المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع عشرفي آنية الراح - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

إلى أن توارت بالحجاب مريضة

تلفع في ثوب من الليل أخضر

وغازلني جفن من الأفق أنجل

يدير من الظلماء مقلة أحور

ونقلت من كتاب نزهة الأبصار في نعت الفواكه والثمار تأليف الشيخ الفاضل الكامل محمد بن القاضي المنشئ البليغ ضياء الدين نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الموصلي ولم أزل من الأزهار في سؤال وجواب وأنا منصت إنصات المتعجب لمفاخرات الإعجاب إذ سمعت صوت هاتفة ورقاء على بانة خضرا بلسان فصيح وقلب بفرقة الأحباب جريح وقد أوفت على غصنها الرطيب ومالت وأعلنت بما أسرته من وجد وقالت:

اذكرونا ذكرنا عهدكم

رب ذكرى قربت من ترحا

اذكروا صبا إذا أغنى بكم

شرب الدمع وعاف القدحا

يا معشر الرياحين التي يزهى حسنها على كل حين لقد جزتم حد الإكثار ولم ينج أحدكم من سقطات العثار هب أنكم نزهة العيون وزينة الأفنان والفنون فهل أنتم إلا أعشاش أفراخنا ومواضع أوساخنا وأعواد خطبائنا وأرائك أمرائنا ومهود أبنائنا وستور نسائنا رءوسكم محط أرجلنا وهاماتكم نعال أرجلنا ونحن المسبحون بحمد ربنا المثنون عليه بالألسن الناطقة والأفواه العذبة الرائقة فلما سمعت كلام الحمام هممت بالانصراف من حيث أتيت لأخبر بما سمعت ورأيت إذا أقبلت غمامة تمشى لثقلها مشى الرداح ويكاد يلمسها من قام بالراح وما أظلمت إلا أضاء البرق في جوانبها فتمثلت ليلا في صباح فلم يزل البرق يأخذ في أذهاب ردائها ويبدو نذيرا لدى أصوات ندائها وهل يلقى على الأرض ما حملته في أحشائها ثم قالت يا ذوات البكاء والنوح المفتخرات على الأك والدوح ألستم الباكين بغير جوى الشاكين ألم الفراق من غير هوى بكم عرف الشقاق واشتهر ذكره في الآفاق قلوبكم خاشعة وعيونكم غير دامعة ومنكم عرف اختلاف الباطن والظاهر وقد أعرب عن ذلك قول الشاعر:

وهاتفة في البان تملى غرامها

فتتلو علينا من صبابتها صحفا

ولو صدقت فيما تقول من الأسى

لما لبست طوقا ولا خضبت كفا

ونقلت من خط الشيخ شمس الدين محمد بن سمنديار الذهبي لنفسه الكريمة (توفي قريبا من سنة خمس وثمانين وسبعمائة) وأنشدني من نظمه:

سماع غناء الطير للدوح مرقص

ومن طرب بالزهر منه ينقط

‌الباب السابع عشر

في آنية الراح

الشراب في الزجاج أحسن منه في كل جوهر لا يفقد معه وجه النديم ولا يثقل في اليد ولا يرتفع في السوم وقدور الزجاج أطيب من قدور الحجارة وهي لا تصدأ ولا تندى ولا يتخللها وسخ الغمر وأوساخ الوضر وإن اتسخت فالماء وحده لها جلا ومتى غسلت بالماء عادت جديدة ومن كرع فيه بشرب فكأنما يكرع في إناء وماء وهواء وضياء، وما أحسن رسالة سهل بن هارون يفضل الزجاج على الذهب: الزجاج يحلو نورى والذهب متاع سائر والشراب في الزجاج خير منه في كل معدن ولا يفقد معه وجه النديم ولا يثقل اليد ولا يرفع في السوم واسم الذهب يتطير منه ومن لونه مصيره إلى اللئام وهو فاتن قاتل لمن أصابه وهو أيضا من مصائد إبليس ولذلك قالوا أهلك الرجال الأحمران والزجاج لا يحمل الوضر وهو أشبه شيء بالماء وصفته عجيبة

وهي رسالة طويلة.

ومن أحسن ما قيل في ذمه قول النظام فإنه أخرجه في كلمتين بأوجز لفظ وأتم معنى فقال سريع إليه الكسر ولا يقبل الجبر.

ذكر الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه وجد المتورد بن ربيعة يوم القادسية إبريق ذهب عليه ياقوت وزبرجد فلم يدر ما هو فلقيه رجل من الفرس فقال أنا أعطيك فيه عشرة آلاف دينار فعرف قيمته فذهب به إلى سعد بن أبي وقاص (فباعه بمائة ألف دينار.

ووجد للوليد بن يزيد بعد مقتله بلور كأعظم ما يكون من الجفان قيل إنها تسع ثلاثمائة رطل ولما وقعت الفتنة بين عازم الدولة رقيب بن علي وبين حاج خراسان بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وعازم الدولة يومئذ أمير الموسم ومقدم القافلة المضرية وكانت الهزيمة على الخراسانين فنهبت أموالهم وأتى بعض النهابة إلى عازم الدولة بزبدية فيروزج تسع وزن رطل شامي كأحسن ما يكون من الزباد لا يعلم لها قيمة ودفعها عازم الدولة بعد ذلك إلى الظاهر.

ص: 59

ومن الأشياء النادرة المستظرفة المتجملات في الملابس والمجالس ما ذكره الفقيه الكاتب أبو مروان عبد الملك بن بدرون في شرحه لقصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون في قصة جبلة بن الأيهم الغساني وهو أن جبلة لطم إنسانا من الناس فلما أراد الإمام عمر إقادته منه فر إلى هرقل وتنصر ثم ندم على تنصره فقال:

تنصرت الأشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها اللجاج ونحوه

فنعت لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني

رجعت إلى القول الذي قاله عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة

وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر

ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة

جالس قومي ذاهب السمع والبصر

ولما تنصر جبلة ولحق بهرقل صاحب القسطنطينية أقطعه هرقل الأموال والضياع والرباع وبقي ما شاء الله ثم إن عمر (بعث إلى هرقل رسولا يدعوه إلى الإسلام أو إلى الجزية فأجاب إلى الجزية فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل ألقيت ابن عمك هذا الذي عندنا يعنى جبلة الذي أتانا راغبا في ديننا قال ما لقيته قال القه ثم ائتني أعطك جواب كتابك قال الرسول فذهبت إلى باب جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجموع مثل ما على باب هرقل الرسول فلم أزل أتلطف في الإذن حتى أذن بالدخول فدخلت عليه فرأيته أصهب اللحية ذا سبال وكان عهدي به أسود اللحية فأنكرت عليه فإذا هو قد دعى بسحالة الذهب فذرها على لحيته حتى عادت سوداء وهو قاعد على سرير من قوارير قوائمه أربعة أسود من ذهب فلما عرفني رفعني معه على السرير فجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرا قلت قد أضعفوا إضعافا على ما تعرف قال وكيف تركت عمر بن الخطاب قلت بخير حال فرأيت الغم في وجهه لما ذكرت له من سلامة عمر ثم انحدرت عن السرير فقال لم تأب الكرامة التي أكرمناك بها قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا قال نعم صلى الله عليه وسلم ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت فلما سمعته يقول صلى الله عليه وسلم طمعت فيه فقلت له ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله قال أبعد ما كان مني قلت نعم قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام فضرب وجوه المسلمين بالسيف ثم رجع إلى الإسلام فقبل ذلك منه وخلفته بالمدينة مسلما قال ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته ويوليني الأمر بعده رجعت الإسلام قال فضمنت له التزويج ولم أضمن له الأمر قال ثم أومى إلى خادم كان على رأسه فذهب مسرعا فإذا خادم قد جاء ومعه خدم يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة وقال لي كل فقبضت يدي وقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في أواني الذهب والفضة فقال نعم صلى الله عليه وسلم ولكن نق قلبك وكل فيما أحببت قال فأكل في الذهب وأكلت في الخلنج ثم جيء بطساس الذهب وأباريق الفضة فغسل يده في الذهب وغسلت في الصفر ثم أومى إلى خادم بين يديه فمر مسرعا فسمعت حسا فإذا خدم معهم كراسي مرصعة بالجواهر فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن شماله ثم جاءت الجواري عليهن تيجان الذهب فقعدن عن يمينه وعن يساره على تلك الكراسي ثم جاءت جارية كأنها الشمس حسناء على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جامة فيها مسك فتيت وجامة في يدها اليسرى فيها ماء ورد فأومت تلك الجارية أو صفرت للطائر الذي على تاجها فطار حتى وقع في جامة ماء الورد فاضطرب فيه ثم أومأت إليه أو صفرت فوقع على جامة المسك فتمرغ فيه ثم أومأت إليه فطار حتى نزل على تاج رأس جبلة فلم يزل يرفرف حتى نفض ما عليه في رأسه فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يمينه فقال أضحكننا فاندفعن يغنين يخفق عيدانهن:

لله در عصابة نادمتهم

يوما بحلق في الزمان الأول

يسقون من ماء البريص نديمهم

راحا يصفق بالرحيق المسلس

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

ص: 60

قال فضحك حتى بدت نواجده ثم قال أتدري من يقول هذا قلت لا قال حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار إلى الجواري اللاتي عن يساره فقال لهن أبكيننا فاندفعن يغنين يخفقن عيدانهن ويقلن:

لمن الدار أقفرت بعمان

بين أهل اليرموك فالجمان

ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر

مجلى لحادث الأزمان

قال فبكى حتى سالت دموعه على لحيته فقال أتدري من يقول هذا قلت لا قال حسان ثم أنشد الأبيات التي أولها تنصرت الأشراف ثم سألني عن حسان أحى هو قلت نعم فأمر له بكسوة ولي أيضاً كذلك وأمر بمال لحسان ونوق موقرة ثم قال لي إن وجدته حيا فادفع الهدية إليه وأقرئه عني السلام وإن وجدته ميتا فادفعها إلى أهله وانحر النوق على قبره فلما أخبرت عمر بخبره وما اشترط علي وما ضمنت له قال فهلا ضمنت له الأمر فإذا أفاء الله به قضى الله علينا بحكمه ثم جهزني عمر إلى هرقل ثانياً وأمرني أن أضمن له ما اشترط فلما دخلت القسطنطينية وجدت الناس منصرفين من جنازته قلت إن الشقاء سبق عليه في أم الكتاب.

وذكر الحكيم موفق الدين بن أبي أصيبعة في ترجمة الحكيم سديد الدين بن رقيعة قال ومن شعره وهو مما كتبه على كأس في وسطه طائر على قبة مجوفة إذا قلب الماء في الكأس دار الطائر دورانا سريعا وصفر صفيرا ومن وقف بإزائه الطائر حكم عليه بالشرب فإذا شربه وترك فيه شيئا من الشراب صفر الطائر وكذلك لو شربه في مائة مرة فمتى شرب جميع ما فيه ولم يبق فيه درهم فإن صفيره ينقطع والأبيات هي هذه:

أنا طائر في هيئة الزرزوري

مستحسن التكوين والتصوير

فاشرب على نغمي سلاف مدامة

صرفا تنير حنادس الديجور

صفراء تلمع في الكئوس كأنها

نار الكليم بدت بأعلى الطور

وإذا تخلف في شرابك درهم

في الكأس نم به عليه صفيري

قلت: كتبت هذه الأبيات لغرابة هذا الكأس وأما الشعر فإنه ليس بطائل.

قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إنه كان في الزمن القديم امرأة في العراق تعمد إلى الصيني الأبيض فتصير منه الشمشي والأسود والسماقي والأخضر حتى لا يشك ناظر في أنه كان كذلك في الأصل وما علم أحد من الرجال سواها في ذلك وأهل الخبرة بهذا النوع إذا وقع في أيديهم شيء من عمل هذه المرأة عرفوه (القول في الكأس المصور) قال أبو نواس:

ودار ندامى عطلوها وأدلجوا

بها أثر منهم جديد ودارس

مساحب من خز الرقاق على الثرى

وإضعاث ريحان جنى ويابس

تدار علينا الراح في عسجدية

حبتها بأنواع التصاوير فارس

فنال بها كسرى وفي جنباتها

مها قد رمتها بالقسى الفوارس

فللراح ما زرت عليها جيوبها

وللماء ما دارت عليه القلانس

قال الجاحظ وجدنا المعاني تقلب ويؤخذ بعضها من بعض إلا هذا المعنى فإن الحسين ابتدعه.

قلت: وضمن هذه الأبيات الأديب أبو الحسين الجزار تضمنا حسنا أجاد فيه إلى الغاية وهو:

كتبت بها في يوم لهو وهامتي

تمارس من أهواله ما يمارس

وعندي صحاب للمجون ترحلت

عمائمهم عن هامهم والطيالس

فللماء ما زرت عليه جيوبهم

وللراح ما دارت عليه القلانس

مساحب من خز الرقاق على القفا

وإضغاث انطاع جنى ويابس

وقال أيضاً:

بنينا على كسرى سماء مدامة

مكللة حافاتها بنجوم

فلو رد في كسرى ابن ساسان روحه

إذا لاصطفاني دون كل نديم

أخذه الباشى فقال:

في كأسها صور تظن لحسنها

عربا برزن من الحجال وغيدا

وإذا المزاج أثارها فتقسمت

ذهبا ودرّا توأما وفريدا

فكأنهن لبسن ذاك محاسدا

وجعلن ذا لنحورهن عقودا

وقال ابن المعتز:

وساق يجعل المنديل منه

مكان حمائل السيف الطوال

غلالة خده صبغت بورد

ونون الصدغ معجمة بخال

بدا والصبح تحت الليل باد

كطرف أبلق ملقى الجلال

بكأس من زجاج فيه أسد

فرائسهن ألباب الرجال

وقال ابن قلاقس (ومولده سنة اثنتين وخمسمائة، ووفاته سنة سبع وستين وخمسمائة) :

دارت زجاجتها وفي جنباتها

كسرى أنوشروان في إيوانه

ص: 61

فخلعت عن عطفيه حلة قهوة

وشربتها فغدوت في سلطانه

وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله تعالى:

ومشمولة قد هام كسرى بكأسها

فأضحى ينادي وهو فيها مصور

وقفت لشوقي من وراء زجاجة

إلى الدار من فرط الصبابة أنظر

وقال المرحوم فخر الدين بن مكانس رحمه الله تعالى:

إذا ما أدبرت في حشا عسجدية

بها كل ذي ملك وتاج تصورا

فحسبك نيلا في السيادة أن ترى

نديمك في الكاسات كسرى

قلت: والسبب الموجب لتصويرها ما ذكره الفقيه الكاتب أبو مروان عبد الملك بن بدرون في شرحه لقصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون وهو أن سابور بن هرمز الملقب بذي الأكتاف لما رجع من قتال بني تميم قصد الروم والدخول إلى القسطنطينية متنكرا فاستشار قومه فحذروه التغرير بنفسه فلم يقبل قولهم وسار متنكراً إلى القسطنطينية فصادف وليمة لقيصر قد اجتمع فيها الخاص والعام فدخل في جملتهم وجلس على بعض موائدهم وقد كان قيصر أمر مصورا أتى عسكر سابور فصوره فلما جاء قيصر بالصور أمر بها فصورت على آنية الشراب من الذهب والفضة وأتى بعض من كان على المائدة التي عليها سابور بكأس فنظر بعض الخدام إلى الصورة التي على الكأس وسابور مقابل لها على المائدة فعجب من اتفاق الصورتين وتقارب الشبهين فقام إلى الملك فأخبره فمثل بين يديه فسأله عن خبره فقال أنا من أساورة سابور وهربت منه لأمر خفته فيه فلم يقبلوا ذلك منه وقدم إلى السيف فأقر بنفسه وجعل في جلد بقرة وتمام حكايته إلى أن خلص وعاد إلى ملكه في كتاب سلوان المطاع في السلوانة الثانية منه وهي حكاية غريبة مشتملة على أنواع من الحكم.

وقال صلاح الدين الصفدي رحمه الله:

كئوس المدام تحث الصفا

فكن لتصاويرها مبطلا

ودعها سواذج من نقشها

فاحسن ما ذهبت بالطلا

وقال زين بن الوردي رحمه الله تعالى:

دع الكأس من من نقشها

وصاف بصاف أحب

إذا ذهبت بالمطلا

فقد طليت بالذهب

وقال: شمس الدين بن العفيف فيما يكتب على كأس:

أدور لتقبيل الثنايا ولم أزل

أجود بنفسي للندامى وأنفاسي

وأكسو أكف الشرب ثوبا مذهبا

فمن أجل هذا لقبوني بالكاسي

الشيء بالشيء يذكر قال شهاب الدين بن أبي جحلة مضمنا:

يا صاح قد حضر الشراب ومنيتي

وحظيت بعد الهجر بالائيناس

وكسى العذار الخد حسنا فاسقني

واجعل حديثك كله في الكأس

وقال إبراهيم بن الحاج الغرناطي (ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى) :

يا رب كأس لم يشح شمولها

فاعجب لها جسما بغير مزاجي

لما رأينا السحر من أشكالها

جملا نسبناه إلى الزجاجي

وقال الأديب أبو بكر بن مجير وقد اقترح عليه حسود وصف كأس أسود فقال ارتجالا:

سأشكو إلى الندمان أمر زجاجة

تردت بلون حالك اللون أسجم

تصب بها شمس المدامة بيننا

فتغرب في جنح من الليل مظلم

وتجحد أنوار الحميا بلونها

كقلب حسود جاحد يد منعم

ص: 62

القول في القدح قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله في وصفه: تكوّن من جوهر مكنون وتجسد من هواء مظنون واتخذ خدر الآنية العنب وطاف به الساقي فأصبح منه في راحة وهو في تعب قهقه عليه الإبريق فصدح وطار منه شرار المدام فقيل قدح وكتب سيدنا ومولانا بدر الدين محمد بن أبي المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني فسح الله في أجله إلى سيدي الجناب المجدي فضل الله بن مكانس أدام الله عزه وذلك في ربيع الأول سنة خمس وتسعين وسبعمائة وقد تجاسر العبد وتوقا بمكارم الأخلاق المخدومية فأهدى هذا اللغز لينعم مولانا بقبوله ويتفضل بحله عند حلوله فقال ما اسم حبيب إلى النفوس شبيه بالبدر حليف للشموس إن قلب كان لقلبه من العين مكان من المناسبة وإن سقط قلبه مع هذا الفعل كان ضد الأقوال الكاذبة وإن صحف بعد العكس أنبأ عن الذكاء وهذا غاية الشرح وإن غير ثانيا علم ورب الكلام المحرر أنه دال على الطرح حسبناه مع التصحيف آلة للصيد معينة على المكر والكيد إن قلع طرفه كان مزج باقيه قواما وإن عكس كان الطرب بتصحيفه مداما وإن زال أوله كان العكس عتابا المتعاطي إثمه وإن صحف اشتاقت الشفاة إلى تقبيله ولثمه وربما كان الهزل عن تصحيفه الآخر منافيا لاسمه مباينا في الحقيقة لحده ورسمه والمملوك يسأل الصفح عن هذا الهذيان والامتنان بالجواب مع شيء من نظم المقر الصاحبي للوالدي وشيء من نثره ليحلى المملوك بعقوده جيد تذكرته ويتأنس بحسنه الغريب في زمن غربته فكل غريب للغريب نسيب ومدح مولانا أجل من أن يحيطه قلم العبد أو لسانه أو يحصره بيان الأديب أو بنانه ونسأل الله تعالى أن يمتع بقائه ويعلى درجات ارتقائه بمنه وكرمه فكتب الجواب يقبل الأرض التي أطالت بالجفا حرمانه وتداركته بعد إجراء دموعه فعظمت في الحالتين منها شأنه وانتهى إلى اللغز الذي يمتع بمحله ويشرب بقدحه فابتهل شكرا ومالت أعطافه بالقدح الفارغ سكرا فوجده كما قال حبيب إلى النفوس يجتهد في التوصل بماء حاره إلى الرءوس يأتيك بالمعنى اللطيف ويقف حذقك من تصحيفه بعد العكس بين تصحيف وتحريف فحله من ساعته وقابل شمسه المنيرة بذبالته وكتب قرينه لغزا وخالف نفسه إذ قالت لا تتعبني في مجاراة هذا الجواد لذا وقد ذكرته أولا في باب الرياحين وقال القاضي التنوخي رحمه الله تعالى:

وراح من الشمس مخلوقة

بدت لك في قدح من نهاري

هواء ولكنه جامد

وماء ولكنه غير جاري

إذا ما تأملتها وهي فيه

وتأملت نورا محيطا بناري

فهذا النهاية في الابيضاض

وهذا النهاية في الاحمرار

كأن المدير لها باليمين

إذا قام للسقي أو باليسار

تدرع ثوبا من الياسمين

له فردكم من الجلنار

وقال النضير الحمامي رحمه الله تعالى:

أصبحت من أغنى الورى

مستبشرا بالقدح

عندي خمر ذهب

أكتاله بالقدح

وأنشدني سيدي وأخي تقي الدين أبو بكر حجة الحموي لنفسه مضمنا رحمه الله:

أرى طير أقداحنا نائحا

يحوم على عذب ورد القدح

فقلت لدر الحباب اجتهد

ومد الشباك وصد من سبح

وقال ابن تميم:

يا حسنه قدح يضيء زجاجه

ليل الهموم إذا ادلهم وعسعسا

أهديته مثل النهار فإن حوى

صرف المداد غدا نهارا أشمسا

الإبريق) قال ابن المعتز:

وكأن إبريق المدامة بيننا

طبي على شرف أناب مدلها

لما استحثه السقاة حثى لها

فبكى على قدح النديم وقهقها

وقال إبراهيم بن إسحاق الموصلي رحمة الله عليه:

كأن أباريق المدام لديهم

ظباء بأعلى الرقمتين قيام

وقد شربوا حتى كأن رقابهم

من اللين لم تخلق لهن عظام

صاعد اللغوى:

كأن إبريقنا والراح في فمه

طير تناول ياقوتا بمنقار

السرى الرفاء الموصلي رحمة الله عليه:

إبريقنا عاكف على قدح

تخاله الأم ترضع الولدا

أو عابدا من بنى المجوس إذا

توهم الكاس سرعة له سجدا

السراج المحار (توفي سنة إحدى عشر وسبعمائة رحمة الله عليه) :

يا حبذا شكل إبريق تميل له

منا القلوب وتصبو نحوه الحدق

يروق لي حين أجلوه ويعجبني

منه طلاوة ذاك الجسم والعنق

ص: 63