المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

فلا عدمت التنبيه من مولانا على هذا المنهاج ولا فقدت آداب ألفاظه الممدوحة التي ما لها منهاج ولا حرمت عند الحمام هذا النصير ولا عاقنى عند إرادة التخليق بمطالبها تقصير ولا زلت أمحو بها أية ليل الشعر وأخلع بها بعد ثياب البدن ثياب الوضر وأتنعم بها حسنا لها من جامها في كل ناحية من وجهها قمر ولا يخفى أن الرأس تروى الآن عن الأشعث بن أبي الشعثاء أخباره والجسد كأنما كانت على أب وزير المعتصم أطماره فالأولى أن يلقى ويعتاض عنها بما هو أبقى ومولانا أجل ساع في إسداء المعروف وأفعال بر أعيذها بالأسماء الحسنى ما اشتملت عليه من الحروف لا زال بحر إحسانه الطهور سالما من الخوض وخزائن فضائله الجمة محروسة الجناب بجاه صاحب الحوض.

فصل: فيما ورد في ذمها قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بئس البيت الحمام تكشف فيه العورات وترتفع فيه الأصوات ولا يقرا فيه آيه من كتاب الله، ودخل بعض الأمراء مع الرقاشى الحمام فقال ذمه يهتك الأسرار ويؤلف الأقذار ويذهب الوقار، فقال أمدحه يذهب القشافة ويعقب النظافة ويفش التخمة ويطيب النغمة.

قيل ويكره الحمام بين العشاءين وقريب من المغرب قال الزمخشرى ويكره أن يعطى الرجل امرأته أجرة الحمام لنه يكون معينا لها على المكروه وقال أيضاً الحزم ترك الحمام إذ لا يخلو من عورة مكشوفة ولا سيما من تحت السرة إلى العانة.

ومن آدابه أنه إذ دخله رفع رجله اليسرى عند الدخول وقال بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس والنجس والخبيث المخبث من الشيطان الرجيم وذكر السمعاني في كتاب الحمام عن مجاهد عن على أنه كان يغتسل من مس الإبط والحجامة وماء الحمام، وبسنده إلى فرقد السبخى أنه قال ما دخل نبي الحمام قط ولا أكل قوما ولا بصلا ولا كراثا.

الوصف قال بعضهم:

وحمام سوء وخيم الهواء

قليل المياه كثير الزخام

فما للقيام به من قعود

ولا للقعود به من قيام

حنياته عطفات القسى

وقطراته صائبات السهام

وقال شعرا:

حمامنا من ضيقها تشتكي

كأنها صدر وقد أخرجوه

فهي لظى نزاعة للشوا

وماؤها كالمهل يشوى الوجوه

وقال ابن شرف القرواني:

كأنما حمامكم فقحةال

تن والظلمة والضيق

كأنني في وسطها فيشة

ألوطها والعرق الريق

وقال ابن رشيق: وأنت أيضاً أعور أصلع

فصادف التشبيه تحقيق

‌الباب السابع والعشرون

في النار والطباخ والقدور

النار مؤنثة من ذوات الواو لأن تصغيرها نويرة والجمع نور وأنوار ونيران انقلبت الواو ياء الكسرة ما قبلها وليس في الأرض شجرة إلا وتقدح منها النار إلا العناب، وهي على أنواع عند العرب نار القرى وهي اعظم النيران ونار السلامة توقد للمسافر إذا قدم سالما غانما، ونار الزائر والمسافر وذلك انهم إذا لم يحبوا الزائر والمسافر أن يرجع أوقدوا خلفه ناراً وقالوا أبعده الله وأسحقه ونار الحرب يوقدونها على مكان عال لمن بعد عنهم ونار الصيد يوقدونها للظباء فتغشى أبصارهم ونار الأسد كانوا يوقدونها إذا خافوه لأنه إذا رآها حدق إليها وتأملها ولم يستطع الهجوم على ما حولها ونار الحلف لا يعقدون إلا عليها يطرحون فيها الملح والكبريت فإذا استشاطت قالوا هذه النار قد تهددتك ونار تهددتك ونار الغدر كانوا إذا غدر الرجل بجاره أوقدوا له ناراً بمنى أيام الحج وقالوا هذه غدرة فلان ونار الفداء كانت ملوكهم إذا سبوا قبيلة وطلب منهم الفداء كرهوا أن يعرضوا النساء نهاراً لئلا يفتضحن ونار الوسم التي يسمون بها الإبل لتعرف أبل الملوك فترد الماء أولا ونار الحرتين كانت ببلاد عبس تسطع من الحمرة بالليل فبعث الله خالد بن سنان وهو أول نبي بعث من ولد إسماعيل وقد قدمت ابنته على النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقال بنت نبي ضيعه قومه فحفر لتلك النار بئراً فأدخلها فيها والناس ينظرون ثم اقتحم فيها حتى غيبها وخرج منها، وقد بالغ مهيار الديلمى في وصف نار القرى:

ضربوا بمدرجة الطريق خيامهم

يتقارعون على قرى الضيفان

ويكاد موقدهم يجود بنفسه

حب القرى حطبا على النيران

وقال أبو طاهر البغدادي:

خطرت فكاد الورق يسجع فوقها

أنّ الحمام لمغرم بالبان

ص: 147

من معشر نشروا على هام الربا

للطارقين ذوائب النيران

وقال صردر:

قوم إذا حيى الضيوف جفانهم

ردّت عليهم ألسن النيران

وقال ابن سنا الملك:

لنيرانه في الحي أي تحرق

على الضيف أن أبطأ وأي تلهب

وأين هؤلاء القوم الكرام من الذين يقول فيهم الأخطل:

قوم إذا استنتج الأضياف كلبهم

قالوا لاّمهم بولى على النار

فتحبس البول شحا أن تجود به

فما تبول لهم إلا بمقدار

لا يخفى ما في هذا البيت الأول من المعائب وقد ولع الأدباء بحلاها وما فيها من المعاني وقال مجير الدين بن تميم:

وكأنما النار التي قد أوقدت

ما بيننا ولهيبها يتضرم

سوداء أحرق قلبها ولسانها

بشفاهة للحاضرين تكلم

وقال آخر:

انظر إلى النار وهي مضرمة

وجمرها بالرماد مستور

شبه دم من فواخت ذبحت

وفوقه ريشهن منثور

وقال آخر:

كانون يطفى برده كانوننا

ما بين سادات كرام حذق

بأرقام حمر البطون ظهورها

سود ينضنض باللسان الأزرق

وقال ظافر الحداد:

تأمل ففي الكانون أعجب منظر

إذا سرحت في فحمه جمرة النار

كما ميل الزق المروّق ساكب

فدب احمرار الخمر في قلل القار

وقال آخر:

كان كانوننا سماء

والجمر في وسطه نجوم

ونحن جن بجانبيه

والشرر الطائر الرجوم

وقال آخر:

كأنما دخاننا إذ بدا

لعين من ينظره من قريب

ذوائب من غادة سرحت

وقد بدا فيها بياض المشيب

وقال آخر:

كأنما النار في تلبها

والفحم من فوقها يلظيها

زنجبية شبكت أصابعها

من فوق نازنجة تغطيها

وقال آخر:

كأن نضيد الفحم فوق شراره

إذا النار مست جلده فتلونا

يذكر أيام السحاب التي جرت

بمنيته لما تأودّ أغصنا

فأنبت منها الآبنوس بنفسجا

وأثمر عنابا وأورق سوسنا

وقال الشيخ صفي الدين الحلى:

البحتري منذ ما فارقتموه غدا

يحثو التراب على كانونه الخرب

لو شئتم أنه يضحى أبا لهب

جاءت بغالكم حمالة الحطب

وقال ظافر الحداد:

كأن سواد الفحم من فوق جمره

وقد جمعنا فاستحسن الضدّ بالضدّ

غدائر خود فرقتها وقد غدت

على خفر من تحتها حمرة الخد

فلما تناهى صبغه خلت أنه

فصوص عقيق أو جنى زهر الورد

إلى أن حكى بعد الخمود رماده

غبارا من الكافور في قطع الند

كتب النصير الحمامي ملغزا إلى السراج الوراق:

وما اسم ثلاثى به النفع والضرر

له طلعة تغنى عن الشمس والقمر

وليس له وجه وليس له قفا

وليس له سمع وليس له بصر

يمد لسانا يختشى الرمح بأسه

ويسخر يوم الحرب بالصارم الذكر

يموت إذا ما قمت تسقيه قاصدا

وأعجب من ذا ذاك من الشجر

أيا سامع الأبيات دونك حلها

وغلا فنم عنها ونبه لها عمر

ومن التغزلات اللطيفة بذكر النار قول الشيخ شمس الدين بن الصائغ:

قد أدعوا القلب لا دعوا حرق

فظل في الليل مثل النجم حيرانا

راودته يستعير الصبر بعدهم

فقال أني استعرت اليوم نيرانا

قال علاء الدين الوداعى:

يا مودعا بوادعه في مهجتي

نارا تؤججها يد التذكار

أبكيت طرفي بعد أدمعه دما

وكذا يكون بكاء أهل النار

قال صفى الدين الحلى: لا غرو أن يصلي الفؤاد ببعدكم

نارا تؤججها يد التذكار

قلبي إذا غبتم يصور شخصكم

فيه كل مصوّر في النار

وأنشدنى الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه:

يا مقلة الحب مهلا

فقد اخذت بثارك

وأنت يا وجنتيه

لا تحرقيني بنارك

ص: 148

وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة مع نقل أهداه ونهى انه تهجم ونقل منقلا لطيف الصنعة جليلا إذا تأمل نفعه إذا هبت الشرر في ليل فحمه ولعبت يد الرياح بأزاهر ضرمه فكأنه معدن ياقوت أحمر أو نبت جلنار بزهر يروق البصائر والأبصار وإلا يكن فيه على الحقيقة جلنار ففيه جلنار طالما جدت معاشرته ولذت في الليالي الشتوية مسامرته واطلع من أفقه نجوما سعيدة القران وتلا على الريح والثلج (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) ، والرأي أعلا في قبول إهدائه والله يجعل ما في قلبه في قلوب أعدائه، قرأت في كتاب روضة الجليس ونزهة الأنيس تأليف الفاضل بدر الدين حسن بن زفر المتطبب الأربلي حكى عن سليمان بن محمد المهدي الصقلي قال كان بسوسة أفريقية عليه ويعرض عنه كثيراً فبينما هو ذات ليلة منفرد بشرب الخمر وحده غلب عليه السكر وذكر معشوقه وأجرى بخاطره ما كان يفعله به من التجنى فقام من حينه فاخذ قبس نار وجعله عند باب الغلام ليحرق عليه فلما دارت النار بالباب بادر بإطفائها وقبضوا عليه واعتقلوه فلما أصبحوا نهضوا به إلى القاضي واعلموه بفعله فقال له القاضي لأي شيء أحرقت باب هذا الغلام فأنشأ يقول:

لما تمادى على بعادى

وأضرم النار في فؤادي

ولم أجد من هواه بدا

ولا نعينا على السهاد

حملت نفسي على وقوفى

ببابه حملة الجواد

قطار من بعض نار قلبي

أقل من الوصف من رقادى

فأحرق الباب دون علمى

ولم يكن ذاك من مرادى

قال فاستظرف القاضي واقعته وشعره ورحمه وتحمل عنه ما أفسده من باب الغلام وقال الشيخ جمال الدين بن نباته في وصف حصار بالنار فما كان إلا ريثما ابتسمت لهم النار عن الموت العابس وعاملتهم من إعجال وقودها باليابس وجاءت بما ينضج ملابس الجلود وجلود الملابس وعاجلتهم من منفعة الغوث قبل العطب وأصلتهم نارا تبت بها أيدي الأبراج حمالة الحطب وإذا بأبدان البدانات القائمة قد قعدت والأبراج لتلاوة الحرب قد سجدت فهنالك هجمها المسلمون هجوم الليث الكرار وقطعت ألسنة السيوف المجادلة حجج رقاب الكفار وقال القاضي الفاضل في مثله فولجت النار موالج تضيق عنها الكفر ويعجز عنها الأبر وخولف المثل في أن السعادة لتلحظ الحجر وأغنى ضوء نهارها سؤال كل أمعة أن تسأل هذا وذاك ما الخبر إلى أن بدا ضوء الصباح وكأنه منها أمتار وانشق الشرق فكأنه من عصفرها صبغ الأزار إلى أن سرى ذا النقوب إلى المقاتل ودب سكرها بين المفاصل وغدت الجدران قائمة والبلا سار في أعقابها متجلدة والنار تحت ثيابها وقال أيضاً وقد أحمته إلى أن أحرقته وصرح الشرك وقد خاضته إلى أن أغرقته وأن الخندق بركة والبرجى لها فوارة وأن الله اعد للعدو نارا في الآخرة وأحرقهم في الدنيا بشراره وان العدو تحصن من البرج بكثيب بنفسج احرقه الله بجلنار وقال سيدي تقي الدين بن حجة في حريق دمشق هذا وكم مؤمن خرج من دياره حذر الموت وهو يقول النجاة وطلب الفرار وكلما دعاه قومه لمساعدتهم على الحريق ناداهم وقد عدم الاصطبار (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار)، وقال ابن سناء الملك:

يا فالق الصبح من لألاء غرته

وجاعل الليل من أصداغه سكنا

لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدى

فالنار حقا على من يعبد الوثنا

القول على الطباخ وينبغي أن يكون عند الرئيس والملك طباخ حاذق إذا لم يشته طعاماً صنع له ما يشتهيه وقيل كل طعام أعيد إلى القدر فهو فاسد وكل غناء خرج من تحت السبال فهو بارد قال بعضهم كنت جالساً عند بعض ولاة الطوف وقد جاءه الغلمان برجلين فقال لحدهما من أبوك فقال:

أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره

وأن نزلت يوماً فسوف تعود

ترى الناس أفواجاً إلى باب داره

فهم قيام حولها وقعود

فقال ما كان أبو هذا إلا كريماً ثم قال للآخر من أبوك فقال:

أنا ابن من ذلت الرقاب له

ما بين مخزومها وهاشمها

خاضعة أذعنت لطاعته

يأخذ من مالها ومن دمها

فقال الوالي ما كان أبو هذا إلا شجاعاً وأطلقهما فلما انصرفا قلت للوالي أما الأول فكان أبوه يبيع الباقلى المصلوقة وأما الثاني فكان أبوه حجاماً فقال الوالي:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

يغنيك مضمونه عن النسب

ص: 149