المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

لو أنهم تركوه يبقى سالماً

ملأ البلاد أرذالاً من نسله

وقال بعضهم واصاب:

إن عاينت عيناك ظبياً سانحاً

مع خادم يرعاه وهو شرود

فاقنصه لطفاً بالزمام ولا تخف

منه نفوراً فالزمام يقود

نادرة: قيل أن بعض أولاد الملوك كان يعشق خادماً يسمى ديناراً وكان من أوحش ما يبكون فاتفق أن أجري عند ذكر مغن جميل، فقال بلغني أن فلسه أسود، فقال له بعض الحاضرين والله يا مولانا فلسه خير من دينارك فأخجله.

ناردة قيل أن بعض الرؤساء كان له خادم وعبد فدخل يوماً وجد العبد فوق الخادم فضربه وخرج فرأى بعض أصدقائه فسأله عن عيظه، فقال هذا العبد النجس فعل بالخويدم الصغير فقال له مولانا السيد الكبير فخجل منه وأخرجها من مجانه.

وما أظرف من قال موالياً:

ستي الكبيرة لها الخدام والحشمة

تحلف على النيك بالمصحف وبالختمة

جاها الطواشي أفحشت لو نال من كلمة

راحت يمين القواقية على قرمة وقال ابن إبراهيم المعمار:

وإن من الخدام من ليس يرتجى

مكارمه فالبعد منهم غنائم

فلا تك ممن يتهمهم لحشمة

فليس لهم بين الرجال محاشم

أهدى بعض عمال مروان بن محمد الجعدي الأموي لمروان عبداً أسود فقال لكاتبه عبد الحميد اكتب إلى هذا العامل كتاباً مختصراً وذمه على ما فعل، فكتب إليه لو وجدت لوناً أشر من السواد وعدد أقل من الواحد لأهديته والسلام.

ومن أحسن ما ورد في ذم السواد لا يحرم فيه محرم ولا يكفن فيه ولا تجلى فيه عروس.

وما أظرف قول الشيخ جمال الدين بن نباتة:

كان لي عبد يسمى فرجا

نصب الغير عليه الشبكا

فأنا الآن كما تبصرني

ليس عندي فرج إلا البكا

القول في الدهليز بكسر الدار فارسي معرب، والجمع الدهاليز وهو بين الباب والدار وأحسن ما فيه:

ودهليز دار فيه للعين بهجة

وللنفس فيه لذاذة أوطار

إذا داخل لم يعتبر ما وراءه

توهمه من حسنه أنه الدار

وقال يحيى بن خالد ينبغي للإنسان أن يتأنق في دهليزه لأنه وجه الدار ومنزل الضيف وجلس الصديق حتى يؤذن له وموضع المعلم ومقيل الخدام ومنتهى حد المستأذن.

وقال بعضهم: إذا كمل للإنسان في داره حسن ثلاثة مواضع لم يبال بما فاته وذكر من جملتها الدهليز.

وللشيخ برهان الدين القيراطي فيه:

أكرم بدهليز سما

فإذا الكواكب من رفاقه

دهليز مولى سعده

ما زال يخدم في وطاقه

قلت: من كان له عبد واسمع سعد ففي غاية الحسن.

وقال الشيخ شهاب الدين ابن أبي حجلة بيتين وفيهما ما فيهما:

دار ببدرا الدين أشرق نورها

فبياضها من نوره مجبول

دهليزها حلو البنا يبدو لنا

طعمية في بابه ودخول

‌الباب السابع

في البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

البركة هي الموضوع المبني لاجتماع الماء ويسمى أيضاً الصهريج بكسر الصاد وهو اسم مشتق من الصهروح الذي تبنى به، والصهروج الكاس نفسه يقال: بركة مصهرجة إذا كانت مبنية بالصهروج، وقال الجوهري البركة كالحوض والجمع برك ويقال سميت بذلك لإقامة الماء فيها.

حكى الأدييب أبو الربيع سليمان بن إسماعيل بن أبي الليث المسيحي قال جمعنا مجلس أنس مع الأديب أبي إسحاق إبراهيم بن أبي الثناء المسيحي بالفيوم وكنا في بستان فيه بركة عليه فوارة من الماء فتجاذبنا أهداب وصفها فقال أبو إسحاق:

بركة يصعد الأنابيب منها

يقعد الماء فوقها ويقوم

فلدا أطلعت فواقع تبدوا

كالقوارير من زجاج تعوم

وكأن السماء صفحتها الزر

قاء والياسمين فيها نجوم

قال وقلت أنا:

وبركة تذهل العقول لها

تحار في حسن وصفها الفكر

كأنها مقلة محدقة

عبرا من الوجد نالها السهر

تبكي وما فارقت لها وطناً

يوماً ولا فات أهلها وطر

تخال أنبوبها لصحته

والماء يعلو به وينحدر

كصولجان فضة سبكت

فواقع الماء تحتها أكر

قال الشيخ صفي الدين الحلبي (وتوفي سنة خمسين وسبعمائة) :

والريح تجري رخاء فوق بحرتها

وماؤها مطلق في زي مأسور

ص: 14

قد جمعت جمع تصحيح جوانبها

والماء يجمع فيها جمع تكسير

ولقد أجاد ابن طباطبا في قوله (ومولده سنة ست وثمانين ومائتين ووفاته سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة) :

كم ليلة ساهرت أنجمها التي

عرصات أرض ماؤها كسمائها

قد سيرت فيها النجوم كأنما

فلك السماء يدور في ارجائها

أحسن بها بحراً إذا التبس الدجى

كانت نجوم الليل في حصبائها

ترنو إلى الجوزاء وهي عريقة

تبغي النجاة ولات حين نجاتها

تطفو وترسب في اصطفاق مياهها

لا مستعان لها سوى أنمائها

والبدر يخفق وسطها فكأنه

قلب لها قد ربع في أحشائها

ولا مزيد من الحسن على قول عبد الجبار بن حمد يس الصقلي يصف دوحة وأسوداً ترى بالماء (توفي المذكور سنة تسع وعشرين وخمسمائة) :

وضواغم سكنت عرين رياسة

تركت خرير الماء فيه زئيرا

فكأنما غشى النضار جسومها

وأذاب في أفواهها البلورا

أسد كأن سكونها متحرك

في النفس لوجدت هناك مثيرا

وتذكرت قناتها فكأنما أقعت على أذنابها للشورى

وتخالها والشمس تجلو لونها

ناراً وألسنها اللواحس نورا

فكأنما سلت سيوف جداول

ذابت بلا نار فعدن غديرا

وكأنما نسج النسيم لمائه

ردعا فقدر سرده تقديرا

وبديعة الثمرات تعبر نحوها

عيناك بحر عجائب مسجورا

شجرية ذهبية شرعت إلى

شجر يؤثر في النهي تأثيرا

قد صولحت أغصانها فكأنما

قبضت بهن من الفضاء طيورا

وكأنما يأتي لوقع طيرها

أن تستقل بنهضها وتطيرا

من كل ووقفة ترى منقارها

ماء كسلسال اللجين نميرا

خرس يقلن من الفصاح فإن شدت

جعلت تغرد بالمياه صفيرا

وكأنما في كل غصن فضة

لانت فأرسل خيطها مجرورا

وتريك في الصهريج موقع قطرها

فوق الزبرجد لؤلؤاً منثورا

وقال القاضي شهاب الدين بن فضل الله (مولده سنة سبعمائة، ووفاته سنة تسع وأربعين وسبعمائة) في ترجمة مجير الدين بن تميم (ووفاته سنة إحدى وثمانين وستمائة) وحكى: أنه جلس على بحيرة أشرقت سماؤها وطاف بكعبة المجلس ماؤها والشمس قد توسطت الظهيرة وأرخت ذوائب أشعتها الظفيرة واللجة قد نصبت في كل ناحية حباله وتناومت عينها فما رأت من الشيء إلا خياله والماء قد لبس من شعاع الشمس الغلاة وغابت سباع البركة فلعبت الغزالة فقال:

ولما احتمت منا الغزالة بالسما

وعز على قناصها أن ينالها

نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة

عليها فلم نقدر فصدنا خيالها

وذكر هذه الترجمة في كتابه مسالك الأمصار من كلام علي بن طافر العسقلاني قال: جلسنا على بركى ألقى عليها ورد أحمر ملأبكثرة نجومهع فسحة سمائها وصبغ بحمرة شعاعه صفحة مائها وأهدى زمردة إلى مقلتها الزرقاء فصح سرورنا بدائها.

وقال المذكور في كتابه بدائع البداية أخبرني القاضي الأعز بن المؤيد رحمهما الله تعالى قال اجتمعت مع جماعة من أدباء الاسكندرية في بستان لبعض أهلها فحللنا روضاً تثنت قامات أشجاره وتغنت قيان أطياره وبين أيدينا بركة ماء كجو سماء فنثر عليه بعض الحاضرين ياسميناً زان سمائها بزواهر منيرة وأهدى إلى لجتها جواهر نثيرة فتعاطينا القول في تشبيهه وأطرق كل منا لتحريك خاطره وتنبيهه ثم أظهرنا ما حررنا ونشرنا ما حبرنا فأنشد عباس بن ظريف:

نثر الياسمين لما جنوه

عبثاً فاستقر فوق الماء

فحسبنا زهر الكواكب تحكي

زهر الأرض في أديم السماء

قال والذي صنعته أنا:

نثروا الياسمين في صفحة الماء

فخلنا النجوم وسط الماء

فكأن السماء في باطن الأر

ض أو الدر طف فوق الماء

وقال مجير الدين بن تميم في مليح يشرب من بركة:

أقدي الذي أهوى بفيه شارباًَ

من بركة رقت وطابت مشرعا

أبدت لعيني وجهه وخياله

فأرتني القمرين في وقت معا

نادرة:

ص: 15

اكترى نحوي حمالاً ليحمل له زيراً فلما وصل إلى البيت وفيه بركة قال له النحوي اقفزن، فقفز فوقع فانكسر الزير، فقال ما هذا؟ قال جانب البركة ساكن والنون في اقفزن ساكنة فتحرك الزير بينهما بالكسر، فقال أحسنت ما أنت إلا عالم بيض الله وجهك.

وقال الشريف العقيلي:

وبركة قد افادنا عجباً

ما ماج من مائها وما انسكبا

من حول فوارة مركبة

قد انحنى ظهر مائها تعبا

وقال شمس الدين الطيب أحمد بن أبي المحاسن (مولده ببخارى سنة تسع وأربعين وستمائة ووفاته سنة سبع عشرة وسبعمائة بطرابلس) :

النهر وافى شاهراً سيفه

ولمعه يختلس الأعينا

فماجت البركة من خوفه

وارتعدت وادرعت جوشنا

وقال مجير الدين ابن تميم مضمناً:

لو كنت إذ أبصرتها فوارة

للشمس من أمواجها لألاء

رأيت أعجب ما يرى من بركة

سال النضار بها وقام الماء

وله مضمناً:

لقد نزهت عيني أنابيب بركة

تقابلني أمواجها بالعجائب

أنابيب زادت في علو كأنما

تحاول ثأراً عند بعض الكواكب

وله:

يا حسن نوفرة بدت في بركة

أبداً يفيض الماء فيها ديدنا

ما إن بدت إلا وظللت مفكراً

في قدنوفر راح ينبت سوسنا

وقال الوجيه المناوي:

فوارة تشبه في شكلها

سبيكة من فضة خالصه

تلهيك بالحسن فقد أصبحت

جارية ملهية راقصة

وقد عكس بعضهم هذا فقال:

وقينة ملهية قد غدت

تستوقف السامع والرائي

جارية راقصة أشبهت

في وصفها فوارة الماء

وقال ابن حجاج (توفي سنة إحدىوتسعين وثلاثمائة) :

صنعت في دارك فوارة

أغرقت في الرض بها الأنجما

فاض على نجم السهى ماؤها

فأصبحت أرضت تسقي السما

وقال ابن تميم في بركة بشاذروان:

ألا رب يوم قد تقضي ببركة

اقمت بها فيما جرى متحيرا

بعيني رأيت الماء فيها وقد جرى

على رأسه من ساهق فتكسرا

وقال الشيخ برهان الدين القيراطي:

مذهب شاذرواننا ال?

?عالي المقام والرتب

نال الغنى الماء به

حين مشى على الذهب

وقال فيه:

لحسن شاذرواننا

كل القلوب تعشق

من أجل ذا الماء له

قلب به معلق

ومن كملام سيدي تقي الدين أبي بكر بن حجة في الفوارة كأنها سنان تطعن في صدر الظما، أو شجرة كدنا أنها طوبى لما ظهرت وأصلها ثابت وفرعها في السما، أو معترف بندا الماء وقد أفاض عليه عطاياه فيضا فرفع له لأجل ذلك فوق قناته راية بيضاء، أو عمود وفاء أشارت الناسي إليه بالأصابع أو ملك طالب السماء بودائع حتى قلنا إن إكليل الجوزاء له من جملة الودائع، أو أبيض طائراً علا حتى قلنا أنه يلتقط حباب النجوم الثواقب، أو شجاع ذو همة عالية تحاول ثأراً عند بعض الكواكب.

وقال شهاب الدين بن أبي حجلة:

وشاذروان ماء بات يجري

كعين الصب روع يوم بين

إذا ما قيل جد بالماء سريعا

يقول نعم على رأسي وعيني

وقال شيخنا الشيخ زين الدين بن العجمي (توفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة) :

تسلسل مائي وهو لا شك مطلق

وصح حقيقاحين قالوا تكسرا

وفي قلب مائي للقلوب مسرة

وقالوا سيجري بالهنا وكذا جرا

قلت: وقد تصرفت الفضلاء متأخر والعصر في هذه اللفظة أعنى وكذا جرى تصرفات حسنة فمنهم القاضي صلاح الدين الصفدي فقال:

أملت أن تتعطفوا بوصالكم

فرأيت من هجرانكم ما لا يرى

وعلمت يوم فراقكم لا بد أن

يجري له دمعي دماً كذا جرى

ومنهم الشيخ عز الدين الموصلي فقال:

رب نسيم قد سرى

يحدو سحابا ممطرا

أذياله بليلة

تخبرنا بما جرى

وقال أيضاً:

حديث عذار الحب في خده جرى

كمسك على الورد الجنى تسطرا

فقبلته حتى محوت رسومه

كأن لم يكن ذاك الحديث ولا جرى

وقال الشيخ برهان الدين القيراطي:

لم يبك حين بكيت من

هجرانه متحسرا

لكن حكى لك خده ال?

?مصقول صورة ما جرى

وقال:

كابرت عدل صبوتي

في الدمع حين تحدرا

قالوا بكيت صبابة

فأجبت هذا ما جرى

ص: 16

وأنشدني سيدي وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة ابقاه الله تعالى لبعض المغاربة:

وتحدث الماء الزلال مع الحصا

فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى

فكأن فوق الماء شيئاً ظاهراً

وكأن تحت الماء داراً مضمرا

رجوع إلى ما كنا فيه قال ابن الظافر العسقلاني في كتابه بدائع البدائه: مررنا في بعض العشايا على بعض البساتين المجاورة لنهر النيل فرأينا بئراً عليها دولابان متحاذيان قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس ولعبت بقلوب ناظريهما لعب الأماني بالمفاليس وهما يئنان أنين أهل الشواق ويفيضان دمعاً أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للأعين زبرجده والأصيل قد راق حسنه فنثر عليه عسجده والزهر قد نظم جواهره في أجياد الغصون والسواقي قد أدلت من سلاسل فضتها كل مصون، والنبت قد اخضر شاربه وعارضه وطرف النسيم قد ركضه في ميادين الزهر راكضة ورضاب الماء قد قد علاه في الظل ألمى وحيات المجاري حائرة تخاف أن يدركها من زمرد البنان العمى، والبحر قد صقل صقيل النسيم درعه وزعفران العشي قد ألقي في ذيل السماء ردعه فاستحوذ علينا ذلك الموضع استحواذاً وملأ أبصارنا وقلوبنا التذاذاً وملنا إلى الدولابين شاكين أرمزا حين شجت قيان الطير بألحانها أم شدت على عيدانها أم ذكرا أيام نعما وطابا وكانا أغصاناً رطابا فنفيا لذيذ الهجوع ورجعا النوع وأفاضا الدموع طلباً للرجوع.

وقال مجير الدين بن تميم مضمناً:

ودولاب روض كان من قبل أغصنا

تميس فلما فرقتها يد الدهر

تذكر عهداً بالرياض فكله

عيون على ايام عهد الصبا تجري

وقال:

تأمل تر الدولاب والنهر إذ جريا

ودمعهما بين الرياض غزير

كأن النسيم الرطب قد ضاع منهمافأصبح ذا يجري وذاك يدور

وقال بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي (توفي سنة ثمانين وستمائة) :

وروضة دولابها

إلى الغصون قد شكا

في حين ضاع زهرها

دار عليه وبكى

واستعمل هذا المعنى صلاح الدين الصفدي في غير الدولاب فقال:

أضحى يقول عذاره

هل فيكم لي عاذر

الورد ضاع نجده

وأنا عليه دائر

وقال الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة:

أعجب لها ناعورة وقلبها

للماء منشي العيش والعشب

تعبانة الجسم لكنها

كما ترى طيبة القلب

وقال سعد الدين بن عربي (ومولده سنة ست وخمسين وخمسمائة، ووفاته سنة اثنتين وستمائة) :

شاهدت دولاباً له أدمع

تكلفت للروض بالريّ

فأعجب له من فلك دائر

ما فيه برج غير ماءي

ولآخر:

ابدى لنا الدولاب قولاً معجبا

لما رآنا قادمين إليه

إني من العجب العجيب كما ترى

قلبي معي وأنا أدور عليه

قال أبو حنيفة الدينوري الدولاب بضم الدال وفتحها كذا سمعته من فصحاء العرب.

ولآخر:

لله أزهار دوح بات يضحكها

صوت الغمام بدمع منه منسفك

حكت نجوم السما أزهارها فكاذ

أضحى يدور بها الدولاب كالفلك

وقال ابن نباتة:

وناعورة قالت وقد ضاع قلبها

وأضلعها كادت تعد من المسقم

أدور على قلبي فإني فقدته

وأما دموعي فهي تجري على جسمي

ولآخر:

وذات شجو أسالت

مدامعاً لم تصنها

تبكي بفرط دموع

وتضحك الروض منها

ولآخر:

أشبه ما بين القواديس صوتها

ومن كل وجه ماؤها يتحدر

بأرملة ضمت إليها بناتها

تنوح بشجو المدامع تقطر

ولآخر:

وناعورة قد ضاعفت بنواحها

نواحي وأجرت مقلتاي دموعها

وقد ضعفت مما تانَّ فقد غدت

من الضعف والشكوى تعد ضلوعها

سأل الشيخ نجم الدين القحقيري جماعة من الطلبة المشتغلة عليه عن قول الشاعر (ومولده سنة ثمان وستين وستمائة، ووفاته سنة أربع وأربعين وسبعمائة) :

يأيها الحبر الذي

علم العروض به امتزج

ابن لنا دايرة

فيها بسيط وهزج

ففكر بعض الطلبة ساعة طويلة ثم قال هذا في الساقية لأنه أراد بالبسيط الماء والهزج صوت الساقية حال دورانها، فقال له الشيخ: ألا إنك درت فيها زماناً حتى ظهرت لك وهذا الكلام في غاية الطرافة من الشيخ رحمه الله تعالى وقال ابن تميم:

ص: 17

وناعورة قد ألبستها حبالها

من الشمس ثوباًَ فورق أوراقها الخضر

كطاوس بستان يدور وينجلي

وينفض عن أرياشه بلل القطر

وله:

ايدت لنا بالعذر ناعورة

أدمعها في غاية السكب

تقول لما غاب قلبي

وقد ضعفت بالنوح وبالندب

صيرت جسمي كله أعينا

تدور في الماء على قلبي

وقال الشيخ زين الدين بن الوردي:

ناعورة مذعورة

للبين ثكلى حائرة

الماء فوق كتفها

وهي عليه دائرة

وله:

حالة الدولاب دلت

أنه في فرط حزن

كان يسقي ويغني

صار يسقى ويغني

وقال مؤلف الكتاب في مرثيته التي رثى بها دمشق وغيرها عند حلول الواقعة المشهورة من التتار:

أعروسنا لك أسوة بحماتنا

في ذا المصاب فأنتما أختان

غابت بدور الحسن عن هالالتها

فاستبدلت من عزها بهوان

ناحت نواعير الرياض لفقدهم

فكأنها الأفلاك في الدوران

وقال ابن تميم:

أيا حسنها من روضة ضاع نشرها

فنادت عليه من الرياض طيور

ودولابها كادت تذوب ضلوعه

لكثرة ما يبكي بها ويدور

وقال جمال الدين بن نباتة:

وناعورة قسمت حسنها

على واصف وعلى سامع

وقد ضاع نشر الربا فاغتدت

تدور وتبكي على الضائع

وقال مؤلفه ارتجالاً جسيماً اقترح عليه والحالة كذا:

كأن البحر إذ يزهو صفاه

ونور البدر يشرق والسواقي

دموعي ثم وجهك يا حبيبي

وقلبي إذ شكا ألم الفراق

قلت ومن المداعبات اللطيفة ما كتب به المرحوم القاضي فخر الدين بن مكانس إلى الشيخ بدر الدين البشتكي سلمه الله تعالى (ومولده سنة ثمان وأربعين وسبعمائة) وقد دار قي ساقية الهمائل وهو:

دورة الابدر في سواقي الهمائل

تركت أدمع العيون هوامل

آه من للرياض نور أديب

مظهر من كلامه سحر بابل

فاق سعياً على بني عجل في ال?

?جود وأغنى عن الولي الهاطل

زاد علماً على أبي ثور لكن

قال بالدور ماؤه والسلاسل

قد أعاد الجناس حسن نوار

واتته ثورية فهو كامل

يا سعيد أثرى من النظم والنث?

?ر فأنسى الورى زمان الفاضل

قد سقيت الرياض يا شيخ بالدو

ر فها غصنها من السكر مائل

لم تدع من نباتة لم تجدها

أنها بالثنا عليك تواصل

وابن قادوس كان طالع في خد

متك اليوم بالأوامر نازل

وغدا بالظلال كل أديب

في هجير الرمضاء بفضلك قائل

وبروحي عيون نرجس روض

يغزل الحسن بالندا ويغازل

أنت شنفتها بشعرك زهراً

وبعثت المياه فيها خلاخل

كم غضون أينعتها فعليها

هاج الطير والمحب بلابل

أنت في الحالتين تصريفك الأح?

?رف أو كيمياء ذهنك واصل

أنت لو لم تكن بحار علوم

ما جرت في الرياض منك جداول

كنت عندي أجلى قدراً وقد در

ت في الثور للوجود الحامل

وغدا قس بين لفظك والرو_ض على الحالتين عندك باقل

أنت يا بدر فقت بلدر الدياجي

فلهذا تبدو وذاك آفل

يا خلياً أبثه الشجو إن لم

يك عني كدمع عيني سائل

والأديب المحب يشكو هواه

للأديب المحب عند النوازل

أنا مغرى بحب أحور اللمى

نافثي يزري بغصن الخمائل

من بني الترك قده اللدن واللح?

?ظ كلا الفاتنين أصبح ذابل

أعين الزهر والغصون تراها

شاخصات إذا مشى وموائل

لا تقل بي الأعراب تحكم حسناً

ما ترى للأعراب هذي العوامل

ماس عجباً وقصده يقتل الخل?

?ق دلالاً وللدلال دلائل

لا تلم في عذاره هتك شيبي

أنا قد بعت آجلي بالعاجل

ولعمري أنت الذكي وكلن

أنت والله عن غرامي غافل

ولئن كنت عاقلاً إنني من

صبوتي في الهوى عن العقل عاقل

هاك حالي شرحته فاغنني

إن تكن يا أخي لهمي حامل

وأطرح غتبها فعيش المحبي?

?ين محبون والعيش كالظل زائل

دمت يا جامع المحاسن والشم?

?ل ولا زال غيث فضلك شامل

ص: 18