الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كم قد شربت به ماء الحياة ولن
…
ينالني منه لا غص ولا شرق
حتى غدا خجلا مما أقبله
…
فظل يرشح من أعطافه العرق
الراووق الجوبان القواس رحمه الله تعالى:
ولما حكى الرواق في العين شكله
…
وقد علق العنقود في سالف الدهر
تذكر عهدا بالكروم فكله
…
عيون على أيام عهد الصبي تجري
وقال بدر الدين حسن المعزي رحمه الله:
أعجب ما في مجلس اللهو جرى
…
من أدمع الرواق لما انسكبت
لم تزل البطة في قهقهة
…
ما بيننا تضحك حتى انقلبت
وقال برهان الدين القيراطي رحمه الله:
باكرت راووقي وبطتي التي
…
قد قهقهت ودم المدامة يسفك
وأضعت مالي فيها حتى غدا
…
هذا يصغي لي وهذا يضحك
وقال صدر الدين بن عبد الحق (توفي تقريبا سنة سبعين وسبعمائة) :
أسبل الراووق لما صلبا
…
أدمعا لكن رأينا عجبا
بينما الراووق يبكي بدم
…
ضحك الإبريق حتى انقلبا
وقال سيدي المقر المجدي سلمه الله تعالى وأجاد:
قم واصلب الراووق واشف قلبي
…
منه وبلغني بذاك سؤلي
واسفك دم الزق وناد هذا
…
جزاء من يلعب بالعقول
وقال محمد بن العفيف في باطية وأجاد:
إنا المجالس والجليس أنيسه
…
أزهى بحسن ناضر للناظر
اصفو فاظهر ما أجن ولم يكن
…
في باطني شيء يخالف ظاهري
وما ألطف من قال عجلوا:
عجلوا بشرب البواطي
…
فالصواب الصواب نيك الخواطي
كان لأبي الحارث خمسون دنا كان يقول إنه لم يفسد فيه نبيذ قط منذ عشرين سنة فأوصى به عند موته للفضل الرقاشي وقال هذا جزاء له فإنه كان كلما اجتمعنا على أمر قال قم فابدأ به (الأمير صلاح الدين الأربلي) فيما يكتب على طبق تحت أقداح (توفي المذكور سنة سبع وثلاثين وستمائة، ومولده سنة اثنين وسبعين وخمسمائة) رحمة الله عليه:
من فرحتي بالندامى واجتماعهم
…
حولي وقربهم مني وإيناسي
جعلت صفحة خدي تحت أخمص ما
…
قد غادرته الندامى أسفل الكاسي
الباب الثامن عشر
فيما يستجلب بها الأفراح
وهو خمسة فصول:
الفصل الأول في من مدحها من الملوك والرؤساء.
الفصل الثاني في تدبير استعمالها على رأي الحكماء.
الفصل الثالث في آداب منتشيها وما يجب على مستعمليها.
الفصل الرابع في استهدائها واستدعاء الإخوان.
الفصل الخامس في من وصفها من الشعراء الأعيان.
الفصل الأول
قال كسرى النبيذ صابون الهم: قلت من هنا قول الشيخ بدر الدين البشتكي:
وكنت إذا الحوادث دنستني
…
قرعت إلى المدامة والنديمي
لا غسل بالكئوس الهم عني
…
لأن الخمر صابون الهمومي
وقال أرسطاطاليس الراح كيمياء الفرح، وقال جالينوس الراح صديق الروح، وقال آخر الراح درياق سم الهم، قال عبد الملك بن صالح الهاشمي ما حمشت الدنيا بأظرف من النبيذ وقال الثعالبي لكل شيء سر وسر النبيذ السرور، وقال الدنيا معشوقة ريقها الراح، وقال الجاحظ إن النبيذ إذا تمشى في عظامك ودب في أجرامك منحك صدق الحسن وفراغ النفس وجعلك رجي البال خلي الدرع قرير العين منشرح الصدر حسن الظن وسد عليك باب الغم وحسم عنك خاطر الهم، وقيل لأبي حميد الفضل بن وكيل ما تقول في النبيذ المصفى المروق المعسل المعتق فجعل يتمنطق ويقول أخاف ألا أشتغل بشكر الله تعالى الكريم على نعمه فيه وكان مطيع بن إياس يقول في النبيذ معنى في الجنة موجود لأن الله عز وجل يقول إخباراً عن أهلها:"الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن"(1) والنبيذ يذهب الحزن، وقيل لأبي عائشة إن فلانا لا يشرب النبيذ فقال قد طلق الدنيا ثلاثا، وقيل للأعمش مثل ذلك فقال دعوه حتى يقتله القولنج.
وقال: يزيد بن المهلب وددت لو أن كأساً بألف دينار وكل منكح في جبهة أسد فلا يشرب إلا جواد ولا ينكح إلا شجاع.
وقال: عبد الملك للأخطل صف لي الخمر فقال أولها صداع وآخرها خمار قال فما يعجبك منهما قال: إن بينهما طربة لا يعاد لها ملكك وأنشأ يقول:
إذا ما نديمي علني ثم علني
…
ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل حتى كأنني
…
عليك أمير المؤمنين أمير
وقال أبقراط الخمرة صديقة الجسم والتفاحة صديقة النفس.
نادرة: اجتمع محدث ونصراني في سفينة فصب النصراني من ركوة كانت معه في مشربة وشرب وصب فيها وعرض على المحدث فتناولها من غير فكر ولا مبالاة فقال النصراني جعلت فداك إنما هو خمر فقال من أين علمت أنها خمر قال اشتراها غلامي من يهودي وحلف أنها خمر فشربها بالعجلة وقال للنصراني أنت أحمق نحن أصحاب الحديث أفنصدق نصرانيا عن غلامه عن يهودي والله ما شربتها إلا لضعف الإسناد.
وقال الجاحظ كل شيء من المأكل يكون أوله أطيب من آخره إلا النبيذ فإن القدح الأول ثقيل والثاني أسهل والثالث أسلس والرابع أسوغ والخامس أعذب والسادس ألذ حتى ينتهي إلى غاية السرور.
حكي أن عبد الملك بن مروان امتحن أعرابياً من الشعراء فقال صف لي الخمر فأطرق الأعرابي وقال:
شموس إذا شجت لدى الماء مرة
…
لها في عظام الشاربين دبيب
تريك الغذاء من دنها وهي دونه
…
لوجه أخيها في الوجوه قطوب
فقال عبد الملك شربتها يا أخا العرب ووجب عليك الحد فقال ومن أين لك ذلك يا أمير المؤمنين فقال لأنك وصفتها بصفتها فقال وإني قد رابني من أمير المؤمنين ما رابه بأن يكون أيضاً شربها إذ عرف أني وصفتها بصفتها فضحك منه وأحسن جائزته.
نادرة: جلد مدني في الشراب وكان طويلا والجلاد قصيرا فقال له تقاصر لينالك السوط فقال ويلك إلى أكل الفالوذج تدعوني والله لوددت أني أطول من عوج وأنك أقصر من يأجوج ومأجوج.
كتب رجل إلى ابن قريعة القاضي فتيا (توفي المذكور سنة شبع وستين وثلاثمائة ببغداد) ما يقول القاضي أيده الله في رجل سمى ولده مداما وكناه أبو الندامى وسمى ابنته الراح وكناها أم الأفراح وسمى عبده الشراب وكناه أبو الإطراب وسمى وليدته القهوة وكناها أم النشوة أينهى عن بطالته أم يؤدب على خلاعته؟ فكتب تحت سؤاله لو بعت هذا لأبي حنيفة لأقعده خليفة ولعقد له راية، وقاتل من تحتها من خالف رأيه ولو علمنا مكانه لمسحنا أركانه فإن أتبع هذه الأسماء أفعالا وهذه الكنى استعمالا علمنا أنه قد أحيى دولة المجون وأقام لواء ابنة الزرجون فبايعناه وشايعناه وإن تكن أسماء سماها ما له بها من سلطان خلعنا وفرقنا جماعته فنحن إلى إمام فعال أحوج منا إلى إمام قوّال انظر أيدك الله إلى معاني هذا النثر الذي يعجز عنه البديع والمجون الذي لا يلحقه الخليع.
وقالت دنانير جارية البرامكة من أصبح وعنده قنينة ناقصة وزبدية طباهجة باردة وتفاحة معضوضة ولم يصطبح فهو أحمق فاسد المزاج يحتاج إلى العلاج.
الفصل الثاني
في تدبير استعمالها على رأي الحكماء
قال الشيخ الإمام علاء الدين أبو الحسين علي بن أبي الحزم القرشي المتطبب المعروف بابن النفيس تغمده الله برحمته في الجملة الثانية في قواعد الحبر العلمي من الطب في كتابه المشهور المعروف بالموجز عندما ذكر تدبير المشروب ما هذا نصه:
وخير الشراب ما طاب طعمه وعطرت رائحته وصفى لونه واعتدل قوامه والعلامة الجيدة للشراب الجيد الخالي من الغش أنه إذا ترك المقدار القليل مدة طويلة لم يفسد وبقدر طول المدة تعرف الجودة والرقيق اللطيف أسرع إسكارا وتحللا والغليظ أبطأ إسكارا وتحللا وأدوم خمارا لكنه يسمن وخصوصا الحلو وليكن من تسديده على حذر ويختار للشباب والمحرورين الأبيض الممزوج قبل شربه بمدة بكثير الماء وللمشايخ الأصفر القوي القليل المزج فإن أرادوا الاغتذاء والسمن فالأحمر ودع الشيخ وما احتمله وجنبه الصبيان وعدله في الشبان وإنما يستعمل الشراب عند انحدار الغذاء من المعدة وأما في خلل الأكل أو عقيبه فضار لتنفيذه الغذاء على فجاجته على أن المعتاد به لا ينتفع باستعمال ما يعين على الهضم إلا بمقدار ما يقوى على التنفيذ وما دام السرور يتزايد واللون يحسن والبشرة تلين والجلد يربو والحركة نشيطة والذهن سليما فلا تخف من إفراط فإن أخذ النعاس يغلب والغشيان يقوى والبدن والدماغ يثقل والذهن يتشوش والحركة تسترخي فقد وجب الترك فحينئذ يجب القيء والقيء على قليل منه رديء لأنه يغصب من البدن ما ينفعه والشراب بالأقداح الصغار خير من الكبار والتبعيد بين الأقداح لينهضم الأول قبل ورود الثاني أفضل وينبغي أن يحف مجلس الشراب بالمنظر اللذيذ من الأزهار والمحبوبين من الناس والأراييح اللذيذة والسماع المطرب ورفع كل ما يغم ويقبض النفس كالوسخ والصنان واللباس القذر والكمد وبعد غسل البدن والأطراف ولبس المشرف وتسريح الرأس واللحية وتقليم الأظفار وليكن المجلس مشرفا فسيحا بقرب المياه الجارية ومع الظرفاء من الأصدقاء وذلك لأن الشراب يحرك قوى النفس ويثير كل الشهوات فإذا لم نجد كل قوة مطلوبها تأذت وانقبضت فلا تقبل النفس على الشراب كل القبول ولا تنصرف فيه التصرف الواجب فيقل نفعه وربما فسد فكان شره أكثر من نفعه.
ومنافع الشراب منها نفسية ومنها بدنية.
أما النفسية فلا يمكن أن يساويه فيها غيره وذلك كالسرور وبسط النفس وتفسيح أملها وتشجيعها وإزالة البخل والغم والفكر الفاسد وهو أنفع الأشياء للماليخوليا لتفريحه المضاد لا يحاش السوداء وتحسن الظن وتقوى ذهن قوى الدماغ لأن دماغه لا ينفعل عن أبخرة الشراب المسكر بل عن حده اللطيف فيصفو ذهنه صفاء لا يصفو مثله بغيره فلذلك قوى الدماغ لا يسكر بسرعة وبسرعة السكر وبطئه تعلم قوة الدماغ وضعفه.
وأما البدنية فإنها وإن أمكن أن تستفاد بغيره من المعاجين والمركبات فذلك يعسر وذلك كتحسين اللون وإنارته وتبريقه وإشراقه وتقوية الحرارة الغريزة وإنعاشها وإنضاج الرطوبات وإذلاقها وتفتيح المجاري وإزالة سددها وتفتيح المسام وتقوية الهضم وتكبير الروح وتلطيفها وإنارتها وإثارة الدم وتنقيته وإنضاج البلغم وتلطيفه وإدرار الصفراء وترطيبها وتعديل مزاج السوداء وقمع عادتها وإخراجها ونفعه يتعلق بالقوى الطبيعية والحيوانية أكثر من القوى النفسانية وإدامته تبلد الذهن وترخي العصب وتورث الرعشة والتشنج وكثيرا ما يموت السكران بالسكتة والصرف محرق للدم مفسد لمزاج الدماغ والكبد والمسطار يخاف منه ذو سنطار بالنفحة وإسهاله والسكر المتواتر يوهن قوى الدماغ والعصب ولا بأس به في الشهر مرتين لإراحة قوى الدماغ والفصل والبلد الباردان يحتملان كثرة الشراب وقوته وما أمكن ترك التنقل فهو أولى لكن المحرور قد ينتفع بالتنقل بمثل السفرجل والرمان المز والتفاح والكمثرى والزعرور وأقراص الليمون وحماض الأترج شرابه بل يحتاج إلى التنقل بأقراص الكافور كما يفعل بالمدقوقين والمبرودين بحوارش التفاح والخلنجيين والتمر والفستق والمرطوب بالقرعامة وزيتون الماء والفستق واللوز المملوحين والأشياء التي تبطئ بالسكر التنقل باللوز وخصوصا المز خمسون لوزة يستعمل قبل الشرب فيمنع السكر وكذلك التنقل ببزر القنبيط المملح وأكل القبنيطية والكرنبية قبل الشراب وكذلك استعمال المدرات والثرايد الدهنية وإن أبطأت بالسكر لكنها تمنع كثرة الشرب والمسكرات بسرعة كالتنقل بجوز الطيب ونقعه في الشراب وكذلك العود والشليم وورق العنب والزعفران وكل هذه تسكر مفردة وأما البنج واللقاح والشوكران والأفيون فمفرط وإنما يستعمل لمن يريد أن يعالجه بما لا يحتمله في الصحو ومما يذهب رائحة الشراب الكزبرة اليابسة والرأس ودار صيني العين وأفضل ما يمزج به الشراب الماء وقد يمزج بماء لسان الثور ليزداد تفريحه وهو بذلك يسر سرورا عظيما وقد يمزج بماء الورد فيقوى المعدة والقلب أكثر وقد يمزج بأمراق الفراريج واللحم لمن غشي عليه أو ضعف وضيف عليه أن لا تطول المدة إلى حيث تصل المرقة مفردة والله أعلم.
انتهى كلام ابن النفيس الحكيم الفاضل المؤيد محمد بن المحلى الشهير بالعنتري في كتابه النور المجتنى من رياض الندماء.
واعلم أن الإكثار من الخمرة يحدث الأمراض الباردة الرطبة كالسكتة والفالج واللقوة والخدر والرعشة والاسترخاء والسبات هذا لمن مزاجه مستعد للبرد فأما أصحاب المزاج الحار فإنها تولد الحميات الحارة ولا سيما إن وافقها غذاء حار وفصل حار ومزاج صرف والغرض من الخمرة أن يأخذ منها اليسير بعد الطعام بثلاث ساعات ولا بأس باستعمال النشوة والسكر في الشهر مرتين نافع وكذلك القيء مرتين في الشهر ويجب ألا يؤخذ الغذاء إلا وقت الشهوة وبعد الرياضة ومن أراد الاستكثار من الشراب فلا يستكثر من الطعام ومن أراد أن يطول جلوسه على الشراب فلا يستكثر من الرياضة والحمام ولا يمتلئ من الطعام وإذا كان الغذاء ظهرا كان الشراب عصرا ويبدأ بالأقداح الصغار أولا.
وأما أوقات الاجتماع عليها فيكون ذلك والقمر في برج الزهرة أو عطارد متصلا بهما اتصالا مقبولا ويحذر ثبوت المشتري ونظره إلى القمر والعاقل إذا انقطع إلى الخمرة في يوم مذموم كفى شر ذلك اليوم باشتغاله بها إلا أنه يجب أن يكون خلوه مع نديم مأمون الجانب عاقلا يكفى شر ذلك اليوم إن شاء الله تعالى ومنه صفة تفاحة تسكر سريعا إذا شمت يؤخذ زعفران وميعه وحمام ولقاح وقشور أصل اليبروح ينعم سحقه ويعجن بشراب صرف عتيق ويتخذ منه تفاحة منقشة وتشم والحرمل مفردا ومع الشراب يسكر الشارب سكرا مفرطا ومن شرب خمس سعدات أو عشرة مسحوقة لم يسكر يومه ويجب ألا يفعل ذلك إلا صاحب المزاج البارد وأما المحرور فيجعل غذاءه إذا أراد ألا يسكر بالخل والسماق والحصرم وماء الليمون بلحوم الدجاج والجداء والخرفان ويمتص ماء الرمان المز وأكل السمك الطري بالخل والتنقل باللوز الحلو لا سيما إن وافق ذلك سماع مطرب أو نديم يعجب وينشد:
الخمر طيبة وليس تمامها
…
إلا بطيب خلائق الجلاس
ما يقطع رائحة الشراب من الفم:
فمن ذلك سعد وكبابة ودار صيني بالسوية يدق ويستف منه مثقال لا سيما بعد القيء المستقصى وسف الكزبرة والنعناع ومضغ العود الرطب وكذلك السعد وأكل البصل يخفى رائحة الشراب والفوتنج النهري إذا مضغ قطع رائحته. انتهى كلام العنبري.
وقال التيفاشي في كتابه سرور النفس بمدارك الحواس الخمس وهو عدة مجلدات إنني لما رأيت لهج الخلفاء والملوك وشغف جمهور الأمم من العرب والعجم بشرب شراب العنب واختلاف مذاهبهم في استعماله مع الاتفاق على الميل إليه على تباين بخلهم ومللهم وقد ذكر عن الأحنف بن قيس أن رجلا قال له يا أبا بحر ما ألذ الأشربة فقال له الخمر فقال كيف علمت ولم تذقها قال لأني رأيت من أحلت له لا يصبر عنها ورأيت من حرمت عليه يخطئ البهائم ووجدت جل من يستعمل هذا المشروب لا يفي له خيره بشره ولا يقوم نفعه بضره وذلك لجهله بوجه استعماله فإن من المعلوم أن الخمر إنما المقصود من شربها منفعتان إحداهما للنفس بالتفريح ونفي الهموم وأخراهما للبدن بحفظ صحته عليه ونفي الأمراض النازلة به وتحقق عند كل من له أدنى مسكة من عقل أنها إذا استعملت على غير ما ينبغي انعكست هاتان المنفعتان مضرتين فصار عوض السرور هما وغما وضجرا وسوء خلق وعوض الصحة مرضا مزمنا أو موتا فجأة حسبما نشرحه إلا أنه لا يقتصر الأمر على عكس هاتين المنفعتين فقط بل يتعدى إلى مضار أخرى عظيمة إن سلمت المهجة كذهاب العقل والمال والجاه والذكر الجميل بل لا يقف الأمر على ذلك بل يتعدى الضرر إلى الأعقاب فإن الحكماء أجمعوا قاطبة على أن مدمن الخمر لا ينجب وإن أنجب كان الولد أحمق. انتهى كلام التيفاشي.
ونقلت من مجموع بخط بعض الأفاضل قد ذكر الحكماء والأطباء والعلماء والشعراء والفضلاء والبلغاء من مضار الخمر ومنافعها وبهجة عواريها وطوالعها فمن ذلك قولهم الخمر يسخن الجسم ويجود الهضم ويرطب الأعضاء ويسكن القيء والعطش إذا مزجت وتدر البول وتسهل الطبيعة وتسر النفس وتحدث النشاط والطرب والأريحة لا سيما في الأبدان المعتدلة هذا في أخذ القصد فإذا أكثر منها أحدث ذلك السهر وورم الكبد وقلة شهوة الجماع والغذاء والنسيان والبخر والرعشة والدمع وضعف البصر والحميات واختلاط العقل والتبلد والسكتة والصرع وموت الفجأة لأن الخمر تملأ الدماغ فتغمر الحرارة كما يغمر الدهن نار السراج فيطفأ. انتهى.
الفصل الثالث
في آداب منتشيها وما يجب على مستعمليها
ينبغي للمعاشر والنديم المجالس للملوك والرؤساء أن يكون نظيف الكف نقي الظفر متعاهد التقليمة والتخليل بين أصابعه وغسل يده ومعصمه في أوقات وضوئه ومطعمه طيب المعاني عطر البشرة نظيف الوجه والشارب والأنف نقي الجبين مستعملا للسنوت وأخذ السعد بالغدوات وتسريح اللحية وتنظيف الثياب وعمامته خاصة لأن العين كثيرا ما تقع عليها متعطر بالبخور والغالية والدراير على الشعر والثياب وليجلس في مرتبته بحسن أدب وسكون جاشر بغير اتكاء ولا مد رجل ولا عبث بثوب ولا بلحية ولينهض بنهوض الملك ويجلس حيث يشير إليه ويدنو إذا استدناه ويجيبه إذا سأله ولا ينهض عن المائدة أولا ولا يمد يده مبتدئا ولا يلعق أصابعه ويعيدها في الطعام ولا يغمس أنامله ولا يسرع المضغ ولا يكثر الضحك والكلام ولا يعض اللحم بأسنانه ولا يرد ما عض في الصحفة ولا يتناول ما بين يدي غيره ولا يكثر اللقم ولا يفتت الخبز ولا يخلخل الملح ولا يتلقط الدسم بالخبز ولا يكثر من اغتراف الحبوب والأمراق خوفا من أن يسيل على الثياب وينسب إلى الشره وسوء الأدب ولا يفسخ الدجاج بيده بعنف خوفا من الاندلاق وهو أن يكون تحت جلد الدجاجة أو في أوراكها دسم فيطير على ثياب من بازائه بل يقطع بالسكين على تواضع ولا يحصر الزيتونة بشدة فربما طارت نواتها فأصابت وجه جليسه ولا يحمل بيده الحلوى بكثرة ولا يدخل إلى فيه الطعام الحار ثم يخرجه من فيه ولا ينفخ فيه وفي المرقة ليبرد ولا يكثر شرب الماء ولا يتجشى ظاهرا ولا يمشمش العظام ولا ينفض المخاخ ولا يعض الفواكه إن حضرت قبل الطعام ولا يمد يده إلى قطعة لحم مشهورة ولا بيضة منضورة ولا سنبوسجة مشتهاة ولا ما تقع الشهوة عليه ولا ما تسارع النفس إليه ويجب أن يتجنب الخمرة في مجالس الملوك ومن يخاف على عرضه.
حكى أن المتنبي كان يأبى شرب الخمرة ويكرهه فألزمه سيف الدولة بن حمدان فشرب ذات ليلة عنده ففرطت منه فارطة بأن قبل غلاما ومازحه ثم ندم لوقته فقام وانصرف وبقي أياما لا يحضر مجلسه فأكثر بطلبه حتى حضر فأمره بالشرب فامتنع وأقسم أنه لا يشرب أبدا خمرا وأنشأ يقول:
رأيت المدامة غلابة
…
تهيج للمرء أشواقه
تسيء من المرء تأديبه
…
ولكن تحسن أخلاقه
وبالأمس مت بها موتة
…
وهل يشتهي الموت من ذاقه
فعفاه من الشرب.
وإذا ألزم العاقل الشرب في مجالس الملوك فلا يشرب فإن غلب لزم الصمت والسكوت وتكلفه إلا أن يسأل فيرد جوابا مختصرا..
وحكي أن نصيبا كان يجالس عبد الملك بن مروان ويؤاكله ويجلس قريبا منه فألزمه بالشرب فقال يا أمير المؤمنين لست لك بقرابة ولا لي عليك يد بيضاء ولا أنا ذو حسب ونسب وإنما أنا عبد أسود قربني منك أدبي وعقلي فيأبى بك أن تسلبني أدبي وعقلي الذي قربني منك فعجب منه وعفاه.
وينبغي ألا يشربها أبدا الحمقى والسفهاء والجهال حتى يخرجون في فجورهم وسفههم وتكثر حماقتهم.
وقال أبو نواس رحمه الله تعالى:
والخمر قد يشربها معشر
…
ليسوا إذا عدوا بأكفائها
وقال آخر:
وقد تعرف الجهال من حلمائنا
…
إذا ما تعاطينا الكئوس تعاطيا
تزيد حمياها السفيه سفاهة
…
وتترك ألباب الرجال كما هيا
وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى
…
أقلهم عقلا إذا كان صاحيا
عليك دليل من صحبت فلا يكن
…
جليسك من يحكي إليك المساويا
وقال آخر:
على قدر عقل المرء في حال صحوه
…
يؤثر فيه الخمر في حال سكره
فيأخذ من عقل كثير أقله
…
ويأتي على العقل اليسير بأسره
قال المأمون الشراب ستر فانظر مع من تهتكه وقال الجماز حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفسا على من غنى الخطأ واتكأ على اليمين وأكثر أكل النقل وكسر الزجاج وسرق الريحان وبل ما بين يديه وطلب العشاء وقطع اللمة وحبس أول قدح وأكثر الحديث وامتخط في منديل الشراب وبات في موضع لا يحتمل المبيت ولحن المغنى ونقلت من خط الحافظ جمال الدين اليغمودي من مجاميعه المسماة بكنوز الفوائد ومعادن الفرائد ما صورته لما تقلد كسرى أنوشروان مملكته عطف على الصبوح والغبوق فكتب إليه وزيره رقعة يقول فيها إن في إدمان الملك الشراب ضررا على الرعية والوجه تخفيف ذلك والنظر في أمور المملكة فوقع على ظهر الرقعة إذا كانت سبلنا آمنة وسيرتنا عادلة والدنيا باستقامتنا عامرة وعمالنا بالحق عاملة فلم نمنع فرحة عاجلة.
قال سليمان أخطأ كسرى من وجوه أحدها أن الإدمان إفراط والإفراط مذموم وآخر أنه حمل أن أمن السبل وعدل السيرة وعمارة الدنيا والعمل بالحق لم يوكل به الطرف الساهر ولم يحظ بالعناية التامة ولم يحفظ بالاهتمام الجالب لدوام النظام مع أنه متى كان كذلك دب إليها النقص والنقص باب الانتقاص مزيل للأصل مزعزع للدعامة وآخر أن الزمان أعز من أن يبذل كله للأكل والشرب والتلذذ والتمتع فإن في تكميل النفس الناطقة باكتساب الرشد لها وإبعاد الغي عنها ما يستوعب أضعاف العمر فكيف إذا كان العمر قصيرا وكان ما يدعو إليه الهوى كثيرا وآخر أنه ذهب عليه أن العامة والخاصة إذا وقفت على اشتهار الملك بالذات وانهماكه في طلب الشهوات ازدرته واستهانت به وجذبت عنه بأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير.
وما أحسن ما قال الأديب الفاضل أبو عبد الله محمد بن الرفا الرصافي من رصافة قرطبة رحمه الله تعالى وقد مر بروضة نزهة فتذكر جلوسه فيها مع رفقة له كانوا أعزاء على قلبه:
سلى خميلتك الريا بآية ما
…
كانت ترف بها ريحانة الأدب
عن فتية نزلوا أعلى أسرتها
…
عفت محاسنهم إلا من الكثب
محافظين على العليا وربتما
…
هزوا السجايا قليلا بابنة العنب
حتى إذا ما قضوا من كأسها وطرا
…
وضاحكوها إلى حد من الطرب
راحوا رواحا وقد زيدت عمائمهم
…
حلما ودارت على أبهى من الشهب
لا يظهر السكر حالا من ذوائبهم
…
إلا التفاف الصبا في السن العذب
ونقلت من خط سيدنا ومولانا الجناب المجدي فضل الله ابن المرحوم الصاحب فخر الدين بن مكانس هذه الرجوزة وسماها عمدة الحرفاء وقدوة الظرفاء من نظم والده سامحه الله تعالى:
هل من فتى ظريف
…
معاشر حريف
يسمع من مقالي
…
ما يبهر اللآلى
أمنحه وصيته
…
سارية سرية
تنير في الدياجى
…
كلمعة السراجى
جالبة السراء
…
جليلة الأنباء
ماجنة خليعة
…
بليغة مطبوعة
رشيقة الألفاظ
…
تسهل للحفاظ
جادت بها القريحة
…
في معرض النصيحة
أنا الشفيق الناصح
…
أنا المجد المازح
اسلك الجماعة
…
في طريق الخلاعة
اجد للأكياس
…
عهد أبي نواس
أن تبتغي الكرامة
…
وتطلب السلامة
اسلك مع الناس الأدب
…
تر من الدهر العجب
لن لهم الخطابا
…
واعتمد الآدابا
تنل بها الطلابا
…
وتسحر الألبابا
البس حلا الخلاعة
…
واخلع ردا الرقاعة
ولا تطاول بنشب
…
ولا تفاخر بنسب
المرء ابن اليوم
…
والعقل زين القوم
ما أروض السياسة
…
لحائز الرياسة
إن شئت تلفى محاسنا
…
فلا تقل قط أنا
وإن أردت لا تهن
…
إذا اؤتمنت لا تخن
العز في الأمانة
…
والكيس في الفطانة
القصد باب البركة
…
والخرق داعى الهلكة
لا تغضب الجليسا
…
لا تسخط الرئيسا
لا تصحب الخسيسا
…
لا توحش الأنيسا
لا تكثر العتابا
…
تنفر الأصحابا
فكثرة المعاتبة
…
تدعو إلى المجانبة
وإن حللت مجلسا
…
بين سراة رؤسا
اقصد رضا الجماعة
…
وكن غلام الطاعة
داريهم باللطف
…
واحذر وبال السخف
لا تلفين كاذبا
…
لا تهمل الملاعبا
قرب الندامى يلجى
…
للنرد والشطرنج
واختصر السؤالا
…
وقلل المقالا
ولا تكن معربدا
…
ولا بغيضا نكدا
ولا تكن مقداما
…
تسطو على المنداما
لا تمسك الأقداحا
…
تنغص الأفراحا
لا تقطع الظرافة
…
لا تشحذ السلافة
لا تحمل الطعاما
…
والنقل والمداما
فذاك في الوليمة
…
شناعة عظيمة
لم يرتضيها آدمي
…
غير وضيع عادم
وقل من الكلامى
…
ما لاق بالمدامى
كرائق الأشعار
…
وطيب الأخبار
واترك كلام السفلة
…
والنكتة المبتذلة
وقالت الأكياسى
…
إذا أريق الكاسى
بادره بالمنديل
…
في غاية العجيل
فشملة الكرام
…
سفنجة المدام
وإن رقدت عندهم
…
فلا تشاكل عبدهم
فإن سلمت مرة
…
فلا تعد يا عره
لا تأمنن الثانية
…
فإن تلك القاضية
والدبدبون احذره حذر
…
فإنه إحدى الكبر
فيا لها من فضيحة
…
ومحنة قبيحة
فاعلها لا يكرم
…
وإن دوى لا يرحم
كم أسكن الترابا
…
ذا قوة ذبابا
وكم فتى من ذره
…
أصبح مفضي الثقبة
جازوه من جنس العمل
…
وصار في الخلق مثل
ليس له من أسى
…
كمثل بعض الناس
كفتة تلك شهرة
…
ومثلة وعبرة
إياك والتطفيلا
…
وشامة الوبيلا
تبالها من محنة
…
وثلمة وهجنة
لا تقرب الطاعة
…
فإنها دلاعة
ولا تكن مبذولا
…
ولا تكن ملولا
وإن دعاك الأخوة
…
إلى ارتشاف القهوة
فلا تصقع ذقنكا
…
ولا تزرهم بابنكا
ولا بجار الدار
…
ولا بشخص طارئ
ولا نجل تألفه
…
ولا صديق تصدفه
ولا تقل لمن تحب
…
ضيف الكرام يصطحب
فهذه أمثال
…
غالبها محال
سيرها الأغراب
…
السادة السغاب
قد وضعوها في الورى
…
طرا بأولاد الخرا
وإن حللت مشربه
…
مع سوقه لا كتبه
فأقلل من المدام
…
في مجلس العوام
فكثرة المجون
…
نوع من الجنون
والأمر فيه يحتمل
…
وكل من شاء فعل
وآخر الأمر الرضى
…
وكل مفعول مضى
فعصبة العوام
…
ضرب من الأنعام
وإن صحبت تركى
…
فاصبر لأكل السكك
هذا إذا تلطفا
…
ولم يكن فيه جفا
وإن يكن ذا عربده
…
ونزعة منكدة
يقوم للجلوس
…
بالسيف والدبوس
أبشر بقتل القوم
…
ونحس ذاك اليوم
فاقبل كلامي واعتمد
…
وصيتي واصل وفد
ولا تخالف تندم
…
ولا تعزز تعدم
فالشؤم في اللجاج
…
والحر لا يلاجى
فهاكها وصية
…
تصحبها التحية
يحملها الكرام
…
إليك والسلام
الفصل الرابع
في استهدائها واستدعاء الإخوان
كتب ابن العميد إلى بعض أصحابه يستهديه خمرا قد اغتنمت الليلة أطال الله بقاء سيدي ومولاي رقدة عين الدهر وانتهزت فرصة من فرص العمر وانتظمت مع أصحابي كالثريا فإن لم تحفظ علينا ما نحن فيه من النظام بإهدائي المدام عدنا كبنات نعش والسلام.
وقال جحظة البرمكي يستهدي نبيذا (توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة رحمه الله :
قد زارني اليوم نور عيني
…
وكان بالأمس صدّ عني
وليس عندي له نبيذ
…
وليس يرضى بذاك مني
فجد علينا بنصف دن
…
بربع دن بثلث دنى
لا تنكرن كدني وشحتي
…
فإنني شاعر مغني
حالا لو خافا مليكا
…
إذا لكدي بكل فن
وكتب عبد الرحيم بن أحمد القاريس خوى إلى أخيه الأكبر:
بلغ جمال الدين عبد الواحد
…
صدر الأنام الماجد بن الماجد
برد الهوا زاد في قلبي الهوى
…
فانعم علي بقلب ضد البارد
وأنشدني الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس من لفظه لنفسه:
براح ورمان بعثت إليكم
…
وبسر وتفاح تضوع كالند
كما حليت بكر على الشرب ناهد
…
مقمعة الأطراف قانية الخد
الاستدعاء قال بعضهم:
تفضل بحق الكأس والراح والهوى
…
وترجيل أصداغ غدون على خد
وكن غير مأمور جواب كتابنا
…
ولا توحشنا بالتعلل والوعد
ولآخر:
جعلت فداك قد حضر الطعام
…
وضجت من تأخرك المدام
فإما جئتنا عجلا وإلا
…
أخذنا في اغتيابك والسلام
وكتب أحمد بن يوسف إلى صديق له هذا يوم رقت حواشيه وبدت تباشير الحبور فيه والمرء بأخيه كبير وبمساعدته جدير وأنت قطب السرور ونظام الأمور فلا تتأخر عنا فنقل ولا تتفرد منا فنذل.
وقال عبيد الله بن طاهر (توفي سنة ثلاثمائة) :
القدر قد هدرت والدن مبذول
…
والروض قد رش والريحان مبلول
وقرت العين قد جاءت بمزهرها
…
يصيح في يدها والنائي مشغول
ولا يتم لنا عيش ولا طرب
…
حتى نراك فأنت القصد والمسئول
وكل عيش بلا راح ومسمعة
…
ولا نديم ولا أنس فتعليل
يوم التلاق قصير كيف طال لنا
…
وغيره فيه مع أبعاده طول
وقال آخر نحن في مجلس قد أبت راحته أن تصفو أو تتناولها يمناك وأقسم غناءه لا طاب إن لم تعه أذناك فإما خدود تاريخه فقد احمرت خجلا لإبطائك وأما عيون نرجسه فقد حدقت تأميلا للقائك ونحن لغيبتك كعقد قد ذهبت واسطته وشباب قد أخذت حدته فإذا غابت شمس السماء عنا فلابد أن تدنو شمس الأرض منا فإن رأيت أن تحضر لتتصل الواسطة بالعقد ويحصل بقربك في جنة الخلد فكن إلينا أسرع من السهم إلى ممره والماء إلى مقره.
وقال الوزير أبو القاسم بن السقاط يومنا أعزك الله يوم بقيت شمسه بقناع الغمام وذهبت طاسه بشعاع المدام ونحن في قطار الوسمى في رداء هدى ومن نضير النوار على نضائد النضار ومن نواسم الزهر في لطائم العطر ومن غرر الندمان بين زهر البستان ومن سقاة الكئوس ومعاطي المدام بين مشرقات الشموس وعواطي الأرام فرأيك في مصافحة الأقمار ومنافحة الأنوار واجتلاء غرر الظباء الجواري واتقاء درب الغناء الحجازي موفقا إن شاء الله تعالى.
وقال محمد بن أبي محمد بن الفياض كاتب سيف الدولة بن حمدان وقد أجلتنا يومين وهذا ثالث وأعطيتنا عهدين وكنت الناكث فهل ابتدعت ما أتيت أو كان لك عليه باعث فيا قسيم روحي ويا نسيم صبوحي ها قد آن الغبوق إلا أنه يعز بمرشف شفتيك وكأس عينيك ووالله لا شربت إلا على آس عذارك وورد خديك فابرر قسمي ورد الجواب من فمك إلى فمي.
وقال القاضي السعيد بن سناء الملك وقد انتظمنا انتظام الجمان واجتمعنا على رغم أنف الزمان وعندنا فلان وما أدراك ما فلان تارة ينظر فيملأ علينا البيت سحرا وتارة يبسم فيفرق علينا درا.
وقال أبو الوليد بن الحبان الشاطبي نحن في روض أغصانه الندماء وغمامته الصهباء فبالله غلا ما كنت لروض مجلسنا نسيما ولزهر حديثنا شميما وللجسم روحا وللطيب ريحا وبيننا عذراء زجاجتها خدرها وخبائها ثغرها بل شقيقة حوتها كمامه أو شمس حجبتها غمامة إذا طاف بها معصم الساقي فوردة على غصنها أو شربها مقهقهة فحمامة على فننها طافت علينا طوفان القمر على منازل الحلول فأنت وحياتك إكليلنا وقد آن حلولها في الإكليل.
وقال بدر الدين بن صاحب وكتب بها إلى الصاحب فخر الدين ابن مكانس تغمدهما الله برحمته وسامحنا وإياهم بمحمد وآله هل لك بسط الله آمالك وضاعف نعيمك ودلاك في عذراء مصونة كالدرة المكنونة فتانة مفتونة كأن على خدها فوق ورده ياسمينة مخدرة تدهش العقول لمجتلاها وتغشى العيون لضوئها سناها مظلومة الريق في تشبيهها بالضرب وفي اللثات وفي أنيابها شنب لها من ذاتها طرب يغني عن المزامير بلقسية الجمال لها صرح ممرد من قوارير ضرة للشمس تلبس زي البدور ليلين ويرطب بها عيش السرور ليلها من حسنها نهار وضوء وجهها ليد لامسها سوار الاسم صبية الاستمتاع بكر تستخف الحليم بكشف القناع تعصبت بالدجى طيبا وتلثمت بالصباح وتلطفت حتى مازجت الأرواح كريمة الأصل والفعال حسنة المعاني والخصال أديمها كلما يعنق يغلو ووردها كلما مر بحلو يخلع الوقور في حبها العذار ويطيعها بالسعد فلك اللهو المدار ثملة المعاطف تقهقه قهقهة الرعونة كأنما خلقت نشوانة من الطينة يزداد ثغرها طيبا في ساعة السحر وتعرف عينها المخفية بحسن الأثر حديثها السحر الحلال وعتيقها خلع الدلال أيامها أعياد وأوقاتها أوقات القلوب والأكباد تطيب عيش الجلاس وتفرك أذن الوسواس من القاصرات الطرف في كل قصر وهي على الإطلاق مليحة ذهبية العصر رومية لها بالكيمياء معرفة مع أنها بإدراك المطالب متصفة فتارة تقلب الأحزان أفراحا ومرة تكتال لك الذهب أقداحا نديمها يجد في نفسه تخاييل المملكة ويكاد أن يمد على الدنيا من لؤلؤة حباتها شبكة قينة كأنما غنت الفلك فنقطتها بالنجوم قارية تخلقت بعد أن تقمصت ببياض الغيوم تجمع شمل الأحباب وتهذب الأخلاق الصعاب لو خالطها حبل لماس أو قابلها جماد لقيل أنه كاس أو قتلت ندمائها لما نسبت إلى إياس ولقال لسان حالهم وفيها منافع للناس وتلطف حتى كأن رائيها سامع يطيب ويطرب وحتى يكاد يأكل بالضمير ويشرب تغايرت الاستقصاءات على شكلها النوراني وما نفثت في خلقها الجثماني الروحاني فلم يجد الطير له فيها مدخلا لكن قنع منها بالتلطيخ تطفلا على أنه وارثها بالتعصب وقل جدها للأم بلا تثريب أنفاسها مسكيه وطبائعها برمكية ومكارمها خاتمية وأنسابها قيصرية بكر خاتم ربها وهي ترضع أباها من حلبها فتعيد الشيخ صبيا والمشغول خليا فكأنها استعارت الإرضاع من أمها التي لها ثدي كالنجوم عدة وتعلمت منها المكارم لما رأت أكفها بالندى ممتدة غانية طعم الحياة في ريقها وضيق الموت في مباينتها وتطليقها لا تنزل الحوادث ساحتها ولا يعرف التعب من صافح راحتها حمراء تخلع ثوبها على الندمان بل تكاد تطبق عينها على الإنسان لا ينهض البليغ بوصفها فالعجز عن إدراك لطفها إدراك لطفها.
أخبرني الجناب المجدي سلمه الله تعالى أن والده أجاب عن هذه الرسالة جوابا مجزعا إلى الغاية وأن مسودتها عدمت.
وقال أبو الحسين بن بسام ليستنهض همه نديم (توفي سنة ثلاث وثلاثمائة رحمه الله :
ألا بادر فلا تأن سوى ما
…
عهدت الكأس والبدر التمام
ولا يكسل برؤيته ضبابا
…
يظن به الحديقة والمدام
فإن الروض ملثم إلى
…
أن توافيه فينحط اللثام
وقال الشهابي الأعزازي من موشحة أولها (توفي سنة عشرة وسبعمائة) : (يوجد شعر)
كأس رؤيه*
جلا علينا النديم*
أم سنا مصباح
أم شمس حسن*
قد توجتها النجوم*
في سماء الأقداح
ومنها:
وأجاد لنا خليل
…
نراه منذ ليالي
(يوجد شعر)
غائبا عنا*وماء الشمول
…
لذيذه وهو سالي
أيش منا*قل يا رسول
…
نائبا في ظلالي
غيره: (يوجد شعر)
دوحه غنى زبرجديه*
ونم شادورنم*
وبقايا راح
ويوم دجن*
وقد دعاك النديم*
فأجب يا صاح
وقال الحكيم شمس بن دانيال يداعب:
شمس الدين قد أبطأت عنا
…
لأمر قل لنا ماذا الجفاء
وقلت اليوم بعد العصر تأتي
…
وبعد العصر يأتينا الجزاء
ونقلت من خط الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس ما صورته كتبت إلى صاحبنا الأديب الفقيه العالم الحافظ الراوية أبي حفص سراج الدين عمر السكندري الشهير بالقوصي استدعبه وفيها بعض مداعبة: الحمد لله المجيب لمن دعاه:
يا ذا الذي فكره مثل اسمه يقد
…
فندت عنا وما من شأنك الفند
بما اعتذارك عن هذا الصدود وما
…
هذا وقد ضمنا بالحيرة البلد
عافاك ربك من داء القطيعة بل
…
شفاك من كل داء أمره نكد
فيم التواني وشهر الصوم مقتبل
…
عن خمرة ضوئها في الكأس يتقد
وفتية مخلصين الود قد جلبوا
…
على المحبة لا حقد ولا حسد
إن ذاع وصفك في ناديهم طربوا
…
أو جال ذكرك فيما بينهم سجدوا
إن لم تشرف بناديهم فاشرفوا
…
أو لم تنفق لهم آدابهم كسدوا
لم ذا هجرت بنى الآداب فابد لنا
…
فما اعتذارك لا أهل ولا ولد
قد صرت توحشهم بعد أوان قربوا
…
وكنت تؤنسهم قربا وإن بعدوا
تركت عشرتهم لما رغبت إلى
…
جاه طويل عريض زانه مدد
ما هكذا تفعل الدنيا بصاحبها
…
فالناس بالناس والإخوان تنتقد
وبعد فاحضر فذنب العبد مغتفر
…
ولو تطاول من هجرانك الأمد
أولا فعصبة فسق كلهم سبق
…
سود غلاظ شداد مالهم عدد
لهم ايور قيام طول دهرهم
…
من حين إدراكهم بالحسين ما رقدوا
كأنهم من حديد جمعوا زبرا
…
يستوثبون فلا يقواهم الأسد
من كل اير تحك السحب هامته
…
يهيج كالبحر إذ يبدو له زبد
مرنفل مكهعر مغضب شرس
…
لظهره جملونات بها عقد
مسكرج الرأس في عرنينه شمم
…
معشر الدوم في حلقومه غدد
تلك الأيور تراهم في نكورهم
…
كأنهم تحت فسطاط السما عمد
ومن قرى رقعتي هذي وليس يرى
…
عقبيه حاضرا لم يثنه أحد
مولاي إني محب فاتخذ كلمي
…
نصيحة فعليها الخل يعتمد
يا در لنا فبنو الآداب كلهم
…
تجمعوا من فجاج الأرض واحتشدوا
وأنت أدرى بقوم إن قلوا سلقوا
…
بألسن ما لقتلي حربها قود
فأوعدوك وإن لم تأت نحوهم
…
فكل منحر في الحال ما يعد
لازلت ترقى على زهر النجوم علا
…
ما حلت الريح أقوام وما رصد
وكتب إليه يداعبه:
يوم عليك سعيد
…
يبدي الهنا ويعيد
يا بحر علم خضم
…
تأتي إليه الوفود
يا ناقض الود يا من
…
شوقي إليه يزيد
ويا رقيق الحواشي
…
ماذا الجفا والصدود
يا جامع الشمل يا من
…
بما لديه يجود
قد غيرتك الليالي
…
والجاه وهو شرود
فكيف تبدي نفارا
…
منا ونحن عبيد
لم لا تتيه وتعلو
…
على الورى وتسود
وأنت خلفك قوم
…
كل قوى شديد
والناس شكوا وقالوا
…
ما شاب منه الوليد
والشعر فيك توالى
…
طويله والمديد
أصبحت كالبدر مراء
…
وهو القريب البعيد
يا أكثر الناس نحبا
…
قل لي لماذا العقود
وقد أتى الصوم فالمم
…
بنا فقربك عيد
واغتنم شفاءك واشرب
…
فقد أتتك السعود
واحضر إلينا إذا ما
…
وافاك دن النضيد
فعندنا أن تزرنا
…
ما نشتهي ونريد
راح وظبى وشاد
…
يشجي الأنام وعود
تزوج الماء بالراح
…
والملاح شهود
وأنت جوهر فضل
…
به تحلى العقود
لازال عزمك والر
…
أي مفلح ورشيد
يستخدم الدهر في
…
ما تقره وتبيد
أيامه خدم وبي
…
ض والليالي سود
وقال آخر نحن قوم من شيعة الخمر نحب العتيق قد فرضنا عنا يد الهم بسماع الوتر وأقمنا من ناصب الغم وعدك المنتظر.
الفصل الخامس
فيمن وصفها من الشعراء الأعيان
القول في الكرمة: الكرم أكرم الشجر جوهرا وأشرفها محتدا وعنصرا منافعها عظيمة وعوائدها جسيمة وثمرها يزهى على جميع الثمار طيبا ومنفعة ومواد الشرب فيما يستخرج منه مستجععة وينبغي أن يختار لها أرض معتدلة رطبة لا مفرطة الرخاوة ولا صلبة ولا يكثر سقيها فيصير ما يعصر منها رقيقا مائيا ولا يفرط في تعطيشها فيكون يابسا ناريا ويعتمد تزبيل أرضها باخثاء البقر فإنها حافظة لما استودعته دون غيرها من الشجر وألا يغرس ما يضادها في أقرب مواضعها ولا يلاصقها إلا ما يقاربها في طبائعها فيجتنب الدفلى والدلب والخروع وما يشاكلها وتجاور الورد والتفاح واللوز والخوخ وما يماثلها والتفاح أشبهها به.
نكتة حسنة: قال أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة لسليمان بن كثير بلغني أنك كنت في مجلس قد جرى بين يديك فيه ذكرى فقلت اللهم سود وجهه واقطع عنقه واسقني من دمه فقال نعم قلته ونحن في الكرم الحصرم لما نظرت إليه فاستحسن قوله وعفا عنه لسداد جوابه.
القول على ثمرها أجمع العجم والعرب على أن رأس الفاكهة التين والعنب لأنهما بهديان الخصب إلى الجسوم ونفذوا أنهما غذاء غير مذموم وعقيد العنب إذا طبخ نفع من بعض الخوانيق وقطع الرطوبات المضرة بالحلوق وقد ورد في الخبر المأثور ما هو عند أصحاب الحديث مشهور وهو كلوا الزبيب فإنه يطفئ الغضب ويذهب الوصب ويشد العصب ويرضى عن الرب، وأطيب العنب ما اخضر عوده وتسلسل عنقوده وتدفق ماؤه ورق لحاؤه وقل عجمه واستجلاه مستطعمه وأفضل الأشربة ما اتخذ منه وهو الخمر لما فيها من الفضائل ولما انفردت به من شريف الخصائل فالألسنة منبسطة بنشر محاسنها والمدايح مشوقة إليها من أفضل معادنها والنفوس بمحبتها كلفه والقلوب إلى ما تجتنيه منها متشوفة من اعتياد شربها لم يصبر عنها ومن لم يذقها ورآها دعاه نسيمها ولونها إلى الأخذ بحظ وافر منها وما أحسن قول ابن المعتز فيها:
معتقة صاغ المزاج لرأسها
…
أكاليل در ما لمنظومها سلك
جرت حركات الدهر فوق سكونها
…
فذابت كذوب التبر أخلصه السبك
وأدرك منها الآخرون بقية
…
من الروح في جسم أضر به النهاك
وقد خفيت من صوفها فكأنها
…
بقايا يقين كاد يذهبه الشك
وقال القاضي الفاضل رحمة الله عليه:
لها متن تصفو على الشرب أربع
…
وواحدة لولا سماحتها تكفى
سرور إلى القلب وتبر إلى يد
…
ونور إلى عين وعطر إلى أنف
ولما رأينا ياسمين حبابها
…
مددنا يمين القطف قبل فم الرشف
وقال مجير الدين بن عبد الظاهر:
خمرة للشقيق أمست شقيقة
…
بنت كرم بالمكرمات خليقة
قال قوم من لطفها هي في الكأ
…
س مجاز الكاس قالت حقيقة
كيف تغدو عتيقة لدنان
…
وهي في قبضة الندامى رقيقة
أنتجت فرحة وجاءت بكاس
…
صبغت حمرة فنعم العقيقة
هي مخلوقة من الماء فاعجب
…
كيف نار من مزنة مخلوقة
كم تبدت بها معاني سرور
…
بسوي الماء لم تكن مطروقة
سلفتنا على العقول وقالت
…
يتولى الجناب كتب الوثيقة
حملت همنا فحمدا وشكرا
…
لعجوز على بنيها شفوقة
كم بكت بالدموع منها الرواوي
…
ق وجاءت جيوبها مشقوقة
أتراني أعصى إلهي فيها ثم
…
أخشى من أن يقول الخليقة
وما أحسن قوله ملغزا في شملة وإن لم يكن مما فيه لكن الشيء بالشيء يذكر بلوازمه ومشمولة رقت وراقت فأصبحت:
على الشرب تزهى حين
…
تهدى إلى الكاس
معتقة ما شمست بعد عصرها
…
لائم وكم فيها منافع للناس
ولا عصرت يوما برجل ولا لها
…
إذا ما أديرت من صعود إلى الرأس
وقال ديك الجن عبد السلام بن رعبان الحمصي (مولده سنة إحدى وستين ومائة وتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين) :
بها غير معذور فداو خمارها
…
وصل بعشيات الغبوق ابتكارها
فقم أنت واحتث كأسها غير صاغر
…
ولا تشق إلا خمرها وعقادها
فقام يكاد الكأس تحرق كفه
…
من الشمس أو من وجنتيه استعارها
ظللنا بأيدينا نتعتع روحها
…
فيأخذ من أقدامنا الراح ثارها
موردة من كف ظبي كأنما
…
تناولها من خده فأدارها
قلت: أحسن ما ضمن هذا العجز الشيخ بدر الدين حسن العربي الشهير بالزعارى:
وبي سامري مربى في عمامة
…
قد اكتسب من وجنتيها احمرارها
موردة دارت بوجه كأنما
…
تناولها من خده فأدارها
وقال مجير الدين بن تميم مضمنا:
لو كنت شاهدنا وقد جليت لنا
…
في كأسها لما انتشى الندماء
لرأيت أحسن ما يرى بزجاجة
…
سال النضار بها وقام الماء
وقال صدر الدين بن غنوم:
قم نفترغ بكر المدامة بكرة
…
في روضة حسنت وراقت منظرا
فالراح سيف قاطع لهمومنا
…
أوما تراه بالحباب مجوهرا
وقال شرف الدين راجح الحلى:
أعجب شيء رأته عيني
…
ما بين عود وحقق نائي
زحف سرور بجيش هم
…
وقتل خمر بسيف مائي
وقال محيي الدين المغربي حافى رأسه (مولده سنة خمس وثمانين وستمائة، وتوفي سنة اثنتين وستين وسبعمائة) :
لم يتدر بدر الحباب بكأسها
…
إلا لصيد بلابل الأرواح
مزحت فأنجزت الذي وعدت به
…
من نفخ روح الهوى في الأشباح
وقال الناشئ:
صفت وأحداق نورها بزجاجها
…
فكأنما جعلت إناء إنائها
وتكاد أن مزجت لرقة لونها
…
تمتاز عند مزاجها من مائها
تزداد من كرم الطباع بقدر ما
…
تؤدي به الأزمان من أحزانها
وقال البديع الهمذاني قال ابن خلكان (كانت وفاته سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة مسموما بمدينة هراه) :
وفتيان كأقران الثريا
…
على طرق من العيش الرخيم
بساقيهم من الغزلان أحوى
…
كأن بطرفه داء الظليم
تنادوا للمدام وعنفوني
…
وقالوا هاك حظك من نعيم
فقلت أخاف عقباها ولكن
…
أشيعكم إلى باب الجحيم
وقال أبو تمام الطائي (توفي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة) وفي وفاته ثلاثة أقاويل:
بمدامة تعدو المنا لكئوسها
…
حولا على السراء والضراء
راح إذا ما الراح كن مطيعا
…
كانت مطايا الشوق في الأحشاء
صعبت وراض المزج يبنى خلقها
…
فتعلمت من سنن خلق الماء
حرقاء تلعب بالعقول حبابها
…
كتلعب الأفيال بالأسماء
وضعيفة فإذا أصابت فرصة
…
فبكت كذلك قدرة الضعفاء
وقال أبو الحسن على بن موسى الغرناطي ضمني وأبا يحيى الكاتب مجلس أنس فتذاكرنا ما قيل في معاقرة الشراب في المشيب فأنشدني لنفسه:
لاموا على حب الصبا والكاسى
…
لا بدا زهر المشيب براسي
والغصن أحوج ما يكون لشربه
…
أيان يبدو بالأزاهر كاسي
ثم قال هل سمعت في هذا المعنى شيئا لغيري فقلت لا ثم أعلمت حتى عملت فيه وهو معنى غريب قلت:
يلومونني عن شبت في الخمر صلة
…
وإنني إذا وافى المشيب بها أحق
إذا شاب رأس الليل بالفجر قريب
…
له كئوس الصباء من خمرة الشفق
آخر:
صب في الكاسى عقيق فجرى
…
وطفا الدر عليه فسبح
نصب الساقي على حافاتها
…
شبك الفضة فاصطاد الفرح
وقال أبو نواس رحمه الله عليه:
يطوف بها ساق أغن يرى له
…
على مستدار الأذان صدغا معقربا
إذا عب فيها شارب القرم خلته
…
يقبل في داج من الليل كوكبا
وقال ابن المعتز رحمة الله عليه:
قد أظلم الليل يا نديمي
…
فاقدح لنا النار بالمدام
كأننا والورى رقود
…
نقبل الشمس في الظلام
وقال ابن حمديس المصنفلي رحمة الله عليه:
قم هاتها من كف ذات الوشاح
…
فقد نعى الليل بسير الصباح
من قبل أن ترشف شمس الضحى
…
ريق الغوادي من ثغور الأقاح
وقال ابن رشد رحمة الله عليه أيضا:
خليل النفس لا تخلى الزجاجا
…
إذا بحر الدجى في الجو ماجا
مشعشعة كأن الشمس ألقت
…
على أيدي السقاة به محاجا
إذا مريخها اتقد احمرارا
…
سكبن المشتري فيه مزاجا
وقال ابن حجاج رحمة الله عليه:
ويحكم يا كهول أو شيوخ الفس
…
ق أو يا معاشر الفتيان
اشربوها خمرا مما اقتناها
…
آل دير الفنون للقربان
بكئوس كأنها ورق النس
…
رين فيها شقائق النعمان
اشربوها وكل إثم عليكم
…
إن شربتم بالرطل في ميزان
في ليال لو أنها دفعتني
…
وسط ظهري وقعت في رمضان
وقال ابن سيناء الملك:
الكاس لم تذنب فكيف حاسبتها
…
أوحشتها من طول ما أنسيتها
لا بل هممت بشربها ورأيتها
…
ألقت عليك شعاعها فلبستها
وقال وجيه الدين بن الدروي:
يفيض على كسرى غلالة قهوة
…
ويسلمه عمدا الراحة سالب
ونص على دين المجوس لهيبها
…
فشق الدجى عن صدره مسبح راهب
وقال القاضي الفاضل رحمه الله:
يلوح عليها خجلة إذ أدارها
…
فمن عرق يبدو الحباب لذي المزج
أتاني بها والصبح من تحت ذيله
…
كما استل سيف أو كما ابتسم الربجى
حبيب كأن كأسه من صبابتي
…
فظاهرها برد يزر على وهجي
وقال أبو نواس رحمة الله عليه:
وخمار الحب عليه ليلا
…
قلائص قد تعبن من السفار
3فترحم والكرى في مقلتيه
…
كمخمور شكى ألم الخمارى
أين لي كيف سرت إلى حريمي
…
وجفن الليل مكتحل نفار
فقلت له ترفق بي فإني
…
رأيت الصبح في خلل الديار
فكان جوابه إن قال كلا
…
وهل صبح سوى ضوء العقار
وقام إلى الدنان فسد فاها
…
فعاد والليل منسدل الأزار
وقال آخر:
جلوها على الندمان فاحمر وجهها
…
بخجلتها عند البروز من الخدر
وألقوا عليها الماء فاصفر لونها
…
وتحسن عند الملتقى وجل البكر
وقال يزيد بن معاوية:
لي وله إذا الكاسات دارت
…
رقا سحرا بحل عرى الهموم
محادثة ألذ من الأماني
…
وأبث جوى أرق من النسيم
وقال البحتري رحمة الله عليه:
تخفي الزجاجة لونها فكأنها
…
في الكف قائمة بغير إناء
ولها نسيم كالرياض تنفست
…
في أوجه الأرواح والإبداء
وفواقع مثل الدموع تحدرت
…
في صحن خد الكاعب الحسناء
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي ملغزا في مدام:
وما شيء حشاه فيه داء
…
وأوله وآخره سواء
إذا مازال آخره فجمع
…
يكون الحد فيه والمضاء
وإن أهملت أوله ففعل
…
له بالرفع والنصب اعتناء
وله:
حببناها مشعشعة تلألأ
…
وثوب الليل فضفاض الذيول
فنحسبها إذا الساقي جلاها
…
تفتش بالسراج على العقول
ولآخر:
أدير بلحيتي البيضاء كأسي
…
بكيس زائد مني وفطنه
ألم يرني وعفو الله راج
…
ومن شرهي أصفيها بقطنه
وقال الشيخ يحيى الخبان (توفي سنة سبعين وسبعمائة) :
بعيشك هاتها حمراء صرفا
…
صباحا واطرح قول النصوح
فهذي الشمس قد بزغت بعين
…
تغامزنا على شرب الصبوح
وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة:
مورد الخد أدار الطلا
…
فقال لي في حبها عاتبي
عن أحمر المشروب ما تنتهي
…
قلت ولا عن أخضر الشارب
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي:
قم هاتها في الظلام صافية
…
تورث جسمي وقبضتي بسطه
أضحت عليها الأفراح دائرة
…
يا صدق من قال أنها نقطة
وقال المرحوم فخر الدين بن مكانس:
للراح بالكيميا شبه فإن لها
…
للقلب والرأس تقطيرا وتصعيدا
قالوا هي الشمس إشراقا وقد جهلوا
…
وما ذاك إلا شعاع الشمس معقودا
وقال بدر الدين بن الصاحب:
يا حابس الكاس لا تزدها
…
من بعد حبس الدنان حسره
واغتنم مزاجا لها لطيفا
…
يورثه الانتظار صفره
وقال من لفظه لنفسه سيدنا القاضي بدر الدين محمد بن الدماميني:
قم بنا نركب طر
…
ف اللهو سبقا للمدام
وأثنى يا صاح عناني
…
للكميت وللجامي
وللشيخ شهاب الدين بن حجر أبقاه الله تعالى لنفسه الكريمة:
أطيل الملال لمن لامني
…
وأملأ في الروض كأس الطلا
وأهوى الملاهي وطيب الملا
…
ذ فها أنا منهمك في الملأ
ومن لفظه لنفسه الكريمة الجناب المجدي بن مكانس:
نزل الطل بكرة
…
ونوالي تجددا
والندامى تجمعوا
…
فأجلى كاسي على الندا
وقال شهاب الدين بن أبي حجلة:
أمعطل الكاسات عن عشاقها
…
يكفيك بالتعطيل عيب عائبا
ذهبت كئوسك بالمدام فقد أرى
…
للناس فيما يعشقون مذاهبا
فمتى سلكت من الهموم مهالكا
…
صادفت في فتح الدنان مطالبا
ومتى امتطيت من الكئوس كميتها
…
أمسيت تمشي في المسرة راكبا
ومتى طرقت عشى أنس ديرها
…
لم تلق إلا راغبا أو راهبا
وقال الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه تغمده الله برحمته:
لأن شبه الساقي المداد بعسجد
…
فقد مال بالتشبيه عن صنعة الأدب
ولكن رآها جوهرا سميت طلا
…
فموّه لما حلت الكاس بالذهب
ونقلت من خط الشيخ بدر الدين البشتكي لنفسه:
وخمار هدينا في الدياجى
…
بجذوة كأسه وسنا النديم
سألنا منه عن خمر حديثنا
…
فأخبرنا عن العصر القديم
قلت: وعلى ذكر الحديث قال أبو بكر بن عياش كنت وسفيان الثوري وشريك نمشي بين الحيرة والكوفة فرأينا شيخا أبيض الرأس واللحية حسن السمت فقلنا هذا شيخ جليل قد سمع الحديث ورأى الناس وكان سفيان أطلبنا للحديث وأشدنا بحثا وأعلمنا به وأحفظنا له فتقدم إلى الشيخ وسلم عليه ثم قال له أعندك شيء من الحديث فقال له أما الحديث فلا ولكن عندي عتيق سنين قال فنظرنا فإذا الشيخ خمار.
نادرة: قيل لخالد بن صفوان أتمل الحديث قال إنما العتيق يمل.
رجوع. وقال المرحوم فخر الدين بن مكانس:
من شرطنا إن أسكرتنا الطلا
…
صرفا تداوينا بشرب اللما
نعاف مزج الماء في كأسها
…
لا آخذ الله السكارى بما
وقال بدر الدين بن الصاحب:
يأيها العاصر بادر إلى
…
عنقودك الفاخر في كرمه
إياك أن تتركه ساعة
…
تزبب النحس على أمه
وقال مجير الدين بن تميم:
وليلة بت اسقي في غياهبها
…
راحا تسل شبابي من يد الهرم
مازلت أشربها حتى نظرت إلى
…
غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم
ولما تمثلت في أواخر سنة خمس وتسعين وسبعمائة بين يدي سيدنا ومولانا أوحد العصر من غير مدافع ولا منازع أقضى القضاة بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزومي الشهير بالدماميني أسبغ الله ظلاله تذاكرنا بين يديه الكريمة الكتب وحسن أسمائها فأخبرنا أنه في زمن الصبا جمع مقاطيع من الخمريات وسماها مقاطع الشرب تأمل ما ألطف هذه التسمية.
القصائد قال الشيخ العالم المفنن البارع صدر الدين محمد بن المرحل ويعرف في الشأم بابن وكيل بيت المال تغمده الله بالرحمة (مولده سنة خمس وستين وستمائة ووفاته سنة ست عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى) :
ليذهبوا في ملامى أية ذهب
…
في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب
لا تأسفن على مال تمزقه
…
أيدي سقاة الطلا والخرد العرب
والمال أجمل وجه فيه تصرفه
…
وجه جميل وراح في الدجى لهب
فما كسوا راحتي من راحها حللا
…
إلا وعرّوا فؤادي الهم واستلبوا
راح بها راحتي في راحتي حصلت
…
فنمى عجبي بها وازداد بي العجب
إذ ينبع الدر حلو من مذاقته
…
والتبر منسبك في الكأس منسكب
وليست الكيمياء في غيرها وجدت
…
وكل ما قيل في أبوابها كذب
قيراط خمر على القنطار من حزن
…
يعيد ذلك أفراحا وينقلب
عناصر أربع في الكأس قد جمعت
…
وفوقها الفلك السيار والشهب
ماء ونار وهواء أرضها قدح
…
وطوقها فلك والأنجم الحبب
ما الكاس عندي بأطراف الأنامل بل
…
بالخمس تقبض لا يخلو لها الهرب
شججت بالماء منها الرأس موضحة
…
فحين أعقلها بالخمس لا عجب
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي لو لم يقل الشيخ صدر الدين من الشعر إلا هذا البيت لكان قد أتى بشيء غريب نهاية في البديع لقد غاص فيه عل المعنى ودق تحيله فيه:
وما تركت بها الخمس التي وجبت
…
وإن رأوا تركها من بعض ما يجب
وإن أقطب وجهي حين تبسم لي
…
فعند بسط الموالي يحسن الأدب
هذا البيت أيضاً بديع المعنى دقيقه وقد اعتذر عن اقتضابه بأحسن عذر وأوضحه وما أحسن قول ابن رشيق:
أحب أخي وإن أعرضت عنه
…
وأقل على سامعه كلامي
ولي في وجهه تقطيب راض
…
كما قطبت في وجهه المدام
وتتمة الأبيات:
عاطيتها من بنات الترك عاطية
…
لحاظها للأسود الغلب قد غلبوا
هيفاء جارية للراح ساقية
…
من فوق ساقية تجري وتنسكب
من وجهها وتثنيها ومقلتها
…
تخشى الأهلة والقضبان والقضب
يا قلب أرادفها مهما مررت بها
…
قف بي عليها وقل لي هذه الكتب
وإن مررت بشعر فوق قامتها
…
بالله قل لي كيف البان والعذب لكن
تريك وجنتها ما في زجاجتها
…
مذاقته للريق تنتسب
تحكي الثنايا التي أبدته من حبب
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وقال الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري:
قضى وما أقضيت منكم لبانات
…
متيم عبثت فيه الصبابات
ما فاض من جفنه يوم الرحيل دم
…
إلا وفي قلبه منكم جراحات
أحبابنا كل عضو في محبتكم
…
كليم وجد فهل للوصل ميقات
غبتم فغابت مسرات النفوس فلا
…
أنتم زعمى ولا تلك المسرات
يا حبذا في الصبا عن حبكم خبر
…
وفي بروق الفضا منكم إشارات
وحبذا زمن اللهو الذي انقرضت
…
أوقاته الغر والأعوام ساعات
أيام ما شعر البين المبيت بنا
…
ولا خلت من مغاني الأنس أبيات
حيث المنازل روضات مدبجة
…
وحيث جاراتها غيد وقينات
وحيث لي بديار اللهو سلطنة
…
ولي على ثغر من أهوى ولايات
وحيث أسعى لأوطان الصبا مرحا
…
ولي على حكم من أهوى ولايات
ورب حانة خمار طرقت وما
…
حانت ولا طرقت للقصف حانات
سبقت قاصدا مغناها وكنت فتى
…
إلى المدام له بالسبق عادات
أعثو إلى ديارها الأقصى وقد لمعت
…
تحت الدجى فكأن الدير مشبكات
وأكشف الحجب عنها وهي صافية
…
لم يبق في دنها إلا صبابات
راح زحفت على جيش الهموم بها
…
حتى كأن سنا الأكواب رايات
وبت أجلو على الندمان رونقها
…
حتى لقد أصبحوا من قبل ما باتوا
مصونة السرح ماتت دون غايتها
…
حاجات قوم وللحاجات أوقات
تجول حول أوانيها أشعتها
…
كأنما هي للكاسات كاسات
ويصبح الشرب صرعى دون مجالسها
…
وهي الحياة كأن الشرب أموات
تذكرت عند قوم دوس أرجلهم
…
فاسترجعت من روث القوم تارات
واستضحكت فلها في كل ناحية
…
هبات حسن وفي الإناء هبات
كأنها في أكف الطائفين بها
…
نار تطوف بها في الأرض جنات
من كل أغيد في دينار وجنته
…
توزعت من قلوب الناس حبات
مبلبل الصدغ طوع الوصل منعطف
…
كأن أصداغه للعطف واوات
ترنحت وهي في كفيه من طرب
…
حتى لقد رقصت تلك الزجاجات
وقمت أشرب من فيه وخمرته
…
شربا تشن به العقل غارات
وينزل اللثم خديه فينشدها
…
هي المنازل لي فيها علامات
وقال الأديب الفاضل الكامل أبو الفتح بن قلاقس السكندري:
الحق بنفسج فجرى وردتي شفق
…
كافورة الصبح فتتت مسكة الغسق
قم هات جامك شمسا عند مصطبح
…
وخل كأسك نجما عند مغتبق
وأقسم لكل زمان ما يليق به
…
فإن للزند حليا ليس للعنق
هب النسيم وهب الريم فاشتركا
…
في نفحة من نسيم المندل العبق
واسترقصني كاسترقاص حاملها
…
مخضرة الورق في محضلة الورق
وظلت بالكأس أغنى الناس كلهم
…
فالخمر من عسجد والكاس من ورق
وقال الشيخ الفاضل الكامل برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن محمد المعروف بالقيراطي رحمة الله عليه:
قسماً بروضة خده ونباتها
…
وياسها المخضر في جنباتها
وبسورة الحسن التي في خده
…
كتب العذار بخطة آياتها
وبقامة كالغصن إلا أنني
…
لم أجن غير الصد من ثمراتها
لا عزرن غصون بان زورت
…
أعطافه بالقطع من عذباتها
ولا صبحن للذى متيقظاً
…
ما دامت الأيام في غفلاتها
وأبا كرنَّ رياض وجنته التي
…
ما زهرة الدنيا سوى زهراتها
كم ليلة نادمت بدر سمائها
…
والشمس تشرق في أكف سقاتها
وجرت بنادهم الليالي للصبا
…
وكؤوسنا غرر على جبهاتها
فصرفت ديناري على دينارها
…
وقضيت أعوامي على ساعاتها
خالفت في الصهباء كل مقلد
…
وسعيت مجتهداً من نفحاتها
فشممتها ورأيتها ولمستها
…
وشربتها وسمت حسن صفاتها
وتبعت كل مطاوع لا يختشى
…
عند ارتكاب ذنوبه تبعاتها
يأتي إلى اللذات من أبوابها
…
ويحج للصهباء من ميقاتها
عرف المدام بجنسها وبنوعها
…
وبفصلها وصفاتها وذواتها
يا صاح قد نطق المزار مؤذنا
…
أيليق بالأوتار طول سكاتها
فخذ ارتفاع الشمس من أقداحنا
…
وأقم صلاة اللهو في أوقاتها
إن كان عندك يا شراب بقية
…
مما تزال بع العقول فهاتها
الخمر من أسمائها والدر من
…
تيجانها والمسك من نسماتها
وإذ العقود من الحباب تنظمت
…
إياك والتفريط في حباتها
وقال الصاحب العالم المفنن فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس:
خليلي هيا للصبوح وبكرا
…
وحثا لهوها تحمد السرا
ولا تركبا الليل البهيم اركبا مدا
…
ما كميتا أو ن الصبح أشقرا
وصيدانيات بنات الكرم من دنها
…
فإن أوان راحها عندي القرا
إذا ما أديرت في حشا عسجدية
…
بها كل ذي ملك وتاج تصورا
فحسبك نبلا في السيادة أن ترى
…
نديمك في الكاسات كسرى وقيصرا
مدام حوت معنى السرور أفرطت
…
فمنها سرى فيها السرور وأثرا
لذلك قد تزهى بوجه مخلق
…
وجللها ثوب النعيم مزعفرا
إذا ضرجتها تحت حبابها
…
تخال لبها في الكاس سيفا مجوهرا
وبرهانه ذبح الهموم ألا ترى
…
على جانبها ذلك الدم أحمرا
وقال الأديب الفاضل الكامل فخر الترك أيدمر المجنوى من قصيدة مطولة تقدمت أوائلها في باب الروضات والبساتين:
وسلافة باكرتها في فتية
…
من مثلها خلق لهم وتخلق
شربت كثافتها الدهور فما ترى
…
في الكأس إلا جذوة تتألق
يسعى بها ساق يهيج به الهوى
…
وترى سبيل العشق من لا يعشق
تتنادم الألحاظ منه على سنا
…
خد تكاد العين فيه تغرق
راق العيون غضاضة وغضارة
…
فهو الجديد ورق فهو معتق
ورنا كما لمع الحسام المست
…
ضيء ومشى كما اهتز القضيب المورق
وأظللنا في فرعه وجبينه
…
ليل تألق فيه صبح مشرق
وكأن مقلته تردد لفظه
…
لتقولها لكنها لا تنطق
وإذا العيون تجمعت في وجهه
…
فاعلم بأن قلوبنا تتفرق
وقال الشيخ الفاضل الكامل كمال الدين على بن النبيه:
طاب الصبوح لنا فهاك وهات
…
واشرب هنيئاً يا أخا اللذات
كم ذا التواني والشباب مطاوع
…
والدهر سمح من الكاسات
قم فاصطبح من شمس كأسك واغتبق
…
بكواكب طلعت من الكاسات
صفراء صافية توقد بردها
…
فعجبت للنيران في الجنات
ينسل من قار الظروف حبابها
…
وادر مجتلب من الظلمات
وتريك خيط الصبح مفتولا إذا
…
صبت من الروواق في الكاسات
عذراء واقعها المزاج أما ترى
…
منديل عذرتها بكف سقات
يسعى بها عبل الروادف أهيف
…
خنث الشمائل شاطر الحركات
يهوى فتسبقه ذوائب شعره
…
ملتفة كأسود الحيات
يدري منازل نيران كئوسه
…
ما بين منصرف وآخر آت
وقال الأديب الفاضل الأوحد أمين الدين جوبان القواس:
إذا افتر جنح الليل عن مبسم الفجر
…
ولاح به ثغر من الأنجم الزهر
وفاحت لنا من عابق لروض نكهة
…
رشفنا به برد الرضاب من الخمر
وعهدي بوجه الأرض مبتسماً فلم
…
يغرغر منها الدمع في مقل القدر
إذا أرجف الماء النسيم لوقته
…
كساه شعاع الشمس درعا من التبر
وبحر الرياض الخضر بالزهر مزبد
…
كأنما في فلك مجلسنا نسر
ومن شهب الكاسات بالنجم نهتدي
…
إذا ظل سار العقل في لجة السكر
نصون الحميا بالقناني وإنما
…
نصون القناني بالحميا وما ندر
ولما حكى الروواق في العين شكله
…
وقد علق العنقود في سالف الدهر
تذكر عهد بالكروم فكله
…
عيون على أيام عهد الصبا تجري
عجبت لها والراح تبكي به فلم
…
غدت بحباب الكأس باسمة الثغر
إذا ما أتاني كأسها غير مترع
…
تحققت عين الشمس في هالة البدر
يناولينها مخطف الخصر أهيف
…
فلله ذاك الأهيف المخطف الخصر
ينادمنا نظما ونثرا ولفظة
…
ومبسمه يغني عن النظم والنثر
فلم يسقني كأس المدامة دون أن
…
سقاني بعينه كئوساً من الخمر
وناجوز ثم انثنى غصن بانة
…
وعن مها لما تبسم عن در
وقال وفرط السكر يثنى لسانه
…
إلى غير ما يرضى التقى وهو لا يدري
ردوا من رضابي ما يعيض عن الطلى
…
إذا كان وجهي فيه غنى عن الزهر
ومن كان لا تحوى زراعاه مئزري
…
دون الذي تحوى أنامله خصري وقال الشيخ الإمام الفاضل البارع صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلى رحمه الله:
أراد التبر ف كأس اللجين
…
رشاً بالراح مخضوب اليدين
وطاف على الصاحب بكأس راح
…
فطافت مقلتاه بآخرين
رخيم من بني الأتراك طفل
…
يجاذب خصره جبلى حنين
يبدل نطقه ضادا بدال
…
ويشر عجمه قافا بغين
إذا يحلو الحميا والمحيا
…
شهدنا الجمع بين النيرين
يطوف على الرفاق من الحميا
…
ومن خمر الرضاب بمسكرين
وآخر من بني الأعراب حفت
…
جيوش الحسن منه بعارضين
إلى عينيه تنتسب المنايا
…
كما انتسب الرماح إلى ردين
يلاحظ سوسن الخدين منه
…
فبدلها الحياء بوردتين
ومجلسنا الأنيق تضيء فيه
…
أواني الر اح من ورق وعين
فأطلقنا فم الإبريق فيه
…
وبات الزق مغلول اليدين
وشمعنا شبيه سنان تبر
…
تركب في قناة لجين
وقهوتنا شبيه شواظ نار
…
توقد في أكف الشاقين
إذا ملء الزجاج بها وطارت
…
حواشي نورها في المشرقين
عجبت لبدر صار شمسا
…
يحف من السقاة بكوكبين
وله:
بدت لنا الراح في تاج من الحبب
…
فحرقت حلة الظلماء باللهب
بكر إذا زوجت بالماء أولادها
…
أطفال در على مهد من الذهب
بعيدة العهد بالمعصار لو نطقت
…
لحدثتنا بما في سالف الحقب
باكرتها في رفاق قد زهت بهم
…
قبل السلاف سلاف العلم والأدب
بكل متشح بالفضل مئتزر
…
كأن في لفظه ضرب من الطرب
بل رب ليل غدا في الإهاب غدت
…
تضيء كئوس الراح كالشهب
بدلت عقلي صدافا حين بت به
…
أزوج ابن سحاب بابنة العنب
بتنا بكاساتها صرعى ومطربنا
…
يعيد أرواحنا من مبدء الطرب
بعث أتانا فلم نعلم لفرحتنا
…
من نفحة الصوارم من نفحة القضب
بروضة ظل فيها الظل أدمعه
…
والزهر مبتسم عن ثغره الشنب
بكت عليه أساليب الحيا فغدا
…
خذلان يرفل في أثوابه القشب
بسط من الروض قد حاكت مطالارفها
…
يد الربيع وجادتها يد السحب
وقال الوأواء الدمشقي رحمه الله تعالى:
أسقياني ذبيحة الماء في الكأ
…
س وكفا عن شرب ما تسقياني
أنني قد آمنت بالأمس إذ مت
…
ت بأني أموت بكرة ثاني
قهوة تطرد الهموم إذا ما
…
سكنت في مواطن الأحزان
نثرت راحة المزاج عليها
…
حدقا ما تدو في أجفان
فهي تجرى من اللطافة في الأر
…
واح مجرى الأرواح في الأبدان
يتهادى بكأسها من هداياه
…
ظني من ظرائف الأشجان
آنها الرايح الذي راحتا
…
هـ بخضاب الكئوس مخضويتان
عج بضحك الأقداح في رهج القص
…
ف إذا ما بكت عليها القناني
واسقني القهوة التي تنبت الور
…
د إذا شئت في خدود الغواني
لا تدغدغ صدر المدام بأيدي المز
…
ج ما دغدغت صدور المثان
وقال أبو الفتوج بن قاقس_رحمه الله:
كم ملة للشقيق الغض رمداء
…
أنسانها سايح في بحر دمع أنداء
كم ثغور اقاح في مراشفها
…
رضاب طائفة بالرى وطفاء
فما اعتذارك من عذراء جامحة
…
لانت كما لامستها راحة الماء
نضت عليها حسام المزج فامتنعت
…
بلامة للجباب الجم حصدائي
أما ترى الصبح يخفى في دجنته
…
كأنما هو سقط بين أحشائي
والطير في عذابات الدوح ساجعة
…
تطابق اللحن بين العود والناء
فحى بالكأس كسرى تحيي رمته
…
بروح راح سرت في جسم سراء
وعذ بمعجزت آيات المدامة من
…
نوافث السحر في أجفان حوراء
فما الفصاحة إلا ما تكرره
…
منازل الدن من ترجيع فأفاء
فاعكف على جلس اللذات مغتنما
…
فالدهر في حربه تلوين حرباء
قيل: أتى عبد الملك بن مروان فقال له ماذا شربت فقال:
معتقة كانت قريش تعافها
…
فلما استحلوا قتل عثمان حلت
فقال مع من؟ فقال: سقوني مع الشعرى بكأس روية
…
وأخرى من الجوزاء لما استقلت قال فما غنيت؟ فقال:
سقوني وقلوا لا تغن فلوا سقوا
…
جبال حنين ما سقوني لغنت
فعفى عنه وأطلق سبيله.
ومن كلام الشيخ برهان الدين القيراطي: يوم أنيق وغيم دفيق، وروض إذا سلسل ماؤه المطلق تهلل وجهه الطليق، فإذا دعى الندامى فيه بالصبوح- جاءت قنية في يدها إبريق، وإذا انحرت السقاة فيه دماء الرقاق صارت أيامهم كلها أيام تشريق، وإذا خاط منم الشرب سرور وغار من أوجه المسك الفتيق.
قلت: قوله أيان التشريق مأخوذ من قول أبي الحسن الجزار يفتخر:
إنى لمن معشر سفك الدما لهم دأب
…
وسل عنهم إن رمت تصديق
تضيء بالدم إشراقا عراصهم
…
فكل أيامهم أيام تشريق
وقال برهان الدين القيراطي أيضاً:
زوج الماء براحك
…
وأجلها بين ملاحك
اتعطل يوم لهو
…
من صبوة في صباحك
وإذا خفت افتضاحا
…
كل عيس في افتضاحك
أو ترى فيها جناحا
…
قم ودعني من جناحك
وصل اليوم اغتباقا
…
من كئوس باصطباحك
صاح هذا وقت راحى
…
واقتراحي واقتراحك
فاطرح من لام جهلا
…
في اطراحى والطرحك
وقل شهاب الدين أحمد لن أبي جحلة هذه الأبيات تحبب في الحبب وتقلب إكسير راحها لجين الزجاج إلى الذهب قد امتزجت بالقلوب امتزاج الماء بالراح ولم يفتح بمثلها على صاحب الفرح، كم رقصت على سماعها الأحبة ونقط الحبيب دينارها من خده وشامته بدينار بقيراط وحبه.
وقال الشيخ بدر الدين البشتكي أبقاه الله تعالى: أقول كلما والله نظرت إلى هذه الأبيات، والكلمات الحجيلات، أكاد أسكر بلا راح، وأطير من الأدب بلا جناح.
هذه عبارة الشيخ بدر الدين ومن خطة نقلت.
قلت: ولو قال بدر الدين وأطير من الأدب وأطبر من الفرح لكان أحسن فتأمله.
وأنشد عن لفظة لنفسه سيدنا القاضي المفنن البارع صدر الدين على بن سيدنا ومولانا القاضي أمي الدين بن الآدمي سلمه الله تعالى وقلتها من خطه:
سبح القمرى في الدوح وغرد
…
فحسبنا إن في الروضة معبد
والند فاض على زهر الربا
…
فسرت بين الندامى نفحة الند
إنما الزهر ثغور فتحت
…
باسمات بحميل المزن لما يتأود
من يدي ظبي عزيزي أهيف
…
مخطف الخصر رقيق مايس القد
كامل الأوصاف لكن ثغره
…
ولما ريقه حلو مبرد
جامع الحسن لوصل مانع
…
طرفه الهندي قد بالغ في الحد
ضيق العين إذا ما سمته
…
قبلة سل من اللحظ مهند
وحمى فاه بلحظ فاتر
…
فهو تركي على الثغر مجرد
يا له من عجب في لحظه
…
سكر العشاق منه وهو عربد
لينت أعطفه الخمرة لى
…
فأعادت أسد الخلية أغيد
بنت كرم عشقوها زمنا
…
طال حتى إنه لم يحص بالعد
تسلب العقل من الرأس كما
…
سلبت قدم من الكرمة باليد
قل لساقينا إذا طاف بها
…
سحرا بين الندامى يتردد
أترع الكأس وأسرع واغتنم
…
جمع شمل واختش أن يتبدد
ما تر الأنجم كانت زمرا
…
لم يدع ذا الصبح منها غير فرقد
فهي مثلى حين غابت سادتي
…
عن عياني بعد جمع صرت مفرد
قلت: وإذ ذكرنا مدحها أيضاً وأوسعنا المجال في ذلك فلا بأس بإيراد نبذة من ذمها في الحديث المرفوع جمع الشر كله في بيت وجعل متاحه الخمر، وفي كتاب المبهيج الخمر مصباح السرورو ولكنه مفتاح الشرور.
وقيل لبعضهم تركت النبيذ وهو رسول إلى القلب فقال نعم ولكنه بئس الرسول يبعث إلى القلب فيذهب إلى الرأس.
وكان العباس بن علي عم المنصور يأخذ الكأس بيده يقول لها: أما المال فتتلفين وأما المروءة فتخلفين وأما الدين فتفسدين فيسكر ساعة ثم يقول أما النفس فتسخنين وأما القلب فتشجعين وأما الهم فتطردين أفناك متى تقتلين ويشربها.
قيل لأعرابي لم لا تشرب النبيذ قال لا أشرب عقلى.
وقبل لبعضهم لم لا تشرب فقال عقلى لا أقدر على جمعه فكيف فرقه وما أظرف من قال شعرا:
تقول أثوابي لما رأت
…
شيبي وتكعيبي على صدري
بالله يا شيخ أما تستحي
…
إلى متى تصبغنى بخمري
وقال آخر:
قد هجرت الراح حتى
…
ليس لي فيها نصيب
وعلى الرواق منى
…
طول ما عشت صليب
وقيل مهر الخمر العقل والدين والدرهم، سئل بعض الشيوخ عن الخمر فقال: تضيع مال وعقل وزيادة بول وجنون.
وإذا ذكرنا الخمر ومنافعها ومضارها ومدحها وذمها فلا بأس بإيراد نبذة من المفرحات المركبة نقلتها من كتاب مفرح النفس تأليف الحكيم الفاضل الرئيس بدر الدين مظفر ابن القاضي مجد الدين عبد الرحمن قاضي بعلبك ولي رياسة الطب بدمشق (وتوفي سن تسعمائة وخمسة وسبعين بدمشق) رحمه الله عليه: صفة مفرح حار للملوك والكبر الأوائل كان الخلفاء المتقدمون من بني العباس وغيرهم يستعملونه وله منافع كثيرة يطول شرحها والحاصل أه يبرئ جميع الأمراض السوداوية عاجلاً ويفرح تفريحاً مفرطاً حسناً: خولنجان وزراوند مدحرج وسنبل وسلحة وجعدة وزنجبيل وقاقلة كبار وصغار ودار صيني الصين وقرنفل وزرنب وذرساذ من كل واحد ثلاثة داهم قفاح الأذخر وغاريقون وحاشا وتريد وقسط وحلو وسادج وبسفانج محكوك وحماما من كل واحد خمسة داهم وعرق ذهب وياقوت أحمر رماني وزمرد من كل واحد مثقال وزعفر أن مثقالان يدق الجميع وينخل ويعجن بعسل مادي ويوضع في إناء من صيني أو فضة ويرفع ويستعمل الشربة مه مثقالان بشراب تاح شامي وماء لسان ثور نافعه، إن شاء الله تعالى.
صفة مفرح حار للمتوسطين من الناس سعة خمسة دراهم زر ورد منزوع الأقماع عشرة دراهم قرنفل وسنبل الطيب ومصطكى وأسارون وزرنب وزعفران من كل واحد درهمان بسباسة وقاقلة كبار وصغار وجوزبز من كل واحد درهم عود ثلاثة يدق الجميع وينخل ويعجن بعسل منزوع الرغوة ويرفع ويستعمل الشربة وزن مثقال بشراب تفاح حلو وماء لسان ثور نافع إن شاء الله تعالى.
مفرح حار للفقراء وهو شراب الإبريسم وله منافع كثيرة منها التريح والمفرط وقوة الأحشاء وخصوصاً الكبد وينفع من جميع الأمراض الباردة ويقوي الأنعاظ ويؤخذ بريبسم خام ينفع في الماء أياماً عشرة في قدر من حديد فإن لم يتهيأ من حديد فينتفه في الماء المطفى فيه الحديد دفعات كثيرة ويغلي غلياناً جيداً ويصفى إليه بوزن الماء سكراً وعسلاً ويعقد ويرفع ويطيب بشيء من زعفران وخولنجان ومصطك وروح يستعمل نافع إن شاء الله تعالى.
صفة مفرد بارد للملوك والكبراء طباشير عشرة دراهم لسان ثور خمسة دراهم زر ورد منزوع الأقماع أربعة دراهم طين أرمني سبعة دراهم شير أملج خمسة عشر درهما خشب صندل ابيض وأحمر وأصفر من كل واحد درهمان زعفران نصف درهم عرق ذهب جيد وفضة من كل واحد مثقال إبريسم محرق على ما وصفنا درهم يدق الجميع ناعما وينخل ويعجن بجلاب قد عقد من عسل وسكر بماء الورد وماء التفاح وماء لسفرجل وماء الرمان ويحرك ويرفع الشربة ثلاثة دراهم بشراب حماض وتفاح شامي وماء لسان ثو وماء ورد وماء خلاف نافع إن شاء الله تعالى.
صفة مفرد بار للمتوسطين من الناس يؤخذ إهليدج كابلى وأملج من كل واحد خمسة دراهم وزر ورد منزوع الأقماع وخشب صندل أبيض وأصفر وأحمر من كل واحد ثلاثة در اهم وورق فضة مثقالان ولؤلؤ كبار نقي البياض غير مثقوب مثقال يدق الجميع وينخل ويعجن بعسل الإهليدج الكابلي الشربة مثقالان بشراب حماض وتفاح شامي بماء ورد وما خلاف نافع إن شاء الله تعالى.
صفة مفرح معتدل للمتوسطين من الناس بهمنين أحمر وأبيض من كل واحد خمسة دراهم عسل إهليلج كابلي منزوع الرغوة عشرون دراهما شاهترج ولسان ثور وترنجان من كل واحد عشرة دراهم طباشير وكسفرة يابسة وطين محتوم من كل واحد ثلاثة دراهم إبريسم خام محرق على ما وصفنا قشر الفستق الخارج من كل واحد درهمان بسد ولؤلؤ كبار غير مثقوب وكهربا من كل واحد درهم عود هندي خام نصف مثقال يدق الجميع ناعماً وينخل ويعجن بجلاب قد عقد من سكر وعسل ويرفع في إناء من صيني أو فضة الشربة مثقالان بشراب حماض وتفاح شامي وماء ولسان الثور وماء ورد وماء خلاف وما نيلوفر نافع إن شاء الله تعالى.