المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

أليس عجباً أن بيتاً يضمني

وإياك لا تخلو ولا تتحدث

وكتبت جارية المتوكل زاجر على عصابتها:

إذا خفنا من الرقباء يوماً

تكلمت العيون عن القلوب

وفي غمز الحواجب مغنيات

لحاجات المحب إلى الحبيب

وكتبت نظيفة جارية يحيى بن خالد بن برمك على طوق لها:

ماذاق بؤس معيشة ونعيمها

في النار من في عمره لم يعشق

والحب فيه حلوة ومرارة

فاسأل بذلك من تطعم أو ذق

وكتبت هاجر جارية محمد بن علي على خمارها:

إذا نظرت نحوي تكلم طرفها

فجاوبها طرفي ونحن سكوت

فكم نظرة منها تقرب بي الرجا

وأخرى لها حتى تكاد تموت

وكتبت حسانة البدوية جارية المعتز على برقعها بالذهب:

ألاحظها خوف المراقب لحظة

فأشكو لطرفي ما ألاقي من الوجد

فتفهم عن لحظتي عظيم صبابتي

فتومي بطرف العين أني على العهد

وكتبت ملاعب على جبينها بالمسك:

تحمل عظيم الذنب ممن تحبه

فإن كنت مظلوماً فقل أنا ظالم

فإنك إن لم تحمل الذنب يا فتى

يفارقك من تهوى وأنفك راغم

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الباب السادس والعشرون

في الحمام وما غزى مغزاه

الحمام بالتشديد واحد الحمامات المبنية وهو مذكر، قال ابن الخباز في شرح الألفية نادرة عن بعض الكتاب كتب يوماً هذه الحمام فقيل له الحمام مذكر فقال أردت حمام النساء وهذا ظريف، وحكى فيه التأنيث أيضاً وأنشد.

وإذا دخلت سمعت فيها رنة وقال ابن عمر (: الحمام من النعيم الذي أحدثوه، وروى عن أبى الدرداء وأبي ذر أنهما قالا: نعم البيت الحمام يطهر البدن ويذكر بالنار، وقال أبو هريرة يرفعه نعم البيت الحمام يدخله المسلم يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، وأول من دخل الحمام ووصفت له النورة سليمان بن داود عليهما السلام، فلما وجد حرها قال أواه من عذاب النار، قال الغزالي في الأحياء ومن جهة الطب قيل أن الحناء بعد النورة أمان من الجذام وقيل أن النوره في كل شهر تطفئ الحرارة وتنقى اللون وتزيد في الجماع، وقيل بولة في الحمام قائماً أنفع من شربه وغسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس، وذكر السمعاني في كتاب الحمام باسناده إلى الفضل بن الفضل الكندي قال ذكر في قوله تعالى (ونعمة كانوا فيها فاكهين) أنها الحمام وقت الضحى، وبسنده إلى يونس بن عبد الأجل أنبأها وهب قال سمعت مالكا يقول من ادخل رجلاً الحمام وجب غذاؤه شاء أو أبى وروى عن مجاهد عن على انه كان يغتسل من مس الإبط والحجامة، وعن جابر مرفوعاً نهى أن يغسل البدن بشيء يؤكل، وبسنده قال الحرث بن كلدة أربعة أشياء تهزم البدن: الغشيان على البطنة ودخول الحمام على الامتلاء وأكل القديد ومجامعة العجوز، وبسنده إلى محمد بن عبد الحكيم قال سمعت الشافعى يقول رأيت في الطب عجباً لمن يدخل الحمام قبل أن يأكل ثم يؤخر الأكل بعدما يخرج كيف يموت وعجبت لمن احتجم ثم بادر الأكل كيف يموت وذكر بعض الحكماء أن غسل الوجه بالماء البارد عقيب الخروج من الحمام يبقى طراوته مع كبر السن، قال الشيخ هبة الله أبو المكارم بن جميع الإسرائيلي الطبيب في كتاب الإرشاد.

ص: 139

الفصل: الخمسون في الاستحمام ومنافع الحمام ومضاره وكيفية استعماله منافع الحمام كثيرة وذلك لموافقتها لسائر الأمزجة من الحارة والباردة والرطبة واليابسة إذا استعملت على ما ينبغي وقد أشار جالينوس إلى ذلك بقوله أن الحمام نافع في الشتاء والصيف ولمن مزاجه حار أو بارد أو رطب أو يابس وقال أيضاً: إن الحمام علاج البدن من الضدين أن أخذه حار المزاج عدله بترطيبه وأن أخذه بارد المزاج أدفأه بحرارته وهي توسع المسام وتستفرغ الفضول وتحلل الرياح وتدر البول وتحبس الطبيعة وتنظف الوسخ والعرق وتذهب الحكة والجرب والإعياء وتلين بشرة البدن وتجود الهضم وتنشط الأعضاء المتشنجة وينضج الزلات والزكام وينفع من حميات يوم ومن الدق والربع والبلغمية بعد نضجها وينفع من وجع الجنب والصدر وينضج الربو ويسمن المهزول ويهزل السمين ويرقق الدم والفضول الغلظة اللزجة بحرارته ويرطب الأبدان اليابسة الخشنة برطوبته وقد قال جالينوس أن الحمام يحلل الكيموس اللذاع ويفيد البدن والأعضاء الأصلية نداوة ورطوبة صافية كل ذلك إذا استعمل على القانون الطبي ولها أيضاً مضار وهي أنها تسهل انصباب الفضول إلى الأعضاء الضعيفة وترخى الجسد وتضعف الحرارة الغزيزية والأعضاء العصبية وتسقط الشهوة وتضعف الباءة، قال وأفضل الحمام ما كان قديم البناء كثير الضواء مرتفع السقوف واسع البيوت عذب الماء طيب الرائحة وكانت حرارته بقدر كزاج الداخل إليه وكان وقوده بما ليس له كيفية ردئة وقد أحسن الذي قال: خير الحمام ما قدم بناؤه واتسع فناؤه وعذب ماؤه وقدر الأتان وقوده بحسب مزاج من أراد وروده، وقد قسم الحمام إلى ثلاث بيوت كل بيت أسخن من الذي قبله لئلا يكون الانتقال من البرد إلى الحر أو من الحر إلى البرد فجأة: فالبيت الأول مبرد مرطب والثاني مسخن مرطب والثالث مسخن مجفف وكذلك أن يكون الانتقال في بيوتها على تدرج، قال بختيشوع إياك أن تدخل الحمام أو خرج بغتة بل البث في كل بيت هنيئة واغسل رأسك بالسدر والطخه بقليل ملح وادخل الحمام كل جمعة مرة فإنك تأمن انتشار الشعر واستعمل المشط فإنه يقوى البصر ويحدث أريحة وزهوا وأخرج إلى المسلخ متدرجاً ثم صب عليك ثوباً نظيفاً طيب الرائحة وتجنب النساء يوماً وليلة، وقال ابن جميع فأما أصحاب الأمزجة الحارة فينبغى أن يقعدوا في البيت الأول قليلاً وفي الثاني دون الأول وفي الثالث دون الثاني وأصحاب البلغم والسوداء بالضد فإن يقصد بالحمام الترطيب أطيل المقام في الحوض ويكثر من رش الماء على أرض الحمام ليكثر البخار فيترطب الهواء وليتمرخ بالدهن ليزيد في الترطيب ويكون الخروج من الحمام قبل أن تلحقه منه مشقة مثل ضعف أو غثيان أو غشى أو شذر أو دوار أو سكتة أو صرع أو ما شابهها مثل هذه الأعراض الردئة فإن كان القصد بالحمام التجفيف أطيل المقام في البيت الحار ويقتصر على هوائه دون مائه ولاستعمال الماء البارد عقيب الحار منافع عظيمة وقال جالينوس: الاغتسال بالماء البارد عقيب الحار يقوى الأعضاء حتى القوى الجوهرية التي في الأعضاء لكن ينبغي أن لا يكون استعمال الماء البارد عقيب الحار بغتة بل بتدريج يستعمل الماء أولاً ممزوجاً بالبارد ثم ينتقل بعده إلى البارد ومن قصد تسمين بدنه فيدخل الحمام بعد تناوله الطعام ومن قصد تهزيله يدخل الحمام على خلو المعدة ويطيل الليث فيه ومن قصد حفظ صحته فيدخل الحمام عند آخر الهضم بحيث أنه إذا خرج منها يكون محتاجاً إلى الغذاء ويجب أن يجتنب الجماع في الحمام والنوم والفصد والحجامة فإن ذلك خطراً بينا وكذلك ينبغي أن يجتنب في الحمام وبعده استعمال الأشياء الباردة بالفعل لأن المسام حينئذ تكون مفتوحة فلا يلبث يندفع البرد إلى جوهر الأعضاء الرئيسية فيفسد قواها وكذلك ينبغي اجتناب استعمال الأشياء الحارة الشديدة الحرارة بالفعل أيضاً وخصوصاً الماء فإن ذلك يورث السل والقوى يصلب الأعضاء ويحلل الرطوبات والمعتدل يجلب الدم إلى ظاهر الجلد وأما التمريخ بالدهن بغير ذلك فيسد المسام ويمنع ما يتحلل وبعد الماء الحار يحفظ الحرارة من التحلل ويسخن ويرطب وبعد الماء يبرد ويرطب، وقال مهذب الدين بن هبل في كتاب المختار: خير الحمام ما كان قديم البناء فإن الحمام قريب العهد بالبناء تكون حيطانه ندية فتكون أراييح صهاريجه مضرة، قال بعض الشراح لهذا

ص: 140

الفصل الحمام الجديد البناء يتحلل من حيطانه رطوبات ممتزجة بجوهر الكلس والجص والقار ويتبخر بحرارة الحمام فيضر استنشاقها بالروح والنفس لأنها كيفيات رديئة خانقة يستصحب النفس ويهجم به على القلب فيغير قوام صحته بسبب ردأة الهواء الواصل به بهذه الكيفيات الرديئة الجوهر فأما إذا عتقت الحمام قبل تحليل الأبخرة الرديئة منها ومن حيطانها فيؤمن من الضرر الحاصل منها ومن الواجب أيضاً أن يكون الفناء متسعاً لأن أبخرة الحمام رديئة وكثيرة ومحتبسة لأنها تتحلل من أبخرة أبدان الناس ومن أنفاسهم ومن مجارى الحمام النافذة إلى فضاء الحمام فيكثر ويتراكم ويختلط بهواء الحمام فيزيده رداءة إلى رداءته المكتسبة بحرارة الحمام فإذا استنشقه الإنسان أضر بحرارته الغريزية وأنهكها بسبب خروجه لها عن الاعتدال في كمه وكيفيته أما كمه فهو كثرة الأبخرة المخالطة له وأما كيفيته فرداءات الأبخرة مع سخونة هواء الحمام فإذا كانت الحمام واسعة الفضاء تعلقت الأبخرة بأعالي الحمام وتبددت وتفرقت فتلطف الهواء المستنشق فيها فيكون أقل ضرراً من الحمام الصغير ويجب أيضاً أن تكون الحمام عالية البناء فإن ذلك معين على تقليل ضرر أبخرتها المستنشقة قال: وأما عذوبة مائها فلا تحتاج إلى تعليل لظهوره لن المياه إذا كانت عذبة طيبة ليس فيها شيء من الكيفيات الغريبة عدلت غالب الأمزجة وصححتها فإن كانت كيفية غريبة مثل أن تكون مالحة أو كبريتية أو نحاسية أو حديدية أو لها مرور على معادن رديئة الجوهر أو على منابت أشجار جبيثة أو على مطابخ وأجام مبنية كثيرة الحيوانات الرديئة كأنواع الدود والضفادع والحيات وما أشبه ذلك أخرجت المزاج عن اعتداله إلى حكم هذه الكيفيات الرديئة قال الشارح ومنافع الحمام كثيرة وأعظمها منفعة هو أنها إذا كانت معتدلة الهواء والماء فإنها تفتح مسام البدن فيسهل بذلك خروج الفضل منه ويكسبه رطوبة عذبة يصير بها البدن إلى نشاط وقوة وتفريح، وقال الرئيس أبو علي الحسين بن سينا رحمه الله في كتاب سماه حفظ الصحة لم يذكر فيه سوى أحكام الأسباب الستة الضرورية لا غير وينبغي أن يكون للحمام ثلاثة بيوت بيت معتدل وهو الذي لا يحسن فيه بحر ولا برد وبيت يحس فيه بحرارة معتدلة وبيت يحس فيه بحرارة زائدة عن الثانية بشرط أن يكون النفس فيه مستقيماً غير متواتر فالبيت الأول يضر كبير مضرة والثاني والثالث فلا يمكث فيهما إلا بقدر ما يتحلل من الرطوبة ما من شأنه أن يتحلل فإن طال المكث بها أكثر من المقدار المعتدل وخصوصاً أن اقترن معه حركات قوية فإنه يوقع في الدق لاشتداد سخونة القلب أو الاستسقاء لتحلل الحار الغريزي فيبرد مزاج الاحشاء قال وينبغي أن يجتنب الحمام على الامتلاء من الطعام فإنه يولد سددا في الكبد والعروق لانجذاب المواد الغذائية غير منهضمة إلى ظاهر البدن فيكون ذلك سبباً لحدوث أنواع الحميات العفينة والإسهال الكائن بأدوار ويجتنب فيه الأشياء الباردة مثال فقاع والماء البارد لأن فيه خطراً عظيماً جداً لأن الشئ البارد السيال إذا حصل في المعدة هجم دفعة على الكبد والقلب فبرودهما وأنهك حرارتها الغريزية وأضعف الاحشاء وهيأها للاستسقاء ويجتنب فيه الجماع أيضاً فإنه يسقط القوة ويوقع في أمراض خطرة واعلم أن الحمام الحار جداً يسيل الأخلاط الجامدة إلى أعماق الأعضاء فيحدث أما سددا وأما أوراما ويصعدها إلى الدماغ ويحدث أما صداعاً شديداً أو برساما، والحمام البارد يحرك المادة التي تحركت بالعرق حركة ناقصة فتنجذب المواد إلى جهة سطح البدن فربما أحدثت شبيهاً بالورم والحكة وربما أحدث الزكام والمغص، ورش الماء البارد أو بله بعد الحمام فإنه ينعش القوة المسترخية من الكرب ومن لهيب الحميات وعند المغشى وخصوصاً بماء الورد والخل وربما صحح الشهوة وآثارها ونصر أصحاب النوازل والصداع وأما سكب الماء البارد على الرجلين فأحكامه أحكام ما تقدم في الرش على الوجه والحمام النافع على سبيل الإجمال وهو الحمام المعتدل في حره وبرده الطيب الرائحة العذب الماء والتي أضواؤه كثيرة مشرقة وفناؤه واسع وفيه تصاوير بديعة الصنعة بينة الحسن مثل عاشق معشوق ومثل رياض وبساتين وطرد خيل ووحوش فإن في تصوير مثل هذه تقوية قوية بليغة لجميع قوى البدن الحيوانية والطبيعية والنفسانية وقال الحكيم بدر الدين بن مظفر

ص: 141

قاضي بعلبك في كتاب مفرح النفس وقد أجمع الأطباء والحكماء والألباء قاطبة على أن النظر إلى الصور الجميلة البديعة الجمال يفرح النفس وينشها ويزيل عنها الأفكار والوساوس السوداوية ويقوى القلب قوة لا مزيد عليها بسبب إزالة الأفكار الرديئة عنه ثم قالوا فإن تعذر حصول النظر إلى الصور الجميلة فليكن النظر إلى صور جميلة متقنة الصنعة مصورة في الكتب أو في الهياكل أو في القصور الشريفة وهذا المعنى قد ذكره الحكيم محمد بن زكريا الرازي رحمه الله وبالغ في ملازمة فعله لمن يجد في نفسه أفكاراً رديئة ووساوس فاسدة غير موافقة للنظام الطبيعي وقال فإن الصور الجميلة إذا جمعت إلى صورتها حسن الأصباغ المألوفة من الأصفر والأحمر والأخضر والأبيض مع ضبط نسبة المقادير في أشكالها فإنها تشفى الخلاط السوداوية وتزيل الهموم الملازمة لنفس الإنسان وتزيل الكدورة عن الأرواح لن النفس تلطف وتشرق بالنظر إلى مثل هذه الصور فيتحلل ما فيها من الكدورة قال وتفكر في الحكماء المتقدمين الذين استنبطوا الحمام في مدد من السنين كيف علموا بدقة فكرهم وصائب عقلهم إن الحمام إذا دخله الإنسان يتحلل من قواه شيء كثير فأفيضت حكمتهم أن استخرجوا بعقولهم ما يجبر ذلك سريعا فرسموا في الحمام صوراً بديعة الصنعة بأصباغ حسنة مفرحة وقسموا ذلك إلى ثلاثة أقسام ولم يجعلوه قسماً واحداً لنهم علموا أن أرواح البدن ثلاثة أصناف: حيوانية ونفسانية وطبيعية فجعلوا كل قسم من التصوير سبباً لتقوية قوة من القوى المذكورة والزيادة فيها وصوراً للقوة الحيوانية القتال والحرب وطرد الخيل واقتناص الوحوش وصوراً للقوة النفسانية العشق والتفكر في العاشق والمعشوق وتصوير معاتبة بينهما أو معانقة وما أشبه ذلك وصورا للقوة الطبيعية البساتين وصور الأشجار البهية المنظر مع كثرة تصوير الأزهار والألوان المشوقة فهذه التصاوير وأمثالها هي جزء من أجزاء الحمام الفاضل ولو سألت المصور المصير عن خصوصية أن الحمام لم لا يصور المصورون فيها إلا هذه الأقسام الثلاثة لما علم لها تعليلاً لكن بذكر هذه الصفات الثلاثة لا تعلل وسبب ذلك تقادم السنين على تعليل مبادئ الأشياء فما خلوا شيئاً سدا ولا يجعل شيء هدرا، وقال الحسن المتطبب ورأيت ببغداد في دار الملك شرف الدين هرون بن الوزير الصاحب شمس الدين محمد بن محمد الجوينى حماما متقن الصنعة حسن البناء كثير الأضواء قد احتفت به الأنهار والأشجار فأدخلنى إليه سائسه وذلك بشفاعة الصاحب بهاء الدين علي بن الفجر عيسى المنشى الأربلى وكان سائس هذه الحمام خادما حبشيا كبير السن والقدر ففرجنى في ميائه وشبابيكه وأنابيبه المتخذة بعضها من الفضة المطلية بالذهب وغير مطلية وبعضها على هيئة طائر إذا خرج منها الماء صوت بأصوات طيبة ومنها أحواض رخام بديعة الصنعة والمياه تخرج من سائر الأنابيب إلى الأحواض ومن الأحواض ترمى جميعها إلى بركة حسنة الإتقان ثم منها يخرج إلى البستان ثم فرجنى في خلوة نحو عشر خلوات كل خلوة صنعتها احسن من أختها ثم انتهى بي إلى خلوة عليها باب مقفل بقفل حديد ففتحه ودخل بي إلى دهليز طويل كله مرخم بالرخام الأبيض الساذج وفي صدر الدهليز مربعة تسع بالتقريب نحو أربعة انفس إذا كانوا قعودا وتسع اثنين إذا كانا جالسين أو نائمين ورأيت من العجيب في هذه الخلوة أن حيطانها الأربعة مصقولة صقالاً لا فرق بينه وبين صقال المرآة يرى الإنسان سائر بشرته في أي حائط شاء منها ورأيت أرضها مصورة بفصوص حمر وخضر ومذهبة وكلها متخذة من بلور مصبوغ بعضه أصفر وبعضه أحمر فإما الأخضر فقيل أنه حجارة تأتى من الروم والمذهب فهو زجاج مليس بالذهب صوراً في غاية الحسن والحمال وهم على هيئات مختلفة في نومهم وهم بين فاعل ومفعول به إذا نظر إليهم الإنسان تتحرك شهوته قال الخادم هذا صنعوه هكذا المخدومي حتى إذا نظر إلى ما يفعله هؤلاء بعضهم مع بعض من المجامعة والتقبيل ووضع أيدي بعضهم على إعجاز بعض تتحرك شهوته سريعاً فيبادر إلى مجامعة من يحب قال وهذه الخلوة دون سائر الخلوات التي رأيت هي مخصوصة بهذا الفعل إذا أراد الملك هرون أن يجتمع بأحد من مماليكه أو خدمه الحسان أو جواريه أو نسائه في الحمام ما يجتمع به إلا في هذه الخلوة فإنه لما يرى كل محاسن الصور الجميلة مصورة في الحائط ومجسمة بين يديه يرى كل

ص: 142

واحد منهما صاحبه على هذه الصفة ورأيت في صدر الخلوة حوضاً رخاماً مضلعاً وعليه مركب في صدره أنبوب من ذهب بفتح ويغلق بلولب يدار وفوقه أنبوب أخر مثله برسم الماء الحار وفوقه أنبوب آخر برسم الماء البارد والأنبوب الأول برسم الماء الفاتر وعن يمين الحوض ويساره عمودان صغيران منحوتان من البلور يوضع عليهما مباخر الند والعود ورأيتها خلوة شديدة الإضاءة مفرحة بديعة قد أنفق عليها أموال كثيرة وسألت الخادم عن هذه الحيطان المشرقة المضيئة من أي شيء صنعت فقال ما أعلم فما رأيت في عمري ولا سمعت بأحسن من هذه الخلوة ولا احسن من هذه الحمام مع أنني ما احسن أصفها كما رأيتها فإنه لم تتكرر رؤيتي لها ولا اتفق لي الظفر بصناعتها ومباشرتها وفي الذي ذكرت كفاية، انتهى كلام الحكيم بدر الدين حسن بن زفر الأربلى ومن خطه نقلت هذه الفوائد: وقال بعضهم فيه ملغزا:

ومنزل أقوام إذا ما تقابلوا

تشابه فيه وغده ورئيسه

تنفس كربى إذ تنفس كربه

ويعظم أنسى إذ يقل أنيسه

إذا ما أعرت الجوّ طرفا تكاثرت

على من به أقماره وشموسه

وقال العفيف التلمساني:

مررنا بحمام كانا نحجه

وقد عقدت منا المآزر نحرم

فلما حللنا منه صدرا كأنما

غدت فيه نيران الصبابة تضرم

بكت منه أجفان الأنابيب بيننا

كإنا له اللوم وهو المتيم

وقال محاسن الشواء الحلبي:

شدوا المآزر فوق كثبان النقا

بأنامل حلوا بها عقد التقى

وتجرّدوا فرأيت بأن معاطف

نشروا ذوائبهم عليه فأورقا

وبدوا فأطلع كل وجه منهم

بدرا فأضحى كل قطر مشرقا

وتضوّع الحمام مسكا عندما

فرطوا من الاصداغ نظما معقبا

منم كل أهيف حل عقدة بنده

وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا

وقال جمال الدين يوسف الصوفى في مليح تركى دخل الحمام وبخ ماء ورد:

ولم أنسه لما تعرَّى ثيابه

وجاء إلى حمامه يتخطر

ولما أفاض الماء فوق قوامه

وفي وجهه نور من الحسن يظهر

أتانا هلالا تحته غصن فضة

يلوح عليه لؤلؤ يتحدَّر

فقلت أظبى الترك قد فاح مسكه

أم الورد من خديه يحمى فيقطر

دخل ابن بقى الحمام وفيه الطليطلى فقال له ابن بقى أجز:

حمامنا كزمان القيظ محترم

وفيه للبرد برد غير ذي ضرر

فأجازه بقوله:

ضدان ينعم جسم المرء بينهما

فالغصن ينعم بين الشمس والمطر

وقال ابن رشيق:

ولم أدخل الحمام ساعة بينهم

طلاب نعيم قد رضيت يبوسى

ولكن لتجرى عبرتى مطمئنة

فأبكى ولا يدرى بذاك جليسى

أخذه صدر الدين بن الوكيل فقال:

ولم أدخل الحمام من أجل لذة

فكيف ونار الشوق بين جوانحى

ولكنني لم يكفنى فيض مقلتى

دخلت لأبكى من جميع جوارحى

وأنشدنى من لفظه لنفسه الشيخ الورع الزاهد الثقة شمس الدين محمد بن سمنديار الذهبي مضمناً:

لم أبغ بالحمام طيب تنعم

أفنى البكاء دموع عيني أجمعا

فبكيت فيه أسى بجسمى كله

حتى كان لكل عرق مدمعا

وأنشدنى سيدي ومولاي القاضي صدر الدين بن الآدمى فسح الله في أجله:

إن حمامنا التي نحن فيها

أي ماء بها وأية نار

قد نزلنا بها على ابن عين

وروينا عنه صحيح البخارى

كتب الشيخ صلاح الدين الصفدي في حواشي المقامات عند ذكر ابن سكرة وذكر كافاته هو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سكرة الهاشمي من ولد علي بن المهدي قال دخلت يوماً وخرجت وقد سرق مداسي فعدت إلى داري حافياً وأنا أقول:

إليك أذم حمام ابن موسى

وإن فاق المناطيبا وحراّ

تكاثرت اللصوص عليه حتى

ليحفى من يطيف به ويعرى

ولم أفقد به ثوباً ولكن

دخلت محمدا وخرجت بشرا

نادرة: اتفق أن اثنين سبحاً في نهر فلما خرجا صفع أحدهما صاحبه فقال له بعض الحاضرين أين فلوس الحمام فقال أنزلتها في القرعة.

وقال النصير الحمامى:

لي منزل معروفه

ينهل جودا كالسحب

أقبل ذا العذر به

واكرم الجار الجنب

ووعده السراج الوراق وتأخر فقال:

وكدّرت حمامي بغيبتك التي

تكدر من لذتها صفو مشربي

ص: 143

فما كان صدر الحوش منشرحا به

ولا كان قلب الماء فيه بطيب

وقال:

ومذ لزمت الحمام صرت فتى

لطف يدارى من لا يداريه

أعرف حر الأشيا وباردها

وأخذ الماء من مجاريه

وقال يستدعى:

من الرأى عندي أن تواصل خلوة

لها كبد حرا وفيض عيون

تراعى نجوما فيك من نار قلبها

وتبكى بدمع فائض كحزين

غدا قلبها صبا عليك وأنت أن

تأخرت أضحى في حياض منون

وقال صدر الدين بن عبد الحق الحنفى رحمه الله تعالى:

وجنة لا تنفى نارها

ندخلها وهي لنا مقصيه

نعيمنا فيها بلا طاعة

عذابنا فيها بلا معصية

وقال أيضاً:

جهنم حمامكم نارها

تقطع أكبادنا بالظما

وفيها عصاة لهم ضجة

وان يستغيثوا يغاثوا بما

وقال شهاب الدين بن فضل الله:

وحمانا كعبة للوفو

دحج إليها حفاة عراه

3يكرر صوت أنابيبه

كتاب الطهارة باب المياه وقال الشهاب محمود مضمنا:

قل لي عن الحمام كيف دخلته

يا مالكى لتسر خلا مشفقا

أدخلته وألئك الأقوام قد

شدّوا المآزر فوق كثبان النقا

وقال محي الدين بن تميم مضمنا:

لو كنت في الحمام والحنا على

أعطافه ولجسمه لألأ

لرأيت ما يسبيك منه بقامة

سال النضار بها وقام الماء.

وقال مضمنا:

عاينت في الحمام أسود وائبا

من فوق أبيض كالهلال المسفر

فكأنما هو زورق من فضة

قد أثقلته حمولة من عنبر

وقال جمال الدين بن نباتة مضمنا:

تأملت في الحمام تحت مآزر

روادف غيد ما سناها بغائب

كأني من هذي وهاذيك ناظر

بياض العطايا في سواد المطالب

وقال آخر في تعجيل الخروج منها:

خذ من الحمام واخرج

قبل أن يأخذ منكا

حاثن عنه وإلا

حدّث الحمام عنكا

وقال الشيخ جمال الدين بن نياتة في المفاضلة بين حمامات مصر وحمامات الشام:

أحواض حمامات شأم

تسمعى لي كلمتين

لا تذكرى أحواض مصر

فأنت دون القلتين

وأنشدنى من لفظه لنفسه الشيخ عز الدين الموصلى معاكساً للشيخ جمال الدين:

إليك حياض حمامات مصر

ولا تنكبرى عندي بمين

حياض الشام أحلى منك ماء

واطهر وهي دون القلتين

وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة:

ولم أنسه كالفصن يمطره الحيا

على أثر حمام ويعطفه الصبا

ويلثم بالمنديل أبيض سادجا

فصار بضوء الخد أحمر مذهبا

وله:

دعاني صديق لحمامه

فأوقعني في العذاب الأليم

نشر مزيد وماء قليل

فبئس الصديق وبئس الحميم

وقال زين الدين بن الورى:

وما أشبه الحمام بالموت لامرء

يذكر لكن أين من يتذكر

يجرد من أهل ومال وملبس

ويصحبه من كل ذلك مئزر

وقال ابن وزير يشبه الماء على الرخام:

لله يوم بحمام نعمت به

والماء من حوضه ما بيننا جارى

كأنه فوق شقات الرخام ضحى

ماء يسيل على أثواب قصار

فقال ابن الوردي يهجوه:

وشاعر أوقد الطبع الذكاء له

فكاد يحرقه من فرط أذكاء

أقام يجهد أياماً قريته

وفسر الماء بعد الجهد بالماء

وقال المعمار أيضاً:

في صاحب الحمام أيرى قال لي

أيلوم في حبي له وملامى

لا يشتفى أير عليه طهارة

إلا بقلب الماء في الحمام

قال ابن وزير مثل قوله الآخر:

كأننا والماء من حولنا

قوم جلوس حولهم ماء

وقال إبراهيم المعمار في المجون:

عاتبت أيرى إذ جاء ملتثما

من عقله بالخرا فما اكترثا

بل قال لي حين نكته قسما

ما جزت حمام قعره عبثا

كيف وفيه طهارتي وبه

أقلب ماثي وأرفع الحدثا

وقال شيخ الشيوخ بحماه:

وقيم كلمت جسمى أنامله

من غير ألسنة تكليم خرصان

أن أمسك اليد منى كاد يخلعها

أو سرح الشعر أنكانى وأبكانى

فليس يمسك أمساكا بمعرفة

ولا يسرح تسريحا بإحسان

وأنشدني الجناب المخدومي بن مكانس للشيخ بدر الدين بن الصاحب:

ص: 144

وقيم قيم في حسن صنعته

حاز الجمال على لطف من الترف

لو يخدم البدر أنقى من كلف

لكنه لم يزل ما بى من الكلف

وقال شهاب الدين بن العطار في بلان يدعى موسى:

هيأ البلان موسى

خلوة تحيى النفوسا

قلت ما أصنع فيها

قال تستعمل موسى

وعلى ذكر موسة ذكرت واقعة لطيفة لركن الدين الوهراني وهي انه لما قدم إلى القاهرة المعزية مدح عز الدين موسك بن حكو الهدبانى خال صلاح الدين يوسف بن أيوب فأمر له بشيء لم يرضه فحضر مجلسه يوماً وفيه حفل كثير من الناس فقالا يا مولانا إلى أن أحلق رأسي هذه الساعة وانه الأمر إلى بعض الجمدارية أن يحضر الساعة ليحلقه لي بحضرتك فكاد الأمير أن يأذن له في ذلك ثم فهم مقصده فقال لبعض مماليكه أعطه مائة دينار وقل له خذ هذه وأحلق رأسك في الحمام فأخذها ومضر شاكراً فقال له بعض الحاضرين يا مولانا ما معنى هذه الحركة فقال أنه أراد إذا حلقه يقول يا مهتار موسك ردئ فيشتمنا في وجوهنا.

ولا بأس بايراد نبذة مما قيل في المشط إذا كان من لوازم الحمام وقال شرف الدين بن الحلاوى وقد طلب منه ثلاث أبيات تكتب على مشط برسم سلطان حلب الملك العزيز محمد بن الظاهر غازي:

حلت من الملك العزيز براحة

غدا لثمها عندي أجل الفرائض

وأصبحت مفتر الثنايا لأنني

حللت بكف بحرها غير غائض

وقبلت سامي خده بعد كفه

فلم أخل في الحالين من لثم عارض

وللشيخ بهاء الدين الموصلي ولد الشيخ عوز الدين ملغزا فيه من أبيات:

ظننتم تصحيف مقلوبه يخ

فى وليس الظن بالكاذب

قلت: ورد على سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني رحمه الله كتاب من مكة المعظمة المشرفة بتاريخ تاسع عشر المحرم سنة إحدى وثمان مائة وفيه أنه اجتمع بمكة بالقاضي شهاب الدين بن حجر رحمه الله ووجد صحبته شخصاً يقال له ابن المرجانى وذكر القاضي شهاب الدين أن المشار إليه كان رفيقاً من اليمين إلى مكة المشرفة وأنشدنا له:

يا أماما سألته حل لغز

شاطط عن مزار أهل الذكاء

أهمل الثلث باعتناء وقلب

تره جاء قائد الشعراء

وذكر لي القاضي بدر الدين في مشرفته أنه من الألغاز الصبعة فينبغي أن تقع فكرة في حله.

قلت: اشتغلت الفكرة في حله فإذا هو لغز في مشط فتأمله ولقد أجاد قائله.

قال السراج الوراق ملغزا:

وبيضاء قد عانقتها وضممتها

ولا قبح في جهري بهذا وأسراري

على أنه لالاعار فيها محقق

وما سلمت والله قط من العارى

وقال بعض المتاخرين:

الأرب حمام بدا لي حميمه

فظاهره ماء وباطنه نار

كإخوان هذا العصر من تلق منهم

فللودّ إعلان وللحقد أسرار

ص: 145

وكتب القاضي يحيى الدين بن عبد الظاهر يستدعى إلى حمام هل لك أطال الله بقاك في المشاركة في جمع بين ماء ونار وأنواء وأنوار وزهر وأزهار قد زال فيه الاحتشام فكل عار ولا عار نجم سائه لا يعتريه أفول وناجم رخامه لا يعتربه ذبول تتنافس العناصر على بلوغ مآربه فأرسل البحر ماء جسده من زبده لتقبيل أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده ولم ير التراب له في هذه الخدمة مدخلا فتطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلا وأعلمت النار ضدها الماء فدخل وهو حر الأنفاس وغلت من أجله فلاجل ذلك داخله من صوب تشاكله الوسواس ورأى الهواء انه قصر عن مطاولة هذه النار فأمسك متهيباً ينظر من وراء زجاجة إلى تلك الدار ثم إن الأشجار رأت أن لا شائبة لها في هذه الخطوة ولا مساهمة في تلك الخلوة فأرسلت من الأمشاط أكفا أحست بما يدعو إليه الفرق ومرت في سواد العذار الفاحم كما يمر البرق وذلك بيد قيم قيم بحقوق الخدمة عارف بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة خفيف اليد مع الأمانة موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة لطف أخلاقا حتى كأنها أعناب بين جحظة والرمان وحسن صنعة فلا يمسك يدا إلا بمعروف ولا يسرح تسريحا إلا بإحسان أبدا يرى مه طهارته وهو ذو صلف ويشاهد مزيلا لكل أذى حتى لو خدم البدر لأزال ما بوجهه من الكلف بيده موسى كأنها صباح تنسخ ظلاماً أو نسيم ينفض عن الزهر كماما إذا أخذ صابونة أفهم من يخدمه ما يمر على جسده أنه بحر عجاج وأنه يبدو زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج فلهم إلى هذه اللذة ولا تعد الحمام دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه بين تلك الدعوات فذة.

وكتب في محضر قيم حمام الصوفية يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلان أن أبا الحجاج يوسف مازال لأهل الصلاح حميماً وله جودة ذهن يستحق بها أن يدعى قيما كم له عند كل جسد من صباح وكم أقبل مستعملوه (تعرف في وجوهم نضرة النعيم) كم تجرد مع شيخ صالح في خلوة وكم قال ولي الله يا بشراى لأنه يوسف حين أدلى في حوضه دلوه كم خدم من الصلحاء والعلماء إنساناً وكم ادخر ببركتهم لدنيا وأخرى فحصل من كل منهم شفيعين عرياناً ومؤتزرا كم حرمة خدمة له عند أكابر الناس وكم له يد عند جسد ومنة على رأس كم شكرته أبشار البشر وكم حك رجل رجل صالح فحقق أن السعادة لتلحظ الحجر قد ميز بخدمة الفضلاء أهله وقبيلة وشكر على ما يعاب به غيره من طول الفتيلة تتمتع الأجساد من تنظفه لحمامه بظل ممدود وماء مسكوب ويكاد كثرة ما يخرجه من المياه أن يكون كالرمح أنبوبا على أنبوب كم رأس أنشدت موساه:

ولو أن لي في كل منبت شعرة

لسانا يبث الشوق كنت مقصرا

وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة إلى ابن معبد وكان متولى دمشق يشكو من حمام سرق فيها شاشه يقبل الأرض مستجيرا بهذا البيت الذي لا يذل جاره مستغيثاً بكرمه الذي ملأت الأقطار أخباره فما عبر المملوك في عمره أحر من هذه الحمام ولا نكس في رأسه العليلة مثل هذه الأيام فيا للعواطف العربية وياللمراحم النفوس الأبية فو الله لقد خف رأس المملوك من الجهتين عقله وشاشه ولقد تعوض من تاج عمته العربية مخدة فراشه ولقد أخذت منه هذه الحمام المتلفة ولقد نشفته بالمناشف فبئس الحمام والمنشفة وهذا وقت أغاثه الملهوف والرغبة في أسداء المعروف لا قطع الله عن أرواح المضطرين ترويح هباته ولا عطل من مننه المنتظمة أجياد عفاته بمنه وكرمه، وكتب الشيخ برهان الدين القيراطي وقد استدعى إلى الحمام:

قد أجبنا وأنت أيضاً فصحت

بتلاقيك سالف وسلاف

وبساق تسبى العقول بساق

وقوام وفق العناق خلاف

يقبل الأرض وينهي أن المملوك ما خرج عن الاهتمام لدخول الحمام فإنه متشوق لما لمولانا تشوق إليه وموجه وجه فكرته عليه وكيف يمكن الوقوع في الخلاف والميل إلى الأخلاف:

وحمامكم كعبة للوفود

تحج إليها حفاة عراه

يكرر صوت أنابيبها

كتاب الطهارة باب المياه

ص: 146