا بذلك الوجه الجميل وتداركنا أوائل ذلك القبيل فاستقبل أولنا ثم بدره وعظم في نوعه قدره كأنه برق كرع في غسق أو صبح عطف على بقية الدجى عطف النسق تحسبه في أسداف المنى غرة نحج وتخاله تحت أذيال الدجى طرة صبح عليه من البياض حلة وقار وله كرة من عنبر فوق منقار من قار له عنق ظليم والتفاتة ريم وسرى كيم يصرفه نسيم:

كلون المشيب وعصر الشبا

ب ووقت الوصال ويوم الظفر

كأن الدجى غار من لونه

فأمسك منقاره ثم فر

فأرسل إليه عن الهلال نجما فأسقط منه ما كبر بما سقط حجما فاستبشر بنجاحه وكبر عند صباحه وحصله من وسط الماء بجناحه وتلاه كي نقى اللباس مشتعل شيب الرأس كأنه في عرانين يشبه لأوائله كبير أناس إن أسف في طيرانه فغمام، وإن خفق بجناحه قطع له بيد النسيم زمام ذو عيبة كالجراب ومنقار كالحراب ولون ثغر في الدجى كالنجم ويخدع في الضحى كالسراب ظاهر الهرم كأنما يخبر عن عاد ويحدث عن أرم:

إن عام في زرق الغدير حسبته

مبيض غيم في أديم سماء

أو طار في أفق السماء ظننته

في الجو شيخاً عائماً في ماء

متناقض الأوصاف فيه خفة الج

هال تحت رزانة العلماء

فثنى الثاني إليه عنان بندقه وتوخاه فيما بين أصل رأسه وعنقه فخر كمارد انقض عليه نجم من أفقه فتلقاه الكبير بالتكبير واختطفه قبل مصافحته من الماء وجه الغدير وقارنته أوزة حلتها دكنا وحلبتها حسنا لها في الفضاء مجال وعلى طيرانها خفة ذوات التبرج وخفر ربات الحجال كأنما عبت في ذهب أو خاضت في لهب تختال في مشيتها كالكاعب وتتأتى في خطوها كاللاعب وتعطو بجيدها كالطير البهير وتتدافع في سبرها مشى القطاة إلى الغدير:

إذا قبلت تمشى فخطرة كاعب

رداح وأن صاحت فصولة خادم

وإن أقلعت قالت لها الريح ليت لي

خفا ذي الخوافي أو قوى ذي القوادم

فأنعم بها في البعد زاد مسافر

وأكرم بها في القرب تحفة قادم فلوى الثالث جيده إليها وعطف بوجه قوسه عليها فلحت في ترفعها ممعنة ثم نزلت على حكمه مذعنة فأعجلها عن استكمالها الهبوط ورفعها قبل استقرارها السقوط واستولى عليها بعد استمرارها القنوط وحاذتها الغلغة تحكى لون وشيها وتصف حسن مشيها وترى عليها بغرتها وتنافسها في المجالس كضرتها كأنها مدامة قطبت بمائها أو كمامة سفت عن بعض نجوم سمائها:

بغرة بيضاء ميمونة

تشرق في الليل كبدر التمام

وان تبدت في الضحى خلتها

في الحلة الدكنا برق الغمام

فنهض الرابع لاستقبالها ورماها عن فلك سعده بنجم وبالها فجدت في العلو مدة وطارت أمام بندقه ولولا اطراد الصيد لم تك لذة وانقض عليها من يده شهاب حتفها وأدركها الأجل لخفة طيرانها من خلفها فوقعت من الأفق في كفه وفرت من ثنايا واصفها عن صفة وأتت في أثرها أنيسة آنسة كأنها العذراء العانسة أو الأرماء الكانسة وعليها خفر الأبكار وخفة ذوات الأوكار وحلاوة المعاني التي تجلى على الإفقار ولها أنس الربيب وإذلال الحبيب وتلفت الزائر المريب من خوف الرقيب ذات عنق كالإبريق أو الغصن الوريق قد جمع صفرته النهار إلى حمرة الشفق وصدر بهي الملبوس شهي إلى النفوس كأنما رقم فيه النهار بالليل أو نقش العاج بالأبنوس وجناح ينجيها من العطب يحكى لونه المنديل الرطب لولا أنه حطب مدبجة الصدر تفويفه أصناف إلى الليل ضوء النهار لها عنق خاله له من رآه شقائق قد سيحت بالبهار.

فوثب الخامس منها إلى الغنيمة ونظم في سلكه تلك الدرة اليتيمة وحصل بتحصيلها بين الرماة على الرتبة الجسيمة وأتى على صياحها حبرج تسبق همته جناحه ويغلب خفق فؤاده صياحه مدبج المطا كأنه خلع حلة منكبيه على القطا ينظر من ذهب ويخطو على عود من لهب:

يزور الرياض ويجفو الحياض

ويشبه في اللون كدر القطا

ويهوى الزروع ويلهو بها

فلا يرد الماء الأخطا

فبدره السادس قبل ارتفاعه وأعان قويسه بامتداد باغه فخر على آلائه كبسطام بن قيس وانقض عليه راميه فحصله بحذق وحمله بكيس.

ص: 264

وتعذر على السابع مرامه ونبأ به عن بلوغ الإرب مقامه فصعد هو وترب له إلى جبل وثبت في موقفه من لم يكن له بمرافقته قبل فعن له نسر بقوادم شداد ومناسر حداد وخوافي مداد كأنه من نسور لقمن بن عاد تحسبه في السماء ثالث أخويه وتخاله في الفضاء قبته المنسوبة إليه قد حلق كالفقراء رأسه وجعل مما قصر من الدلوق الدكن لباسه واشتمل من الرياش العسلي إزاراً واختار العزلة ولا تجد له إلا في قنن الجبال الشواهق مزار، قد شابت نواصي الليالي وهو لم يثسب ومضت الدهور وهو من الحوادث في معقل أشب:

مليك طيور الأرض شرقاً ومغرباً

وفي الفلك الأعلى له أخوان

له خال فتاك وحلية ناسك

وإسراع أقدام وفترة وان

فدنا من مطاره وتوخى ببندقة عنقه فوقع في منقاره فكأنما قد هد منه صخرا توخى أو هدم به بناء مشمخراً ونظر إلى رفيقه مبشراً له بما امتاز به عن فريقه وإذا به قد أظلته عقاب كاسر كأنما قد أظلت صيدا قد أفلت من المناسر إن حطت فسحاب انكشف وان أقامت فكأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف بعيدة ما بين المناكب إذا أقطعت لجت في علو كأنما تحاول ثارا عند بعض الكواكب:

ترى الطير والوحش في كفها

ومنقارها ذا عظام مزاله

فلو أمكن الشمس من خوفها

إذا طلعت ما تسمت غزاله

فوثب إليها الثامن وثبة ليث وثق من حركاتها بنجاحها ورماها بأول بندقبة فما أخطأ قادمة جناحها فأهوت كعود صرع أو طود صدع قد ذهب بأسها وتذهب بدمها لباسها وكذلك القدر تخادع الجو عن عقابه ويستنزل الأعصم من عقابه فحملها بجناحها المهيض ورفعها بعد الترفع في أوج جوها من الحضيض ونزلا إلى الرفقة جزلين بربح الصفقة فوجد التاسع قد مر به كركي طويل السفار سريع النفار شهى العراق كثير الاغتراب يشتو بمصر ويصيف بالعراق لقوادمه في الجو هفيف ولأديمه لون سماء طرأ محليها غيم خفيف تحن إلى صوته الجوارح وتعجب من قوته الرياح البوارح له شية حمراء في رأسه كوميض جمر تحت رماد أو بقية جرح تحت ضماد أو فص عقيق سفت عنه بقايا ثماد ذو منقار كسنان وعنق كعنان كأنما بنوس على عود من أبنوس:

إذا بدا في أفق مقلعاً

والجو في الماء تفاويفه

حسبته في لجة مركباً

رجلاه في الأفق محاذيفه

فصبر عليه حتى جازه مخلباً وعطف عليه مصلباً فخر مضرجاً بدمه وسقط مشرفاً على عدمه ولطالما أفلت لدى الكواسر من أظفار المنون وأصابه القدر بحبة من حماء مسنون فكثر التكبير من أجله وحمله راميه من على وجه الأرض برجله وحاذاه غرنوق حكاه في زيه وقدره وامتاز عنه بسواد رأسه وصدره له ريشتان ممدودتان من رأسه إلى حلقه مفقودتان من أذنه إلى مكان سبقه له من الكراكي أوصافه سوى سواد الصدر والرأس إن شمال رجلا وانبرى قائما ألفيته هيئة برجاس.

فأصغى العاشر له منصتا ورماه ملتفتا فخر كأنه صريع الأشجان أو نزيف بنت الجان فأهوى إلى رجله بيده وأيده وانقض عليه انقضاض الكاسر على صيده وتبعه في المطا رضوغ كأنه من النضار مصبوغ تحسبه عاشقا قد مد صفحته أو بارقاً قد بدت لفحته:

طويلة رجلاه مسودة

كأنما منقاره خنجر

مثل عجوز رأسها اشمط

جاءت وفي رقبتها معجر

فاستقبله الحادي عشر ووثب ورماه حين حازاه من كشب فسقط كفارس تقنطر عن جواده أو وامق احتسب حبة فؤاده فحمله بساقه وعدل به إلى زقاقه واقترن به مرزم له في السماء سمى معروف ذو منقار كصدع معطوف كأن رياشه فلق اتصل بشفق أو ماء صاف علق بأطرافه علق له جسم من الثلج على رجلين من نار إذا أقلع ليلا قلت صبح في الدجى نار.

فانتحاه الثاني عشر ميمماً ورماه مصمماً فأصابه في زوره وحصله من فوره وحصل له المحلقة في السماء بسببها وليشكر نعمنا التي أقرت النعم لديه وبسطت في الأرض بالتمكين بين يديه ونوعت له من كرمنا من الخير وخولته فيما تقلدناه من الملك عن سليمان حتى تفقد الطير والله تعالى يجدد سعوده في شطور الصدور تقرا وجوده بها يقرى وعهوده في البطش تارة تريش سهما وتارة تجرد! قرا أن شاء الله تعالى.

نظر رجل إلى رام قصير اليد في صنعته فقعد في مواضع الهدف فقال له ما هذا فقال له لم أر منك مكانا سالما ألا هذا.

ص: 265

خرج الحيص بيص الشاعر ليلة من دار الوزير شرت الدين أبى الحسن على بن طراد الزيني فنبح عليه جرو كلب وكان متقلدا سيفا فوكزه بعقب السيف فمات وكان هبة الله بن الفضل القطان بينه وبين الحيص بيص وقائع فكتب رفعة وعلقها في عنق كلبة لها جرو ورتب معها من طردها وأولادها إلى باب الوزير كالمستغيثة به فأخذت الورقة وقرئت على الوزير فإذا فيها مكتوب:

يا أهل بغداد أن الحيص بيص أتى

بفعلة أكسبته الخزى في البلد

هو الجبان الذي أبدى تشاجعه

على جرو ضعيف البطش والجلد

وليس في يده مال يفديه به

ولم يكن لسواء عنه في القود

فأنشدت جعدة من بعد ما احتس

بت دم الابيلق عند الواحد الصمد

تقول للنفس يأسى وتعزية

إحدى يدي أصابتني ولم تكد

كلاهما خلف من بعد صاحبه

هذا أخي حين أدعوه وذا ولدى

قلت ومن ملح المداعبات ما كتب به الشيخ جمال الدين بن نباتة إلى الشيخ بدر الدين حسن الغزى الشهير بالزغارى صورة إجازة أما بعد حمد الله الذي جعلنا ممن كرم من البشر والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاسئ من فجر وعلى آله وصحبه ما نبح الكلب ضوء القمر فقد قرأ على لازال صائدا للحمد من مكمنه صائلا على القرن من مأمنه نازلاً منازل العواء في أحسن أفق وأحصنه هذه الفلذة من شعري قراءة أبتغ بها الإحسان أثرا ودل على جودة القراءة وطالما دل على جود القرى ووحدته قد فاق جرو لا خطابا وافتخر على الكلبي وابنه نسبا وآداباً وبلفت مفاخر قومه على زعم القائل فلا عمر أبلغت ولا كلابا وعلا ذروة لو سامها ابن كلاب لما قرعها بل ولو نبحها كوكب الكلب المقدم لما بلغها صوته ولا سمعها والتقى صوت الآداب منه كاد ورايح وامتزج عليها بجوارحه فحبذا ما علم من الجوارح وسعى على ظفر سعيه السريع المديد ونام على المجاراة قرناؤه منام أهل الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد. وعلمت أن مكاسب آدابه عظام وكثر فوائده لباب إذا اختلفت فوائد أهل اليسار والنظام وأن جل ملابسه من حمده وكل عزائمه زائدة عن طوقه وجهده وكل رافع طوع طلبه وكل خير صحبه من عنده لو قارب كلاب بن ربيعة لسلم إليه زمام المكارم ولو حاور جريرا لما قال للأخطل هجوت كليبا إذا آل دارم ولو دعى الوحش بلفظه لعطف عليه ذوو النفار ولو سابق البرق لما لحق من بديهته الغبار ولو فاخر الدرر وحاكمها إلى البحور لأفامته وأقعد بها عن الفخار ولو ميز حال أضداده لكان الكلب خيراً منها عند ذوى البصائر والأبصار تكاد الحمائم تقول أين ضعف سجعنا من قوة هذا النطق الضارى والتبر في غبار معدنه ينادى أين جوار هذه الطرق من جوار غارى فأجزت له رواية هذه الأبيات وحمايتها وحفظها ورعايتها اتباعا لأسارته وإعجاباً بما امتاز به على أشباهه من زي النطق وإشارته وتمسكا بوفاء بيته الجلية أنسابه المغشية أنديته حتى ما تهر كلابه عالما بأنه المفتش على خبايا الفضائل الحامي لمرعى القول حتى ما يذكر الحمى وكليب وائل المتسرع في تصيد شوارد الآداب الناهض بنصرتها وقد قطع بها الدهر لديه أذناب الكلاب السابق حين يفتر سواه ويلبث المتحمل لأعبائها لا كالقرين الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وذلك عند سفره الحافز وبكوز عزمه الذي هو عن استيفاء القول حاجز وحركته في أوقات الشتاء الجامدة ورحلنه في ليلة من جمادى لا ينبح الكلب فيها فير واحد والله تعالى يجمع له بين الغنيمة والإياب وبفيض على القلوب ثياب مودته الثابت فضلها على كثير ممن لبث الثياب.

ذكر أديسم بن إبراهيم صاحب أدريجان قال كنت مجتازاً على قنطرة الري في عسكري فلما صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة تمشى وقد حملت طفلاً لها في قماطة فصدمها بغل محمد فطرحت نفسها فزعا ووقع الطفل من يدها في الماء فلما وصل إلى الماء غاض زمانا لبعد ما بين القنطرة والماء ثم طفا وسلم من الحجارة والماء يجري. وأجراف النهر بعيدة عن الماء وفيها أوكار عقبان فحين طفا الطفل رأته عقاب هناك فانقضت عليه ومسكت بمخالبها في قماطه وخرجت إلى الصحراء فأمرت جماعة أن يركضوا خلف العقاب ففعلوا ومشيت أنا فإذا العقاب قد وعلت إلى الأرض واشتغلت بخرق القماط فأدركه القوم وركضوا خلفها حتى شغلوها عن خرق القماط فطارت وتركت الطفل على الأرض فإذا هو سالم يبكى فرددناه إلى أمه.

ص: 266

من إنشاء المجيد أبي علي بن أبي النحناء العسقلاني رسالة طردية نقلتها من خط الوداعي من أصبحت نعمه سوارح واستعبدت منته القلوب والجوارح فأصبح لها المجد مقراً ولرغرائب السودد والثناء مقراً مثل حضرة مولاي أطال الله بقاءه تطلبت له الأنفس النار ونغصت له الملاذ والمسار ومما يظرف به العبد أسنى الله قدره وأعلاه أنه خرج يوماً مع أناس قد وصلوا برهم بايناس كل منهم يهتز للأكرومة ويأوى إلى شرف الأرومة على خيل مسومة مثقفة مقومة من بين جون أدهم أذكى من فارسه وأفهم أغر محجل وعدة معجل كان اسوداد أهابه إذا ضاهى به ليل رمت البلاد شهبه شبهة العين والأرض نهبه إذا زاغ عن سنان أو تعطف لعنان ظننته صد عن مواصله وانفصل عن مفاصله واشقر كالطراف عبل الطراف نهد كريم له سالفة ريم كأنما خرط من عقيق أو تردى برداء من شقيق يجري كهوج ويعلو كموج وينزل كوابل إن قرعت عرفه سابق طرفه وإن أوردته الطراد أوردك المراد وكميت كالطود ذي وطيف كذراع العود يلطم الأرض بزبر وينزل من السما بخبر وهملاج أشهب إن زجرته ألهب أديمه روضه بهار ينظر من ليل في نهار ينساب انسياب الأيم ويمر مرور الغيم لا ينبه النائم لو عبر به ولا يحرك الهواء في مسربه أخفى وطأ من طيف وأوطى ظهراً من مهاد ضيف فلم يزل بنا المسير وكل في طاعة صاحبه أسير إلى أن صادفنا وادياً كان لعيوننا بادياً فما قطعناه عرضاً حتى أتينا أرضاً كأنما فرش قراراها بزبرجد وصيغت أنوارها من لجين وعسجد قد رقرت فيها السحاب دمعها وأحسنت قيعانها جمعها نسيمها سقيم وظلها مقيم وماؤها جورى وتربها شجرى فهي تهدي للناشق أنفس المعشوق إلى العاشق كأن غدرانها في اخضرار رياضها وجداولها في اسوداد بياضها وبدور سماء كملت وبروق في متون غمام تساسلت طائرها مكسال وظباؤها ارسال ذات قرون معقفة كأذناب العقارب وبطون مبيضة كالنهار السارب مضمخة الأجساد بخليط صندل وجساد قد اكتست أطيارها فأغربت وتغنت بلغاتها فأطربت كأن الأماني فتحت لها أبوابها والرياض خلعت عليها أثوابها إذا شنجت للبكاء وأعلنت بالمكاء أبت الطباع على نغمات الموصلى في نفثات البابلي ومجت الأسماع شدو الفريض بمرقق القريض فعند ذلك يممنا ظل شجرة هنالك ذات جدول متكمر في مسلك متيسر وكان أعلاه بطن جان وقرارته مساقط در ومرجان فلما وردنا عليها وأنضفنا إليها حنت علينا أغصانها حنو الوالد وألحفتنا أوراقها بظل خالد وأتحفتنا من ثمارها بطارف وتالد فأصبنا من ثمرها قليلاً ونقعنا بماء جدولها غليلاً ثم نهضنا نطلب الأوابد كوامنها واللوابد وقد يسرنا مقاود الكلاب وشركنا في البحث والطلاب كل كلب منها غلوب ولا رواح الطرائد سلوب ذو خطم مخطوف ومخلب كصدغ معطوف بقوائم مالذوابل ومتن كالغصن الذابل غائب الخصر حاضر النصر كأنما لملمت هامته من فهر وخرط وما دون عينيه بجهر له طاعة تهذيب وإخلاس ذيب وتلفت مريب وحذافة نذريب له من الطرف أوراكه ومن الطرف إدراكه ومن الأسد صوله وعراكه إذا طلب فهو منون وإذا انطوى فهو نون وإذا استرسل فهو خط على الأرض مظنون فسنح لأحدها غزال والمقود عنه مزال فاسترسل عليها وهرب وجد في طلبه فانسرب فأنبرا في أسلوب ما بين سالب ومسلوب إذا مرق الأول كالسهم تبعه الثاني كالوهم فللظبي حد على جناح وحل وللكلب انبساط أمل في سرعة أجل إلى أن جعجعه وبنفسه فجعه دامي الجروح بادي القروح مستسلماً لسلب الروح فعاجلناه بالذكاة وأيقنا بحلول البركات ثم انتحى بعضنا بفهد ذي صدر رحب نهد كأن قرار ثمرته في اختلاط بياضه بسمرته ثوب مصمت معتق مطلق فد فرشت فوقه أقراص عنبر! ففتها يد صانع خبير فنبهه ففج فجيج ثعبان وأطلقه على ظبية تدب دبيب عقران فلما أدركه ناظر الصيبه ومرت مرور عيبه فآت أبصارنا بنفرنه وسبق أفكارنا بظفرته ولطمها عند الإدراك من الكتف إلى فرجة الأوراك فشقها شق المزاد ضاقت أفواهها عن خروج المراد وضرعها يضطرب كأن قوائمها تجترب فبادرنا مهللين وذكيناها محللين ثم ملنا إلى الطيور وجوارحنا مطلقة السيور فقال رجل من أصحابنا أتبعنا عند أصحابنا ذلك الغدير فيه طير يستدير ينظر من خراة ابره ويحتال في بروز خبره فاستدللنا عليه بالبراهين إلى أن ارتكض قوم من الشواهبن أطلقه حامله واقترحت عن شباقته أنامله فمر في الهواء يتصرت في الأهواء يذكى جداً وأعمالاً ويطعن يمينا

ص: 267

وشمالا كأنما أضل فريقا أو جهل طريقا حتى إذا دنى أفق السماء مسامتا للماء كأنه يمسح الفلك أو يطلب شيئا هلك طرق من خوفه فانحدر وهو يسابق القدر كأنه صخرة منجنيق أو حجر أرسل من رأس بيق له درى كدوى الرعد نطق عن الفيث بوعد فانتحى إحداهن وقد قرن مداهن فقنعها بيسراه وقد أضحت من يسراه وشيعها بيفاه وقد بلغ منها مناه فدحاها كأنها كره طوحت بها ضربة منكره فذكيناها تحليلا وأدقناه منها تعليلا ثم ملنا إلى قسى البنادق من كل ناطقة بالوعد الصادق يعطيك المراد لكرم أعراقها ويمنعك الفياد عن استغراقها ذات بطن كالحاجب المقرون وظهر قد أثرت فيه الجنادب القرون قد تعصفر أعلاها فرحا باستعلائه وأحد لرداها أسفا على استيلائه ترن عند الرشق رنين مصابها ويتشكى أليم أو صابها بل يسجع للنبض سجع الحمامة وينظر عند النقص نظر زرقاء اليمامة ألوان أوعيتها مختلفة وأكوان تسيرها مؤتلفة كأنها مجارى أنهار بين طرائق أزهار فسرنا صفوفا فوافينا الطيور رفرفا فلما قطعت في عراضنا وصارت منا كما عراضنا قلبت نحوها القسى أبصارا واتخذت من البندق رسلا وأنصارا فرشقناها مبسملين ولصرع أكثرها مؤملين فجرت تتهافت وأجنحتها تنقبض وتتكافت كأنما أسبقت إلى أقواتها واستنزلتها الفراخ بحسن أصواتها فبادرناها مكبرين ولنعم الله عليها مكثرين وواجرناها غصص المنايا بمدى معوجة كالحنايا وأصليناها ناراً تلظى تشقى بحميمها وتحظى كأنها عبدة أوثان أو متخذة لها ثان فسبحان من أحل سفك دمائها وأحل للبشر سبك ذمابها والسلام.

السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين ابن الأمدي في الفهد:

إذا طلب الغزلان فهو منون

وإن دار في طرس الفلاة فنون

وكيف يضل الوحش عنه وجلده

بمسود ذاك النقط فيه عيون

وله في الصقور:

وكأنما فوق الأكف فوارس

في الخافقين يجلن بين خوافق

أكثرن لبس السابغات أما ترى الص

دأ الحديد لهن فوق عوائق

ص: 268

من الكلام الفاضلي أنى رغبت إلى مولانا لازالت المرغبات إليه مرفوعة وثمراتها كثمرات الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة في الإحسان بشاهين يجعل وكيل مطبخي لكثرة ما يجلب إليه من الخير واستنيبه عن صاحب صالح فهو قدر الطير لا يعتصم منه بغير فجها ولا تلوذ الحمامة بعوسجها قدر قمت يد القدرة على جؤجؤه ديباج أسطره وعرفت أقلامها نون منسره فكأنما عقد ليحسب ما صاد لمرسله ويوفيه حساب عمله وكأنه منجل أرسل على الطير بحصاد أجله تأتى بالرزق رغدا وتتخذ عند كل فم يدا أن عاش فأجنحته للطيور كالقيود وإن نوى ورث السهام ريشه فهو ولي عهده في الصيود وما أجدر الطير بأن تقول لا تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدما ومن لا يقنع برزقه في الأرض حتى يطالب به في السما، طردية الشيخ جمال الدين بن نباتة التي سماها فرائد السلوك في مصائد الملوك، وزهر يضحك في الأكمام إن كانت الأرض لها ذخائر فهي لعمري هذه الأزاهر قد بسطتها راحة الغمائم بسط الدنانير على الدراهم احسن بوجه الزمن الوسيم تعرف فيه نضرة النعيم وحبذا وأدى حماة الرحب حيث زهى العيش به والعشب أرض السنا وألبها والمرح والأمن واليمن ورايات الفرح ذات النواعير سقات الترب وأمهات عصفه والأب تعلمت نوح الحمام الهتف أيام كانت ذات فرع أهيف فكلها من الحنين قلب وكيف ولا والماء فيها صب الله ذاك السفح والوادي الغرد والماء معسول الرضاب مطرد يصبو بها الرائي فكيف السامع ويحمد العاصي فكيف الطائع إذا نظرت للربى والنهر فار وعن الربيع أو عن جعفر محاسن تلهى العيون والفكر ربيع روضات وشحرور صفر أمام كل منزل بستان وبين كل قرية ميدان أما رأيت الورق في الأوراق جاذبة القلوب بالأطواق فبادر اللذة يا فلان وأغنم متى أمكنك الزمان ولا تعل مشتى ولا مصيف فكل أوقات الهنا شريف كل زمان ينقضى بالجدل زمان عيش كيف ما دار اعتدل أحسن ما أذكر من أوقاته وخير ما أنعت من لذاته مرورنا بالصيد فيه والقنص وحوزنا من مزه أحلى الفرص وأخذنا الوحش من المسارب وفعلنا في الطير فوق الواجب لما دنا زمان رمى البندق سرنا على وجه السرور المشرق في عصبة عادلة في الحكم وغلمة مثل بدور التم من كل مبعوث إلى الأطيار تظلمه غمامة الغبار وكل معسول الرضاب أغيد منعطف عطف القضيب الأملد قد حمد القوم به عقبي السفر عند اقتران القوس منه بالقمر لولا حذار القوس من يديه لغنت الورق على كفيه في كفه محينة الأوصال قاطعة الأعمار كالهلال زهراء خضراء الأهاب معجبة مما نوت بين الرياض المعشبة فاغرة الأفواه للأطيار طالبة لهن بالأوتار كأنها حول المياه نون أو حاجب بما تشاء مقرون لها بنات بالمنى مغدوقة من طينة واحدة مخلوقه سامعة لما تشير الأم مع أنها مثل الحجار صم كأنها والطير منها هارب خلف الشياطين شهاب ثاقب وأهالها شهب كرات تخطف شاهدة بالعزم وهى تقذف حنى نزلنا بمكان مؤنق إخوان صدق أحدقوا بالملق فيا له في الحسن من محلى مراد جد ومراد هزل للطير في أملاقه مواقع كأنها لمائه فواقع فلم تزل في منزل كريم تروى حديث الرمى عن قديم حتى طوى الأفق رداء الورس وألتقم المغرب قرص الشمس وابتدر القوم عن المراصد من صاهر لبل التمام شاهد كالليث يسطو كفه بأرقم والبدو يرمى في الدجى بألحم بينا الطيور في مداها سائرة إذا هم من عينه بالساهرة وأقبلت مواكب الطيور على طروس الجو كالسطور فحبذا السطور في المهارق مسقوطة الأحرف بالبنادق من كل حق أن يسمى ضياؤه للشرقي بدر التم تخاله من تحت عنق قد سجاطرة صبح تحت أذيال الدجى وكل تم حس! ن الوسامة تخاله في أفقه غمامه كي يتبعه أوزه دكنا من دونها لغلغة غرا يقدمها أنيسة ملونة تابعة من كل وصف أحسنه وربما مر عليها حبرج كأنه على نضار يدرج وانقض من بعض الجبال نسر له بأبراج النجوم وكر مضبر الخلق شديد الأيد يبنى على الكسر حروف الصيد يحث مسراه عقاب كاسبه خافضه لحظ الطيور ناصبة إذا مضت جملتها المعترضة تواصلت خيوطها المفترضة بكل كركي عجيب السير كأنه طيف خيال الطير يحسن غرنوقاً لهى المجتلا مقدما على الغرانيق العلا وأبيض الغيم يسمى مرزما كم بات مثل نوئه منسجما يحفه شبيطر قوى معجزه في الطيرة وسوى كم حاش ثعبانا وحم حواه كأنه في يده عصاة هذا وكم من طائر ممتاز ينعث في الواجب بالعناز أسود إلا لمعة في الصدر كأنه نور الهدى في الكفر فلم تزل

ص: 269

قسينا الضواري تصيبها بأعين الأوتار حتى كدت دامية النحور ساقطة منا على الخبير كأنما وهى لدينا وقع لدى محاريب القسى ركع وأصبحت أطيارنا قد حصلت ولم تسأل بأي ذنب قتلت مستتبعاً وجه العشى وجه السحر وكل وجه منهما وجه أغر يا لك من صيد مقر العين مرضى الصحاب وهو ذو وجهين لم يرض ما وفي من الأمان حتى شفعناه بوجه ثان! يد الملوك الصيد بالكواسر والخيل في وجه الصباح السافر ذاك الذي تصبو له الجوارح فهي إلى طلابه طوامح واثقة بالرزق حيث كان تغدو خماصاً وتجيء بطانا سرنا على اسم الله والمباحج نعوم في الأقطار بالسوابح خيل تحاذى الصيد حيث مالا كأنها أضحت له ظلالاً تسعى بها قوائم لا تتبع وكيف لا وهى الرياح الأربع تحففنا من فوقها غلمان كأنهم من فوقها أغصان ترك تريك في سماء الملبس كواكباً طالعة في الأطلس منظومة الأوساط بالسلاح من كل شهم زجل الجناح وكل عضب درب المقاطع يحرف الهام عن المواضع على يد السائر منهم زاده من كل باز قرم فؤاده قد كتبت في صدره حروف تقرى بما تقرى به الضيوف وكل شاهين شهى المرتمى كبارق طار وصوب قد همى بينا تراه ذاهبا بصيده معتصما بأيده وكيده حتى تراه عائداً من أفقه ملتزما طائره في عنقه أفلح من كان على يسراه حتى غدت حاسدة يمناه وكل صقر مسبل الجناح مواصل الغدو والرواح ذو مقلة لها ضرام واقد تكاد تشوى ما يصيد الصائد كأنما المخلب منه منجل لحصيد أعمار الطيور مرسل يا حبذا طيور جد ولعب نهوى إلى الأرض وللأفق تثب من سنقر عالي المدا والشان معظم الأخبار والعيان يصعد خلف الرزق ليس يمهله كأنه من السماء يستعجله ومن عقاب بأسها مروع كأنها للطير حين تصرع كم جليت لطائر ومن وهن فكم وكم قد أهلكت من قرن وحبذا كواسر اللواهي عديمة الأنظار والأشباه مخصوصة بالطرد القويم حدباء ظهر الذنب الرقيم ذاك لعمري جذب للرائي تعدل ملك القلعة الحدباء هذا وقد تجهزت أعداد يجمعها الكلاب والفهاد من كل فهد عنتري الحملة أذراى شخص مهاة عيله مبارك الإقبال والأعراض مستقبل الحال بناب ماض كأنه من حدة اكتسابه قد أخرق الأنجم في أهابه له على مسائل الجفون خط كخط الإلفات الجون ما أبصر الباصر خطا مثله وكيف لا والخط لابن مقلة وكل منسوب إلى سلوق أهرت وثاب الخطا ممشوق طاوي الفؤاد ناشر الأظافر يا عجبا منه لطاو ناشر يعض بالبيض وبخطو بالقنا وشمبق لوهم لإدراك المنى كالقوس إلا أنه كالسهم والغيم يجلو عن شهاب رجم إذا رأى بقر الوحش اندفع كأنه المريخ في الثور طلع قاصرة عن يده عيناه مشروطة برجله أذناه يشفعه من كل عور عارى مغالب الصيد على الأوكار وأهالها من كلب طوارد معربة عن مضمر المصائد قد بالغت من طمع في كسبها ففتشت عن أنفس لم تحبها حتى إذا تمت بها الأمور حفت بنا لصيدها الطيور ما بين روضات صمدنا نحوها وحول آفاق ملكنا جوها واستقبلت أطيارها البزاة معلمة كأنها غزاة فلم نزل تسطو سطا الحجاج على الكراكي إلى الدراج حتى غدت تلك السراة صرعى مجموعة على التراب جمعا على الربى من دمها خلوق كأن كل نبتها شقيق ثم عطفنا للوحوش السانحة فاستقبلت تلك الضواري الطامحة كلاب صيد بينها سناقر يفعل في الوحش الفواقر يخشى بها العفر على نفوسها فالطير لا شك على رءوسها وللكلاب حولها مغار يكاد أن يقدح منها النار من نهم لسانه يلوب يقول هذا كوسج مخضوب يعانق الظبي عناق الوامق ما كان أغنى الطير عن معانق والفهد يشتد على الآجال شد وصى السوء في الآمال لا يهمل القصد ولا يخون كأن كل جسمه عيون وللزغاريات خلف الأرنب حقائق تبطل كيد الثعلب كم مرحت بالهارب الممدود وطوحت بصاحب الأخدود وربما مرت ظباء ومهى للنبل كل في حثاها مشتهى قد تسجت ملاءة من عنبر تخاط من فروتها بالإبر فابتدرت أجنحة السهام صائبة الأعراض والمرامي تجرح كل سانح نفور كأنه بعض شهود الزور كأن أقطار الفلاة مجربره أو روضة من الدماء مزهرة كأن صرعى وحشها كفار الموت عقبى أمرها والنار للمرء فيها منظر أحبه يملأ من شحم ولحم قلبه لله ذاك المنظر المهنا أي معاد عن ذراه عدنا قد ملئت من ظفر أبدينا وقد شكرنا فضل ما حيينا نسير حول الملك المنصور كالشهب حول القمر المنير.

ص: 270