الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(رجع) كان لبعض المغفلين دار فقال له الساكن إن الكنيف قد انفتح فقال له صاحب الدار نظرت إليه من أيام وأردت أن أتغدى به قبل أن يتعشى بي فسبقني، قلت الشيء يذكر بلوازمه نقلت من خط الفاضل المؤرخ الناظم الناثر الرحال صاحب المؤلفات المبدعة نور الدين علي بن سعيد من كتابه الذي سماه بالمغرب في أجلاء المغرب قال في ترجمة أبي العباس أحمد بن القاسم وهو الذي يقول فيه ابن تقي في موشحته المشهورة التي منها أماً ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق أطلعه الغرب فأرنا مثله يا مشرق وجرت له معي حكايات أكرمها حكايته وقد وفد عليه مرة فوجده قد عج عن لارتياح وأقلع عن شرب الراح وكانت له عادة بإحضاره المجلس راحته عندما يصل فخطب ذلك منه فأعلمه بتوبته وتكلف له مجلساً فيه أصحابه ومن يشرب من أقاربه وحضر هو فيه عازماً على المؤانسة دون المشاركة في شراب فقال ابن تقي موشحته المشهورة:
نديماً قد طا
…
ب عن له وأنشد
وأردد عليه الكأ
…
س عساه يرتد
فارتد عن توبته وشرب كأسه من نوبته وأتى من المطايبة والطرب ما قر به عين الظرف والأدب ولما أخذ السكر من ابن تقي قام المستراح وفي وسطه كيس فيه جملة من الذهب الذي جرت عادة أبي العباس أن يصله به في كل سفرة وما اجتمع له من غيره فحله وحطه في كوة المستراح حتى يقضى شغله ثم فرغ ومضى ونسي الكيس لما كان فيه من السكر ونام فلما اصبح وصحا قلب ليطلب الكيس فلم يجد شيئاً ونظر إليه أبو العباس فقال له ما لك فأخبره فقال أنا أخذته منك البارحة لئلا يضيع منك وإذا احتجت إليه دفعته لك واستفهمه عن عدد ما فيه فأخبره فلما دخل إلى منزله جعل في كيس من عنده ذلك العدد ودفعه إليه وابن تقي لا يشك أنه ذهبه ثم ودعه وانصرف ولما اجتاز عليه في سفرة ثانية حضر في ذلك المجلس ليلة على مثل تلك الحالة فلما سكر قام إلى المستراح ثم تفكر في حالة السكر أنه كان قد حل هناك سراويله ووضع الكيس في الكوة فمد يده إلى الكوة وجد الكيس بعينه فأخذه وجعله في وسطه ثم عاد لشربه والمجلس غاص محتفل بالأعيان فبكى ابن تقي وكدر المجلس فظن أبو العباس أنه جرى عليه ما أوجب ذلك فقال له ما يبكيك هل نابك أمر أكشفه عنك فقال والله ما أبكي إلا حسرة على العالم أنه لا يخلد مثلك فيه وحكى الحكاية فقال أبو العباس ما كان يسعني في ذلك الوقت إلا ما فعلته لأني خفت أن يكون ضاع لك فتتهم به أحد ندمائي ويشيع ذلك ولابد من غرمه لك لئلا تنصرف خائباً فكان الأولى غرمه دون أن يفتضح أحد من أصحابنا فقبل الأرض ودعى لي وهذه إحدى مكارمه جدد الله عليه الرحمة وجازاه بما هو أهله في جنة الفردوس من النعمة آمين آمين.
سألني بعض المخاديم أن انظم له أبياتاً تكتب على الخريشت الذي جدده بعد حريقه وانهدامه في الواقعة المشهورة الخواجا بدر الدين محمد بن الخواجا شمس الدين محمد اتبن المزلق أدام الله سعدهما بباب البريد بالجامع الأموي وكان والده قد بيضه:
يا بقعة لقضا الحوايج أسست
…
لازال سعدك دائماً يتزيد
لمحتك من بدر وشمس نظرة
…
فغدا قراناً سعده لك يرصد
جددت فعل الخير يا بن مزلق
…
لازال فعل الخير منك يجدد
عشرون بيتاً قد قصدت رويها
…
يا خير من يروي ومن يتقصد
كانت مسودة وقد بيضتها
…
فالماء للأبيات منها ينشد
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها
…
تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
الباب الخامس والثلاثون
في نبلاء الأطباء
قال الحكيم الفاضل الفيلسوف العارف ابقراط ينبغي أن يكون الطبيب حراً في جنسه جيداً في طبعه حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة مالكاً لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركاً له في الغاية ولا يكون بليداً وينبغي أن يكون مشاركاص للعليل مشفقاً عليه حافظاً للأسرار لأن كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة لأن قوماً من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوادي يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نتحملهم ونعلم أنه ليس منهم ذلك وأن سببه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلاً مستوياً لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قص أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه نظيفة بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلاً لأن ذلك دليل الطيش ولا متباطئاً لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعاً ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإن هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره وأبقراط هذا أول من برهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها وكانت لها العناية في نفع المرضى ومداواتهم ويقال له أنه أول من جدد البيمارستان واخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره موضعاً من بستان له مفرداً للمرضى وجعل فيه خدماً يقومون بمداواتهم وسماه أخشندوكين أي مجمع المرضى ولذلك أيضاً يقع لفظه البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو موضع المرضى ولم يكن له داب في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صنعة الطب واتخاذ قوانينها ومداواة المرضى واتصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لطلب الغنى ولا في زيادة مال وكان أبقراط في زمن بهمن بن اسفنديار بن بستاسب وظهر أبقراط سنة ست وتسعين لبختنصر وهي أربع عشرة لملك بهمن وأما تفسير اسمه فإن معناه ضابط الحيل وقيل معناه ماسك الأرواح وقيل ماسك الصحة وأصل اسمه باليونانية ابقوقراطيس ويقال هو بقراطيس وإنما العرب عادتها أن تخفف الأسماء فخفف هذا الاسم فقالوا أبقراط وبقراط أيضاً وقد جرى ذلك كثيراً في الشعر ويقال أيضاً بالتاء أبقرات وبقرات ومات مفلوجاً ومن ألفاظه الحكمية ونوادره المفردة في الطب قال الطب قياس وتجربة وقال العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية والزجر والفأل حس نفساني وقال كل مرض معروف السبب موجود الشفاء وقال لا تأكل حتى تجوع وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفرغ إلى عادتها وقيل له لم يكون البدن أثور ما يكون إذا شرب الإنسان الدواء قال لأن أشد ما يكون البيت غباراً إذا كنس وقال مثل المنى في الظهر كمثل الماء في البئر إن نزفته فار وإن تركته غار وقال إن المجامع يقتلع من ماء الحياة وسئل في كم ينبغي للإنسان أن يجامع قال في كل سنة مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل شهر مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل أسبوع مرة قيل له فإن لم يقدر هي روحه أي وقت شاء يخرجها وقال العافية ملك خفي لا يعرف قدرها إلا من عدمها وقيل له أي العيش خير فقال الأمن مع الفقير خير من الغني مع الخوف ودخل على عليل فقال له أنا وأنت والعلة ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول لما تسمع مني صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك أن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى ومن كلامه في العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص وكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد الفكر تكون الندامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمنى ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غماً وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحاً وأسفاً وربما شهق شهقة فتخفى فيها روحه أربعاً وعشرين ساعة
فيظن أنه قد مات فيقبر وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه فينضم عليها القلب فلا تنفرج حتى يموت وربما ارتاح وتشوق للنظر أو رأى من يحب فيموت فجأة دفعة واحدة وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه وزوال ذلك عمن هذه حاله بلطف رب العالمين لا بتدبير من الآدميين وذلك أن المكروه العارض من سبب قائم بمفرده بنفسه بتهيء التلطف في إزالته بإزالة سببه فإذا وقع السببان وكل واحد منهما علة لصاحبه لم يكن إلى زوال واحد منهما سبيل كما إذا كانت السوداء سبباً لاتصال الفكر سبباً لإحراق الدم والصفراء وميلهما إلى السوداء فالسوداء كلما قويت قويت قوة الفكر والفكر كلما قوي قويت السوداء فهذا الداء العياء الذي تعجزه عن معالجته الأطباء ومن كلامه الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال أما العقلاء فيجب أن يسقوا الخمر وأما الحمقاء فيجب أن يسقوا الحريف وقال ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال المالك للشيء هو المسلط عليه فمن أحب أن يكون حراً فلا يهوى ما ليس له وليهرب منه وإلا صار له عبداً وقال لتلميذ لكه إن أحببت أن لا تفوتك شهوة فاشته ما يمكنك وقال الدنيا غير باقية فإذا أمكن الخير فاصطنعوه وإذا عدمتم ذلك فتحمدوا واتخذ من الذكر أحسنه.
انتهى. ما لخصته من ترجمة ابقراط من طبقات الأطباء للعلامة موفق الدين أبي العباس أحمد بن أبي القاسم الخزرجي المعروف بابن أبي أصبيعة رحمه الله.
وذكر الشيخ جمال الدين بن نباتة في شرح العيون ومن ظرائف حكايات أبقراط أن ولد أحد الملوك عشق جارية من حظايا ابيه فنحل بدنه واشتدت علته وهو كاتم خبره فأحضر ابقراط فجس نبضه ونظر إلى بشرته فلم ير علة فذاكره حديث العشق فرآه يهتز لذلك ويضطرب فاستخبر الحال من حاضنته فلم يكن عندها خبر فقال هل خرج من الدار فقالت لا فقال لأبيه مر برئيس الخصيان بطاعتي فأمره فقال أخرج عليّ النساء فخرجن وابقراط أصبعه على نبض الصبي فلما خرجت الجارية اضطرب عرقه وحار طبعه فعلم ابقراط أنها المعنية فصار إلى الملك فقال إن ابن الملك عاشق لمن الوصول إليها صعب قال الملك من هي قال زوجتي فقال انزل عنها ولك عنها بدل فتمنع ابقراط وقال هل رأيت أحداً كلف أحداً إلى طلاق زوجته ولاسيما الملك في عدله ونصفته يأمرني بمفارقة زوجتي وهي عديلة روحي فقال الملك إني أوثر عليك عليك وأعوض لك أحسن منها فامتنع حتى بلغ الأمر إلى التهديد والسيف فقال إن الملك لا يسمى عادلاً حتى ينصف من نفسه أرأيت لو كانت العشيقة حظية الملك ففهم الملك المراد وقال يا ابقراط عقلك أتم من معرفتك ونزل عن الحظية لابنه وشفي الفتى.
فيثاغورس: قال القاضي صاعد في طبقات الأمم إن فيثاغورس كان بعدى بندقليس بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود عليها السلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام ومن كلامه وآدابه وحكمه قال كما أن بدء وجودنا وخلقنا من الله سبحانه هكذا ينبغي أن تكون نفوسنا منصرفة إلى الله تعالى وقال الفكرة لله خاصة فمحبتها متصلة بمحبة الله ومن أحب الله سبحانه وتعالى عمل بمحابة ومن عمل بمحابة قرب منه ومن قرب منه نجا وقال الأقوال الكثيرة في الله تعالى علامة تقصير الإنسان عن معرفته وقال ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك وقال الأشكال المزخرفة والأمور المموهة في أقصر الأزمان تتبهرج وقال الأخلق بالإنسان أن يفعل ما ينبغي لا ما يشتهي وقال الدنيا دول مرة لك وأخرى عليك فإن توليت فأحسن وإن تولوك فألن وكان يقول إن اكثر الآفات إنما تعرض للحيوانات من عدمها الكلام وتعرض للإنسان من قبل الكلام وكان يقول من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به مكروه كما ينزل بغيره: العجلة واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضاء وثمرة التواني الزلة ونظر إلى رجل عليه ثياب فاخرة يتكلم فليحن في كلامه فقال له إما أن تتكلم بكلام يشبه ثيابك أو تلبس لباساً يشبه كلامك وقال استعمل الفكر قبل العمل وقال كثرة العدو تقل الهدو وحضرت امرأته الوفاة في أرض غربة فجعل أصحابه يتحرقون على موتها في أرض الغربة فقال يا معشر الإخوان ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق وذلك أن الطريق إلى الآخرة واحدة من جميع النواحي وقيل ما أحلى الأشياء هي الإنسان وقال أنكى لعدوك أن لاتريه أنك تتخذه عدواً. انتهى كلامه.
سقراط: كان من تلاميذ فيثاغورس واقتصر من الفلسفة على العلوم الإلهية وأعرض عن ملاذ الدنيا ورفضها وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام وقابل رؤساءهم بالحجاج والأدلة فثوروا العامة عليه واضطروا ملكهم إلى قتلة فأودعه الملك الحبس تحمداً إليهم ثم سقاه تفادياً من شرهم من مناظرات جرت له مع الملك محفوظة وله وصايا شريفة وآداب فاضلة وحكم مشهور ومعنى سقراطيس باليونانية المعتصم بالعدل وبلغ من تعظيمه الحكمة مبلغاً أضر بمن بعده من محبي الحكمة لأنه كان من رأيه أن لا يستودع الحكمة الصحف ولا القراطيس تنزيهاً لها عن ذلك ويقول إن الحكمة طاهرة مقدسة فلا ينبغي أن تستودعها إلا الأنفس الحية وتنزهها عن الجلود الميتة ولم يصنف كتاباً ولا أملي على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنهم علمه تقيناً لا غير وتعلم ذلك من أستاذه طيماوس فإنه قال في صباه لا تدعني أدون ما اسمع منك من الحكمة فقال له ما أوثقك بجلود البهائم الميتة وأزهدك في الخواطر الحية هب إنساناً لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك والنظر في كتبك فإن كان لا يحسن فالزم الحفظ فلزمه سقراط ومن آداب سقراط وحكمه ونوادره ما ذكره الأمير المبشر بن فاتك في كتابه قال سقراط عجباً لمن عرف فناء الدنيا كيف تلهيه عما ليس له فناء وقال النفس جامعة لكل شيء فمن عرف كل شيء وقال ما ضاع من عرف نفسه وما أضيع من جهل نفسه وقال ستة لا تفارقهم الكآبة: الحقود والحسود وحديث عهد بغنى وغنى يخاف الفقر وطالب رتبة يقصر قدره عنها وجليس أهل الأدب وليس منهم وقال خير من الخير وشر من الشر من عمل به وقال اتقوا ما تبغضنه قلوبكم وقال من اهتم بالدنيا ضيع نفسه ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا وقال طالب الدنيا إن نال ما أمل تركه لغيره وإن لم ينل ما أمل مات بغصة وقال من احب أن لا تفوته شهوة فليشته ما يمكنه وقال له رجل شريف الجنس وضيع الخلائق أمات تأنف نفسك يا سقراط من خساسة جنسك فأجابه جنسك عندك انتهى وجنسي مني ابتدئ وقال لا يكون الحكيم حكيماً حتى يغلب شهوات الجسم وكان يقول القينة مخدومة ومن خدم غير ذاته فليس بحر وقال إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذنان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به وقال أنفع ما اقتناه الإنسان الصديق المخلص وقال الصامت ينسب إلى العي والمتكلم ينسب إلى الفضول ويندم وقال إذا ضاق صدرك بسرك فصدر غيرك به أضيق وقال من أراد النجاة من مكائد الشيطان فلا يطيعن امرأة فإن النساء سلم منصوب ليس للشيطان حيلة إلا بالصعود عليه وقال لتلميذ له يا بني إن لك من النساء فاجعل لقاءك لهن كأكل الميتة ولا تأكلها إلا عند الضرورة فتأخذ منها بقدر ما يقيم الرمق فإن أخذ آخذ منها فوق الحاجة أسقمته وقتلته وقيل له ما تقول في النساء فقال هن كشجر الدفلى له رونق وبهاء فإذا أكله الغر قتله وقال من قل همه على ما فاته استراحت نفسه وصفا ذهنه وقال أفضل السيرة طيب المكسب وتقدير الإنفاق وقال من يجرب يزدد علماً ومن يؤمن يزدد يقيناً ومن يستيقن يعمل جاهداً ومن يحرص على العمل يزدد قوة ومن يكسل يزدد فترة وقال القينة ينبوع الأحزان فلا تقنوا الأحزان وقال لولا أن في قولي أنني لا أعلم أخباراً أنني اعلم لقلت إني لا أعلم.
أفلاطون:
فيلسوفي يوناني طبي عالم بالهندسة وطبائع الأعداد ومعنى اسمه العميم الواسع لزم سقراط وسمع منه خمس سنين ثم مات سقراط فبلغه أن بمصر قوماً من أصحاب فيثاغورس فسار إليهم حتى أخذ عنهم وبلغ من العمر إحدى وثمانين سنة وكان حسن الأخلاق كريم الأفعال كثير الإحسان إلى كل أحد غريباً وقريباً مبتدأ حكمياً صبوراً ومن كلامه ومواعظه العادة على كل شيء سلطان وقال من لم يواس الأخوان عند دولته خذلوه عند فاقته وقيل له لم لا تجتمع الحكمة والملك فقال لعز الكمال وقال إذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوفي الملتذ أبداً بل دع فيه فضله تدوم لك اللذة وقال غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه وقال ما ألمت نفسي إلا من ثلاث من غني افتقر وعزيز ذل وحكيم تلاعبت به الجهال وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس ليس يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنما يسألون عن جودة صنعته وقال اطلب في الحياة العلم والمال تحز الرياسة على الناس لأنهم بين خاص وعام فالخاصة تفضلك بما تحسن والعامة تفضلك بما تملك وقال عين المحب عمياء عن عيب المحبوب وقال الحلم لا ينسب إلا إلى من قدر على السطوة والزهد لا ينسب إلا إلى من ترك بعد المقدرة وقال الحسن الخلق من صبر على السيء الخلق وقال أشرف الناس من شرفته الفضائل لا من يشرف بالفضائل وذلك أن من كانت الفضائل فيه جوهرية فهي تشرفه ومن كانت فيه عرضية تشرف بها ولم تشرفه وقال الحياء إذا توسط وقف الإنسان عما عابه وإذا أفرطه وقفه عما يحتاج إليه وإذا قصر خلع عنه ثوب التجمل في كثير من أحواله وقال لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تدري ةوقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك وقال رب مغبوط بنعمة هي بلاؤه ورب محسود على حال هي دواؤه وقال الأمل خداع النفوس لا تستكثرن من عشرة حملة عيوب الناس فإنهم يلتقطون ما غفلت عنه وينقله إلى غيرك كما ينقلون عنهم إليك وقال الإفراط في النصيحة يوهم بصاحبها كثيراً من المظنة وقال ليس ينبغي للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه ولكن يعتني بحفظ ما بقي عليه وسئل عند موته عن الدنيا فقال خرجت إليها مضطراً وعشت فيها متحيراً وها أنا أخرج منها كارهاً ولم أعلم فيها أنني لا أعلم.
أرسطاطاليس: وتفسيره تام الفضيلة قال سليمان بن حسان المعروف بابن حلجل في كتابه عن ارسطاطاليس أنه كان فيلسوف اليونان وعالمها ونحريرها وخطيبها وطبيبها وكان أوحداً في الطب وغلب عليه علم الفلسفة قال المسعودي وكان أفلاطون يجلس فيستدعي من الكلام فيقول حتى يحضر الناس وربما قال حتى يحضر العقل فإذا حضر قال تكلموا فقد حضر العقل ومن كلامه وحكمه رغبتك فيمن زهد فيك ذل نفس وزهدك فيمن يرغب فيك قصر همة وقال الجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديق غيره وقال الحاجة تفتح أبواب الحيلة ونظر إلى حديث يتهاون بالعلم فقال له إنك لم تصبر على تعب العلم وصبرت على شقاء الجهل وقال كفى بالتجارب تأدباً وبالأيام عظة وقال خير الأشياء أجدها إلا المودات وقال كلام العجلة موكل بالزلل وأعاد على تلميذ له مسألة فقال له أفهمت فقال التلميذ نعم فقال لا أرى آثار الفهم عليك قال وكيف ذلك قال لا أراك مسروراً والدليل على الفهم السرور.
جالينوس: وكان مولده من بعد زمان المسيح بتسعة وخمسين سنة على أرخه اسحاق بن حنين وأما قول من زعم أنه كان معاصره وأنه توجه ليراه ويؤمن به فغير صحيح وقد أورد جالينوس في مواضع متفرقة من كتبه ذكر موسى وعيسى وتبين من قوله أنه كان من بعد المسيح بهذه المدة التي تقدم ذكرها ومن ألفاظ جالينوس وحكمه ونوادره ما ذكر حنين بن اسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء وآداب المعلمين القدماء قال الهم فناء القلب والغم مرض القلب ثم بين ذلك فقال الغم بما كان والهم بما يكون وفي مواضع أخر الغم بما فات والهم بما هو آت.
ومن كلامه في العشق قال العشق استحسان ينضاف إليه طمع وقال لن واحكم تتبل تنل ولا تكن معجباً فتمتهن وقال الحياء خوف المستحيي من نقص يقع به عند من هو أفضل منه وقال يتهيأ للإنسان أن يصلح أخلاقه إذا عرف نفسه فإن معرفة الإنسان هي الحكمة العظمى وذلك أن الإنسان لإفراط محبته لنفسه بالطبع يظن بها من الجميل ما ليست عليه حتى أن قوماً يظنون بأنفسهم أنهم شجعان وكرماء وليسوا كذلك وأما العقل فيكاد أن يكون الناس كلهم يظنون بأنفسهم التقدم فيه وأقرب الناس إلى الذي يظن ذلك بنفسه أقلهم عقلاً ورأى رجلاً تعظمه الملوك لشدة جسمه فسال لشدة جسمه فسأل عن أعظم ما فعله فقالوا أنه حمل ثوراً مذبوحاً من وسط الهيكل حتى أخرجه خارجاً فقال لهم فقد كانت نفس الثور تحمله ولم يكن لها في حمله فضيلة وقال إن العليل يتروح بنسيم أرضه كما تتروح الأرض الجدبة ببل القطر وقيل له متى ينبغي للإنسان أن يموت قال إذا جهل ما يضره مما ينفعه ومن كلامه أنه سئل عن الأخلاط الأربعة فقيل له ما قولك في الدموي فقال عبد مملوك وربما قتل العبد مولاه قيل له فما قولك في الصفراء قال كلب عقور في حديقة قيل له فما قولك في البلغم قال ذلك الملك الرئيس كلما أغلقت عليه بابا فتح لنفسه باباً قيل له فما قولك في السوداء قال هيهات تلك الأرض إذا تحركت تحرك ما عليها ومن ذلك قال أنا ممثل لك مثالاً في الأخلاط الأربعة فأقول إن مثال الصفراء وهي المرة الحمراء كمثل امرأة سليطة صالحة تقية فهي تؤذي بطول لسانها وسرعة غضبها إلا أنها ترجع سريعاً بلا غائلة ومثل الدموي كمثل الكلب فإذا دخل دارك فعاجله إما بإخراجه أو قتله ومثل البلغم في البدن إذا تحرك مثل ملك دخل بيتك وأنت تخاف ظلمه وجوره وليس يمكن أن تخرق به وتؤذيه بل يجب أن ترفق به وتخرجه ومثل السوداء في الجسد مثل الإنسان الحقود الذي لا يتوهم فيه بما في نفسه ثم يثب وثبة فلا يبقى مكروهاً إلا يفعله ولا يرجع إلا بعد الجهد الجهيد.
ومن تمثيلاته الظريفة قال الطبيعة كالمدعي والعلة كالخصم والعاملات كالشهود والقارورة والنبض كالبينة ويوم البحران كفصل القضاء والفضل والمرض كالمتوكل والطبيب كالقاضي.
ابن كلدة الثقفي لما وفد على كسرى أنوشروان اذن له بالدخول فلما وقف بين يديه منتصباً قال له من أنت قال أنا الحرث بن كلدة قال فما صناعتك قال الطب قال أعرابي أنت قال نعم من صميمها وبحبوحة دارها قال فما تصنع العرب بطبيب مع جهلها وضعف عقولها وسوء أغذيتها قال أيها الملك إنه إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج إلى ما يصلح جهلها ويقيم عوجها ويسوس أبدانها ويعدل أمشاجها فإن العاقل يعرف ذلك من نفسه ويميز موضع دائه ويحترز عن الأدواء كلها بحسن سياسته لنفسه قال كسرى فكيف تعرف ما تورده عليها ولو عرفت الحكم لم تنسب إلى الجهل قال الطفل يناغي فيداوي والحية ترقي فتحاوي ثم قال أيها الملك العقل من قسم الله تعالى قسمه بين عباده كقسمة الرزق فيهم فكل من قسمته أصاب وخص بها قوم وزاد فمنهم مثر ومعدوم وجاهل وعالم وعاجز وحازم ذلك تقدير العزيز العليم قال كسرى فما الداء الدوى قال إدخال الطعام على الطعام وهو الذي يفني البرية ويهلك السباع في البرية قال أصبت قال فما العلة التي تظلم منها الأدواء قال هي التخمة إن بقيت في الجوف قتلت وإن تخللت أسقمت قال صدقت قال فما تقول في الحجامة قال كفي نقص الهلال في صحو لا مغيم فيه والنفس طيبة والعروق ساكنة لسرور يفاجئك وهم يباعدك قال فما تقول في الحمام قال لا تدخله شعباناً ولا تغش أهلك سكراناً ولا تقم بالليل عرياناً ولا تقعد على الطعام غضباناً وارفق بنفسك تكن رخي البال وقلل من طعامك يكن أهنى لنومك قال فما تقول في الدواء قال ما لزمتك الصحة فأجبتنه فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت وإن تركتها خربت قال فما تقول في الشراب قال أطيبه أهنأه وأرتقه أمرأة وأعذبه أشهاه تشربه صرفاً فيورثك صداعاً ويثير عليك من الأدواء أنواعاً قال فأي اللحمان أفضل قال الضأن الفتى والجدي الرضيع والقديد المالح مهلك للأكل واجتنب لحم الجزور والبقر قال فما تقول في الفواكه قال كلها في إقبالها وحين أوانها واتركها إذا أدبرت وانقضى وزظمانها وأنفضل الفاكهة الرمان والأترج وأفضل الرياحين الورد والبنفسج وأفضل البقول الهندباء والخس قال فما تقول في شرب الماء قال هو حياة البدن وبه قوامه ينفع ما شرب منه بقدر وشربه بعد النوم ضرر وأفضله أمراه وأرقه أصفاه قال فأخبرني عن أصل الإنسان ما هو قال أصله من حيث شرب الماء يعني رأسه قال فما هذا النور الذي في العينين قال مركب من ثلاثة أشياء فالبياض شحمة والسواد ماء والناظر ريح قال فعلى كم شيء جبل وطبع هذا البدن قال على أربع طبائع المرة السوداء وهي باردة يابسة والدم حار رطب والبلغم بارد رطب والصفراء حارة يابسة قال فلم يكن من طبع واحد قال لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يهلك قال فمن طبيعتين لو كان اقتصر عليهما قال لم يجز لأنهما ضدان مختلفان يقتتلان قال فمن ثلاثة قال لم يصلح موافقان ومخالف فالأربع هو الاعتدال والقيام قال فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة قال كل حلو حار وكل حامض بارد وكل حريف حار وكل مر معتدل وفي المر حار وبارد قال فما أفضل ما عولج به المرة الصفراء قال كل بارد لين قال فالمرة السوداء قال كل حار لين قال فالبلغم قال كل حار يابس قال فالدم قال أخرجه إذا زاد.
الشيء بالشيء يذكر كنت أنشدت سيدي القاضي صدر الدين علي بن القاضي أمين محمد بن الأدمي قول بعض الفضلاء وهو:
أصبحت تخرجني بغير جريمة
…
من دار أكرم لدار هوان
كدم الفصاد يراق ارذل موضع
…
أبدا ويخرج من أعز مكان
فأنشدني لنفسه بعد أيام:
قد كنت مثل دمى صدقت أجله
…
وأعزه لبان عن جثماني
لما فسدت وزدت لم آمن على
…
روحي فصلت عليك بالهجران
رجع: قال فالربياح قال بالحقن اللينة والأدهان الحارة اللينة قال أفتأمر بالحقنة قال نعم قرأت في بعض الكتب للحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء عنه والعجب ممن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد وأن الجاهل كل الجهل من ياكل ما عرف مضرته ويؤثر شهوته على راحة بدنه فما الحمية قال الاقتصاد في كل شيء فإن الأكل فوق المقدار يضيق على الروح مساحتها ويسد مسامها قال فما تقول في النساء وأتيانهن قال كثرة غشيانهن رديئة وإياك وأتيان المرأة المسنة فإنها كالشن البالي تجذب قوتك وتسقم بدنك وماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل تأخذ منك الكل ولا تعطيك البعض والشابة ماؤها عذب زلال وعناقها غنج ودلال فوها بارد وريحها طيب وهنها ضيق تزيدك قوة إلى قوتك ونشاطاً إلى نشاطك قال فأيهن القلب إليها أميل والعين برؤيتها اسر قال إذا أصبتها المديدة القامة العظيمة الهامة واسعة الجبين قناة العرنين كحلاء لعساء صافية الخد عريضة الصدر مليحة النحر في خدها رقة وفي شفتيها لعس مقرونة الحاجبين ناهدة الثديين لطيفة الخصر والقدمين بيضاء فرعاء جعدة غضة بضة تخالها في الظلمة بدراً زاهراً تبسم عن أقحوان وعن مبسم كالأرجوان كأنها بيضاء مكنونة ألين من الزبد وأحلى من الشهد وأزهى من الفردوس والخلد أذكى ريحاً من الياسمين والورد تفرح بقربها وتسرك الخلوة بها قال فضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه قال فغفي أي الأوقات أتيانها أفضل قال عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى والنفس أهدى والقلب أشهى والرحم أدفى فإن أردت الاستمتاع بها نهاراً لتسرح عينيك في جمال وجهها ويجتني فوك من ثمرات حسنها ويعي سمعك من حلاوة لفظها وتسكن الجوارح كلها إليها فتجنب الشبع ووقت القيلولة وهيجان الدم قال كسرى لله درك من إعرابي لقد أعطيت علماً وخصصت فطنة وفهماً وأحسن صلته وأمر بتدوين ما نطق به.
تياذوق: كان في دولة بني أمية وصحب الحجاج بن يوسف الثقفي وخدمه بصناعة الطب ومن وصيته له لا تأكل حتى تجوع ولا تكرهن على الجماع ولا تحبس البول وخذ من الحمام قبل أن يأخذ منك وقال له أربعة تهدم العمر وربما قتلن دخول الحمام على البطنة والمجامعة على الامتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق ومجامعة العجوز ببعيد منهن وقيل إن بعض الملوك لما رأى تياذوق شاخ وكبر خشي أن يموت ولا يعتاض عنه لنه كان أحذق الأمة في وقته بالطب فقال له صف لي ما أعتمد عليه فأسوس به نفسي وأعمل به أيام حياتي فلست آمن من أن يحدث عليك حادث الموت ولا أجد مثلك فقال تياذوق أيها الملك أقول لك عشرة أبواب إن عملت واجتنيتها لم تعتل مدة حياتك وهي: لا تأكل طعاماً وفي معدتك طعام ولا تأكل ما ضعف أسنانك عن مضغه فتضعف معدتك عن هضمه ولا تشرب الماء على الطعام حتى تفرغ ساعتين فإن اصل الداء التخمة وأصل التخمة الماء على الطعام وعليك بدخول الحمام في كل يوم مرة واحدة فإنه يخرج من جسدك ما لا يصل إليه الدواء وأكثر الدم في بدنك تحرس به لنفسك وعليك في كل فصل بقيئة ومسهلة ولا تحبس البول وإن كنت راكباً وأعرض تنفسك الخلاء قبل نومك ولا تكثر الجماع فإنه يقتبس منك ماء الحياة فلتكثر أو تقل ولا تجامع العجوز فإنه يورث موت الفجأة فلما سمع ذلك أمر كاتبه أن يكتب هذه الألفاظ بالذهب الأحمر ويضعه في صندوق من ذهب مرصع بالجوهر وبقي ينظر إليه في كل يوم يعمل به فلم يعتل مدة حياته حتى جاءه الموت الذي لا بد منه ولا محيض عنه.
بختيشوع: طبيب الرشيد من كلامه أربعة تهدم العمر إدخال الطعام على الطعام والشرب على الريق ونكاح العجوز التمتع في الحمام.
يوحنا: ابن ماسويه ومن كلامه وقد سئل عن الخير الذي لا شر معه فقال شرب القليل من الشراب الصافي ثم سئل عن الشر الذي لا خير معه فقال نكاح العجوز.
يعقوب: ابن اسحاق الكندي فيلسوف العرب ومن كلامه ما أوصى به لولده أبي العباس قال الكندي يا بني الأب رب والأخ فخ والعم غم والخال وبال والولد كمد والأقارب عقارب وقول لا تصرف البلاء وقول نهم تزيل النعم وسماع الغناء برسام حاد لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغتنم فيموت والدينار محموم فإن صرفته مات والدرهم محبوس فإن أخرجته فر والناس سحرة فخذ شيئهم واحفظ شيئك ولا تقبل ممن قال إن اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع.
أوحد الزمان هبة الله أبو البركات بن علي كان يهودياً واسلم ومن حذقه أن مريضاً كان ببغداد قد عرضت له علة الماليخولياء وكان يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه أبداً فكان كلما مشى يتخايل أن المواضع سقوفها قصيرة ويمشي برفق ولا يترك أحداً يدنو منه حتى لا يميل الدن عن رأسه أو يقع وبقي هذا المرض مدة وهو في شدة منه وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل من معالجتهم تأثير ينتفع به وأنهى أمره إلى أوحد الزمان ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية فقال لأهله إذا كنت في الدار فأتوني به ثم إن أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل وشرع في الكلام معه وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما أن يسرع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه وأوصى غلاماً آخر وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضر ب فوق رأسه أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض ولما كان أوحد الزمان في بيته وأتاه المريض فأقبل إليه وقال له والله لا بد لي أن أكسر الدن وأريحك منه ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب فوق رأسه بنحو ذراع وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح فكانت له ويحة عظيمة وتكسر قطعاً كبيرة فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إياه ولم يشك فيه أنه الذي كان على رأسه بزعمه وأثر فيه الوهم أثراً أبرأ علته من تلك وهذا باب عظيم في المداواة.
العنيزي صاحب النور المجتبي: كان طبيباً ممارساً مشهوراً وعالماً مذكوراً وافر الفضل فيلسوفاً متبصراً في علم الأدب ومن كلامه الجاهل عبد لا يعتق رقه إلا بالمعرفة وقال الحكمة سراج النفس فمتى عدمتها عميت النفس عن الحق وقال الأدب أزين للمؤمن من نسبه وأولى للمرء من حسبه وأدفع عن عرضه من ماله وأرفع لذكره من جماله وقال من أحب أن ينوه باسمه فليكثر من العناية بعلمه وقال الجاهل يطلب المال والعالم يطلب الكمال وقال الغم ليل القلب والسرور نهاره وشرب السم أهون من معاناة الهم ومن شعره:
لو كنت تعلم كل ما علم الورى
…
جمعاً لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب كل من
…
يهوى خلاف هواك ليس بعالم
يحيى بن اسحاق: كان طبيباً ذكياً وعالماً بصيراً بالعلاج صانعاً بيده وكان في دولة عبد الرحمن الناصر لدين الله واستوزره نقل عنه من حذفه أنه أتى إليه بدوي على حمار وهو يصيح على باب داره أدركوني وكلموا الوزير بخبري فلما خرج إليه قال ما بالك فقال له ورم في أحليلي منعني منذ أيام كثيرة وأنا في الموت فقال له اكشف عنه فإذا هو وارم فقال لرجل كان قد أقبل مع العليل أطلب لي حجراً أملس فطلبه فوجده فقال ضعه على كفك وضع عليه الأحليل فلما مكن أحليل الرجل على الحجر جمع الوزير يده وضرب على الأحليل ضربة غشى الرجل منها ثم اندفع الصديد يجري فلما استوفى الرجل صديد الورم فتح عينيه ثم بال البول في اثر ذلك فقال له اذهب فقد برئت علتك وأنت رجل عابث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها في عين الأحليل فورم لها وقد خرجت في الصديد فقال له الرجل قد فعلت هذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة.
ابن جميع الإسرائيلي: من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين خدم سلطان مصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة نافذ الأمر ونقل عنه من حذقه أنه كان جالساً في دكانه وقد مرت عليه جنازة فلما نظر إليها صاح يا أهل الميت وذكر لهم أن صاحبهم لم يمت وأنهم إن دفنونه حيا فصاروا ناظرين إليه كالمتعجبين من قوله ولم يصدقوه فيما قال ثم إنهم قال بعضهم هذا الذي يقوله ما يضرنا إنا نمتحنه فإن كان حياً فهو الذي نريده وإن لم يكن حياً فما يغير علينا شيء فاستدعوه إليهم وقالوا بين الذي قلت لنا فأمرهم بالمصير إلى البيت وأن ينتزعوا عنه أكفات
…
نه وقال لهم احملوه إلى الحمام وسكب عليه الماء الحار فأحمى بدنه ونطله نطولاً وغطسه فرأى فيه ادنى حس وتحرك حركة خفية فقال أبشروا بعافيته ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح فكان ذلك مبدأ اشتهاره بجودة الصنعة والعلم وظهرت عنه ثم سئل بعد ذلك من أين علمت حال ذلك الميت وهو محمول وعليه الأكفان أن فيه روحاً فقال إنب نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الذين قد ماتوا تكون منبسطة فحدست أنه حي وكان حدسي صائباً والله أعلم.
الحكيم صدقة السامري: هو الفاضل صدقة لبن منجا بن صدقة ويعرف بابن الشاعر من الأكابر في صناعة الطب والمتميزين من أهلها والأماثل من أربابها خدم الملك الأشرف موسى بن العادل بن أيوب إلى أن توفي في خدمته وكان يحترمه غاية الاحترام ويكرمه غاية الإكرام وخلف من الكتب عشرة آلاف مجلدة غير كراريس وأوراق مفرطة تقدير ألف مجلد ومن كلامه انظر الموت بعين عقلك تره قريباً ولا تره بعين أملك تلحظه بعيداً وقال العلم شجرة في القلب تزرع ومن السنتنا تظهر ثمارها وقال أنت بنفسك قريب من موجدك ومكونك وبشهواتك وعصيانك أنت بعيد من ربك ومن نظمه:
يابن قسيم أصبحت تنتحل النح?
…
?وودعواك فيه منحولة
أمك ما بالها قل وأجب
…
مرفوعة الساق وهي مفعوله
فاعلها الإير وهو منتصب
…
مسائل قد أتتك مجهولة
والعين عطل وعين عصعصها
…
بنقطة الخصيتين مشكوله
وله: ?شيخ لنا من عظمه داهيه
…
ما مثله في الأمم الخالية
مهندس في طول أيامه
…
مع قصره يبتلع الساقيه
مثلث بدعمه قائم
…
لأنه منفرج الزاوية
نقلت من خط المرحوم فخر الدين بن مكانس كتب صاحبنا فخر الدين عبد الوهاب كاتب الدرجة الشريفة رحمه الله إلى ابن صفير المتطبب وقد دعاه في مرضه ودخل إلى الطهارة فعثر في طست الحقنة فاختصبت رجله رقعة يداعبه بها أولها، الشيء بالشيء يذكر، توجه سيدي بالأمس مخضب القدم من هيولاه ذا مأمن محله المعمور لما منة تولاه وما كان من حقه في أمسه تكدير نفسه ولكل شيء آفة من جنسه هذه مسألة عركها أكبر منه لجبين واشتغل بها اشتغال ذي النحيين وأظنه قبل قدمه فخرج على تلك الصورة أو بعض أجزائه خلع صورة ولبس صوره.
مفرد:
فتى غير محجوب الندى عن صديقه
…
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
على أنه أكثر محافظة ووداً وأرعى ذمة وعهداً كم أحرقته نار وجد إلى أوطانه وأزعجبته من مكانه وهو لا يظهر إلا حباً ولا يطلب منه إلا قرباً:
لاشك إذ لونكما واحد
…
إنكما من طينة واحدة
وبالجملة فأنا أسأل الله أن يكفيه سوء هذه المحنة كما كفى شمائله اللطيفة شر الابنة إنه مجيب الدعاء ولي المنة.
حكي أن بعض الأطباء كان في بعض خدمة الملوك في غزوة ولم يكن معه وقت النصرة كاتب يرسل فتقدم إلى الطبيب أن يكتب إلى الوزير يعلمه بذلك فكتب الطبيب أما بعد فإنا كنا مع العدو في حلقة كدائرة البيمارستان حتى لو رميت مبضعاً لم يكن الأعلى فيقال لم يكن إلا كنبضة أو نبضتين حتى لحق العدو بحران عظيم فهلك الجميع سعادتك يا معتدل المزاج.
قلت ما رأيت أحسن من هذا ولا أوجز ووجدت بخط طبيب على بعض الكتب طالعت هذه النسخة فوجدتها تأن سقماً فعالجتها بالمقابلة إلى أن تمايلت للصحة، ولبعضهم يهجو طبيباً يهودياً:
قالوا اليهودي أخو حكمة
…
لا زالت الأمراض في كأسه
لو كان ذا النخس أخا حكمة
…
أزل دا الصفراء من رأسه
وما ألطف قول الشيخ زين الدين بن لوردي مضمنا:
يا من يطبب قوماً ثم يهملهم
…
يوما بماذا عداك الشر تعتذر