الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجع: خرّج الخطيب الحافظ أبو بكر في تاريخه قال لما بنى المهدي قصره بالرصافة دخل يطوف فيه ومعه أبو البحتري وهب بن وهب بن وهب فقال له هل تروي في هذا شيئاً؟ قال نعم حدثني جعفر بن محمد عن ابنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير صحونكم ما سافرت فيه أبصاركم".
وقال المأمون يوماً لجلسائه أتدرون من أهنى الناس عيشاً، فقالوا أمير المؤمنين فال لا قالوا فأمير المؤمنين أعلم، فقال أهنى الناس عيشاً رجل له دار قوراء وامرأة حسناء وكفاف من العيش لا يعرفنا ولا نعرفه.
قال سلمة الأحمر دخلت على الرشيد فيقصره الذي بناه فقلت:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة
…
فليت قبرك بعد الموت يتسع
فجعل يبكي وقيل: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضيق مسكنه، فقال: ارفع البناء وسل الله السعة.
وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر وقد همّ ببناء دار استوسع فإن الهمة في السعة.
سئل بعضهم ما الغنى فقال سعة البيوت ودوام القوت.
وقال بعضهم طيب المساكن بثلاثة: سعة الصحن، وخرير الماء، وشيء من الخضرة.
(يحيى بن خالد) الدنيا ثمانية: الطعام الطيب، والماء البارد، والثوب اللين، والفراش الوطي، والدار الواسعة، والمرأة الموافقة، والخادم الفارة، والقدرة على الأخوان بالإحسان.
وكان يقال جنة الرجل داره.
وذكر الأحنف الدور فقال: ليكن أول ما يشترى وآخر ما يباع.
وقال يحيى لبعضهم ما السرور فقال: دار قوراء وامرأة حسناء وفرس مرتبط بالفناء وينشد:
ومن المروة للفتى
…
ما عاش دار فآخره
فما قنع من الدنيا بها
…
واعمل لدار الآخرة
وكان يقال: دار الرجل عيشه.
قال السلامي في كتابه نتف الطرف الدور للناس الأعشة للطير والأوجرة للوحش والحجرة للحشرات فدار الرجل حال نفسه وموضع أمنه ومسكن قلبه ومجمع أهله ومحرز ملكه ومأنس ضيفه وملتقى صديقه وعدوه ولا شيء أصعب على الناس من الخروج من ديارهم.
وقد قرن الله سبحانه وتعالى الخروج منها بالقتل حيث قال: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم} وقال أحد الأشراف لابنه: يا نبي أحسن أثرك في هذه الدنيا بالبناء الحسن واسمع قول الشاعر:
ليس الفتى بالذي لا يستضاء به
…
ولا يكون له في الأرض آثار
ولا تنس قول الآخر
إن آثارنا تدل علينا
…
فانظروا بعدنا إلى الآثار
ومن أحسن ما قيل في بناء الملوك قول علي بن الجمهم المتوفي سنة تسع وأربعين ومائتين:
وما زلت أسمع أن الملو
…
ك تبني على قدر أخطارها
فلما رأيت بناء الإما
…
م رأيت الخلافة في دارها
حكي أن أبا العيناء دخل على المتوكل فيقصره فقال له: كيف ترى دارنا هذه؟ فقال الناس بنوا دورهم في الدنيا وأنت بنيت لدنيا في دارك.
أخذه اليزيدي فقال:
لما بنا الناس في دنياك دورهم
…
بنيت في دارك الغراء دنياها
فلو رضيت مكان البسط أعيننا
…
لم يبق عين لنا إلا فرشناها
الباب الثالث
في اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار
وقيل الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق، وقيل لبعضهم أين معك في القرآن الجار قبل الدار، فقال قوله تعالى:{رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة} وقال صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة سوء الجار نعوذ بالله من ثلاث هن القوافر: إمام السوء إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، ومن جار السوء إن رأى حسناً ستره وإن رأى قبيحاً أذاعه، ومن سوء امرأة إن غبت عنها خانتك وإن دخلت عليها لسنتك.
حكي: أبو السعادات بن الشجري (مولده سنة خمسين وأربعمائة وفاته اثنتين وأربعين وخمسمائة) في شرح الحماسة أن العباس بن الفرج الرياشي قال وفد زياد الأعجم على حبيب بن المهلب وهو بخراسان فبينما هما يشربان ذات عشية إذ سمع صوت زياد صوت حمامة تغني على شجرة في دار حبيب فقال:
تغني أنت في ذممي وعهدي
…
بأن لا يذعروك ولا تضاري
إذا غنيتني وشربت كأساً
…
ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأراً
…
لأنك في حماي وفي جواري
فأخذ الحبيب سهماً فرماها فأنفذها فقال زياد قتلت جاري، بيني وبينك المهلب فاختصما إليه فقال المهلب أبو أمامة لا يروع جاره، وقد ألزمتك العقل ألف دينار فدفعها إليه من يومه.
ولما بنى كسرى إيوانه كانت بجواره دويرة لعجوز لا يكمل تربيع الإيوان إلا بها فدفع لها جملة من المال، فقالت لا أبيع جوار الملك بملئها ذهباً ولا أخرج من جواره طائعة فإن غصبني إياها فهو قادر على ذلك فعلم كسرى بذلك، فقال تترك ويبنى الإيوان فقيل لا يجيء مستحكم التربيع، فقال يبنى ما اتفق وكان فيه عوج، فكان بعد ذلك يقال لهما أحسن بناء هذا الإيوان ولولا هذا العوج فيقول بهذا العوج تم حسنه.
قلت: وعلى ذكر الإيوان ما أحسن ما أنشدني من لفظه لنفسه أجازه الشيخ عز الدين على ابن الشيخ بهاء الدين الحسن الموصلي رحمه الله تعالى أحجبيه كتب القاضي صلاح الدين الصفدي تغمده الله بالرحمة:
يا من له الطول في المعالي
…
وبالمعاني لنا يبصر
إني كما قلت في سؤالي
…
ما مثل قولي نعم مقصر
رجع: وكان لابن المقفع بجنب داره دار وكان يستامها من صاحبها وهو يمتنع من بيعها اتفق أن ركبه دين فاحتاج إلى بيعها فعرضت عيه فسأل عن سبب بيعه إياها بعد غبطة بها فأخبره بقصته، فقال ما قمت إذاً بحرمة الجار إن اشتريتها وقد باعها معدماً فحمل إليه ثمن الدار وقال أبق دارك عليك بارك الله لك فيها ورد هذا في دينك.
وقال الأصمعي رأى بعضهم عدي بن حاتم الطائي يفت للنمل خبزاً بفناء داره، فقال له يا أبا طريف ما تصنع؟، فقال جارات ولهنّ حرمة.
قلت: وعلى ذكر حاتم الطائي ذكرت ما أنشدنيه سيدي الجناب المجدي فضل الله بن المرحوم الصاحب الفاضل فخر الدين عبد الرحم بن مكانس سلمه الله تعالى قال: أنشدني والدي من لفظه قال أنشدني صاحبنا الشيخ شمس الدين الواسطي (توفي المذكور قريباً م سنة ثمانين وسبعمائة) لنفسه موالياً:
ما مت حتى جفاني كل من فيالحي
…
وملني وقلاني كل من لوشيّ
وأنت ما في العجم والعرب مثلك حيّ
…
يا من طوى بالمكارم ذكر حاتم طيّ
قلت: وأنشدني من لنفسه الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس من قصيدة (وتوفي تغمده الله بالرحمة سنة أربع وتسعين وسبعمائة) وذلك بمنزله بقنطرة قدادار بتاريخ عاشر صفر من شهور عام ثلاث وتسعين وسبعمائة:
وكم طربت لما أبدته من ملح
…
يصبو له كل ذي عقل وآراء
وجدت بالتبر من مالي ومن أدبي
…
فكنت في كل حال منهما الطائي
رجع إلى ما كنا بصدده وقال محمد بن عبد الرحمن الزهري كانت بيني وبين أبي العباس تعلب مودة أكيدة وكنت أستشيره في أموري فجئت يوماً أشاوره في الانتقال من دار إلى أخرى لتأذي بها بالجوار، فقال يا أبا محمد تقول صبرك على أدى من تعرفه خير لك من استحداث ما لا تعرفه.
من غريب الاتفاق أن بشار بن برد كان قد حلف أنه لا يجاور حماد عجرد ولا يضله وإياه سقف بيت ولا مسجد وأنه يهجوه بألف قصيدة، فاتفق أن مات حماد في قرية من سواد البصرة وعرضت لبشار هناك حاجة فمات فيها ودفن إلى جانب حماد عجرد.
وقريب من هذه الحكاية ما حكي أن روحاً بن حاتم بن قبيصة بن المهلب كان والياً على السند وأخوه يزيد والياً على أفريقيا فتوفي بها في سنة سبعين ومائة بالقيرون، فقال أهل المدينة وأعني أفريقية ما أبعد ما يكون بين قبري هذين الأخوين فإن أخاه بالسند وهذا هنا فاتفق أن الرشيد عزل روحاً عن السند وسيره إلى موضع أخيه يزيد فدخل إلى أفريقية فلم يزل والياً بها إلى أن مات ودفن مع أخيه في قبر واحد فعجب الناس من غريب هذا الاتفاق.
عود: وكان لأبي حنيفة جاراً إسكاف بالكوفة يعمل نهاره أجمع فإذا جن الليل رجع إلى منزله بلحم أو سمك فيطبخ اللحم أو يشوي السمك فإذا دب فيه السكر أنشد:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر