المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

إياها فتعاظمه جداً ولامه شديداً وقال من يرسل ذا بله وعمي يركب خلاف ما يهوي، وكان عبد الله بن سلام قد استودعها قبل فراقه إياها بديرات مملوءة ذهباً وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه وقد كان معاوية أطرحه وقطع عنه جميع رواتبه عنده لسوء قوله وتهمته أنه خدعه فلم يزل يجفوه حتى عيل صبره وقل ما في يده ولام نفسه على المقام لديه فرجع إلى العراق وهو يذكر ماله الذي استودعه إياها ولا يدري كيف يصنع فيه وأين يصل إليه وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ولأنه طلقها على غير شيء أنكره عليها فلما قدم العراق لقي الحسين فسلم عليه ثم قال له قد عرفت ما كان من خبري وخبر أريب وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالاً عظيماً وكان الذي كان ولم أقبضه ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ولا أظن بها إلا جميلا فذاكرها أمري وأحضضها على رد مالي على فإن الله يحسن عليه ذكرك ويحرك به أجرك فسكت عنه فلما انصرف الحسين إلى أهله قال لها قدم عبد الله بن سلام وهو يحسن إلينا عليك ويحمل النشر عنك في حسن صحبتك وما أنسه قديما من أمانتك فسرني ذلك وأعجبني وذكر أنه كان استودعك مالاً فأد إليه أمانته وردى عليه ماله فإنه لم يقل إلا صدقاً ولم يطلب إلا حقاً قالت صدق استودعني مالاً لا أدري ما هو وإنه لمطبوع بخاتمه ما حول منه شيء إلى يومه وها هو ذا فادفعه إليه بطابعه فأثني عليها الحسين خيرا وقال ألا أدخله عليك حتى تبرئي إليه منه كما دفعه إليك ثم لقي عبد الله فقال مال أنكرت مالك وزعمت أنه كما دفعته إليها بطابعك فأدخل يا هذا إليها وتوف مالك منها قال عبد الله أوتأمر من يدفعه إلى قال لا حتى تقبضه منها كما دفعته إليها وتبرئها منه إذا أدته إليك فلما دخل عليها قال لها الحسين هذا عبد الله بن سلام قد جاء يطلب وديعته فأد إليه أمانته فأخرجت إليه البدر فوضعتها بين يديه وقالت هذا مالك فشكر وأثني وخرج الحسين عنهما وفض عبد الله خواتم بدره وحثى لها من ذلك وقال خذي فهذا قليل مني فاستعبرا جميعاً حتى علت أصواتها بالبكاء أسفا على ما ابتليا به فدخل الحسين عليهما وقد رق لهما للذي سمع منهما فقال أشهد أنها طالق ثلاثاً اللهم قد تعلم أني لم استنكحها رغبة في مالها ولا جمالها ولكني أردت إحلالها لبعلها فطلقها ولم يأخذ شيئاً مما ساق لها في مهرها فسألها عبد الله أن يصرف للحسين ما ساق لها فأجابته شكراً لما صنعه بهما فلم يقبله الحسين وقال الذي أرجوه من الثواب خير لي فلما انقضت إقراؤها تزوجها عبد الله بن سلام وبقيا زوجين متصافيين إلى أن فرق بينهما الموت وحرمها الله يزيد بن معاوية. نقلتها من تاريخ ابن بدرون.

‌الباب الحادي والعشرون

في الشعراء المجيدين

وهو مقدمة ونتيجة: أقول: لابد من مقدمة ينتفع بها الطالب لهذا العلم لئلا يخلو كتابنا من ذلك الشعر: قول موزون مقفى بالقصد يدل على معنى والمعنى للشعر بمنزلة المادة واللفظ بمنزلة الصورة وهو يشتمل على أربعة أشياء لفظ ومعنى ووزن وقافية وتهذيبه أن يكون اللفظ سمحا سهل المخارج حلوا عذبا وتهذيب الوزن أن يكون حسناً تقبله النفس والغريزة غير منكسر ولا متزحف وتهذيب القافية أن تكون سلسلة المخارج مألوفة فإن القوافي حوافز الشعر وأن يقصد الكلام الجزل دول الرذل ولا يعمل نظما ولا نثرا عند الملل فإن الكثير معه قليل والخواطر ينابيع وإذا رفق بها جمعت وإذا عنف عليها مرجت وليترنم بالشعر وقت عمله فإنه يعين عليه وقد يتخيل الشاعر الشعر الجيد فيمكنه مرة ولا يمكنه أخرى وإياك وتعقيد المعاني وأجعل المعنى الشريف في اللفظ اللطيف لئلا يتلف أحدهما الآخر ومتى عصى الشعر فاتركه ومتى طاوعك فعاوده وروح الخاطر إذا كل وأعمل في أحب المعاني إليك وفي كل ما يوافقه طبعك فالنفوس تعطي على الرغبة ولا تعطي على الإكراه وأعمل الأبيات متفرقة على ما يجود به الخاطر ثم أنظمها في الآخر وحصل المبدأ والمقطع والخروج فهو أصعب ما في القصيدة فإذا فعلته سهل عليك وأشعرها أولاً وهذبها آخراً فقد قيل عن زهير إنه كان يعمل القصيدة في شهرين ويهذبها في حول ولذلك سمي شعره الحولي المنقح.

ص: 105

قال الخوارزمي من روى حوليات زهير واعتذارات النابغة وأهاجي الحطيئة وهاشميات الكميت وقلائص جرير وخمريات أبي نواس وتشبيهات ابن المعتز وزهريات أبي العتاهية ومراثي أبي تمام ومدايح البحتري وروضيات الصنوبري ولطائف كشاجم ولم يخرج إلى الشعر فلا شب الله قرنه.

وإذا نثرت منظوما فغير قوافي شعره عن قرائن سجعه وإذا سرقت معنى فغير الوزن والقافية ليخفي ذلك وإذا أخذت شعراً فزد على معناه وانقص من لفظه واحترز مما يطعن به عليك فحينئذ تكون أحق من قائله وأن لا يكاتب العامة بكلام الخاصة ولا بالعكس وأكثر من حفظ النظم والثر فعلي قدر مل يحفظ منه يقوي فيه وأعلم أن الشعر يسخي البخيل ويشجع الجبان ويفرج الهموم ويرضي الغضبان وكذلك قالوا الشعر يعد من السحر وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا" وقال الشافعي في كتاب الأم: والشعر كلام كالكلام فحسنه كحسنة وقبيحة كقبيحة وفضله على سائر الكلام أنه سائر في الناس يبقى على الزمان فينظر فيه وإن كان حسنا كان كغيره من الكلام الحسن. انتهى.

وقال الشيخ برهان الدين القيراطي في خطبة ديوانه ويكفي من تفضيله أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد بعض الصحابة من شعر أمية فأنشده مائة قافية، وكانت الصديقة تحفظ للبيد ألف بيت وافية، وكان الشعبي يقول لو شئت أن أملي عليكم من إنشادي شهراً لا أعيد بيتا لفعلت، وكان الأصمعي يحفظ أثني عشر ألف أرجوزة، وما زال السلف يحفظون الشعر قديماً ويتخذونه في الخلوات نديما وينشدونه في مواطن المؤانسة ويوردون دقائقه في ساعات المجالسة، ولو أوردنا ما ورد في فضله من الآثار المسندة والأخبار الممهدة لوقف الناظر منها على حجج قوية ومحجة ضوية، ولقد كان جماعة من العلماء الراسخين والأئمة الورعين لهم في صناعة الشعر الغاية وانتهوا في الإجادة فيه إلى النهاية يعرف ذلك من وقف على تراجمهم وأحصاها وطالع أخبارهم واستقصاها.

وحديث "احثوا في وجوه المداحين التراب" فالمراد به الغلو والإطراء واستقباح المدح المفرط كلاماً وشعراً ونظماً ونثراً ولا يختص ذلك بالشعر وحده لما يخشى من افتتان سامعه عنده.

وقال أبو بكر الهذلي: قال لي الشعبي أتحب الشعر قلت نعم إنما تحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم ثم إن الناظمين لأرواح الآلية أفراد والظافرين بفرائده ذوو انفراد والسالكين للمناهج الفاصلية أضمرتهم البلاد والمقتفين لمنار السراج والمتحليين بحيلة الجمال قلت منهم الأعداد والمؤلفين لعقودها المتواتر مدحها أجادوا بما أذعانه إغماد وجهال ما لهم بالأشعار إشعار راموا الوصول إلى معانيه اللطيفة بطباع كثيفة وحاولوا أسبابه الخفيفة بنفوس ثقيلة وأسبابه الثقيلة بعقول خفيفة لا يظفر أحد منهم بأبيات أوتاده وإن كان في عتوه ذو الأوتاد ولا يتجملون من ملابسه بما يسترهم وإن تعصبوا أو نقبوا في البلاد ولا يجيبون من ألفاظهم اليابسة إلا بما يقال لهم إذا قطعوه جابوا الصخر بالواد فيقال لمجيدهم إذا أتى بلفظ وزنه وأخلاه من المعاني الحسنة إذا كنت لا تدري سوى الوزن وحده فقل أنا وزان وما أنا شاعر ثم إن منهم من يظفر بمعنى ولكن يقلبه تركيبا ويركبه مقلوبا ويأتي بجمل غير مفيدة وقد قلت في ذلك من قصيدة:

وشاعر بالمعاني لا شعور له

مركب الجهل يبدي سوء تركيب

موكل بمعانيه يحرسها

فما يركب معنى غير مقلوب

فما أولاه يركب على نفسه مقلوبا ويضرب بأذنه على سوء الأدب تأديبا. انتهى كلام القاضي برهان الدين.

وقال الشيخ والإمام العالم المفنن النحوي العروضي القاضي زين الدين عمر بن الوردي في خطبة الكلام على مائة غلام ولعمري ما أنصفني من سابي الظن أو قال عني كيف رضي مع درجة العلم والفتوى بهذا الفن فالصحابة كانوا ينظمون وينثرون ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون.

ص: 106

وقال أبو بكر الخوارزمي في مدحهم ما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلا منهم والكذب مذموم إلا فيهم ذموا أثبتوا وإذا مدحوا سلبوا وإذا رضوا رفعوا الوضيع وإذا غضبوا وضعوا الرفيع وإذا افتروا على أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم حد ولم تمتد إليهم يد غنيهم لا يصادر وفقيرهم لا يحقر وشيخهم يوقر وشابهم لا يستصغر وسهامهم تنفذ في الأعراض إذا بثت سهامهم عند الأعراض وشهادتهم مقبولة وإن لم ينطق بها سجل ولم يشهد عليها عدل سرقتهم مغفورة وإن جاوزت ربع دينار وبلغت ألف قنطار إن باعوا المغشوش لم يرد عليهم وإن صادروا الصديق لم يستوحش منهم بل ما ظنك بقوم اسمهم ناطق بالفضل واسم صناعتهم مشتق من العقل هم أمراء الكلام يقصرون طويله ويقصرون مديده ويخففون ثقيله.

وقال الحسن بن سهل: لا تكسد صناعة الشعر إلا في شر زمان وأخس سلطان.

ومن حيلهم اللطيفة ما ذكره أبو الفتح كشاجم في كتابه المصائد والمطارد وهو إن بعض الملوك كان كثير الاشتغال بالصيد منهمكا فيه وكان بعض الشعراء قصده فتعذر ما أمله وحال بينه وبينه الحجاب لكثرة الفه بالصيد فعمد الشاعر إلى رقاع لطاف وكتب فيها ما قاله من الشعر في مديحه وصاد عنده من الظبا والأرانب والثعالب وشد تلك الرقاع في أذناب بعضها وآذان بعض وراعي خروجه إلى الصيد فلما خرج كمن له في مظانه ثم أطلقها فلما ظفر بها ورأى تلك الرقاع استبشر وزاد في استظراف الرجل واستلطفه وزاد في رعي ذمامه وأمر بطلبه فأحضر ونال منه خيراً كثيراً.

وقريب منها: سأل فخر الملك وزير بني بويه حاجة وأمله فلم يعطه شيئاً فمضى الرجل إلى القاضي واستدعى على بن نباتة الشاعر فلما جاءه الرسول قال والله ما لأحد على دين ولا بيني وبين أحد معاملة ولا محاكمة فمن خصمي أحضره حتى أرضيه فلما جاء الرجل قال ما حقك حتى أوفيك قال له أنت قلت في شعرك حيث مدحت فخر الملك بقولك:

لكل فتى فرين حين يسمو

وفخر الملك ليس له قرين

أنخ بجنابه وأنزل عليه

على حكم الرجا وأنا الضمين

فأنت قد ضمت لي ونزلت عليه فلم يفعل والضمين غارم فما أعطاني شيئاً فقال أمهلني حتى أصل إليه فلما دخل على فخر الملك أخبره بالقصة فقال له وكم أملت منه فقال مائة دينار فقال ادفعوها إليه ثم قال لابن نباتة إذا مدحتني فلا تضمن عني (توفي ابن نباتة المذكور سنة خمس وأربعمائة، ومولده سنة سبع وعشرين وثلاثمائة) وقال فخر الترك أيضمر المجنوي يمدح السلطان الملك الصالح أيوب ابن السلطان الملك الكامل محمد بن الملك العادل تغمدهم الله برحمته ويذكر بنيانه للجزيرة المسماة بالروضة وجلوسه بالقياس وأولها:

الروض مقتبل الشبيبة مؤنق

خضل يكاد عصاره يتدفق

وقد ذكرت أوائلها في باب الروضات والبساتين ثم ذكرت منها الخمريات إلى مبتدأ هذه الأبيات:

إيه مديحي لانفصال قصيدة

يوم الرهان ولا محولك ضيق

هذا مقام الملك حيث تقول ما

تهوي وتطيب كيف شئت فتصدق

في حيث لأشرف الصفات بمعوذ

فيه ولا باب المدايح مغلق

ملك يلوذ الدين منه بمعقل

أسس سطاه سورة والخندق

لو أن سر الملك فيه محنف

قامت شمائله عليه تنطق

هدأت بسيرته الرعية واغتدى

قلب الحسود من المهابة يخفق

فالدين بعد تفرق متجمع

والكفر بعد تجمع متفرق

الصالح الملك الذي آياته

عقد به جيد الزمان مطوق

عرق الرعية بمن دولتاه التي

فيهم تأكد عهدها والموثق

جمعت كما اقترح الرجاء إلى الغنى

أمنا فقد رزقوا الذي لم يرزقوا

فالله نحمد ثم أيوب الذي

أمن الغني به وأثري المملق

تظل بهم عداته بسنائه

عشقا وقد الرمح مما يعشق

فبضمه ضم الحبيب قلوبها

يوم الوغى وهو العدو والأزرق

آيات ملكك معجزات كلها

ومدى اهتمامك غاية لا يلحق

شيدت أبنية تركت حديثها

مثلا يغرب ذكره ويشرق

من كل شاهقة تطل تعجبا

من هول مطلعها الكواكب تسهق

ليس الرخام ملونا فكأنه

روض يفوقه الربيع المغدق

واحتال في الذهب الصقيل شغوفه

فكأنه شفق الأصيل المشرق

يا حسنها والنيل مكتنف بها

كالسطر مشتمل عليه مهرق

ص: 107

فكأنما طرف إليه ناظر

وكأنه جفن عليه مطبق

وافاه مصطفقا عليه موجه

فكأنما هو للسرور مصفق

وتجاذبت أيدي الرياح رداءه

عنه فظل رداؤه يتمزق

وسرى النسيم وراهن برفقه

فرقي الذي عذب الرياح يمزق

تلك المنازل لا حديث يفتري

عما سمعت ولا العراق وجلق

لله يوم كان فضلك باهرا

فيه ومنك جماله والرونق

يوم تحلي الدهر منه برونق

لما غدا المقياس وهو مخلق

هو ثالث العيدين إلا أنه

للهو ليس على العبادة يطلق

جمعت لمشهده خلائق غادرت

فيه رحيب البر وهو مضيق

وعلا عباب البحر من سباحه

أمم يغص بها الفضاء ويشرق

كادت تبين لهم على صفحاته

طرق ولكن يعيقون وترتق

لم يمش مركوب بهم فنفوسهم

حثوا النحا كما تحث الأنيق

حفت جسومهم لفرط صبابة

هزت إليك فما خشوا أن يغرقوا

وفدوا إليك مموهين بأخذ ما

تعطي وأكثر سؤلهم أن يرمقوا

متجردين عن المخيط لأنهم

حجاج بيتك غير أن لم يحلقو

طافوا به سبعا على وجناتهم

سعيا وأرخي ستره فتعلقوا

والناس شاخصة إليك عيونهم

كل يحدد طرفه ويحدق

ظمئت نفوسهم إليك فلم يكن

صدر يقربه فؤاد شيق

متطلعين كما تطلع صائم

ليرى هلال العيد ليلة يرمق

حتى إذا قضيت مناسك كعبة المق

ياس وهي لكم عوائد سبق

وشكرت ربك في الزيادة طامعا

ولشاكر النعماء المزيد محقق

ومددت للتخليق أكرم راحة

أضحى الخلوف بطيبها يتخلق

أقبلت تنظرك العيون فتنثني

حسرى وتلحظك القلوب فتطرق

تمشي الهوينا قد علتك سكينة

كادت قلوب القوم منها تصفق

متتوجًا تاج الجلالة لابسا

حلل الوقار وأنت فيها أليق

وقد امتطى يمني يديك مهندا

غصنا يروق النصر منه يبرق

حتى انتهيت إلى مقر كرامة

بالنيرات مزخرف ومنمق

فجلست حيث جلست منه بزينة

شرفا وطاف بك الملوك وأحدقوا

كل يغض من المهابة طرفه

فتراه وهو لغير فكر مطرق

والنيل مضطرب الغوارب مزبد

صب إليك فؤاده متشوق

لو يستطيع سعى فقيل راحة

هو في السماح بخلقها يتخلق

فرأيت منك ومنه تجري رحمة

يتبارزان كلاهما يتدفق

أطعمتهم لما سقى فعليكما

رزق العباد كلاكما يسترزق

لكن بينكما على ما فيكما

من نسبة في الجود فرقا يفرق

تحصي الأصابع جوده لحسابها

لكن حساب يداك ليس يحقق

ويفيض ذا في كل عام مرة

وبحار جودك كل حين يدفق

ويخص ذا قوما وجودك يستوي

فيه الأنام مغرب ومشرق

ونداك لا منّ يكدره وذا

يمنن فهو لأجل ذاك مريق

لما غدا المقياس مقسم راحة

يحيي الرعية فيضها المتدفق

أكبرت أن تعلو الملابس عطفه

فكسوته أنوار شمس تشرق

إنسانه خلقا جديدا ما رأى

راء له شبها ولا هو مخلق

حرم الخلافة حله من ربه

ملك بمقلته الخلائق ترمق

ذو معنيين فللتمنع معقل

صعب المرام وللتمتع حوشق

أخذ الوقار عن المشيب وربه

لكن عليه للشبيبة روتق

إيوان كسرى حيث شئت رأيته

منه وأدنى ما هناك خورنق

حصن تمرد صنعه لا مارد

وعلا فعز مثاله لا إلا بلق

دغتت به هوج الرياح فما جرت

في كرة إلا بقلب يخفق

وكأنما هو النجوم ملجج

وكأنما هوة في النجوم محلق

هذا الذي أعيا الملوك وجوده

من بعد ما حاموا عليه وحلقوا

أدركت بالتمكين ما لم يدركوا

ورزقت بالتوفيق ما لم يرزقوا

فانقض وواترهم فالقضاء مسدد

والسعد مكنتف وأنت موفق

وقال شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الموصلي الشهير بابن الخلاوي (مولده سنة ثلاث وستمائة، ووفاته سنة ست وخمسين وستمائة) يهنئ الملك الرحيم صاحب الموصل بدار بناها:

يا دار العلا والجد يأتيك

حاشاك مما تمنيه أعاديك

ص: 108

عدنا إليك على رغم العداة فكم

بتنا نحث الأغاني في معانيك

وكم جلونا عروس الراح مشرقة

وكم خلونا بمن نختاره فيك

أصبحت بالعين للذات منزلة

فكل عين لمن عداك تفديك

وقال الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة يهنئ ببناء دار:

ودار علت قدرا على الدور مثلما

علا ربها بالمكرمات على الورى

مطابقة الأوصاف أما نسيمها

فصح وأما ماؤها فتكسرا

تكرر فيها النبت دهنا وروضة

فالله ما أحلا نباتا مكررا

وشيد هارب الفضائل والندى

فيا حبذا دار القراءة والقرا

تذكره دار النعيم بطيبها

فيسعى لجنات النعيم كما ترى

لقد زادها في الحسن يوسف فاغتدت

تباع بمرآها القلوب وتشترا

والمليح في هذا المعنى قول أسجع السلمي:

قصر عليه تحية وسلام

خلعت عليه جمالها الأيام

أجرى الإمام عليه نهرا منعما

أعطى القياد وما عليه زمام

ومنها في المديح وأجاد:

وعلى عدوك يا بن عم محمد

رصدان ضوء الصبح والإظلام

فإذا تنبه رعته وإذا غفا

سلت عليه سيوفك الأحلام

قلت: الشيء بالشيء يذكر وما أحسن ما ضمن هذه الأبيات الشيخ برهان الدين القيراطي رحمة الله عليه وقال:

ومشرف إن زاد تشريفا

فقد خلعت عليه جمالها الأيام

هو جامع للحسن إلا أنه

قصر عليه تحية وسلام

وعلى العدوى من نقشه وطروسه

رصدان ضوء الصبح والإظلام وقال علي بن الجهم رحمة الله عليه:

وفيه ملك كأن النجو

م يقضي إليها بأسرارها

تخر الملوك لها سجدا

إذا ما تجلت لأبصارها

وفوارة نارها في الس?

?ماء فليست تقصر عن نارها

ترد على المزن ما أنزلت

على الأرض من صور أمطارها

نقلت من كتاب رفع الحجب المنشورة على محاسن المقصورة من الجزء الأول تأليف العلامة قاضي الجماعة بحظيرة غرناطة الشريف المرحوم والخطيب بها أبو القاسم محمد ابن أحمد بن محمد الحسيني رحمه الله تعالى وهذا التأليف من العجائب المخترعة ألفه شرحا لمقصورة الإمام الأوحد أبي الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم الأنصاري العرطاحي تغمده الله بالرحمة.

قلت: ذكر العلامة لسان الدين محمد ين الخطيب في تاريخه المسمى بالإحاطة أن مولد الشريف الحسيني سنة سبع وتسعين وستمائة، ووفاته سنة ستين وسبعمائة.

قال الشارح ويتعلق بذكر الهالة ما ذكره أبو عبد الله بكر بن عباس كاتب المنصور وأبي يوسف يعقوب قال كان لأبي بكر بن مجير عادة على المنصور في كل سنة فصادف المنصور في إحدى وفادات فراغه من أحداث المقصورة التي كان أحداثها بجامعه المتصل بقصره في حضرة مراكش وكانت قد وضعت على حركات هندسية ترفع لخروجه وتخفض لدخوله وكان جميع من بباب المنصور يومئذ من الشعراء والأدباء قد نظموا أشعاراً أنشدوه إياه في ذلك فلم يزيدوا على شكره وتجرئته على الخير فيما جدد من معالم الدين وآثاره ولم يكن فيهم من تصدي إلى وصف الحال حتى قام أبو بكر بن مجير فأنشده قصيدته التي أولها:

أعلمتني ألقي عصا اليسا

ر في بلدة ليست بدار قرار

واستمر فيها حتى ألم بذكر المقصورة فقال يصفها:

طوراً تكون بمن حوته محيطة

وكأنها سور من الأسوار

وتكون طورا عنهم نجية

فكأنها سر من الأسرار

وكأنما علمت مقادير الورى

فتصرفت لهم على مقدار

فإذا أحست بالإمام يزورها

في قومه قامت إلى الزوار

تبدو فتبدو ثم تخفي بعده

كتكون الهالات بالأقمار

فطرب المنصور لسماعها وارتاح لاخترعها.

ومن لطيف الشعر بحضرة ملوكهم ما ذكره القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتابه الأبصار في ترجمة مجير الدين ابن تميم.

حكى أن الملك المنصور استدعاه في ليلة غفل رقيبها وحضر ربيبها وسحبت من سود الذوائب ظفائرها وسجنت من بيض الأيام ضرائرها إلى مجلس مزخرف وفواكه لم تخرق وأمامه جدول قد خر ماؤه فتكسر وإن عليه كل بارق وتحسر والكئوس دائره والشموس في أيدي البدو سائرة فلما رأى الجدول وقد أصابته من العين نظرة فتعثر وسقط عقد لؤلؤه وتنثر نظر إليه وقال رحمة الله عليه:

ص: 109

يا حسنه من جدول متدفق

يلهي برونق حسنه من أبصرا

ما زلت أبذره عيونا حوله

خوفا عليه أنت يصاب فيعثرا

فأتى وزاد تمادياً في جريه

حتى هوى من شاهق فتسكرا

فسر المنصور بأبياته وأحب استطلاع خباياه وأمره بالجلوس إليه وجعله أرفع القوم لديه ولم يستقر به المكان ولا قعد ولا استكان حتى تحرك المجلس لغلام ورد كأنما يبسم عن برد فقال له المنصور بصوت يخفيه ما تقول فيه فقال:

بأبي أهيف تبدي وحي

بابتسام عدمت منه اصطباري

فأراني بوجهه وثنايا

هـ نجوما طلعن وسط النهار

فقال له سرا وقد أسفر وجهه وتسرا إلا أنه شديد النفار من المدام وله قرع بالملام فهل تقدر على استلانته وتسهيل بأسه واستهانته فما قطع المقال حتى التفت إليه ابن تميم وقال:

أتهجرها صرفا لأجل خمارها

وذلك شيء لو جرى غير ضائر

فلا تخش من داء الخماري وعاطها

هنيئا مرياء غير داء مخامر

فكاد الغلام يسطو عليه كالعائب وقال له كالعابث ما هذه فقال:

صفراء لو لاحت لشمس الضحى

من قبل أن تطلع لم تطلع

أحسن ما في وصفها أنها

لم تجتمع والهم في موضع

فقال بل أشرب خيرا منها وأدع المنهي عنها، ثم إنه أتى بركة فعب من مائها وأرى وجهه خيال قمره في سمائها فقال:

أفدي الذي بفيه شاربا

من بركة طابت وراقت مشرعا

أبدت لعيني وجهه وخياله

فأرتني القمرين في وقت معا

ثم لم يزل به حتى شرب ولذ معه ليلة وطرب فلما طلع ابن ذكا وأنار الصبح وأضاء شكر له المنصور حل عقدة الغلام وقال مثلك من سحر بالكلام ثم أحسن له الجائزة وغدا ابن تميم ويده لها جائزة.

وحكى عنه أنه استدعاه في صبيحة يوم أبيض ونوبات ياسمينه على الأرض تنغض والثلج قد نثر كافوره والجليد قد كسر بلوره والسحاب قد أصبحت ذيولها مجرورة والبرق قد تلون طول ليلته حتى أخرجها من صورة إلى صورة وأواني الزجاج قد شقت من وراء مدامها والدنان قد فك عنها ختام قدامها ورجال الراح قد زادت في أقدامها والساقي بعذار كأنما كتب بالريحان أو نسج بالزمرد نبت ألحان وتحت عذراه خيلان قد خبأت مسكها فزاد تضوعا وكثر طيبه تنوعا قد تأرج نشرها وفاح وعلم بنقطها في خده بأنه قديم وصف التفاح فلما دخل عليه في بكرة ذلك اليوم الأغر ورأى الدنيا ضاحكة تغتر أنشده:

يأيها الملك الذي بسطت له

بالجود كف دهرها لم تقبض

دنياك مذ وعت بأنك لم تزل

في نعمة وسعادة لا تنقضي

كأن الدليل على وفاها أنها

أضحت تقابلنا بوجه أبيض

فأجزل له الصلة ولم تكن عوائده بمنفصله.

ذكر ابن ظافر في بدائع البادية أن المعتمد بن عباد كان جالسا فمر عليه بعض خطبائه في غلالة لا يكاد يفرق بينها وبين جسمها فسكب عليها إناء ماء ورد فعجب من حسنها وجمالها فقال:

وهويت سالبة النفوس عزيرة

تختال بين أسنة وبواتر

واستجان النحلي وهو على الباب فقال:

راقت محاسنها ورق أديمها

فتكاد تبصر باطنا من ظاهر

وتمايلت كالغصن في ورق الندى

يلتف في ورق الشباب الناضر

تبدي بماء الورد عنبر شعرها

كالطل يسقط من جناح الطائر

تزهي برونقها وحسن حديثها

زهو المؤيد بالثناء العاطر

فلما قرأها استحسنها وقال له أو كنت معنا جالسا.

وقال محاسن الشورى:

وحولك من كماءة الأرض شوش

غلائلها الجواشن والدروع

قد اعتقلوا ذوائب كالأفعى

إذا اضطربت عواملها تروع

تلوك اللجم تحتم جياد

سلاهب ما بها عطش وجوع

صدمت بهم فريق الترك حتى

تهدم ركن جمعهم المنيع

فكروا والصوارم تستضاء

بأيديهم فعلقها النجيع

وقال الصليعي الداعي رحمه الله:

أنكحت بيض الهند سمر رماحهم

فرءوسهم عوض النثار نثار

وكذا العلا لا يستباح نكاحها

إلا بحيث تطلق الأعمار

وقال ابن رشيق الأزدي:

لو أورقت من دم الأبطال سمرقنا

لاورقت عنده سمر القنا الذبل

إذا توجه في أولى كتابته

لم تفرق العين بين السهل والجبل

فالجيش ينفض حوليه أسنته

تقض العقاب جناحيها من البلل

ص: 110

والعلامة ذو الوزارتين لسان الدين اين الخطيب (مولده سنة ثلاثة عشر وسبعمائة وتوفي تقريباً خمس وسبعين وسبعمائة) :

لله موقفك الذي وثباته

وثبابه مثل به يتمثل

والخيل خط والمجال صحيفة

والسمر تنقط والصوارم تشكل

والبيض قد كسرت حروف جفونها

وعوامل الأسل المثقف تعمل

لله قومك عند مستجر القنا

إذ ثوب الداعي المهيب واقبلوا

قوم إذا لفح الهجير وجوههم

حجبوا برايات الجهاد وظللوا

وقال السيد الفاضل شمس الدين محمد بن الصاحب موفق الدين الآمدي:

وإذا سرى يلقي السنابك ضعف ما

يراه فوق الطروس من الجفا

مزاج كأس الراح من ماء الظبا

كما أسال من النجيع القرقفا

كأس العجاج ترى الكماة شخوصها

والبيض فوقهم حباب قد طفا

خضب النجيع لكل سيف معصما

ولكل رمح أصبعا قد طرفا

وقال عبد العزيز بن نباتة:

وولوا عليها يقدمون رماحنا

وتقدمها أعناقهم والمناكب

كتبنا بأطراف القنا لظهورهم

عيونا لها وقع السيوف حواجب

وقال الشهاب محمد يمدح الأشرف خليل بن قلاون:

فصبحتها بالجيش كالروض بهجة

صوارمه أنهاره والقنا الزهر

وأبدعت بل كالبحر والبيض موجه

وحرد المذاكي سفن جودك الدر

وأغربت بل كالليل عوج سيوفه

أهلته والنيل أنجمه الزهر

وأخطأت لا بل كالنهار فشمسه

جيوشك والآصال راياتك الصفر

وقال الأسعد بن مماتي يمدح الظاهر غازي:

أسكران نديم العدو غاز

وأسماء الملوك لها حلاها

كأن السمر ريشها طوال

فكم نفس بهن قد استقاها

إذا اكتحلت عيون من عداة

بغير حيلة وجدت عماها

وأطمع نفس أسمره وأضحى

يفتش عن نفوس ما خباها

كأنك خلتها سترت كمينا

فتطعنها لتبصر ما وراها

سل البيت المقدس عنه يخ?

بر بسورة فتحه لما تلاها

محا الناقوس والصلبان عنه

وأثبت هل أتى فيه وطاها

وقال التهامي رحمة الله عليه:

ودحوا فويق الأرض أرضا من دم

ثم أثبتوا فثنوا سماء غبار

قوم إذا لبسوا الدروع حسبتها

سحبا مزررة على أقمار

وترى سيوف الدارعين كأنها

لجج تمد بها أكف بحار

حثوا الجياد من المطي وراوحوا

بين السروج هناك والأكوار

وكأنما ملئوا عباب دروعهم

وعمود نصلهم شراب قفار

وقال سبط بن الجوزي لما صالح الكامل الفرنج على دمياط وعاينوا الهلاك أرسلوا إليه يطلبون الصلح والرهان ويسلمون دمياط فمن حرص الكامل على خلاص دمياط منهم أجابهم ولو أقاموا يومين أخذوهم برقابهم فبعث إليهم الكامل ابنه الصالح أيوب وابن أخيه شمس الملوك وجاءت ملوكهم إلى الكامل فالتقاهم وأنعم عليهم وضرب لهم الخيام ووصل المعظم والأشراف في تلك الحال إلى المنصورة وذلك في ثالث رجب سنة ثمان عشرة وستمائة فجلس الكامل في خيمة عظيمة كبيرة عالية ومد سماطا وأحضر ملوك الإفرنج والخيالة ووقف في خدمته أخوته المعظم والأشرف وغيرهما وقام شرف الدين راجح الحلي وأنشد:

هنيئا فإن السعد راح مخلدا

وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا

حبانا إله الخلق فتحًا بدا لنا

مبينا وأنعاما وعزا مؤبدا

تهلل وجه الأرض بعد قطوبه

وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا

ولما طغى البحر الخضم بأهله

الطغاة وأضحى بالمراكب من بدا

أقام لهذا الدين من سل عزمه

صقيلا كما سل الحسام مجردا

فلم ينج إلا كل سلو مجندل

ثوى منهم أو من تراه مقيدا

ونادى لسان الكفر في الأرض رافعا

عقيرته في الخافقين ومنشدا

أعباد عيسى إن عيسى وحزبه

وموسى جميعا يخدمون محمدا

وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة بلغني أنه وقت الإنشاد أشار عند قوله عيسى إلى المعظم وعند قوله موسى إلى الأشراف وعند قوله محمد إلى الكامل وهذا من أحسن الاتفاق.

ص: 111

وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح لامية العجم أنشدني من لفظه الشيخ الإمام الحافظ العلامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف قال أنشدني من لفظه لنفسه بدر الدين أبو المحاسن محمد بن يوسف المهمندار في السلطان الملك الظاهر لما خاض الفرات:

لو عاينت عيناك يوم نزالنا

والخيل تطفح في العجاج الأكدر

وسنا الأسنة والضياء من الظبا

كشفا لاعيننا قتام العثير

وقد أطرخم الأمر واحتدم الوغى

ووهى الجبان وساء ظن المجتر

لرأيت سدا من حديد مائد

فوق الفرات وفوقه نار ترى

ظفرت وقد منعه الفوراس ردها

تجري ولولا خيلنا لم تشكري

ورأيت سيل الخيل قد بلغ الربا

ومن الفوراس أبحرا في أبحر

لما سبقنا أسهما طاشت لنا

منهم إلينا بالخيول الضمر

لم يفتحوا للرمي منهم أعينا

حتى كحلن بكل لدن أسمر

فتسابقوا هربا ولكن ردهم

دون الهزيمة رمح كل غضنفر

ما كان أجري خيلنا في أثرهم

لولا إنها برءوسهم لم تعثر

كم قد فلقنا صخرة من صخرة

ولكم ملأنا محجرا من محجر

ملأوا الفضاء فعن قليل لم ندع

فوق البسيطة منهم من مخبر

سدت علينا طرقا قتلاهم

حتى جنحنا للمكان الأوعر

من كل أشهب خاض في بحر الدما

حتى باد لعيوننا كالأشقر

وجرت دماؤهم على وجه الثرى

حتى جرت منها مجاري الأنهر

والظاهر السلطان في آثارهم

يدوي الرءوس بكل عضب أبتر

ذهب العجاج مع النجيع بصقله

فكأنه في غمده لم يشهر

وقال الأديب الفاضل الكامل الترحال جواب الآفاق برهان الدين إبراهيم الساحلي الشهير بالطوبخي المغربي ذكره العلامة لسان الدين ابن الخطيب في الإحاطة وأثني عليه الثناء البالغ وذكر أن وفاته سنة سبعمائة تسعة وثلاثين من قصيدة مطولة مدح بها أحد ملوك اليمن وأولها:

خطرت كمباد القنا المتناظر

ورمت بألحاظ الغزال الأعفر

تسجي على الخد النقاب وإنما

ترخي الغمام على الصباح المسفر

فتخال فوق الروض ظل أراكة

وعلى ثرى الكافور صلة عنبر

وبملمع الصدغين مطرز وجنة

زحفت عليه كتائب ابن المنذر

ما أمره زحفوا بعسكر تبع

وتقلدوا بعزائم الاسكندر

السائمين الرمح من خلل الظبا

والنجم من طرف السنان الأزور

والمطعمين الأسد منت أمثالها

أسلا كل مجندل ومعفر

والخالعين على الزمان ملابسا

نظمت مفاخرهم كنظم الجوهر

سلوا أسنته الضحى يوم الوغى

فيعيدها بالليل أين العثير

وجياده بالعاديات وبيضه

بالقارعات وكفه بالكوثر

قابل برعبك جيش صدك تنثني

وأضرب بعزمك قبل سيفك تنصر

فرءوس من عاديت أغماد الظبا

ودماء من ناويت زي السمهري

جرع عدوك فضل كأس قد سقى

منها أبوه فإن أبي فليجبر

أعمد ذؤابته التي لم تستتر

وحمام مزنته التي لم تمطر

أرسل عليه عقاب عزم صادق

يستاق روح لعامه المستبشر

مزق ثياب العز عنه وخل في

عطفيه حاشية الرداء الأحمر

هذي قواعد ملكه مدت إلى

علياك جيد اللائذ المستنصر

ضاقت يداه بها وقل نصيره

فيها فطلقها طلاق المعسر

خذها إليك محاجة من شاعر

غاصت إليك بأبحر لم تسجر

مرضى العيون كليلة أجفانها

إن لم تنر إنسانها لم تبصر

وقف ابن أوس دونها وتخضبت

في نسج حلتها أكف البحتري

وأسحب ذيول العوز في أرض الندى

وأركب ظهور الشهب يوم المفخر

وأضرب رواق العرقي أرض العلي

وارفع سماك الفخر فوق المشتر

وقال القاضي الفاضل تغمده الله برحمته:

أهذه سير في المجد أم سور

وهذه أنجم في السعد أم غرر

وأنمل أم بحار والسيوف لها

موج وافرندها في لجها درر

وأنت في الأرض أم فوق السماء ففي

يمينك البحر أم في وجهك القمر

يقبل البدر تربا أنت واطئه

فللتراب عليه ذلك الأثر

نأى به الملك حتى قيل ذا ملك

دنا به الجود حتى قيل ذا بشر

ص: 112