الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل
وإنما بدأنا به أولاً لأنه أشرف في هذا النوع لأن منزلة الملك المهيب لقوله وشجاعته وقساوته وجهامة خلقه وشراسة خلقه، قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان إن اللبوة لا تضع إلا جرواً واحداً وتضعه بضعة لحم ليس فيها حسن ولا حركة فتحرسه من غير حضان ثلاث أيام ثم يأتى أبوه بعد ذلك فينفخ في تلك البضعة المرة بعد المرة حتى يتحرك ويتنفس ويتفرج الأعضاء ويتشكل الصورة ثم تأتى أمه فترضعه ولا يفتح عينيه إلا بعد سبعة أيام من تخليقه وهي ما دامت ترضع لا يقربها الذكر البتة فإذا مضت على الجرو ستة أشهر كلف الاكتساب لنفسه بالتعليم والتدريب وطارد الذكر الأنثى فإذا كانت صارفة أمكنته من نفسها وإن لم تكن دفعته ومنعته ونفته مع شبلها بقية الحول وستة أشهر من الثانى وحينئذ تألف الذكر وتمكنه من نفسها وللأسد من بعد الوثبة واللصوق بالأرض والإسراع في الحصر إذا هرب والصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع وربما سار في طلب القوت ثلاثين فرسخاً ولا يأكل فرسة غيره من السباع وهو إذا شبع من فريسة تركها ولم يعد إليها ولو جهده الجوع ولا يأكلها وإذا أكل يقيم يومين وليلتين بلا طعام لكثرة امتلائه ويلقى بعد ذلك شيئاً بابسا مثل جعر الكلب وإذا بال رفع إحدى رجليه كالكلب وإذا فقد أكله صعب خلقه وإذا امتلأ بالطعام فهو ودع وأكل الخفيف وأحب إليه من اللحم العريض الغض وهو لا يثبت على الإنسان للعداوة ولكن للطعم فإنه لو مر به وهو شبعان لم يتعرض له وهو مع ذلك حريص بهم واسع النحر ينهش ولا يمضغ قليل الريق ولهذا يوصف بالنجر ولحم الكلب أحب اللحوم إليه ويقال إنما ذلك لحنقه عليه فإنه إذا أراد الطواف في جنبات الحى ألح الكلب بالنباح عليه والإنذار به فيرجع خائباً لنهوض الناس عليه فإذا أراد ذلك بدأ الكلب حتى يأمن إنذار ومن شأنه إذا أكثر من حسو الدم وأكل اللحم وحلت نفسه منها طلب الملح ويجعله كالحمضة بعد الحلة فيطلبه ولو كان بينه وبينه خمسون فرسخاً وهو يوصف بالجبن والجراءة فمن جبنه أنه يذعر لصوت الديك ومن نقر الطست وضرب الطنبور والحبل الأسود والديك الأبيض والسنور والفأرة وقد تكون النار من أسباب اغتراره واغتياله لأنه يعتريه ما يعترى الظباء والوحوش عند رؤية النار من الحيرة والعجب بها وادمان النظر إليها والفكر فيها حتى يشغله عن التحفظ والتيقظ ومن حرارته أنه يقدم على المعتب الكبير والجمع الكثير ويقابل ولا يرجع من الضرب والجراح ولا يذله ما يصيبه من ذلك بل يقابل بعضه حتى يموت وهو إذا كر لا يفر وإلا فرا خفيفا مخالسا والأسود أكثر جراءة وجهالة ويقال إن الأنثى أجرأ من الذكر والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول إنما هي أشرف ومن عاداته أنه إذا عاين أحد لا يفزع ولا ينهزم فإن لجأ إلى ذلك وأحسن بالصيادين تولى وهو يمشى رفقا وهو مع ذلك يتلفت ويضمر الخوف ويظهر عدم الاكتراث وان تمكن منه الخوف هرب عجلاً حتى يبلغ مكاناً يأمن فيه فإذا علم أنه أمن مشى مارا وإن كان في سهل والجأ إلى الهرب جرى جرياً شديداً كالكلب وإن رماه أحد ولم يصبه شد عله فإذا أخذه لم يضره وإنما يخدشه ثم يخيله كأنه من عليه بعد الظفر به وإذا شم رائحة الصيادين أخفى أثره بذنبه وفيه من شدة البطش ما أنه يأبى الجمل الهايج البازل فيضربه بيده فيثنى الجمل عنقه إليه ويريد عضه فيضرب بيساره إلى مشفره فيجذبه جذبة يفصل بها بين ذوات عنقه وإن ألفاه قائما وثب عليه فإذا هو ذروة سنامه فعند ذلك يضرب كيف شاء ويتلعب به كيف أحب ومن عجيب أمره أنه لا يألف شيء من السباع لأنه لا يرى فيها ما هو كفؤ له فيصحبه ولا يطأ على أثره شيء منها ومتى وضع جلده على سائر جلودها تساقطت شعورها ولا يدنو من المرأة الطامث ومتى مس قوائمه لحا شجر البلوط حذر ولم يتحرك من مكانه وإذا غمره الماء جاء الصبى حتى يركب على ظهره ويقبض على أذنه ولا تفارقه الحمى ولذلك الأطباء يسمون الحمى داء الأسد وعظامه بعضها ببعض فيخرج منها كما يخرج من الحجارة ولذلك في جلده من القوة والصلابة ما لا يعمل فيه السلاح إلا من مراق بطنه وقد يطول مثوى الواحد منها مع الناس حتى يهرم وهو في جميع حالاته صعب شديد الغرام لا يؤمن شروده إذا انفرد مع سواسه وأبصر غيضة بين يديها صحراء ويبلغ من العمر كثيرا وعلامة ذلك أنه يصاد فيوجد مهتوم
الأسنان وليس ذلك إلا من الكبر.
خواصه: يقال إن خصيته إذا ملحت بنورق أحمر ومصطكى وجففت وقليت بزئبق نفعت من البواسير والزحبر ووجع الأرحام ويقال إن من يمسح بشحم كليته يؤمن من أكل السباع ومرارته بغسل تنفع الخنازير ودمه يطلي به السرطان وصيده بأنواع من الحيل فمنها أن تصنع لع العرب الزباء وهي حفائر في نشر من الأرض وتغطى وفي وسطها جرو كلب فيأتى الأسد ليأخذ الجرو فيسقط فيها، ويقال عثمان بن عفان: بلغ الماء الزباء أي أعظمها.
الوصف والتشبيه: وصفه أبو زيد الطائى في حكاية حكاها لعثمان بن عفان وقد لعنه فقال أقبل يتضالع ولصدره نحيط ولبلاغيمه غطيط ولطرفه وميض ولأسارغه نفيض كأنما يخبط هشيما أو يطأ صريما ذا هامة كالمجن وخذ كالمن وعينان سحراوان كأنهما سرجان وقصره رمله وهرمه وهله وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شبيه البراثن ومخالب كالمجن فم أشدق كالغار الاحرق يفتر عن معاول مصقولة عبر مغلولة فهجهجنا به فرفر وبربر ثم زأر فجرجر ثم لحظ فخلت البرق يتطاير من جفونه عن شماله ويمينه فأرعشت الأيدي واصطكت الأرجل وجحظت العيون وساءت الظنون ولصقت الظهور بالبطون وأنشد عبوس شموس مثل جد مكابر جرئ على الأقدام للقرن قاهر:
براثنه شثن وعيناه في الدجى
…
كجمر الغضا في وجهه لشر طائر
يدل بانياب حداد كأنها
…
إذا قلص الاشداق عنها خناجر
وقال أبو الطيب يصفه من أبيات:
ورد إذا ورد البحيرة وارد
…
ورد الفرات زئيره والنيلا
متخضب بدم الفوارس لابس
…
في غيله من لبدتيه غيلا
في وحدة الرهبان إلا أنه
…
لايعرف التحريم والتحليلا
ماقوبلت عيناه إلا ظنتا
…
تحت الدجى نار الفريق حلولا
يطأ الثرى مترفعاً من تيهه
…
فكأنه أس يحس عليلا
ويرد عقرته إلى يافوخه
…
حتى يصير رأسه اكليلا
ويظنه مما يزمجر نفسه
…
عنها لشدة غيظه مشغولا
قصرت مخافته الخطى فكأنما
…
ركب الكمى جواده مسلولا
ثم خرج إلى ذكر الممدوح الحسين بن عبد الله بن طغج أمير مصر كان قد خرج متصيداً فرأى أسدا على فريسته فهاجمه فوثب الاسد على كفل فرسه فأعجله عن استلال السيف فضربه بالسوط فألقاه عن كفل الفرس، فقال المتننبي القصيدة التي أولها:
في الخدام عزم الخليط رحيلا
…
مطر يزيد به الخدود محولا
وجاء منها: أمعفر الليث الهزبر بسوطه
…
لمن ادخرت الصارم المسلولا وقال عبد الجبار بن حمديس الصقلى:
وليث مقيم في غياض منيعه
…
أمير على الوحش المقيمة في القفر
يوسد شبليه لحوم فوارس
…
ويقطع كاللص السبيل على السفر
هزبر له في فيه نار وشقرة
…
فما يستوى لحم القتيل على الجمر
سرجاه عيناه إذا أظلم الدجى
…
فإن بات يسرى باتت الوحش لا تسرى
له جبهة مثل المجن ومغطس
…
كأن على أرجائه صيغة الحبر
يصلصل رعد من عظيم زئيره
…
ويلمع برق من حماليقه الحمر
له ذنب مستنبط منه سوطه
…
ترى الأرض منه وهي مضروبة الظهر
ويضرب جنبيه به فكأنما
…
له فيها طبل محيص على الكر
ويضحك في التعبيس فكيه عن مدى
…
بنوب صلاب ليس يهتم بالفهر
يصول بكف عرض شبرين عرضها
…
خناجرها أمضى من القضيب البتر
يجرد منها كل ظفر كأنه
…
هلال بدا للعين في أول الشهر
وأحسن منها كل ظفر كأنه
…
هلال بدا للعين في أول الشهر
وأحسن ما ورد في قتل الأسد قول بشر بن عوانة الفقعسى يضف ملاقاته للأسد وام اتفق له معه وحكايته أن تزوج ابنة عمه فخرج يبغى مهرها فلما كان ببعض الطرق عارضة أسد فكر بمهره عليه فتقاعس ولم يتقدم عليه فنزل عنه وأقبل نح الأسد مصلتا سيفه فقتله وقال:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت
…
وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
إذا لرأت ليثا رام ليثا
…
هزبر أغلبا يبغى هزبرا
تمهس إذ تقاعس عنه مهرى
…
محاذرة فقلت عقرت مهرا
أبل قدمى ظهر الأرض إني
…
وجدت الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقد أبدى نضالا
…
مذربة ووجها مكفهرا
يدل بمخلب وبحد ناب
…
لمضربه غداة الروع أثرا
ألم يبلغك ما فعلت ظباه
…
بكاظمة غداة لقيت عمرا
وقلبي مثل قلبك لست أخشى
…
محازردة ولست أخاف ذعرا
وأنت تروم للأشبال قوتا
…
وأبغى لابنة الأعمام مهرا
ففيم تروم مثلى أن يولى
…
ويترك في يديك النفس قسرا
نصحتك فالتمس ياليث غيرى
…
طعاما إن لحمى كان مرا
ولما ظن الغش نصحى
…
وخالفني كأنى قلت هجرا
دنا دنوت من أسدين راما
…
مراما كان إذ طلبا ذعرا
يكفكف غيله إحدى يديه
…
ويبسطه الوثوب على الأخرى
هززت له الحسام فخلت أنى
…
هززت له لدى الظلماء فجرا
حساما لورميت به المنايا
…
لجاءت نحوه تعطيه عذرا
وجدت له بخافقة رآها
…
كمن لديه مامنه قدرا
بضربة فيصل تركته شفعا
…
وكان كأن الجلمود وترا
فخر مضرجاً بدم كأنى
…
هدمت به بناء مشمخرا
وقلت له يعز على أنى
…
قتلت مناسبى جلدا وقهرا
ولكن رمت شيئا لم يرمه
…
سواك فلم أطق ياليث صبرا
تحاول أن تعلمنى فرارا
…
لعمر أبى لقد حاولت نكرا
فلا تبعد فقد لاقاك حر
…
يحاذر أن يعاب فمت بحرا
نادرة: قبل تعرض أسد لقافلة وصال على رجل منها فبادروا حتى حالوا بينهما وقالوا للرجل كيف حالك قال صالحة ولكن الأسد قد خرى في سراويلي ولمؤلفه رحمه الله: سألتك يا جميل الستر سترا
…
أغيب به الخصم الظلوم
وذاك الستر ستر معنوى
…
يرانى منه كالأسد العظيم
القول في طبائع الفيل: زعم بعض الباحثين عن طبائع الحيوان أن الفيلة مائية الطباع بالجاموسية والخنزيرية التي فيها وبعضها يسكن الماء وبعضها لا يسكنه وزعم آخرون أن الفيلة ضربان فيل ورند فيلوهما كالبخت والغراب والبقر والجواميس والبراذين والخيل والفأر والجرذان والنمل والذر وبعضهم يقول الفيل الذكر والرندفيل الأنثى وهذا النوع لا يتلاقح إلا في بلاده ومغارس أعراقه وإن صار أهليا وهي تتوالد بأرض السند والهند وهي أعظمها خلقا وبجزيرة سرنديب وينتهى في عظم الخلق إلى أن يبلغ في الارتفاع عشرة أذرع وفي ألوانها الأسود والأبيض والازرق والأبلق وهو إذا غتلم أشبه الجمل في ترك الماء والعلف حتى ينضم إبطاه ويتورم رأسه ولم يكن لسواسه غير الهرب منه وربما صار وحشياً وجهل جهلاً شديداً والفيل ينزو إذا مضى له من العمر خمس سنين وإذا حملت لا يقربها الذكر ولا يمسها ولا ينزو الذكر علها إذا وضعت إلا بعد ثلاث سنين ولا ينزو إلا على فيلة واحدة وله عليها غيرة شديدة وإذا تم حملها وأرادت الوضع دخلت النهر حتى تضع ولدها بالماء لأنها تلد قائمة إذ لا فواصل لقوائمها فتبرك والذكر بعد ذلك يحرسها وولدها من الحيات وذلك لعداوة أصيلية ووضع ذكر الفيل شبيه بالفرس لكنه صغير عنه جثة وهو في الفرس العتيق صغير أيضاً وأنثيا الفيل داخل ذنبه قريب من كليتيه ولذلك يسفد سريعاً كالطير لأن داخلاً قريباً من القلب ينضج المنى بسرعة ويقال أن الفيل يحقد كما يحقد الجمل ويحفظ الشيء الذي يكرهه القيم عليه حتى يقابله عند تمكنه منه وربما قتله وزعم أهل الهند أن لسان الفيل مقلوب ولولا ذلك لتكلم وهو صغير جداً ويجعلون أن قرينه هما ناباه يخرجان مشتطين حتى يخرقا الحنك وعلم ذلك من تسريحه ويوجد فيه الأعقف والمستقيم.
قال المسعودي: وربما بلغ الناب منه مائة وخمسين منا وأكثر من ذلك والفيل يحمل بهما على الجدار الوثيق البنيان فيقلبه على الأرض وقد فتح به محمود بن سبكتكين مدينة الطاق وهي من أعظم الحصون التي ببلاد سجستان فإنه جعل نابيه تحت بابيها فأقلعه وهو ومن أسرع الحيوان الوحشى أنسا بالناس وسرعة الأنس دليل على حسن الطباع ودماثة الأخلاق وخرطومه من غضروف أنفه وهو يده التي يوصل بها الطعام إلى فيه ويقاتل بها وبها يصيح وليس صياحه على مقدار جثته لأنه كصياح الديك يتنزل منه منزلة عنقه وله فيه من القوة بحيث يقلع به الشجر من منابتها وفي طبعه أنه إذا سمع صوت الخنزير ارتاع ونفر واعتراه الفزع والجزع وإذا ورد الغدران والأنهار للشرب وكان الماء صافياً فهو أبداً يثيره ويكدره كالخيل لأنها ترى صورها على سطح الماء فتتوهم أنه غيرها فتنفر منه وهو قليل الاحتمال للشتاء والبرد ويقوم ويسير في الماء منغمساً ما عدا خرطومه لأنه منه يتنفس ولايقدر على السباحة لثقل جثته وفيه الفهم ما به يقبل التأديب ويفعل ما يأمره سائسه من السجود للملوك وغير ذلك من الخير والشر في حالتي السلم والحرب وفيه من الأخلاق أنه يقاتل بعضه بعضاً قتالاً شديداً والمقهور منها يخضع ويتعبد للقاهر ويخاف سطوته ويقال: إنه يصاد باللهو والطرب واللعب والزينة وريح الطيب والنساء يصيدونه بذلك وربما احتيل على صيده بأن يترقب حال سكونه وهدّوه وذلك أنه لا ينام إلا متعمدا على ساق شجرة إذ لا يمكنه الاضجاع لكون قوائمه لا فواصل لها لكنها كالأساطين المصمتة والسوارى الوثيقة والصيادون يأتون الشجرة التي غالب أوقاته يعتمد عليها فيضعفون أصلها فإذا أتى على عاداته إليها ليعتمد عليها انكسرت فسقط وبقى عاجزا لا يقدر لنفسه بشيء فيصدونه كيف شاءوا، والهند تعظم الفيل وتشرفه لما اجتمع فيه من الخصال المحمودة من علو سمكه وعظم صورته وبديع منظره وطول خرطومه وسعة أذنه وطول عموده وثقل حمله وخفة وطئه، فإنه ربما مر بالإنسان وهو لا يشعر به لحسن خطوته واستقامته وللهند طيب يجمعونه من جباه الفيلة ورؤسها فإنه إذا غتلمت عرقت هذه الأماكن عرقا كأنه المسك ويستعملونه لظهور الشبق في الرجال والنساء ويزعمون أنه يشجع القلب ويقوى النفس ويبعثها على الأقدام والفيل يشب إلى تمام ستين سنة ويعمر مائتي سنة وأكثر وحكى ارسطو أن فيلا ظهر عمره أربعمائة سنة.
وحكى بعض المؤرخين أن فيلا سجد لابرويز ثم سجد للمعتضد وبينها زمان ذكره ارسطو واعتبر ذلك بالوسم وهذا الحيوان يعتريه من لاأمراض وجع المفاصل لطول قيامه وثقل جثته لأنه لا يضطجع.
الوصف والتشبيه، وقال عبد الكريم البهشلى:
وأضخم هندى النجاد تعده
…
ملوك بنى ساسان إن نابها دهر
يجئ كطود جائل فوق أربع
…
مصيره يلب كما يلب الصخر
له فخذان كالشئين لبد
…
وصدر كما أوفى الهضبة الصدر
ووجه به أنف كرا وورق خمرة
…
ينال ما يدرك الانمل العشر
وجنبان لا يروى القليب صداهما
…
ولو أنه بالباع منهرب حفر
وأذن كنصف الرد يسمعه الندا
…
خفيا وطرف ينقص الغب مزور
ونابان شقا لا يريد سواهما
…
قيامين سمراوين لمعهما تبر
له لون ما بين الصباح وليله
…
إذ نطق العصفور أو صوت الصقر
صلاح الدين الصفدى رحمة الله ملغزا:
أيما اسم تركيبه من ثلاث
…
وهو ذو أربع تعالى الإله
حيوان والقلب منه نبات
…
لم يكن عند جوعه يرعاه
فيك تصحيفه ولكن إذا ما
…
رمت عكسا يكون في ثلثاه
وقد جعل الله في طبع الفيل الهرب والوحشة من النسور وإذا احتملت المرأة من نجوها مع العسل لم تحبل أبدا وكذلك إذا علق على شجرة لم تحمل تلك السنة.
القول على طبائع الكركدن: وتسميه الهند النوسان ويسمى أيضاً الحمار الهندى وهو عدد الزبرقان والفيل ومعادنه ببلاد الهند والنوبة والبجا وهو دون الجاموس ويقال إنه متولد بين الفرس والفيلة وله ظلف واحد غير مشقوف وقرن واحد عظيم على أنفه بارز ولا يستطيع لثقله أن يرفع رأسه وهذا القرن مصمت قوى الأصل حاد الرأس مرهفه يقاتل به الفيل فلا يفيده معه ناباه، ويقال: إنه إذا نشز رؤى في داخله صورة بياض في سواد صفة انسان ودابة وسمكة وما يشاكل ذلك وأهل الصين يتخذون منه المناطق ويغالون في ثمنه ويقال: إن حمل الأنثى من هذا النوع كأيام حمل الأنثى من الفيلة والأنثى تأكل ولدها ولا يسلم منها إلا القيليل والولد يخرج قويا ثابت الاسنان والقرن قوى الحافر وقد زعم أنه إذا كان في بطن أمه وقارب الوضع يخرج راسه من فرجها ويرعى من أطراف الأشجار ما يقوته ثم يرجع به، وقد أنكر الجاحظ هذا لاقول وقد جعله ضربا من الخرافات وتزعم الهند أنه إذا كان في ناحية من البلاد لا يقربها حيوان أصلا ويكون بينهما وبينه من البعد مائة فرسخ من أربع جهاته هيبة له وهربا منه وليس كذى القرن مشقوق الظلف وهو يجتر كما يجتر البقر والغنم والإبل ويأكل الحشيش والهند تأكل لحمه وكذلك في بلادها من المسلمين لأنه نوع من البقر والجواميس ويقال: إنه شديد العداوة للإنسان حتى أنه إذا شم رائحته أو سمع صوته جد في طلبه فإذا أدركه قتله وإن لم ينتفع به لأنه يأكل اللحم وهذا الحيوان لا يبرك ولا ينام ليس له مفصل في ركبته ولا في يديه بل هو من ظلفه إلى أبطه قطعة واحدة.
القول في الزرافة: والزرافة في كلام العب الجماعة لأنها اجتمع فيها صفات كثيرة من الحيوان وهي عنق الجمل وجلد النمر وقرن الظبي وأسنان البقر ورأس الابل ولهذا زعم بعض المتكلمين في طبائع الحيوان أنها متولدة من حيوانات وقيل: إنالسبب في ذلك اجتماع الوحوش في حماوة القيظ على شرائع المياه متتساعد فيلقح منها ما يلقح ويمتنع ما يمتنع فربما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة فتختلط مياهها فيجيء خلق مختلف الصور والألوان والأشكال، والفرس تسمى الزرافة استر كاويليك فتأويل استر بعر وكاو بقرة ويليك الصبغ وهذا كما رأيت موافق لكلام العرب من كونها مركبة الخلق من حيوانات شتى.
والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول إنه جهل شديد لا يصدر عن من لديه تحصيل لأن الله يخلق ما يشاء وهو نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل والحمير ومما يحقق ذلك أنه يلد مثله وقد شوهد وهي طويلة اليدين والعنق جداً حتى يكون في مجموعها عشرة اذرع وأكثر قصيرة الرجلين جداً وليس لها ركب وإنما الركب ليديها كسائر البهايم وغذا أكلت مما على الأرض تفحجت لقصر عنقها عن بدنها ومن عاداتها أن تقدم عند المشي اليد اليمنى والرجل اليسرى بخلاف ذوات الأربع فإنها كلها تقدم اليد اليمنى والرجل اليسرى وفي طبعها التآلف والتودد والتآنس وهي تجتر وتبعر.
الوصف ابن حمديس:
ونوبية في الخلق منها خلائق
…
متى ما يرق العين فيها تسهل
إذا ما اسمها ألقاه في السمع زاجر
…
رأى الطرف ما عنى عناه بمقول
لها فخذ أقرم واظلاف قرهب
…
وناظرتا ريم وهمامة أيل
كأن الخطوط البيض والصفر أشبهت
…
على جسمها ترصيع عاج مصندل
ودائمة الأقعاء في أصل خلقها
…
إذا قابلت أدبارها غير مقبل
تلفت أحياناص بعين كحيلة
…
وجيد على طول اللواء المطل
وتنفض رأساً في الزمام كأنما
…
تريك له هاد على السحب مفتل
وعرف رقيق الشعر نبته
…
إذا الريح هزته ذوائب سنبل
وتحسبها من نفسها إن تبخترت
…
تزف إلى بعل عروساً وتنجلي
فكم منشد قول امرئ القيس عندها
…
أفاطم مهلاً بعض هذا التذلل
ومن أبيات الفقيه عمارة اليمنى:
وبها زرافات كأن رقابها
…
في الطول ألوية تؤم العسكرا
نوبية المنشأ تربك من المها
…
زرقاء ومن بزل المهارى مشفرا
جبلت على الأقعاء من إعجابها
…
فتخالها لتيه تمشي القهقرا