الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللشيخ برهان الدين القيراطي ملغزاً فيه:
أهواءنا المختلفة
…
قد أصبحت مؤتلفة
في شامخ بأنفه
…
على العوالي أنفه
وذي جناح لم يطر
…
ولك طير ألفه
جناحه طول المدى
…
يبدي علينا رفرفة
كم من كئيب عاشق
…
أهدى له مشرفه
ولا يزال مرسلاً
…
لنجوه ملطفه
في الريح ضاع قول من
…
على هواه عنفه
عليله الصحيح كم
…
شفى قلوباً دنفة
وروحه لطيفة
…
وذاته منحرفة
عن قلبه الدين أرى
…
حب الهوى قد صرفه
ولم يكن مع الهوى
…
أعطافه منعطفه
هواه تحت طوعه
…
كيف يشاء يصرفه
كم عممت غمامة
…
هامته المنكشفة
ما زال غير ساكن
…
ساكنه مذ ألفه
وكلما لاح له
…
من الهواء التقفه
فنى الوليد ذاته
…
بذاته مؤتلفه
سكانها سميها
…
في الغرب يبدي حيفه
فيه تشتي عصبة
…
قد اصبحت مصيفه
ببدر ذو الرشد ولا
…
ينسبه إلى السفه
حمدت مع تبذيره
…
وبذله تصرفه
وكل ما أسرف في
…
بلد شكرنا أسرفه
ونصفه مع جبل
…
ملك سطاه متلفه
تصحيف ثلثيه جلت
…
فض حديثه الشفة
وثلثه حر فإن بلل
…
حرف فدع من حرفه
أنفاسه كم أودعت
…
محاسناً مستلطفة
كم رنحت من غصن
…
ذي قامة مهفهفة
معلتة وهو الصح?
…
?يح عند من قد عرفه
وثوبه البيض لا
…
يزال يبدي صلفه
آخره مصنف
…
لعالم قد صنفه
وبيت سلطان غدا
…
يصون فيه تحفه
يكنى بسدسي لفظه
…
عصابة مستنكفة
وسدسه أرى السما
…
والأرض والماء يألفه
فاكشف معمى قلبه
…
فمثلكم من كشفه
نهار ذهنكم محى
…
من الظلام سدفه
يجري لحل المشكلا
…
ت لم يخف توقفه
وبحركم در وما
…
صادفت فيه صدفة
وللرقاب قلدت
…
هباتك المؤلفة
كل البرايا نكرة
…
وأنت فيهم معرفة
وخذ عروساً شنفت
…
مذ جليت مشنفة
زهير لو بان له
…
زهر جلاها قطفة
أغشى سناء طرفها
…
إذا لاح طرف طرفه
حديقة حاسدها
…
يرعد مثل السفعه
الباب التاسع
في النسيم ولطافة هبوبه
وإنما ذكرت النسيم لأنه من لوازم الباذهني، والنسيم الريح الطيبة ونسيم الريح أولها حين تقبل بلين قبل أن تشتد، ومنه الحديث "بعثت في نسيم الساعة" أي حين ابتدأت وأقبلت.
وما أحسن قول بعضهم * نسيم الريح بسيب الروح * قال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي الرياح المعروفة أربع: الصبا: وهي تسلي عن الكروب، والجنوب وهي تجمع السحاب، والشمال: وهي تعصره وتفرقه، والدبور، وهي تهدم البنيان وتقلع الشجر وهي المذكورة في القرآن الريح العقيم وريح عاصف وريح صرصر.
وكل موضع جرى فيه ذكر الريح المراد بها الدبور والمراد بها العقوبة، وكل موضع جرى فيها ذكر الرياح في القرآن فإنه يرجع إلى الثلاثة التي تقدم ذكرها فيراد به الرحمة.
وقيل: الرياح ثمان أربع من الجهات الأربع، وأربع تسمى النكب لميلها، وتنكيبها عن الجهات الأربع فالشمال من ناحية الشام وذلك عن يمينك إذا استقبلت قبلة العراق فهبوبها من تحت بنات نعش، ويقابلها الجنوب وهي باردة يابسة صافية من الكدر تشد الأعضاء وتسد المسام وتحصر الحرارة في الباطن فينهضم الغذاء وتصفو بها كدورة الروح الحيواني الذي في القلب من الأبخرة الدخانية وتديم الصحة وتقوي حواس الدماغ وذلك إن وصلت إلى الجسم باعتدال وهي قليلة الهبوب ليلاً؛ لذلك تقول العرب في أحاديثها أن الجنوب قالت للشمال إن لي عليك فضلاً لأنني أسري وأنت لا تسري، فقالت الشمال إن الحرة لا تسري.
وكان المتوكل بيت مال يسميه بيت مال الشمال فكلما هبت شمالاً تصدق بألف درهم وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول سحيم عبد بني الحسحاس:
وهبت شمالاً آخر الليل سحرة
…
ولا ثوب إلا درعها وردائيا
فما زال بردي طيبا من نباتها
…
إلى الحول حتى أنهج البرد باليا
فقال عمر: إنك مقتول، فاتهم بعد ذلك بامرأة فقتل.
قال أبو نواس (توفي سنة ثمان وتسعين ومائة) وفيه ثلاث روايات:
هبت لنا ريح شامية
…
منت إلى القلب بأسباب
أدت رسالات الهوى بيننا
…
عرفتها من بين أصحابي
يحكى أن الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى (مولده سنة ست وعشرين وثلاثمائة ووفاته سنة خمس وثمانين وثلاثمائة) كان إذا سمع هذين البيتين ترنح لهما.
قال الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف القيسي حدثني من دخل سجستان وكرمان أن جميع أرحائهم ودواليهم تدور بريح الشمال قد جعلت منصوبة تلقائها، وأن هذه الريح تجري عندهم على الدوام صيفاً وشتاءً وهي في الصيف أكثر وأدوم وربما سكنت في اليوم والليلة أو مرات فيسكن كل رحى ودولاب بذلك الإقليم، ثم تتحرك فيتحرك وذكر أن هذه الدواليب المنصوبة بها اثنا عشر ألفا وتنقطع بانقطاعها قال والخصب والقحط في بلادهم معتبر بكثرة جريان ريح الشمال وقلته قال ولهم في الرحاء منافس تغلق ليقل ويكثر وذلك أنها إذا كانت قوية أحرق الدقيق فيخرج به أسوداً وربما حمي الرحاء فانفلق فهم يحتاطون لذلك بما ذكرناه.
والصبا تأتي مع مطلع الشمس وهي القبول والدبور يقابلها وهي معتدلة ولا سيما إن هبت قبل طلوع الشمس في زمن الربيع، وهي لطيفة صافية تذكي الأذهان وتبسط الأخلاق ولا سيما إن مرت بمروج أزهار نافعة فإنها تحمل قواها إلى القلب والدماغ.
وإلى نفعها أشار الشاعر:
وصبا أتت من قاسيون فسكنت
…
بهبوبها وصب الفؤاد البالي
خاضت مياه النيرين عشية
…
وأتتك وهي بليلة الأذيال
وقال سيف الدين المشد (ومولده سنة اثنين وستمائة، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة)
مسكية الأنفاس تملى الصبا
…
عنها حديثاً قط لم يملل
جننت لما أن سرى عرفها
…
وما نرى من جن بالمندل
وقال مجير الدين الخياط (ومولده سنة خمسين وأربعمائة، ووفاته سنة أربع وعشرين وخمسمائة) :
يا نسيم الصبا الولوع بوجدي
…
حبذا أنت لو مررت بهند
ولقد رابني شذاك فبالل?
…
?هـ متى عهده يا طلال نجد
وقال المهيار الديلمي وتلطف (توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة) :
حملوا ريح الصبا نشركم
…
قبل أن تحمل شيحاً وخزاما
وابعثوا لي في الدجى طيفكم
…
إن أذنتم لجفوني أن تناما
وروى المرزبان بإسناده أن المجنون خرج مع أصحاب له ليمتار في وادي القرى فمر بجبلي نعمان فقالوا: إن هذين جبلا نعمان وقد كانت ليلى تنزلهما، قال فأي ريح تجري من نحو أرضها إلى هذا المكان، قالوا: الصبا، فقال والله لا أبرح حتى تهب الصبا فأقام في ناحية الجبل ومضوا فامتاروا لهم ولهم ثم أتوا فحبسهم حتى إذا هبت الصبا رحل معهم وفي ذلك يقول:
أيا جبلي نعمان بالله خليا
…
نسيم الصبا يخلص إليّ نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة
…
على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح متى ما تنسمت
…
على نفس مهموم تجلت همومها
وضمن البيت الأول الشيخ صفي الدين الحلي في مليح اسمه نعمان فقال:
أقول وقد عانقت نعمان ليلة
…
بنور محياه أنار أديمها
وقد ارسلت الياه نحوي فسوة
…
يروج كرب المستهام شميمها
أيا جبلي نعما بالله خليا
…
نسيم الصبا يخلص إليّ نسيمها
أقول وعلى ذكر نعمان والكناية عنه فما ألطف ما ذكره الشيخ بدر الدين حسن بن زفر المتطبب الأربلي في كتابه روضة الجليس ونزهة الأنيس وهو أن بعض الرؤساء قال: أخبرني بعض الأصحاب قال كنت جالساً يوماً عند صديق لي بالموصل إذ جاءه كتاب من بغداد من صديقة له فيه نشوق وفيه هذا البيت عتاب وهو:
تناسيتم العهد القديم كأننا
…
على جبلي النعمان لم نتجمعا
فأخذ يستحسن هذا البيت ويهتز له، فقلت له بالله عليك يا فلان أسألك شيئاً ولا تخفه عن، قال سل، قلت هذي معشوقتك صاحبة هذا البيت لأنها ذكرتك فيه بجبلي نعمان وجبلي نعمان كناية عند الظرفاء من الناس عن جانبي كفل المليحة والمليح، فقال والله ما أدركت من هذا البيت الذي أدركت.
وكان لبيد بن ربيعة العامري آلى في الجالهلية أن لا تهب صبا إلا نحر وأطعم الناس حتى تسكن وألزم نفسه ذلك في الإسلام فلما كانت أيام عثمان جعل ديوان لبيد في الكوفة، وخطب الوليد بن عقبة الناس في يوم صبا فقال: معاشر الناس إن أخاكم لبيد آلى في الجاهلية ألا تهب صبا إلا أطعم الناس حتى تسكن وقد ألزم نفسه ذلك في الإسلام وهذا اليوم من أيامه فأعينوه وأنا أول من يعينه، ونزل فبعث إليه مائة بكرة وكتب إليه يقول:
أرى الجزار يشحذ شفرتيه
…
إذا هبت رياح أبي عقيل
أشم الأنف أصيد عامري
…
طويل الباع كالسيف الصقيل
ووفى الجعفري بما عليه
…
على الغلات والمال الثقيل
فلما أتاه الشعر قال لابنته يا بنية أجيبيه فقالت:
إذا هبت رياح أبي عقيل
…
دعونا عند هبتها الوليدا
أشم الأنف أصيد عبشمياً
…
أعان على مروته لبيدا
بأمثال الهضان كأن ركبا
…
عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا
…
نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم بله معاد
…
وظني يا بن أروى أن تعودا
فقال أبوها أحسنت لولا أنك استطعمتيه.
ولبيد هذا صحابي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بني جعفر بن كلاب وهو صاحب إحدى القصائد المعلقات التي أولها: *عفت الديار محلها فمقامها* وإنما أمر ابنته أن تجيب الوليد لأنه لم يقل شعراً منذ أسلم، وقال بعضهم لم يقل في الإسلام إلا قوله
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وقيل: هذا البيت لغيره، وهو أصح.
وقيل هذا البيت الذي قاله في الإسلام بيت عجزه: *والمرء يصلحه القرين الصالح * وقال له عمر رضي الله عنه يوماً يا أبا عقيل أنشدني شيئاً من شعرك فقال: ما كنت لأقول شعراً بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران فزاده في عطائه خمسمائة وكان ألفين.
وقالت عائشة رضي الله عنها رويت من شعر لبيد إثني عشر ألف بيت، وقالت أيضاً رحم الله لبيداً حيث قال:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
…
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
قلت: كيف لو أدرك زماننا.
وكان لابن الجوزي رحمه اللته تعالى زوجة اسمها نسيم الصبا فاتفق أنه طلقها فحصل له بعد ذلك ندم وهيام أشرف به على العدم فحضرت في بعض الأيام مجلس وعظه فحين رآها عرفها، فاتفق أنه جاء امرأتان وجلستا أمامه فحجبتاها عنه فأنشد في الحال: *أيا جبلى نعمان بالله خليا* وهذا من جملة لطائفه وظرائفه.
ومنها أنه أنشد في بعض مجالس وعظه:
أصبحت ألطف من مر النسيم سرى
…
على الرياض يكاد الوهم يؤلمني
من كل معنى لطيف أجتني قدحا
…
وكل ناطقة في الكون تطربني
فقام إليه إنسان وقال فإن كان الناطق حماراً، فقال أقول له يا حمار اسكت.
وقال صلاح الدسين الصفدي: وقال عائشة (رويت من شعر لبيد اثني عشر ألف بيت، وقالت أيضاً رحم الله لبيداص حيث قال:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
…
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
قلت: كيف او أدرك زماننا.
وكان لابن الجوزي رحمه الله تعالى زوجة اسمها نسيم الصبا فاتفق أنه طلقها فحصل له بعد ذلك ندم وهيام وأشرف به على العدم فحضرت في بعض الأيام مجلس وعظه فحين رآها عرفها، فاتفق أنه جاء امرأتان وجلستا أمامه فحجبتاها عنه فأنشد في الحال: *أيا جبلي نعمان بالله خليا* وهذا من جملة لطائفه وظرائفه.
ومنها أنه أنشد في بعض مجالس وعظه:
أصبحكت ألطف من مر النسيم سرى
…
على الرياض يكاد الوهم يؤلمني
من كل معنى لطيف أجتنى قدحاً
…
وكل ناطقة في الكون تطربني
فقام إليه إنسان وقال فإن كان الناطق حماراً، فقال أقول له ياحمار اسكت.
وقال صلاح الدين الصفدي:
صدّق خلي نسمات الصبا
…
فيما روت عنكم وما شك
قال لا أخبر منها بما
…
جاءت به قلنا ولا أذكى
وقال جمال الدين بن نباتة:
يداوي أسا العشاق من نحو أرضكم
…
نسيم صبا اضحى عليه قبول
بروحي من ذاك النسيم إذا سرى
…
طبيب يداوي الناس وهو عليل
وقال شهاب الحاجبي (توفي قريباً من سنة سبعين وسبعمائة) :
لاتعبثوا غير الصبا بتحية
…
ما طاب في سمعي حديث سواها
حفظت أحاديث الهوى وتضوعت
…
نشراً فيا لله ما أذكاها
وقال بدر الدين بن الصاحب:
أسكرتم ريح الصبا بالشذا
…
حتى أذاعت سمرنا بالبطاح
لاتعتبوها إن أذاعت هوى
…
فما على السكرى بهذا جناح
وقال بدر الدين حسن العربي (ومولده سنة ست وسبعمائة، ووفاته سنة خمس وخمسين وسبعمائة) :
سرت من بعيد الدار لي نسمة الصبا
…
فقد أصبحت حسرى من اليسر ظالعه
ومن عرق مبلولة الجيب بالندا
…
ومن تعب أنفاسها متتابعة
ولما أنشدتهما السيد القاضي صدر الدين بن الأدمي فسح الله في أجله (مولده سنة ثمان وستين وسبعمائة) قال: لو قال الشيخ بدر الدين: *فقد أصبحت معتلة وهي ظالعة * لكان أحسن من قوله حسرى، ولعمري صدق فيما قاله.
وما ألطف القاضي أمين الدين عثمان بن عطايا في قوله:
أنا أهوى غصن النقا وهولاه
…
وفؤادي بحبه في التيه
يا نسيم الصبا ترفق عليه
…
وتلطف به ولا تؤذيه
وتحمل رسالة ليس إلا
…
كأمين في حملها ارتضيه
وغذا لم يكن رسولي نسيم
…
نحو غصن النقا فمن يثنيه
وللشيخ شمس الدين الواسطي، من متأخري شعراء الديار المصرية من موشحه: نسائم الأسحار * بنشرها الفواح * تحرك الأغصان * لأنها أرواح فقم بنا نسعى * لمربع يانع * للماء والمرعى * فيه غدا جامع قد أطرب السمعا *قمرية الساجع كأنما تكرار * غناه في الأدواح * ضرب من العيدان * لمن غدا أو راح ولمؤلف الكتاب لطف الله به:
إن هبت الأرواح من نحوهم
…
فانتشتت الأشباح من راحها
لاتعتبونا في الهوى وأسكنوا
…
اشباحنا حنت لأرواحها
ولم أر أحداً وصف الريح غير الأديب أبي القاسم أسعد بن علي الكاتب المترسل في قوله:
كأن شكل الهلال قرط
…
أو عطفه النون أو قلامه
كأن لون الهواء ماء
…
أو سندس رق أو غمامة
حكي أن نور الدين علي بن سعيد صاحب المرقص والمطرب مر مع جماعة من الأدباء المصريين ومنهم أبو الحسين الجزار فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هب الهوى فكشف ثيابه عنه، فقال أبو الحسين الجزار قفوا لينظم كل واحد منا في هذا شيئاً، قال فما لبث ان قال نور الدين:
الريح أقود ما يكون لأنها
…
تبدي خبايا الردف والأعكان
وتميل بالأغصان عند هبوبها
…
حتى تقبل أوجه الغدران
وكذلك العشاق يتخذونها
…
رسلاً إلى الأحباب والأوطان
فقال أبو الحسين ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا سيروا بنا.
وقال النور الأسعردي (ووفاته سنة ست وخمسين وستمائة) :
تميل الريح بالأغصان لطفاً
…
كما مالت بشاربها العقار
وتجمع بينها من بعد بعدٍ
…
وأوراق الغصون لها آزار
وتخفق غيرة عند التلاقي
…
فهل أبصرت قواداً يغار
وما أحسن قوله وإن كان في غير ما نحن فيه:
أعدي سقام جفونه
…
جسمي وأعدمني الكرا
حتى اعتللت بسرعة
…
مثل النسيم إذا سرى
وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ العلامة عز الدين أبي الخير علي ابن أبي الشيخ بهاء الدين الحسين الموصلي تغمده الله بالرحمة:
تغمده الله بالرحمة:
ربَّ نسيم قد سرى
…
تحدو سحابا ممطراً
أذياله بليلة
…
تخبرنا بما جرى
وأنشدني من لفظه لنفسه سيدي الشيخ وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة الحموي فسح الله في أجله، من قصيدة تنبوية اولها:
شدت بكم العشاق لما ترنموا
…
فغنوا وقد طاب المقام وزمزم
وضاع شذاكم بين سلع وحاجز
…
فكان دليل الظاعنين إليكم
ولما روى أخبار نشر ثغوركم
…
أراك الحمى جاء الهوى يبتسم
وقال القاضي مجير الدين بن عبد الظاهر:
شكر النسمة أرضهم
…
كم بلغت عني تحية
كم قد أطالت بل أطا
…
بت في رسائلها الزكية
لا غرو أن حفظت أحا
…
ديث الهوى فهي الذكية
ومن هنا أخذ صلاح الدين الصفدي قوله وهو حسن عندي:
يا طيب نشر هب لي من أرضكم
…
فآثار كامن لوعتي وتهتكي
أهدي تحيتكم وأشبه لطفكم
…
وروى شذاكم إن ذا نشر ذكي
وقال شهاب الدين أبي حجلة مخاطباً صلاح الدين:
إن ابن أبيك لم تزل سرقاته
…
تأتي بكل قبيحة وقبيح
نسب المعاني في النسيم لنفسه
…
جهلاً وراح كلامه في الريح
وكان القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى يحب مغنياً اسمه النسيم وله فيه عدة مقاطيع وقد ذكر بعضها الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة من رقعة كتبها القاضي علاء الدين بن فضل الله في منزلة الأهرام قال: وقد كان تقدم من انعامه ثوب صوف أحمر، ونصفه في يوم ماطر ونسأل الله تععالى أن لا يخلى ذوي العارض الممطر من جاه مولانا العريض وحلل أنعامه التي هي كالدنانير الحمر والدراهم البيض ونصف مبيتة في هذه المنزلة التي أصبحت كليلة اتلقدر عندي ذات أندية وخيامها التي ولو طكان طالعة بها سعد الأخبية وبردها اليابس الذي لم يترك منه رطباً سوى لسانه حين يرجع بالغيث فإن شبت من هوله فالهرم أمامي وإن فرزت من نسيمه فهوى ناقتي خلفي وقدامي.
هوى تذرف العينان منه وإنما
…
هوى كل نفس حيث حل حبيبها
فلو حكم به على القاضي محيي الدين بن عبد الله الظاهر رحمه الله تعالى وقد حمى بهبوبه الوطيس لاشتغل بنفسه ولترك محبوبه النسيم في الريح المريس وذلك بعد أن قال فيه:
إن كانت العشاق من أشواقهم
…
جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني
…
كنت اتخذت مع الرسول سبيلا
فقلت كأني حاضر أخاطبه:
إن كنت في عشق النسيم متيماً
…
وزعمت أن هواه ليس بمتلف
فأنا أقول لمن تحرش بالهوى
…
عرضت نفسك للبلا فاستهدف
وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر فيمن اسمه نسيم:
يا من غدا لي من عوا
…
صف هجره الريح العقيم
أترى يطيب لي الهوى
…
ويقال لي رق النسيم
فقلت له مجاوباً:
بالله إن رق النسيم وأخمدت
…
نار تؤجهها يد التبريح
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
…
ودع العذول وقوله في الريح
قلت: وعلى ذطكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة رسالته المذكورة في ليلة من جمادى ذات أندية ذكرت ما قاله الشيخ المحدث الرحلة فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس رحمه الله تعالى قال: كان القاضي فخر الدين بن نعمان والقاضبي تاج الدين أحمد بن الأثير (توفي تاج الدين سنة سبكعين وستمائة) صحبة السلطان على تل العجول ولفخر الدين مملوك اسمه الطنبا فاتفق أنه دعى لمملوكه المذكور بالطنبا، فقال له نعم ولم يأته وتكرر طلبه وهو يقول نعم ولم يأته، وكانت ليلة مظلمة مطيرة فأخرج فخر الدين راسه من الخيمة وقال تقول نعم ولم أرك فقال تاج الدين:
في ليلة من جمادى ذات اندية
…
لا يبصر الكلب في أرجائها الطنبا
وقال بعض العشاق: ألا يا نسيم الريح مالك كلما
…
تدانيت منا زاد نشرك طيبا
أظن سليمى خبرت بسقامنا
…
فاعطتك رياها فحييت طبيبا
وكان أبو الفرج الوأواء محمد بن أحمد الدمشقي من حسنات الشام وصناعة الكلام وكان مبدأه منادياً بدار البطبيخ بدمشق قال: قال ابن خلدون كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من أموره فقال: مرة يا أبا عبد الله لما دخلت البارحة إلى منزلي استقبلتني جارية من جواري فلم أتمالك دون أن قبلتها فوجدت بين شفتيها هوى لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان ذلك مما يستملح ويستظرف من الفتح بن خاقان فسمع الوأواء ذلك فقال:
سقى الله ليلاً طاب إذ زاد طرفه
…
فأفنيته حتى الصباح عناقا
بطيب نسيم منه يستجلب الكرى
…
فلو رقد المخمور فيه أفاقا
وقال علاء الدين الجويني صاحب الديوان دوبيت:
لله مبيتنا بضوء القمر
…
والحب نديمنا وصوت الوتر
قد فرق بيننا نسيم سحراً
…
ما أبرد ما جاء نسيم السحر
وما ألطف ما قال سيدي تقي الدين بن حجة أبقاه الله تعالى من موشحة امتدح بها سيدنا ومولانا الإمام العلامة المفنن قاضي القضاة أبي الحسن علاء الدين الشهير بالقصا الحاكم بمدينة حماة المحروسة اسبغ عليه ظلاله مضمناً:
بالله يا برق إن أومضت في الثغر
…
وحارس اللحظ في شك من الخبر
قف بالثنيات واذكرني إذا عذبت
…
مسهلات عذيب الثغر في السحر
وأرسل عليل النسيم خلفي
…
معرفاً بالشذا ومشفى