الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستمر فيها حتى ألم بذكر المقصورة فقال يصفها:
طورا تكون بمن حوته محيطة
…
فكأنها سوراً من الأسوار
وتكون طوراً عنهم مخبية
…
فكأنها ستر من الأستار
وكأنما علمت مقادير الورى
…
فتصرفت لهم على مقدار
فإذا أحست بالإمام يزورها
…
في قومه قامت إلى الزوار
يبدو فنبدو ثم تخفى بعده
…
كتكوّن الهالات بالأقمار
فطرب المنصور لسماعها وارتاح لاختراعها والتفت إلى الجراوي وكان يعلم قلة تلسيمه لأبي بكر وكثرة غضبه منه فقال سلم له الجر ثم أنشده إذا لم تستطع شيئا فدعه قال أبو عبد الله بن عياش فخرج أبو بكر بن مجير والشعراء يومئذ يلومونه إن لم تكن أول منشد لا تخفى أشعارهم وتستر أعوارهم.
السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين علي الآمدي:
وحصن قد أناف برأس هضب
…
منيف ذاهب في الجو سامي
تنفس في مرآة الأفق حتى
…
كسا فولادها صدأ الغمام
محيي الدين بن عبد الظاهر يصف الجامع الأموي في ليلة نصف شعبان وإيقاده حيث لا تلمع الأعين مصباحا وتود أنها لا ترى لتلك الليالي صباحا إذ تمنطقت أركانه في اللهب بمناطق الذهب وبدت أشعتها في صفائه كما يبدو في الكأس وحاشاه الحبب لاسيما في ليلة النصف التي كم رفرف عليها النعيم وكم خدها إلا من النسيم:
كم للناس فيها لاح بدر
…
يروق العين منظره الوسيم
بدا وبدا الوقود فقلت بدر
…
لخدمته ترجلت النجوم
كم أضاء بوجهه ديحور وكم انعكست أشعة تلك الأضواء على وجهه المنير فكانت نورا على نور:
في خده للورى ربيع
…
ونصف شعبان في فؤادي
أو كما قال الآخر:
وحلت مناطق خصره فكأنه
…
شعبان كل حلاوة في نصفه
من كلام الأخ الحبيب أبي بكر بن حجة وأوميت بعد ذلك إلى الجامع الأموي فإذا هو لأشتات المحاسن جامع وأتيته طالبا لبديع حسنه فظفرت بالاستضاءة والاقتباس من ذلك النور الساطع وتمسكت بأذيال حسنه لما نشقت تلك النفحات الشحرية وتشوقت إلى النظم والنثر لما نظرت تلك الشذور الذهبية وآنست من جانب طوره نارا فرجع إلى ضياء حسي واندهشت لذلك الملك السليماني وقد زهى بالبساط والكرسي وقت هذا ملك فاز من وقف في خدمته خائفا وشقي من لم يدس بساطه ويأتيه طائعا ومن الكلام الفاضلي قلعة تحسر العيون أن تتقضاها ويتوعر الأمل أن يترقاها قد ضربت فوق الجبل جرائها ولبست قبة النجوم ويحق فإنها ما برحت جيرانها وتطلعت للناظرين سحابة إلا أنها عزت أن تكون السماء عنانها.
الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطان
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته
.
القاضي الفاضل:
بالله قل للنيل عني أنني
…
لم أشف من ماء الفرات غليلا
وسل الفؤاد فإنه لي شاهد
…
أن كان طرفي بالبكاء بخيلا
قال الأصمعي:
يا قلب كم خلفت ثم بثنية
…
وأظن صبرك أن تكون جميلا
دخلت البادية فنزلت على بعض الأعراب فقلت أفدني فقال إذا شئت أن تعرف وفاء الرجل وحسن عهده وكرم أخلاقه وطهارة مولده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه ولما أشرف الإسكندر على الموت أوصى أن يحمل في تابوت ذهب إلى بلد الروم حبا في وطنه ولما أدركت يوسف عليه السلام الوفاة أوصى أن يحمل إلى مقابر آبائه فمنع أهل مصر أولياءه فلما بعث الله موسى عليه السلام وأهلك فرعون حمله إلى مقابرهم فقبره عليه السلام بأرض المقدس وروي أن أبان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال له يا أبان كيف تركت مكة قال تركتهم وقد حيدوا وتركت الأذخر وقد أغدق وتركت الثمام وقد خاص فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لأعرابي أتشتاق إلى وطنك قال كيف لا أشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها ورضيع غمامها:
وكنا ألفناه ولم تك مألفا
…
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
كما تؤلف الأرض التي لم يطلب بها
…
هواء ولا ماء ولكنها وطن
آخر:
طيب الهواء ببغداد يؤرقني
…
شوقا إليها وإن عاقت مقادير
فكيف أصبر عنها اليوم إذ جمعت
…
طيب الهواء بين ممدود ومقصور
ذكرت بهذين البيتين ما أنشدنيه من لفظه لنفسه الوزير العلامة فخر الدين بن مكانس وهو من مخترعاته:
إن الهوائين يا معشوق قد عبثا
…
بالروح والجسم في سر وفي علن
فالروح تكفيك بالمدود قد تلفت
…
والجسم حوشيت بالمقصور فيك فني
وقال الشيخ بدر الدين الدماميني:
أقول لمهجتي كم ذا ألاقي
…
من البلوى بظبي فيك قاسي
أذكره بأشجاني فينسى
…
فأفديه غزالا في كناس
أعرابي:
وتشكو إلى الدار فرقة أهلها
…
وبي مثل ما بالدار من فرقة الأهل
سلميان المحاربي:
إذا لم تكن ليلى بنجد تغيرت
…
بشاشة دنيا أهل نجد وطيبها
آخر:
فما أحسن الدنيا وفي الدار خالد
…
وأقبحها لما تجهز غازيا
ذو الرمة:
وقفت على ربع لمية ناقتي
…
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه
…
تكلمني أحجاره وملاعبه
بشار:
وقفت بها صحبي تطلب عراصها
…
بدمعي وأنفاسي براح وتمطر
آخر:
منازل لم تنظر بها العين نظرة
…
فتقلع إلا عن دموعي سواكب
البحتري:
أرى بين ملتف الآراك منازلا
…
موائل لو كانت مهاها موائلا
فكن مسعدا فيهن إن كنت عاذرا
…
وسر مبعداً عنهن إن كنت عاذلا
الوائلي وهو أحسن ما قيل فيه:
سقيت ربوع الظاعنين فإنه
…
غنى لك عن ما العيون الهواطل
ولمؤلفه:
وقفنا بربع الحب والحب راحل
…
نحاول رجعاه لنا ونحاول
وألقت دموع العين فيه سائلا
…
لها من عبارات الغرام دلائل
إذا نفحة الأحباب منها تقسمت
…
تطيب بها أسحارنا والأصائل
تثير غرامي ساجعات غصونها
…
فمنها على الحالين هاجت بلابل
مراتع إلا في مرابع لذاتي
…
مطالع أقماري بها والمنازل
قال ابن حمديس الصقلي:
ذكرت صقلية والأسى
…
يهيج للقلب تذكارها
فإن كنت أخرجت من الجنة
…
فإني أحدث أخبارى
ولولا ملوحة ماء البكا
…
حسبت دموعي أنهارها
الكفيك لما فارق بغداد:
لهفي على بغداد من بلدة
…
كانت من الأسقام لي جنة
كأنني عند فراقي لها
…
آدم لما فارق الجنة
القاضي عبد الوهاب المالكي:
سلام على بغداد مني تحية
…
وحق لها من السلام المضاعف
لعمرك ما فارقتها قاليا لها
…
وإني بشط جانبيها العارف
ولكنها ضاقت على برحبها
…
ولم تكن الأقدار ممن يساعف
فكانت كخل كنت أهوى دنوّه
…
وتأتي به أخلاقه فيخالف
وللعلامة ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب عند فراقه الأندلس في واقعته المشهورة:
أموطني الذي أزعجت عنه
…
ولم أرزي به مال ولا دم
لئن أزعجت عنك بغير قصد قصد
…
فقبلي فارق الفردوس آدم
وقال ابن الرومي:
بلد صحبت بها الشبيبة والصبى
…
ولبست ثوب العيش وهو جديد
فإذا تمثل في الضمير رأيته
…
وعليه أغصان الشباب تميد
قال علي بن عبد الكريم الصبي تأني ابن الرومي بقصيدته التي مدح بها سليمان بن عبد الله بن ظاهر وقال أنصفني وقال الحق أيما حسن قولي في الوطن:
ولي وطن آليت أن لا أبيعه
…
وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة
…
كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم
…
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
…
عهود الصبا فيها فجنوا لذلكا
أم قول الأعرابي:
أحب بلاد الله ما بين مدعج
…
إلي وسلمى أن يصوب غمامها
بلاد بها عشق الشباب تمائمي
…
وأول أرض مس جلدي ركامها
فقلت بل قولك لأنه ذكر المواطن وحببها وأنت ذكرت العلة في ذلك.
وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة من رسالة كتبها إلى السيد زين الدين عمر الجعفري خطيب جامع التوبة بدمشق وينهى بعده الذي أضرم من شوقه الشهابي تارة وأخلى من زكاته لحجلية مطاره وتركه ملقى في الصهريج كأنه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة فلا بد والحالة هذه من آه على دمشق التي هي جنة من تاه وباهى وجيران جيرونها إلى أغار داء لسان الحب سماها:
فما قلت إيه بعدها لمسامر
…
من الناس إلا قال قلبي آها
غيره:
فيا وطني إن فاتني بك سالف
…
من الدهر فلينعم لساكنك البال
أي والله طالما حن الملوك إليها وأنشد ودمعه كالمطر سلام الله يا مطر عليها:
مطر من العبرات خدي أرضه
…
حتى الصبا ومقلتي سماؤه
وقال الشيخ جلال الدين بن خطيب داريا فسح الله في أجله ونقلتهما من خطه:
خليليّ إن وافيتما الشام ضحوة
…
وعاينتما الشقراء والغوطة الخضرا
قفا واقرآ عني سلاما كتبته
…
بدمعي على مقري ولا تنسيا مطرا
يكتب أبياته الرائية:
يا صاحبيّ إذا الثنايا أشرقت
…
ولمحتما منها ثغور أزاهر
استنشقا ذاك النسيم فإنه
…
مما تحمل من شمائل هاجر
وقال الشيخ شرف الدين بن عنين:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
وظلك يا مقري علي ظليل
وهل أريني بعدما شطت النوى
…
ولي في ذرى روض هناك مقيل
دمشق فبي شوق إليها مبرح
…
وإن لج واش أو ألح عذول
بلاد بها الحصباء در وتربها
…
عبير وأنفاس الشمال شمول
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق
…
وصح نسيم الروض وهو عليل
ولما خرج الرشيد إلى أخذ أخته علية معه فلما صارت بالمرج عملت شعرا وصاغت فيه لحنا من الرمل وكتبت الأبيات ليلا على بعض الفساطيط في طريق الرشيد فلما دخل مضرب الحرم يصر به فقرأه فإذا هو:
ومغترب بالمرج يشكو شجوه
…
وقد غاب عنه المسعدون على الحب
إذا ما أتاه الركب من نحو أرضه
…
تنشق تستشفى برائحة القرب
فلما قرأه علم أنه من فعل علية وإنها قد اشتاقت إلى العراق وإلى أهلها فأمر بردها.
الوليد بن زيدون يتشوق إلى مكان يدعى بالزهراء وكان اجتماعه وولادة محبوبته:
إني ذكرتك في الزهراء مشتاقا
…
والأفق طلق مرأى الروض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله
…
كأنه رق لي فاعتل إشفاقا
والروض عن مائه الفضي مبتسم
…
كما حللت عن اللبات أطواقا
لا أسكن الله قلبا عن تذكركم
…
فلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لو شاء حملي نسيم الريح حين سرى
…
وافاكم بفتى أضناه ما لاقا
فالىن أحمد ما كنا بعدكم
…
سلوتم وبقينا نحن عشاقا
وقال الشيخ مهذب الدين أبو الفرج عبد الله بن أسعد الموصلي الشافعي الدهان رحمه الله يتشوق إلى دمشق المحروسة:
سقى دمشق وأياما مضت فيها
…
مواطر السحب ساريها وغاديها
من كل أدهم صهال له شية
…
صفراء يسترها طورا ويبديها
ولا يزال جنين النبت ترضعه
…
حوامل المزن في أحشاء أرضيها
فما قضى حبه قلبي لسربها
…
ولا قضى نحبه ودي لواديها
ولا تسليت عن سلسال ربوتها
…
ولا نسيت بيتي جار جاريها
كأن أنهارها ماضي ظبا حشيت
…
خناجرا من لجين في حواشيها
وأهالها حين حلى الغيث عاطلها
…
مكللاً واكتسى الأوراق عاريها
وحاك في الأرض صوب المزن مخمله
…
ينيرها بغواديه ويسديها
ديباجة لم تدع حسنا مفوقها
…
إلا أتاه وما أبقى مواشيها
ترنو إليك بعين النور ضاحكة
…
إذ بات عين من الوسميّ يبكيها
والدوح ربا لها ريا قد اكتملت
…
شبابها حين ما شابت نواصيها
نشوى تغني لها ورق الحمام على
…
أوراقها ويد الأنواء تسقيها
صفا لها الشرب فاخضرت أسافلها
…
حتى صفا الظل فابيضت أعاليها
وصفق النهر والأغصان قد رقصت
…
فنقطته بدر من تراقيها
كأنما رقصها أو هي قلائدها
…
وخانها النظم فانتالت لآليها
وأعين الماء قد أجرت سواقيها
…
والأعين النخل قد جارت سواقيها
وقابل الغصن غصن مثله وشدت
…
أقمارها فأجابتها قماريها
فللحاظ وللأسماع ما اقترحت
…
من وجه شادنها أو صوت شاديها
إذا العزيمة عن فرط الغرام ثنت
…
قلبا تثني له غصن فيثنيها
ريم إذا جلبت حسنا ولواحظه
…
للنفس حتى بخديه فيحييها
جناية طرفه المحور جانبها
…
وآس عارضه المخضر آسيها
تقبل الكأس خجلى كلما شرعت
…
في ماء فيه فقاسته بما فيها
أشتاق عيشي بها قدما فتذكرني
…
أيامي السود بيضا في لياليها
ونحن في جنة لا ذاق ساكنها
…
بؤساً ولا عرفت بأساً مغانياها
سماء دوح تردّ الشمس صاغرة
…
عنا وتبدي نجوماً من نواحيها
ترى النجوم بها من كل ناحية
…
ممدودة كنجوم الزهر أيديها
إذا الغصون مززناها لنيل جنى
…
صارت كواكبها حصباً أراضيها
من كل صفراء مثل الماء يانعة
…
كأنها جمر نار في تلظيها
شهية الطعم تحلو عند أكلها
…
بهية اللون تحلى عند رائيها
يا ليت شعري عل بعداء ذاكرتي
…
عصابة لست طول الدهر ناسيها
عندي أحاديث وجد بعد بعدهم
…
أظل أجحدها والعين ترويها
كم لي بها صاحب عندي له نعم
…
كثيرة وإياد لا أؤديها
فارقته غير مختار فصاحبني
…
صبابة منه تخفيني وأخفيها
رضيت بالكتب بعد القرب فانقطعت
…
حنى رضيت سلاماً في حواشيها
أن يعلني غير ذي فضل فلا عجب
…
يسمى على سابقات الخيل هانيها
والماء يعلوه أقداؤها رجل
…
أخفى الكواكب نوراً وهو عليها
لو كان جد بحد ما تقدمني
…
عصابة قصرت عني مساعيها
ما في خمولي من عار على أدبي
…
بل ذاك عار على الدنيا وما فيها
الأديب الفاضل الكامل صفوان بن أدريس المريسي يتشوق إلى مرسيه وطنه:
لعل رسول البرق يغنم الأجرا
…
فينثر عني ماء عبرته نثرا
معاملة أربو بها غير مذنب
…
فأقضيه دمع العين عن نقطة بحرا
ليسقي من تدمير قطرا محببا
…
يقر بعين القطرات يشرب القطرا
وتقرضه دون اللجين وإنما
…
توفيه عيني من مدامعها تترا
وما ذاك تقصير به غير انه
…
سجية ماء البحر أن يروى الزهرا
خليلي قوما فاحسبا طرق الصبا
…
مخافة أن يحمي بزفرتي الحرا
فإن الصباريح عليّ كريمة
…
بآية ما يجري من الجنة الصغرى
خليلي أعني أرض مرسيه المنى
…
ولولا توخي الصدق سميتها الكبرى
ووكري الذي منه درجت فليتني
…
فجعت بريش العزم كي الزم الوكرا
وما روضة الخضراء قد مثلت بها
…
مجرتها نهراً وأنجمها زهرا
بأبهج منها والخليج مجرة
…
وقد فضحت أزهار ساحتها الزهرا
هنالك بين الغصن والقطر والصبا
…
وزهر الربى ولدت آدابي الغرا
إذا نظم الغصن الحيا قال خاطري
…
تعلم نظام النثر من ههنا شعرا
وإن نثرت ريح الصبا زهر الربى
…
تعلمت حل الشعر تسكبه نثرا
فوائد أشجار هناك اقتبسها
…
ولم أر روضا غيره يقرؤ السحرا
كأن هزيز الريح يمدح روضها
…
فملأ فاها من أزاهيره درا
أيا رتعات الحسن هل فيك نظرة
…
من الجرف الأعلى إلى السكة الغرا
فانظر من هذي لتلك كأنني
…
أغير إذا غازلتها أختها الأخرى
هي الكاعب الحسناء تمم حسنها
…
وقدت لها أوراقها حلالا خضرا
إذا خطبت أعطت دراهم زهرها
…
وما عادة الحسناء أن تنقد المهرا
وقامت بعرس الأنس قينة أيكها
…
أغاريدها تسترقص الغصن النضرا
ول في خليج بلبس الحوت درعه
…
ولكنه لا يستطيع بها نصرا
إذا ما بدا فيها الهلال رأيته
…
كصفحة سيف وسمها نبعة صفرا
وإن لاح فيها البدر شبهت متنه
…
بسطر لجين ضم من ذهب عشرا
وفي جرفي روض هناك تجافيا
…
لنهر تود الأفق لو زاره فجرا
كأنهما خلان صفيا معاً وقد
…
بكيا من رقة ذلك الهرا
وكم بأبيات الحديد عشية
…
من الأنس ما فيه سوى أنه مرا
عيانا كأن الدهر عض بحينها
…
فاحلت بساط البرق أفراسها الثغرة
عليهن أجرى خليل دمعي بوجنتي
…
إذا ركبت حمرا يادينها الصفرا
أعهدي بالفرش المنعم دوحه
…
سقتك دموعي إنها مزنة شكرا
فكم فيك من يوم أغر محجل
…
نقضت أمانيه فحليتها ذكرا
على مذنب كالبحر من فرط حسنه
…
تود الثريا أن يكون لها نحرا
سقت أدمعي والقطر أيهما انبرى
…
بقا الرملة البيضاء فالنهر فالجسرا
وإخوان صدق لو قصدت حقوقهم
…
لما فارقت عيني وجوههم الزهرا
ولو كنت أقضي حق نفسي ولم أكن
…
لما بت استجلي فراقهم المرا
وما اخترت هذا البعد إلا ضرورة
…
وهل تسجر العين أن تفقد السفرا
قضى الله أن تنأى بي الدار عنهم
…
أراد بذاك الله أن أعتب الدهر
ووالله لو نلت المنى ما حمدتها
…
وما عادة المشغوف أن يحمد الهجرا
أيانس باللذات قلبي ودونهم
…
مرام بحد الركب في طيها شهرا
فديتهم بانوا وضنو بكتبهم
…
ولا خبرا منهم لقيت ولا خبرا
ولولا علا هماتهم لعنيتهم
…
ولكن عراب لخيل لا تحمل الزجرا
ضربت غبار البيد في مهرق السرى
…
بحيث جعلت الليل في ضربه حبرا
وحققت ذاك الضرب جمعاً وعدة
…
وطرحاً وتجميلاً فأخرج لي صفرا
كأن زماني حاسب متعسف
…
يطارحني كسراً أما يحسن الجبرا
ولست وإن طاشت سهامي يائس
…
فإن مع العسر الذي لم يبق يسرا
ولمؤلفه عفا الله عنه:
تذكرت أوطاني ويا حبذا الذكرى
…
لتلك القصور البيض والربوة الخضرا
وأشجار واديها وبهجة جنسكها
…
وقد نقرا الشج
ورفى دفه نقرا
وتجعيد ذاك الما وميل غصونه
…
فهذا به كسر وهذا به سكرى
وما أحسن الميعاد ممن تحبه
…
بمقسمه الأسنى وليلته القمرا
إذ الناس في هرج ومرج بلهوهم
…
وقلبي بمن أهواه في بلدة أخرى
ترى كل حزب لاهياص بسروره
…
وكل له شغل به قد غدا مغزي
إذا اصبحوا هزوا الشمائل بالندا
…
فينظر منه فوق أعطافهم درا
كرام إذا ولو طار نداهم
…
وللبائس المسكين يبغي به الأجرا
فآه على تلك العشايا وطيبها
…
وآه على حلو الزمان الذي مرا
فيا عاشق المعشوق لا تبد سلوة
…
عن المزة الفيحاء والجبهة الغرا
إذا زرع اللوان وأخضر أرضه
…
فلا تذكروا مصر ولا تذكروا الأهرا
ويا من يجاري أو يضاهي بغيرها
…
تأمل فذا الميدان دونك والشقرا
خليلي أحيا من ذكرت ومنزلي
…
بعيشكما قولا قفا نبك من ذكرى
ولمؤلفه أيضاً يرثي دمشق المظلومة ويصف ما جرى بها من التيار في سنة ثلاث وثمانمائة:
أجريت جمر الدمع من أجفاني
…
حزناً على الشقراء والميدان
وتلاعبت أهدابها بمدامعي
…
لعب المكأة بأرؤس الفرسان
وتوقدت نيران حزني إذ رأت
…
تلك الربوع مواقد النيران
لهفي على تلك البروج وحسنها
…
حفت بهن طوارق الحدثان
لهفي على وادي دمشق ولطفه
…
وتبدل الغزلان بالثيران
نزلوا ظلال الدوح فلا تسل
…
ما حل بالأغصان والكثبان
سقطت غصون البان من قاماتها
…
لما سمعن نواعق الغربان
وشكا الحريق فؤادها لما رأت
…
نور المنازل أبدلت بدخان
جناتها في الماء منها أضرمت
…
فعجبت للجنات في النيران
كانت معاصم نهرها فضية
…
والآن صرن كذائب العقبان
ماذاك إلا تركهم فبحت بها
…
فتخضبت منها بأحمر قان
كرهت جداولها حوافز خيلهم
…
فتسابقت هرباً كخيل رهان
خافت خدود الأرض من أفعالهم
…
فتمثلت بعوارض الريحان
أذكيت نار الصدر يا ورقاؤها
…
وتأثرت بلواعج الأشجان
تبكي على غصن وأندب قامة
…
فجميعنا نبكي على الأغصان
واحسرتاه على دمشق وقولها
…
سبحان من بالمغل قد أبلان
عاداني الدهر الخئون بمغله
…
والعجم منه وقبلهم غازاني
فعساك تأخذ ثأرها من مغلهم
…
بالحل ثالث سبعة وثمان
لو عاينت عيناك جامع تنكز
…
والبركتين بحسنها الفتان
وتعطش المرحين من أورادها
…
وتهدم المحراب والإيوان
لأتت جفونك بالدموع ملوناً
…
دمعاً حكى اللؤلؤ على المرجان
قطرات جفن ترجمت عن حرقتي
…
فكائهن قلائد العقبان
أبني أمية أين عين وليدكم
…
والمغل تفتل في ذرى الأركان
شربوا الخمور بصحنه حتى انتشوا
…
ألقوا عرابدهم على النسوان
لم يرحموا طفلاً بكى فقلوبهم
…
في الفتك صخر لا أبو سفيان
قصوا جناح النسر بعد نهوضه
…
يا ليته لو فاز بالطيران
ألواحه أجرت دموعي أسطرا
…
كتبت على اللوحين من أجفاني
إن أنكروا يوم الحساب فعالهم
…
فشهيدنا عثمان ذو القرآن
لهفي على كتب العلوم ودرسها
…
صارت معانيها بغير بيان
أعروسنا لك أسوة بحماتنا
…
في ذا المصاب فأنتما أختان
غابت بدور الحسن عن هالاتها
…
فاستبدلت من غرها بهوان
ناحت نواعير الرياض لفقدهم
…
فكأنها الأفلاك في الدوران
شتتهم أيدي سبايا دهرنا
…
وتلوت آي الجمع بالفرقان
حزني على الشهباء قبل حماتنا
…
هو أول وهي المحل الثاني
لا تدع الأحزان يا شقراءنا
…
السبق للشهباء في الأحزان
رتعت كلاب المغل في غزلانها
…
وتحكمت في الحور والولدان
لهفي على تلك الشعور وطولها
…
جرت بها الأعناق كالارسان
لهفي عليك محاسناً لهفي علي?
…
?ك عرائساً لهفي عليك مغاني
لهفي عليك منازلاً ومنازها
…
ومقام فردوس وباب جنان
إن قال لحظي قال سيفي ضارب
…
أو قال طرفي قال حد سنان
أدمشق آهاتي عليك كثيرة
…
كالدمع في جفن الكئيب العاني
حسراتها لا تنقضي من خاطري
…
هي شغل أفكاري ونصب عياني
لي انه لي حرقة لي لهفة
…
لي حسرة لي لوعة وكفاني
أمنازل الأحباب كيف تبدلت
…
تلك الربى بمقاتل الفرسان
إن لم أسل ماء العيون مجارياً
…
ماء الغمام بها فما أجفاني
لا تنه جفن الصب في جريانه
…
دعني وشانك يا غمام وشأني
العين والإنسان قد فقدا معاً
…
لأبكيك يا عيني ويا إنساني
لم ادر من أبكي وأندب حسرة
…
للقصر للشرفين للميدان
للجبهة الغراء أم خلخالها
…
للمزة الفيحاء أم للوان
لا يحجر المشتاق عن تذكارها
…
يا حاجري بالظلم والعدوان
شوّق بها قلبي أقل لك منشدا
…
لك أن تشوقني إلى الأوطان
وإذا أتيت بما جرى في ربعها
…
فعليّ أن ابكي بدمع قاني
ما كان أهنى العيش في ساحاتها
…
والدار داري والزمان زماني
أسفي على أيامها لا تنقضي
…
ما كان أهناها وما أهناني
أيام لا ماء السرور مكدر
…
أرعى نضير العيش بل يرعاني
ولقد وقفت على ربوع حبائبي
…
فندبتهن نوادب الأحزان
ولقد وقفت على الديار منادياً
…
بلسان مغترب وعبرة عاني
يا دار أين حبائبي أجابتني
…
عنها الحريق بألسن النيران
حكم القضا فيهم ونفذ حكمه
…
فتشتتوا فرقاً بكل مكان
يا رب لم شتاتهم بمحمد
…
سر الوجود وبهجة الأكوان
إن لم نلذ في أمرنا بجنانه
…
فبمن يلوذ ويستجير الجاني
أترى الإله مؤيداً سلطاننا
…
حتى أقول وعشت بالسلطان
يا رب فعل الذنب أصل بلائنا
…
فاصفح وجد للذنب بالغفران
واغسل بماء إلا من وجه رجائنا
…
واصرف بفضلك حاضر الطغيان
واجمع على جسماننا أرواحها
…
يا جامع الأرواح بالجسمان