المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم - مطالع البدور ومنازل السرور

[الغزولي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي تخير المكان المتخذ للبنيان

- ‌الباب الثانيفي أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

- ‌الباب الثالثفي اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

- ‌الباب الرابعفي الباب

- ‌الباب الخامسفي ذم الحجاب

- ‌الباب السادسفي الخادم والدهليز

- ‌الباب السابعفي البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

- ‌الباب الثامنفي الباذهنج وترتيبه

- ‌الباب التاسعفي النسيم ولطافة هبوبه

- ‌الباب العاشرفي الفرش والمساند والأرائك

- ‌الباب الحادي عشرفي الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

- ‌الباب الثاني عشرفي الطيور المسمعة

- ‌الباب الثالث عشرفي الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

- ‌الباب الرابع عشرفي الشمعة والفانوس والسراج

- ‌الباب الخامس عشرفي الخضروات والرياحين

- ‌الباب السادس عشرفي الروضات والبساتين

- ‌الباب السابع عشرفي آنية الراح

- ‌الباب الثامن عشرفيما يستجلب بها الأفراح

- ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

- ‌الباب العشرونفي مسامرة أهل النعيم

- ‌الباب الحادي والعشرونفي الشعراء المجيدين

- ‌الباب الثاني والعشرونفي الحذاق المطربين

- ‌الباب الثالث والعشرونفي الغلمان

- ‌الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل:جائت بوجه كأنه قمر…على قوم كأنه غصن

- ‌الباب الخمس والعشرون في الباءة

- ‌الباب السادس والعشرونفي الحمام وما غزى مغزاه

- ‌الباب السابع والعشرونفي النار والطباخ والقدور

- ‌الباب الثامن والعشرونفي الأسماك واللحوم والجزور

- ‌الباب التاسع والعشرونفيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

- ‌الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

- ‌الباب الحادي والثلاثونفي الوكيرة والأطعمة المشتهاة

- ‌الباب الثاني والثلاثونفي الماء وما جرى مجراه

- ‌الباب الثالث والثلاثونفي المشروب والحلواء

- ‌الباب الرابع والثلاثونفي بيت الخلاء المطلوب

- ‌الباب الخامس والثلاثونفي نبلاء الأطباء

- ‌الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي:ولو علمت فرق الوزارة رتبة…تنال بمجد في الحياة لنالها

- ‌الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلانالفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات

- ‌الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمانذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها

- ‌الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادنقال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء

- ‌الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائنسأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني

- ‌الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعهاقال ابن الخشاب ملغزا فيها:

- ‌الباب الثاني والأربعونفي الخيل والدواب ونفعها

- ‌الباب الثالث والأربعونفي مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

- ‌الباب الرابع والأربعونفي خطائر الوحوش الجليلة المقداد

- ‌الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

- ‌الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

- ‌الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

- ‌الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطانروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته

- ‌الباب التاسع والأربعونفي دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

- ‌الباب الخمسونفي وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

الفصل: ‌الباب التاسع عشرفي الصاحب والنديم

نادرة: دخل رجل على بعض أصحابه يعوده من مرض بالقلب وكان له غلام يدعى ياقوت شديد الافتتان به وكان متهماً به فقال له حاشاك يا سيدنا تشكو وجع القلب ونداك المفرح الياقوتي.

‌الباب التاسع عشر

في الصاحب والنديم

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الإخوان فإن ربكم حي كريم يستحي أن يعذب عبده بين إخوانه" وقال علي رضي الله عنه: أعجز من عجر عن اكتساب الإخوان وأعجز منهم من ضيع ما ظفر به منهم، وقال عمر رضي الله عنه: ثلاث لك الود في صدر أخيك أن تبتدئه بالسلام وأن توسع له للمجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه، وقال الخليل بن أمد: الرجل بلا صديق كاليمن بلا شمال، وقال رجل لابن المقفع أنا بالصديق آنس من الأخ فقل صدق الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب.

إعرابي: المودة بين السلف ميراث بين الخلف.

إعرابي: دع مصارعة أخيك وإن حث التراب في فيك.

اعتذر رجل إلى صاحب من تعذر اللقاء فقل أنت في أوسع عذر عند ثقتي وفي أضيق عذر عن شوقي.

المأمون: الإخوان على ثلاث طبقات: طبقة كالغداء لا يستغنى عنه وطبقة كالدواء لا يحتاج إليه إلا في الأحايين وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجالساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون" وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الغريب من ليس له حبيب، وقال أيضاً، لا تضيعين حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه فإنه ليس بأخ من ضيعت حقه، وقال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه إذا نازعتك نفسك صحبة الرجال فأصحب ن إذا صحبته زانك وإن خدمته صانك وإن نزت بك مؤنة مانك أصحب من إذا مددت يدل بفضل مدها وإن بدت بك ثلمة سدها وإن رأى منك حسنة عدها أصحب من يتناسى معروفه عندك ويتذكر حقوقك عليه.

قال لأبي داود السجستاني صاحب له أستمد من محبرتك قال لا فاحترك الرجل حياء فقال أعلمت أنه من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب بالحشمة الحرمان.

قرع باب بعض السلف صديق له بالليل فنهض إليه وبيد كيس وسيف وهو يسوق جارية له ففتح الباب وقال قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال وعدو فهذا السيف وأيمة فهذه الجارية.

كان علي بن الجهم يمدح أبا تمام ويطيب فيه فقيل له لو كان أخاك ما زدته على هذا المدح فقال إن لم يكن أخا بالنسب فإن أخ بالأدب.

مر بخالد بن صفوان رجلان فعرج إليه أحدهما وطواه الآخر فقال عرج علينا هذا لفضله وطوانا ذاك لبغيه.

الأعمش أدركت أقواماً لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين فإذا لقيه لم يزده على كيف أنت وكيف حالك ولو سأله شطر ماله أعطاه ثم أدركت آخرين لم يلق الرجل منهم أخاه يوماً سأله حتى عن الدجاجة في البيت ولو سأله حبة من ماله منعه.

وأحسن من قال من رضى بصحبة من لا خير فيه لم يرض بصحبة من فيه خير.

كان يقال إن الكيس الذي لا سيكل مناجات الصديق.

الهند من كتم الأحبة نصحه والأطباء عليته والإخوان بثه فقد خان نفسه.

كان الخليل إبراهيم صلوات الله عليه إذا ذكر زلته غشي عليه وسمع اضطرابه من ميل، فقال له جبريل: يا خليل الله الجليل يقرؤك السلام يقول هل رأيت خليلاً يخاف خليله قال يا جبريل كلما ذكرت الزلة نسيت الخلة.

قال العتبي لقاء الإخوان نزهة القلوب، قال سليمان بن وهب غزل المودة أرق من غزل الصبابة والنفس بالصديق آنس منها بالعشق، وقال يونس النحوي يستحسن الصبر عن كل واحد إلا عن الصديق، وقال ابن المعتز إذا قدمت المودة شبهت بالقرابة، وقال عمرو بن العاص: من كثر إخوانه كثر غرماؤه يعني في قضاء الحقوق.

عمرو بن مسعدة العبودية عبودية الإخاء لا عبودية الرق، وكان بعضهم يقول اللهم احرسني من أصدقائي إذا قيل له في ذلك إني أقدر أحترس من أعدائي لا أقدر عل الاحتراس من أصدقائي.

وقال ابن الرومي:

عدوك من صديقك مستفاد

فلا تستكثر أن من الصحاب

فإن الداء أثر ما تراه

يكون من الطعام أو الشراب

ص: 83

واعلم أنه لا يتناهي فيحسدك إلا الأصدقاء والندماء فإنهم متى رأوك بحال وهم بأنقص منه انغرس في قلوبهم حسدك فلو خولتهم أضعاف نعمتك لم يزالوا يحسدونك حتى تفتقر ويستغنون والحسد داء الأبد، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخال" قال معاوية بن قرة نظرت في المودة والإخاء فلم أجد اثبت مودة من ذي أصل.

قال أبو الحسن بن جبير الأندلسي البلنسي:

تغير إخوان هذا الزما

ن فكل خليل عراه الخلل

وكانوا قديماً على صحة

فقد داخلتهم حروف العلل

قضيت التعجب من أمرهم

فصرت أطالع باب البدل

ولله در ناصر الدين بن النقيب:

فأين الصديق الصدوق الذي

مودته من قرى صافيه

ما لي صديق سوى درهمي

ولا لي حبيب سوى العافية

وقال أبو العلاء المعري:

جربت دهري وأهليه فما تركت

لي التجارب في ود أمره غرضا

وقال القاضي ناصح الدين الأرجاي والثاني يقرأ معكوساً وهو غاية:

أحب المرء ظاهره جميل

لصاحبه وباطنه سليم

مودته تدوم لكل هول

وهل كل مودته تدوم

وقال صلاح الدين الصفدي:

عذيري في الليالي من صديق

على مالي وعرضي قد تسلط

تأول إذ تأخر عنه خيري

فهل ألقاه يوماً قد توسط

وقال الشريف العبقيلي وأجاد:

ألذ مودات الرجال مذاقة

مودة من أن ضيق الدهر وسعا

فلا يلبس الود الذي هو سادجا

إذ لم يكن بالمكرمات مرصعا

وقال مخارق أنشدت المأمون قول أبي العتاهية (مولد أبي العتاهية سنة ثلاثية ومائة وتوفي سنة إحدى عشر ومائتين) :

وإني لمحتاج إلى أظل صاحب

يروق ويصفو إن كدرت عليه

قال لي أعد فأعدت سبع مرات فقال لي يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب الله در أبي العتاهية ما أحسن ما قال.

وأحسن من قال:

بروحي من صاحبته فوجدته

أرق من الشكوى وأصفى من الدمع

يوافقني في الهزل والجد طائعاً

فينظر من عيني ويسمع من سمعي

وقال الجاحظ كان أبو داؤد إذ رأى صديقه مع عدوه قلا صديقه وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال ابن عائشة قال هشام بن عد الملك ما بقي على شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته وما اشتهى إلا شيئاً واحداً أخا أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: صحبة العاقل في المفاوز والأسفار خير من صحبة الجاهل بين الرياض والأنهار.

ولله در القاضي الفاضل.

وما برح الإخوان إخوان الزمان فإذا أحسن كانوا من التابعين له بإحسان وإذ أساء كانوا من المهاجرين ولا من الهجرة ولكن من الهجران.

وقال جعفر بن محمد لولده: يا بني من غضب عليك من أخواتك ثلاث مرات ولم يقل فيك سوءاً فاتخذه خليلاً.

ويجب على الصديق إذا رأى صديقه معسراً وهو موسر أن يواسيه ببعض ماله، فقد حكى عن بعض الحكماء أه رأى رجلين لا يفترقان فسأل عنهما فقيل هما صديقان فقال ما هما بصديقين لأني أرى أحدهما موسراً والآخر معسراً ول كانا صديقين لتواسيا، وقال المأمون لندمائه: أفيكم من يقدر يدخل يده في كم صديقه فيأخذ منه نفقة يومه فقالوا لا فقال ما أنتم بأصدقاء والصديق الصديق معدوم وأما من تصادقه مجاز فيمثل بقول القائل: ?أرض من المرء في مودته

بما يؤدي إليك ظاهره

من يكشف الناس لا يجد أحداً

تصح منهم له سرائره

الهند غياك والاغترار بمصادقة العدو ما أوجبها إلا أمر وعلة فمع ذهاب العلة رجوع العداوة كالماء يسخن فإذا رفع عن النار عاد براردا وصفة الصديق أن يعادي من تعاديه ويهوى من تهوى وقال بعض الحكماء صديق عدوى عدوى، وقال الشاعر:

تود عدوى ثم تزعم أنني

صديقك إن الرأي منك لعازب

إذا نحن أظهرنا لقوم عداوة

ولان لهم منكم جناح وجانب

فلا أنتم منا ولا نحن منكم

إذا أنتم سالمتم من نحارب

وليس أخي من ودني رأى تعينه

ولكن أخي من ودني وهو غائب

ص: 84

واعلم أن الخصال المحمودة والكمال لا يوجدان في شخص أبداً ولا بد من عيب يشوبه فإن اخترت صديقً ورضيته وكاشفته فبدت منه هفوة أو زلة فاغفرها فالسيف ينبو والجواد يكبو وإذا صفى الصديق فلا تناقشه في دينه ولا مذهبه فإن ذاك يوجب القطيعة والعداوة وأجرا معه في هواه من دينه إذا جرى هو في هواك من صداقتك.

قال أبو العلاء المعري رحمه الله تعالى:

إذا ما الخل أصفاني ودادا

فسقيا في الحياة له ورعيا

ليقرأ إن أراد كتاب موسى

ويقرأ إن أراد شعيا واصلح ما صادقت حكيما أو أديبا عاقلاً عالماً فإن عداوة هذا خير من صداقة الجاهل قال بعض الحكماء: الجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديق غيره ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه.

ومتي تغير الصديق عليك فاستيقظ ذلك بقريحة حسن منك كما قال الشاعر:

وإذا استعجمت مودة خل

فاعتبرها من أعين الغلمان

إن عين الغلام تنبيك عما

في ضمير المولى من الكتمان

القول على النديم: النديم فعيل بمعنى مفاعل منادم والندمان وأكثر منادمة وملازمة من النديم لأن زيادة اللفظ توجب زيادة المعنى، ويقل رجل رحيم ولا يقال رحمان لأنه ثناء المبالغة وفي الدعاء يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن رحمته في الدنيا عمت الكافر والمؤمن والفاسق والناسك ففي الآخرة يخص برحمته المؤمنين والمسلمين دونهم واشتقاق اسم النديم من المنادمة كأنه يندم على مفارقته لوجود الراحة به والأنس إليه، وينبغي له أن يكون حسن المبرة نبيل الهمة مستوى الذيول وأطراف الأكمام نظيف المخفى من الملبس كالقلنسوة والسراويل والتكة والجورب ومنديل الكم، فإذا كملت لفيه هذه الخصال كان محبوباً إلى القلوب سهلا على الأرواح، وإذا لم يكمل كان بالضد ومستثقلاً معيباً في العيون بغيضاً على القلوب كما قيل في أبي يعلى الكاتب القرشي:

نعمة الله لا تعاب ولكن

ربما استثقلت على أقوامي

لا يليق الغناء بوجه أبي يعلى

ولا نور بهجة الإسلام

دنس الثوب والعمامة والبرذو

ن والنقل والقفا والغلام

وينبغي له إذا جلس للشراب مع الملك أن يجلس في المرتبة التي لا يتجاوزها إلى ما هو أعلى منها عنده ولا يحط نفسه عنها ولا يكثر الاتكاء بين يديه وليكن منتصب الجلوس خفيف الوطأة إن قام قام لقيامه وليحذر التبسيط والتمديد والتمطي والتثاؤب التنخع والبصاق وتفريك اليدين وفرقعة الأصابع واللعب بالخاتم والعبث باللحية والعمامة ولا يكون من شأنه التعزية والتهنئة ولا التشميت عند العطسة ولا أسرع بالتحية ولا العبث بالفاكهة والرياحين والأزهار ولا التناول وللشمامات ولا الإكثار من التنقل بعد الشراب ولا يرمي ثفل ما يمتصه بحيث يرى ولا يعض الفاكهة نهشاً بل يقطع منها حاجته بالسكين قطعاً ولا يكثر شم الريحان ولا إدارة اليد فيه لا يقطع رؤوسه ولا ينفضه عند أخذه ولا يفركه فيزول عقله وليصب لنفسه ما يعلم أنه يقوم به ولا يرفع القدح قبل الملك ولا يصب فيه نبيذاً من قبل صبه أو معه ولا يقترح صوتاً ولا يظهر الطرب وزلا يوقع على تلحين ولا يبد منه هزل وإن ناوله الساقي قدحاً أخذه بلا ازدياد ولا نقصان ولا مماسكة ولا مماراة فإذا أحسن بنفسه سكر أسرع القيام والانصراف وهو يملك نفسه ولا يلمس كف الغلام عن مناولة كأس ولا يكثر ملاحظته عند معاطاته الراح ولا يشير إليه ولا يغمزه ويستحب منه أن يكون مفنناً فيجري مجرى إبان اللاحقى بما وصف نفسه للفضل بن يحيى البرمكي وذلك أنه ورد إلى بابه ليعرض نفسه وأجبه عليه فأتى إلى محمد بن زيدان الثقفي فقال له: إن رأيت أصلحك الله أن تعرض قصتي على الأمير فقل وما فيها قال أعرض نفسي وأدبي عليه فقال وما فيها فقال له: أعرض نفسي وأدبي عليه فقال فهل لك فيمن دون الأمير ليشاطرك الضياع والأموال والرقيق ما خلا الأهل والوالد قد نازعتني نفسي إلى شيء لا بد لي من أن أعطيا شهوتها منه فأخذ قصته فأدخلها إلى الفضل بن يحيى فإذا فيها:

أما من بغية الأمير وكنز

من كنوز الأمير ذو أرباح

كاتب حاسب أديب خطيب

ناصح زائد على النصاح

شاعر مفلق أخف من الري

شة مما يكون تحت الجناح

لي في النحو فطنة واتقاد

أنا فيه قلادة بوشاح

ص: 85

لو رمى بي الأمير أصلحه الل

هـ رماحاً حطمت سمر الرماح

غير ما عاجز ولا مسكين

طوع أمر الأمير آسي الجراح

لست بالضخم يا أمير ولا القز

م ولا المدحرج الدحراج

لحية سبطة ووجه مليح

واتقاد كشعلة المصباح

وكثير الحديث من ملح النا

س بصير بخافيات ملاح

كم وكم قد خبأت عندي حديثاً

هو عند أمير كالتفاح

فبمثلي تخلو الملوك وتلهو

وما حي للمشكل القداح

ايمن الناس طائراً يوم صيد

في غد وغدوة أو رواح

أعلم الناس بالجوارح والخي

ل وبالخرد والحسان الملاح

كل هذا جمعت والحمد لل

هـ على أنني ظريف المزاح

لست بالناسك المسمر كمي

هـ ولا الفاتك الخليع الوقاح

لو دعاني الأمير عاين مني

سمر كالبلبل الصياح

قال: فدعي به لما دخل أتي كتاب من أرمينية فرماه إليه وقال له أجب عنه فأجاب من ساعته في عرصته فأمر له بمائة ألف درهم وكان أول داخل وآخر خارج إذا ركب في الموكب فركابه مع ركاب الفضل.

ومن صفات النديم ألا يكون لجوجاً ولا حسوداً ولا ممارياً ولا طماح العي ولا طايش اللب ويكون حمولاً موافقاً لك في عملك ومذهبك ودينك كتوماً للسر ويكن أدبياً عاقاً أو حكيماً فاضلاً ليس على طبيعتكما منافرة ولا عرضية بشر إذا حدثته وبشر إذا حدثك كلما ازداده سكره ازداد تواضعه لك ومودته وفضله فالخمرة تحرك ما يوجد من عقل وجهل وتبرزه في الإنسان من القوة إلى الفعل وهي محك العقول.

صافح أبو العميثل عبد الله بن ظاهر عند قدومه من سفره فقبل يده فقال عبد الله خدش شاربك كفي فال شوك القنفذ لا يضر بتربن الأسد فتبسم عبد الله وقال كيف كنت بعدي قال إليك مشتاقاً وعلى الزمان عاتبا ومن الناس مستوحشاً، أما الشوق إليك فلفضلك وأما العتب على الزمان فلمنه منك وأما الاستيحاش من الناس فلرضاهم بعدك فاحتبسه فلما حضر الشراب سقاه بيده فقال:

نادمت حرا كأن البدر غرته

معظماً سيداً قد أحرز المهلا

فعلني برحيق الراح راحته

فمت سكرا فشكراً للذي فعلا

بيننا أبو العباس السفاح يحدث أبا بكر الهذلي فعصف الريح فأذرت طستا من سطح إلى المجلس فارتاع من حضر ولم يتحرك الهذلي ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح فقال ما أعجب شأنك يا هذلي فقال: إن الله تعالى يقول: "يوجد آية" وإنما لي قلب واحد فلما غمره السرور بقائده أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال فلو انقلبت الخضراء على البيضاء ما أحسست بها ولا وحمت لها فقال السفاح لئن بقيت لأرفعن ضبعاً لا يطوف به السماع ولا ينحط عليه العقيان.

ومن الآداب اللطيفة ما يحكى عن إبراهيم بن المهدي قال: كنت عند الرشيد فأتاه رسول معه أطباق عليها مناديل ورقعة فأخذ يقرأ الرقعة ويقول وصله الله وبره فقلت يا أمير المؤمنين من هذا الذي أطنبت في شكره لنشركك في جميل ذكره فقال: عبد الملك بن صالح ثم كشف عن الأطباق فإذا هي فواكه فلت يا أمير المؤمنين ما يستحق هذا الوصف إلا أن يكون في الرقعة ما لا نعلمه فرمى بها إلى فإذا فيها دخلت يا أمير للمؤمنين إلى بستان لي قد غمرته بنعمتك وقد أينعت فواكهه فحملتها في أطباق قضبان ووجهت بها إلى أمير المؤمنين ليصل إلى من بركة دعائه مثل ما وصل إلى من نوافل بره فقلت وما في هذا الكلام ما يستحق الدعاء فقال أو ما ترى كنى بالقضبان عن الخيزران وهي اسم أمنا.

وقال الشعبي أخطأت عند عبد الملك بن مروان أربعا هي حدثني بحديث فاستعدته منه فقال أما علمت أنه لا يستعاد أمير المؤمنين وقلت حين أذن لي أنا الشعبي يا أمير المؤمنين وقلت حين أذن لي أنا الشعبي يا أمير المؤمنين فقال ما أدخلناك حتى عرفناك وكنيت عنده رجلاً فقال أما إنه لا يكنى أحد عند أمير المؤمنين وسألته أن يكتبني حديثاً فقال إنا نكتب ولا نكتب.

ولما كان مجلس الشراب مؤهلاً للاستكثار من اللذات والتقلب في المسرات كان الأولى به أن يجمع من الندماء من فيه من الحذاق بالغناء ومن يكون حديثه يطرب سامعيه وملحه أحسن موقعاً من الأغاني المعجبة في قلوب منادميه ما وصفه بعض الشعراء فقال:

حديث يشرب له الغواني

ويأخذ كل سمع باستماعي

ص: 86

فيكون للحديث نوبة ولغناء أخرى، وحكى عن بشار أنه قال لا تجعلوا مجالسكم حديثاً كله ولا غناء كله ولا هزلا كله ولا جداً كله ولكن تنتقلوا فإن العيش خلس.

واعلم أن في النديم والخمر لذات شتى فلذة الخمر زوال الهموم والغموم والأفكار ولذة النديم المحادثة، قال الشاعر:

وما بقيت من اللذات إلا

محادثة الرجال ذوي العقول

وقد كانوا إذا عدوا قليلاً

فقد صاروا أقل من القليل

وأما أوساط الناس فيجب ألا يستكثر من الندماء ويقتصر على القليل فإن الكثير سبب إذهاب المال ووجود العداوة وفقدان المسرة وتعب القلب والحسم ولا يجب أن تصطفي نديماً حتى تغضبه في الصحو فإن وجدته حمولاً مطاوعاً قبولاً لما تأمره بصفيك وداده حاضراًُ وغائباً ومساعداً لك في الشدائد إذا وقعت فيها فاعتمد عليه فقلما تجده إذا النديم، وقد قال الشاعر:

إذا كنت مختاراً لنفسك صاحباً

فمن قبل أن تبدئه بالود أغضبه

فإن كان في حال التعدي راضياً

وإلا فقد جربته فتجنبه

قال بعض الظرفاء شرط المنادمة قلة الخلاف، والمعاملة بالإنصاف والمسامحة بالشراب، والتغافل عن الجواب، وإدمان الرضى، والطراح ما مضى وإسقاط التحيات، واجتنبا افتر اه لأصوات، وأكل ما حضر، وإحضار ما تيسر، وستر العيب.

ولقد أحسن من قال:

لا خير في الشراب إلا من أخاتقة

إن سر غني وإن غنيته طربا

يعطيك صمتاً إذا غنيته وإذا

شربت حي وإن حييته شربا

عف اللسان عفيف الفرج تحمده

في كل حال إذا ثرى وإن تربا

فاشدد يديك عليه وإن ظفرت به

وأكثر مودته لا تكثر الرهبا

كان إبراهيم بن المهدي يقول: لذة لعيش في ثلاث: منادمة الأحباب ومعاقرة الشراب ومذاكرة الآداب، ويروى أن أول من جعل لندمائه أمارة ينصرفون بها من مجلسه إذا أراد ذلك كسرى وهو أنه يمد رجله فيعرفون أنه يريد قيامهم فينصرفون وتبعه الملوك فكان فيروز الأصغر يدلك عينيه وكان بهرام يرفع رأسه السماء وكان في الإسلام معاوية يقول العزة لله وعبد الملك يلقى المروحة من يده، وحدث بهذا الحديث عند بعض البخلاء وسئل ما أمارته فقال: إذا قلت هات الطعام.

والناس يخلفون في الشرب فمنهم من يرى كثرة الندماء ومنهم من يرى الانفراد وممن رأى هذا الرأي جماعة من أهل الأدب قديماً حديثاً ولهم فيه أشعار وأخبار ومنهم من رأى مطالعة الكتب عليها وإعمال الفكرة في تصنيف العلوم والآداب، كما حكى عن الشيخ الرئيس ابن سينا أنه قال: كنت أستعين على مصنفات علومي باستعمال اليسير من الخمر المصلوح من الماء ومنهم الفارابي ودليل ذلك قوله شعرا:

لما رأيت الزمان تنكسا

وليس في العشرة انتفاع

كل رئيس به ملال

وكل رأس به صداع

لزمت بيتي وصنت نفسا

لها عن اللذة امتناع

أشرب مما اقتنيت راحا

لها على راحتي شعاع

لي من قراريرها ندامى

ومن قراقيرها سماع

واجتنى من حديث قوم

قد أقفرت منهم البقاع

قال بعضهم رأيت أعرابياً جالساً بالفلات تحت ظل شجرة ومعه كوة وهو يشرب قدحاًٍ ويصب في أصل الشجرة قدحاً فقلت له ما هذا فقال هو نديم ل يعربد علي يلحقني بظله ويحمل عني كله.

وقال بعضهم دخلت على بعض الرؤساء فلقيته يشرب وبين يديه كلب صيد وهو يشرب قدحاً ويصب قحاً بين يدي الكلب ومهما أكل طعاماً أو نقلاً رمى إلى الكلب منه فقلت له أتنادم كلباً فقال نهم يكف عني أذاه ويحرسني من أذى سواه يشكر قليلي ويحفظ مبيتي ومقيلي وأنشد شعراً:

وأشرب وحدي من كراهتي الأذى

مخافة شر أو سباب لئيم

وقال الشيخ صفي الدين الحلي وأجاد: إذا لم أجد للراح خلا موافيا

فلي بي أنس كامل حين أشرب لساني يغنيني وفكري منادمي

وكفاي تسقيني وقلبي يطرب ومما يجب على ذوي السيادة والمروءة أن يسامحوا نديمهم إذا وقعت منه هفوة أو غفلة.

وما أحسن قول خالد اليشكري:

ولست بلاح لي نديما بزلة

ولا هفوة كانت ونحن على الخمر

عزلت بجنبي قول خلى وصاحبي

ونحن على صهباء طيبة النشر

فلما تمادى قلت خذها عريقة

فإنك من قوم حجاحجة زهر

فما زلت اسقيه وأشرب مثلما

سقيت أخي حتى بدا وضح الفجر

ص: 87