الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والطرف كان المعتز بالله قد التمس من أمه قيتحة خمسين ألف دينار ينفقها في الجند فذكرت أنها لا تملك حبة واحدة فظهر لها بعد قتل ابنها في سنة خمس وخمسين ومائتين وكانت قيتحة قد استخلفت فوجد لها خزانة فيها ألف ألف دينار وثلاثة أسفاط في أحدهم زمرد لم ير مثله قط وفي الآخر نصف مكوك حب كبار لؤلؤ وفي الآخر كالجة فصوص ياقوت أحمر فقوم ذلك فكانت قيمته ألفي ألف دينار وكانت غلتها في كل سنة عشرة آلاف ألف دينار والله أعلم.
الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادن
قال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء
.
وذكر أرسطاطاليس في كتابه أن من الحيوان غير الناطق السرطان يشتي أكل لحم هذه الدابة فلما حال دونه ودون شهوته شيء بمنزلة الحاجز بينه وبين ذلك اللحم الرخص الذي في الصدفات احتال عليه فلا يزال السرطان راصداً له حتى يراه قد فتح جلدة الصدفة فيأخذ حجراً صغيراً فيرمي به في جوف الصدفة فلا تقدر عند ذلك على انضمامها كما كانت لأنها لا تلتحم بمنع الحجر من انطباقها فيدخل السرطان قرنيه إلى ذلك اللحم الرخص فيستخرجه ويأكله لالتذاذه به، ويذكر من أكله من الغواصين انه شبيه بطعم قوانص الطير.
وذكر أرسطاطاليس في كتاب الأحجار، أن البحر المحيط بالعالم هو الذي في ظلمات مقيمة يلحق آخره أول البحر المسلوك وأن الرياح تصفق هذا البحر المحيط المسمى أوقيانوس في أوقات فصل الشتاء فيهيج هيجاناً شديداً فيطلبه الصدف الذي يكون فيه الدر في وقت ريح الشمال فإذا هاجت الرياح والأمواج من ذلك البحر المحيط كان لأمواجه رشارش فليتقمه الصدف الكائن في البحر الذي يسلكه الناس كما يلتقم الرحم المني فتصير تلك النطفة من ذلك الماء في اللحم المركب في الصدف فلا يزال الصدف يعمد إلى ذلك الموضع الساكن من ماء البحر فيفتح فمه ويستقبل بذلك الماء الذي هو مثل النطفة رياح الهواء وحر الشمس عند طلوعها وغروبها ولا يعرض لها في وسط النهار لشدة حر الشمس وهيجان البخارات التي تهيج من العالم والغبار الذي تهيجه الرياح فإذا انعقدت الدرة ولو كانت الدرة منها نهاية في الكبر فلا يكون لها طائل ثم إذ ليس فيها شيء من أصناف الدر النفيس والله أعلم.
جيده ورديئه: الجوهرة الكاملة خواصها إما في الكمية في العظم وكثر الماء وإما في الكيفية في شدة البياض وكرة الإشراق واستواء اللون استدارته واكتنازه وشكله وما لم يكن كذلك فالآفات أفسدته ومنها أنه ربما وجد بعض الدرة لم تتم تربيتها وربما لصق بها قشر من لحم الحلزون صار كالصدا والوسخ فأفسد لونها وربما كانت كدرة أو كان فيها ماء أو كانت فيها دودة أو كانت مجوفة غير مصمتة وكل هذه آفات دخلت على الدرة من مقر التربية وأما فساد شكلها فمن قبل أن الحبة تقع في موضع من اللحم الذي في الصدف غير مستوى فتتجسد الدرة على صورة الموضع على صورة الموضع الذي ضمها فجيد الجوهر على الجملة المدحرج القار الصافي الشفاف الكبير الجرم الكبير الوزن الضيق الثقب وجيد اللؤلؤ النقي من الوسخ.
ذكر خواصه ومنافعه: من خواص الجوهر أنه يتكون قشوراً رقاقاً طبقة على طبقة وما لم يكن كذلك فليس بجوهر مخلوق والجوهر بالجملة الدر الذي هو كبار اللؤلؤ وحبه الذي لا يمكن ثقبه لصغره كل ذلك معتدل في الحر والبرد واليبس والرطوبة لطيف يجفف الرطوبة في العين ويزيل كثرة وسخها ولاسيما العتيق منه الذي يوجد في الترب وقد جفت رطوباته فإنه أصلح في ذلك لخفقان القلب ومن الخوف والجزع الذي يعرض في المرة السوداء ويلطف الدم الذي يغلظ في الفؤاد ولهذا أيضاً يخلطه المتطببون في أدوية القلب ويحبس نزف الدم ويجلو الأسنان جلاء صالحاً وإذا سحق وسقي مع سمن بقر نفع من السموم.
وذكر أرسطاطاليس أن ماء البحر الذي يتكون منه اللؤلؤ على ما قدمناه إذا قطر منه في الكف أو غمس فيه بعض أعضاء البدن ألبس ذلك العضو صبغاً كالفضة المذابة.
وذكر أيضاً أنه من وقف على حل الدر من كباره أو صغاره حتى يصير ماء رجراجاً ثم طلى به البياض الذي يكون في الأبدان من البرص من أول طلية يطليها وإن سعط بذلك الماء من به صداع من قبل انتشار أعصاب العيون أذهبه عنه وكان شفاؤه في أول تسعيطة.
قال التيفاشي مما جربته واختبرته ووقفت عليه بالعمل أن حماض الأترج يحل الجوهر إلا أنه يحله خائراً مثل المني لا يعلق بالأجسام إذا طلي عليها والمياه الحادة الطاهرة القوية الحريفة تحله رجراجاً يعلق بالأجسام على ما يوجبه القياس في حل الحماض له وقد جربته فصح.
عيوبه: التصديف وعدم الاستقرار والصفرة والانبراص وهو قبيح البياض وخطيه وعدم رونقه وسعة الثقب وصغر الجرم وقلة الوزن.
الأشياء التي تضر بالجوهر: الأدهان جميعها والحموضات بأسرها لاسيما ماء الليمون ووهج النار والعرق والذفر والاحتكاك بالأشياء الخشنة والله أعلم، الذي يجلوه ويذهب وسخه ماء حماض الأترج إلا أنه إذا لح عليه به قشره ونقص وزنه وهو يحله ايضاً خاثراً كما ذكر قبل.
محاسن تليق بهذا المكان: قال القاضي السعيد بن سناء الملك من قصيدة فاضلية أولها:
نعم هي سعد أو هي لي قمر سعد
…
وصال ولا صد وقرب ولا بعد
يعانقها من دوني العقد وحده
…
فيا عجبا يا قوم لم يعلق العقد
هي البدر إلا أنها كله سنا
…
هي الغصن إلا أنه كله ورد
ولو أبصر النظام جوهر ثغرها
…
لما شك فيه أنه الجوهر الفرد
وقال من قصيدة أخرى فاضلية أيضاً أولها:
باتت معانقتي ولكن في الكرى
…
أترى دري ذاك الرقيب بما جرى
ونعم دري لما رأى في بردتي
…
ودعا وشم من الثياب العنبرا
بأبي وأمي من حلمت بذكرها
…
لما انتبهت ومذ رقدت تفسرا
ومن العجائب أن ماء رضابها
…
حلو ويخرج حين تبسم جوهرا
وله من مرثية أولها:
كجسمك جسمي أصبح اليوم باليا
…
ولكن ما بي عاد للناس باديا
يخيل لي أني دعيت إلى الردى
…
وأنك عني قد أجبت المناديا
فيا أسفي إذ كنت قبلي ماضيا
…
ويا خجلي إذ صرت بعدك باقيا
وغاص فؤادي في بحور همومه
…
فألقى إلى جفني الدموع لآليا
وقال ابن الحلاوي جوابا عن رقعة من أبيات:
فإن كان زاهراً فهو صنع سحابة
…
وإن كان دراً فهو من لجة البحر
وقال صفي الدين الحلي من قصيدة أولها:
ألست ترى ما بالعيون من السقم
…
لقد نحل المعنى المدقق من جسمي
وأضعاف ما بي بالخصور من الضنا
…
على أنها من ظلمها عصبت قسمي
وما ذاك إلا أن يوم وداعنا
…
وقد غفلت عين الرقيب على زعمي
ضممت ضنا جسمي إلى ضعف خصرها
…
لجنسية كانت لها علة الضم
فيا من أقامتني خطيباً لوصفها
…
أرصع فيه صنعة النثر والنظم
خذي الدر من لفظي وإن شئت نظمه
…
وإن عزت سلكاً للنظام فها جسمي
وقال ابن سناء الملك من قصيدة أشرفية أولها:
جسمي كما حكم الغرام وحسبها
…
أن الغرم يزورني ويغبها
علقت ظبيته وعيشي أخضر
…
فرعته ظناً أن عيشي عيشها
ومنها في المدح:
وأرى العقد حسدن ما قد سطرت
…
يمناه حتى اصفر منها حبها
ومما ينظم في هذا السلك قول شيخنا العلامة بدر الدين الدماميني من قصيدة أولها:
رضيت فيه بقتل النفس مذ سخطا
…
مهفهف سل سيف الجفن واخترطا
ومنها في المديح: ونظمه الدر حسنا قد علا وغلا
…
بينا سواه رأينا نظمه سقطا قال ابن منير وأجاد:
لا تخدعنك وجنة محمرة
…
رقت ففي الياقوت طبع الجلمد
وقال النور الأسعردي: قد كدت أحرق خده يوم النوى
…
بتنفسي لو لم يكن ياقوتا وما أحسن قول أبي الحسن علي بن عبد العزيز الحلبي المعروف بالفكيك يخاطب بعض التجار:
أنا جعفر أنفذت أطلب عمة
…
أفاق عليها الدر رونق حسنه
كرقة دين البابلي ولونها
…
كطاجنه المبيض في طول قرنه
فأنفذتها بالضد في لون عرضه
…
وهمته قصراً وفي سلك ذهنه
وفصاً من الياقوت أحمر ناصعاً
…
كأخوته بردا وفي ثقل ابنه
فأنفذت لي فصاً كخفة عقله
…
وسحنة عين قلبت تحت جفنه
قصدت خلافي في جميع مآربي
…
فأنشرت ميت السخط من بعد دفنه
فلو قلت قبل رأسه وبنانه
…
خريت اعتماد الخلف في جوف ذقنه
الياقوت: قال بلينوس العلة في تكوّن حجارة الياقوت هي أن الشمس لما طلعت على الأرض سخنتها بقوتها فسخن من الأرض ما لم يحجب منها واشتدت سخونة المكان بظهور الشمس عليه وغيرت الشمس رطوبة المكان الذي اشتدت حرارتها عليه فلما اشتد يبسه لقلة رطوبته اجتذبت قوته من الشمس وقتوها حراً ويبساً فانقلب عن طباعه ولونه وطعمه على قدر الرطوبة التي كانت فيه من كثرتها وقلتها فلما حالت الرطوبة وأقامت عليه اجتذب الماء ما كان في ذلك المكان من حر الشمس ويبسها وطلعت عليه الشمس وسخنته فحجبت الرطوبة عن ذلك اليبس الذي فيها بحر الشمس فتسخن الماء بحرها فتلطف وقوي واشتدت عليه السخونة حتى ظهرت قوة اليبس المفرطة فيه فكان الحجر منه الحجر المسمى بالياقوت ولشدة يبسه ضاقت مسامه لقبض اليبس له ولشدة انحلاله وشدة لطافته رجع منعقداً ولشدة اليبس تكاثفت أجزاؤه بعضها في بعض وتداخلت.
الياقوت الأصفر: فمنه الرقيق وهو قليل الصفرة كثير الماء ساطع الشعاع والخلوقي وهو أشبع صفرة من الرقيقي والجلناري وهو أشبع من الخلوقي وأشدها شعاعاً وأكثرها ماء وهو أجوده، والاسمانجوقي فمنه الأزرق واللازوردي والكحلي وهو أشبع من النيلي ويسمى الزيتي، وأما الأبيض فمنه المهاي وهو أشد بياضاً وأكثر ماء وأقواها شعاعاً ومنه الذكر وهو أثقل من المهاي وأقل شعاعاً وأصلب حجراً وهو أدونها وثمنه أرخص أثمان الياقوت.
ذكر خالص الياقوت ومعيبه: أجود الياقوت الأحمر البرهماني والرماني والوردي النير المشرق واللون الشفاف الذي ينفذه البصر بسرعة السالم من العيوب.
عيوبه: الشعرة والسوس فالشعرة شبه تشقيق يرى فيه والسوس خروق توجد في باطنه يعلوها شيء من ترابية المعدن وربما وجد في تلك الثقبة دود حي يتحرك إذا خرجت الدودة منها إلى الهواء ماتت ورأينا من رأى ذلك من الثقات.
عيوب ألوانه: أردأ الألوان الأحمر الوردي الذي يضرب إلى البياض والسماقي الذي يضرب إلى السواد وأردأ منه الأزرق الذي يضرب إلى لون الرماد ويسمى السنور وكذلك الذي يسمى الزيتي وأردأ ألوان الياقوت الأصفر ما نقص لونه وضرب إلى البياض وأردأ صفات جميعه في الجملة قبح الشكل والذي قدمناه.
ذكر خواصه ومنافعه: قوة الياقوت على قدر معادنه المتكون فيها وعلى قدر أصبغته وألوانه فالأحمر منه حار يابس والأصفر أقربها إلى الأحمر وفيه فضل حر وكذلك الأصفر والاسمانجوني أبرد وأيبس والأبيض أبرد الياقوت وأرطبها.
خواصه في نفسه: من خواص الياقوت أنه يقطع كل الحجارة شبيهاً بقطع الماس وليس يقطعه شيء غير الماس وإنما يثقب بالماس وذلك بأن تركب منه قطعة في طرف مثقاب حديد ثم يثقب به كما يثقب الخشب ومن خواصه أنه لا ينحك على الخشب الذي يحك عليه كل شيء أما الياقوت فإنه لا يحك على شيء إلا على صفيحة نحاس يكسر الجزع اليماني ويحرق حتى يصير كالنورة ثم يسحق بالماء حتى يصير كأنه الغراء ثم يحك به على وجه الصفيحة النحاس حجر الياقوت فينجلي حتى يصير أشد الجواهر صقالة، ومن خواص الياقوت الشعاع فإنه ليس لشيء من المشفة شعاع مثله، ومن خواص الياقوت الثقل فإنه أثقل الأحجار الماسوية لمقداره في العظم ومن خواصه صبره على النار فإنه لا يتكلس كما يتكلس غيره من الأحجار المثمنة كالزمرد وغيره ومن خواصه أنه يقبل البرودة بسرعة إذا أخرج من النار بخلاف غيره من سائر الأحجار وليس من ألوانه ما يثبت على النار غير الأحمر فقط، وقد ذكر أرسطاطاليس في كتاب الأحجار أن الياقوت الأحمر إذا نفخ عليه في النار ازداد حسناً وحمرة وإذا كانت فيه نكتة شديدة الحمرة ونفخ عليها في النار انبسطت في الحجر فسقته من تلك الحمرة وحسنته وإن كان فيه نكتة سوداء نقص سوادها وهو حجر يزداد حسنا وصفاء عند النفخ عليه في النار وإذا كان الحجر أحمر ونفخ عليه فزالت حمرته فليس بياقوت بل أحد الأشباه أو مصنوع مدلس وقد رأيت بسوق القاهرة جواهر تباع على أنها ياقوت أزرق وأصفر وهي مصنوعة مدلسة كان أصلها ياقوتاً أبيض ومن خواصه أنه لا تعمل فيه المبارد والحديد ولا يلصق شيء في جسمه من جميع ألوانه أحمره واصفره وسماويه، ومن خواصه قطع الأحجار المشفة غير الماس والأحمر في جميع هذه الخواص زائد على جميع ألوانه في القوة، خواصه في منافعه من خواصه ذكر أرسطاطاليس أنه من تقلد هذا الحجر أو تختم به من أنواع اليواقيت التي وصفنا وكان في بلد قد وقع الطاعون فيه منعه أن يصيبه ما أصاب أهل ذلك البلد من الطاعون ونبل في أعين الناس وسهل عليه قضاء الحوايج وتيسر له من أرباب المعاش أمور صعبة ومن خواصه تقوية قلب لابسه وتشجيعه والهيبة له في قلوب الناس وإجلاله ومن خواصه أن ينفع من خفقان القلب والوسواس في التعليق له ومن خواصه أن الصاعقة لا تقع على من تختم به أو علقه عليه ومن خواصه أنه لم ير في إصبع غريق قط ومن خواصه أنه يقطع العطش إذا وضع في الفم وتحت اللسان ومن خواصه أنه يمنع جمود الدم إذا علق ومن خواصه أنه يقطع نزف الدم إذا علق ومن خواصه ما أخبرني به شريف جوهري معروف بالخبرة والذكاء في هذا ودخل إلى الهند ومارس كثيراً من علم الأحجار أن الهند يقولون أن من كان معه حجر ياقوت جذب قوساً قوياً عن طبقته وقوته إذا لم يكن معه ذلك الحجر على شرط أن لا يفعل ذلك على سبيل الخبرة والامتحان بل يكون ذلك بغير قصد له ولا تعمد.
ومحنة أشباه الياقوت بأجمعها أن يحك الياقوت الأحمر فإنه يخرجها كلها ولا تخرجه وليس شيء منها يقوم على النار كما قدمنا فهذه علة تكون الياقوت.
وأما اختلاف ألوانه فإنه بنسبة بقاع الأرض إذا وقع عليها الماء فدام عليها فيتغير الماء بما انحل فيه من يبس الأرض وتسخين الشمس له فيحمي الماء على قدر الحرارة فينعقد أحمر وربما انعقد أصفر لقلة الحرارة فيه وربما اعتدل الحر عليه في اللين والانحلال فانعقد أبيض صافياً وربما اشتدت يبوسته فعرض فيه البرد لشدة اليبس وتباعد الحر عنه فعرض فيه السواد وظهر على أعلاه لبطون الحمرة في باطنه وربما طرحت الحمرة نورها إلى خارج مع ظهور السواد في ظاهره فقام بينهما لون أسود اسمانجوني وذلك أن صفرة الرطوبة إذا التحمت مع سواد اليبس قام من بينهما اللون الاسمانجوني، قال بلينوس والياقوت حجر ذهبي وجميع الحجارة غير الأجساد الذائبة إنما انعقدت وابتدأت لتكون ياقوتاً فأقعدتها عن الياقوتية كثرة الرطوبة وقلتها وكثرة اليبس وقلته فلم تكن ياقوتاً وصارت حجارة حمراً وبيضاً وخضراً وصفراً وغير ذلك من الألوان التي لا تذوب في النار ويقع عليها الحديد فيسحلها وفيها ما لا يسحله الحديد وضعت عليه أسماء كثيرة خلاف الياقوت.
ذكر معدنه الذي يتكون فيه: الياقوت يؤتى به من معدن يقال له سجران من خريرة خلف سرنديب بنحو من أربعين فرسخاً والجزيرة تكون نحوا من ستين فرسخاً في مثلها وفيها جبل عظيم يقال له جبل الراهون تحدر منه الرياح والسيول الياقوت فيلقط وهو حجر من أرض ذلك الموضع وحصباؤه وما تجر سيوله من جبل الراهون ويقال إن الشمس إذا أشرقت على ذلك الجبل أنبتت فيه شعاعات كثيرة لوقوع شعاع الشمس على حصى الياقوت فيسمى ذلك برق الراهون وهذا الجبل هو الذي أهبط عليه آدم عليه السلام من الجنة ومن خرج إلى الأرض فإذا أصيب ذلك الحصا أصيب وظاهره مظلم يميل أكثره إلى السواد والغبرة كالحصى الموجود في هذه الألوان عندنا فإذا استشف في الشمس أشف لونه أحمر كان أو أصفر أو سماوياً أو غير ذلك من ألوان الياقوت، قال التيفاشي أخبرني من دخل جزيرة سرنديب من التجار أن أهل ذلك الموضع إذا لم تحدر السيول والرياح لهم من حصباء الياقوت في بعض السنين ما جرت به العادة احتالوا لتحصيله بالحيلة التي تذكرها وذلك أن الجبل الذي فيه الياقوت جبل شاهق صعب المسلك لا يمكن الوصول إلى أعلاه وفي أعلاه نسور كثيرة تعشش فيه وتتخذ مساكنها به لخلوته فيعمد أهل ذلك الموضع إلى حيوان يذبحونه ويسلخون جلده ثم يقطعونه قطعاً كباراً ويتركونه في سفح الجبل المذكور ويبعدون عنه وهم يرقبونه فتأتي النسور فترفع ذلك اللحم وتنزل به عند أوكارها فإذا وضعته على الأرض علق به من حصى الياقوت ولصق فيه ثم تأتي نسور أخرى فتجتمع على اللحم لتخطفه بعضها وتطير من الجبل فيسقط منه الياقوت لثقله فيلقطه الذين يرقبونه من الموضع الذي يسقط فيه ويذكر أن في سفل هذا الجبل غياضاً عظيمة وخنادق عميقة وأشجاراً شاهقة ويسكن بها حيات عظام تبتلع الحية منها الإنسان ورأس البقر وغيره صحيحاً فإذا ابتلعته عمدت إلى أصل شجرة فالتوت عليها واشتدت فيتكسر في بطنها ما تبلعه وتندق عظامه فيهضم بها ولأجل ذلك أيضاً لا يستطاع سلوك هذا الجبل ولا الوصول إليه وإلى ما فيه من عجائب الأحجار.
ذكر أصنافه: أصول الياقوت أربعة أصناف أحمر وأصفر واسمانوني وابيض فالأحمر منه ينقسم إلى أربعة أقسام الوردي وهو يتفاضل في شدة الصبغ إلى الوردية لا يجاوز ذلك ويقل صبغه إلى أن يقرب من البياض ثم الجمدي وهو مشوب بقرقرية كلون ورد الخيري وأظهر قرقرية وهو يتفاضل في قوة الصبغ وضعفه إلى أن يقرب من البياض ثم الأحمر وهو بلون العصفر الشديد الحمرة الناصعها في القوة إلى القرب من الوردية في الضعف ثم البهرماني وهو أحمر نقي الحمرة لا يشوبها شائبة وهو يتفاضل في قوة الصبغ وضعفه حتى ينتهي إلى لون العصفر الشديد الحمرة الناصعها في القوة وإلى قريب من لون الورس في الضعف وأثمن الياقوت الذي في لون الحمرة البهرماني وأثمن كل واحد من بقية أصنافه أشدها مستشفا وأشدها شعاعاً وأسلمها من العيوب التي تذكر فيما بعد.
وأما الزمرد: قال بلينوس إن الزمرد هو الياقوت لأنه إنما ابتدأ لينعقد ياقوتاً في جميع أجزائه وكان لونه أحمر فلشدة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له السواد فصار اسمانجونياً ولثقل اليبس وغلظة بطن الاسمانجوني وارتفع ما صفى على الحمرة على أعلاه فاصفر ولما كان باطنه اسمانجونياً واشتدت عليه الحرارة بطبخها فمزجت اللونين جميعاً لون ظاهره بلون باطنه فتولدت الخضرة بينهما فصار لونه أخضر فسمى زمرداً وإنما كان أصله ياقوتاً لأن الياقوت هو حجر ذهبي وهو أصل الحجارة كما أن الذهب رأس الأجساد المذابة.
ذكر معدنه الذي يتكون فيه: موضع الزمرد الذي يؤتى به منه في التخويم بين بلاد مصر والسودان خلف أسوان يوجد في جبل هناك كالجسر فيه معادن تحتفر منها الزمرد قطعاً صغاراً كالحصى مبتة في تراب المعدن وربما أصيب العرق منه متصلاً فيقطع وهو جيده، وأما صغيره فإنه يصاب في التراب بالنخل وذلك أنهم ينخلون التراب ثم يوجد خلاله فيغسل كما يغسل تراب الفضة فيوجد فيه الحجر بعد الحجر ويوجد بعضه عليه أتربة كالكحل الشديد السواد وهو أشد خضرة وأكثر ما وجد من الزمرد في التراب فهو الفص وما قطع منه من العروق فهو القضيب في اصطلاح الجوهريين وهو أعتقه وأخلصه.
ذكر جيده ورديئه: أصنافه أربعة الذبابي والريحاني والسلقي والصابوني فأعلاه وأغلاه وأفضله في سائر الخواص الموجودة في الزمرد هو الذبابي وهو أخضر مغلوق اللون جداً لا يشوبه في خضرته شيء آخر من الألوان حسن الصبغ جيد المائية وإنما سمي ذبابياً لشبه لونه بالخضرة التي تكون في الكبار من الذباب الربعي لا في صغاره الموجودة في البيوت وهو أحسن ما يكون من الخضرة بصيصاً وذلك اللون غير موجود في ذباب البيوت وأما بقية الأصناف المذكورة من الزمرد غير الذبابي فإنها نازلة مقصرة عن جميع الخواص الموجودة في الذبابي ولهذا ألغيتها.
عيوب الزمرد: من أكبر عيوب الزمرد الذبابي اختلاف الصبغ حتى لا يكون موضع منه بلون مخالف للون موضع آخر ومن عيوبه عدم الاستواء في الشكل وهذا عام له وللياقوت ولكل حجر مستشف ثمين أو غير ثمين ومن عيوبه التشعير وهو من لوازمه لا يكاد يخلو منه وهو شبه شقوق خفية تظهر فيه.
خواص الزمرد: الذبابي في نفسه خواصه الكبرى في نفسه وهي التي انفرد بها عن سائر الأحجار وبها يمتحن الخالص منه من غيره أن الأفاعي إذا نظرت إليه ووقع بصرها عليه انفقأت عيونها على المكان قال احمد التيفاشي وقد كنت أقف على هذه الخاصة في الزمرد في كتب الحكماء ثم جربتها بنفسي فوجدتها صحيحة وذلك أنه كان وقع لي فص زمرد ذبابي خالص أردت امتحانه على عيون الأفاعي فاستأجرت حاوياً على صيد أفعى وجعلتها في طست وأخذت قطعة شمع فألصقتها في رأس سهم ثم ألصقت فيها الفص وقربته من عين الأفعى فكانت تثب أولاً نحو السهم وكانت لها حركة قوية تروم بها الخروج من الطست فلما قربت الزمرد من عينها سمعت قرقعة خفية كمن يقتل صبانة على ظفره ثم رأيت عيني الأفعى وقد برزتا على وجهها بروزاً ظاهراً وبقيت حائرة في الطست تدور فيه لتقصد مخرجاً ولا تدري حيث تتوجه وسكنت أكثر حركتها وانقطع وثوبها بالجملة، ومن خواصه الرخاوة وتخلل الأجزاء ومن خواصه خفة الوزن ومن خواصه شدة الملاسة والصقال والنعومة ومن خواصه زيادة الخضرة والماء إذا ركب على البطانة وأخص صفاته به الخفة.
خواصه في منافعه من خواصه أنه من نظر إليه أذهب عن بصره الكلال ومن خواصه أنه من تقلد بخاتم منه دفع عنه داء الصرع إذا كان لبسه له قبل حدوث الداء من أجل هذا كانت الحكماء تأمر الملوك تعلقه على أولادهم عند ولادتهم ليدفع عنهم داء الصرع ومن خواصه أنه سحل منه وزن ثمان شعيرات وسقاه شارب السم قبل أن يعمل السم فيه خلص نفسه من الموت ولم يتمعط شعره ولم ينسلخ جلده وكان شفاءه ومن خواصه أنه ينفع من نفث الدم وإسهاله إذا علق على من به ذلك ومن خواصه النفع من وجع المعدة إذا علق عليها من خارج ومن خواصه أنه ينافي الحيات المسمومة ولا تقرب حامله ومن خواصه أن شرب حكاكته تنفع من الجذام ومن خواصه أن جميع أصنافه كلها تصلح أن تعلق على العضد وعلى الرقبة للتعويذ وعلى الفخذ لسرعة الولادة مجرب.
ومن معانيه الشعرية قول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر:
ذياب السيف من لحظ إليه
…
لأخضر صدغه بعد انتساب
فلا عجب إذا ما قيل هذا
…
له صدغ زمرده ذبابي
البلخش: معدنه الذي يتكون فيه، يؤتى به من بلخشان والعجم تقول بذخشان بذال معجمة وهي من مدن التتر فيما يتاخم الصين وأخبرني من وصل إلى معدنه من التجار أنه وجد في المعدن حجراً في باطنه ما لم يكمل طبخه وانعقاده بعد والحجر مجتمع عليه.
جيده ورديئه: هو ثلاثة أنواع أحمر معقرب وأخضر زبرجدي وأصفر وأجوده الأحمر وليس لجميعه شيء من الخواص التي للياقوت ومنافعه وإنما أفضليته شبهه والمائية والشعاع الأحمر لم يذكر فيه شيء من الخواص البتة.
الماس: قال بلينوس الماس حجر ذهبي وهو أشبه الأحجار بالأجساد المذابة لأنه ليس من الأحجار شيء يسحقه كما تسحق الأحجار بعضها بعضاً فلذلك شبهته بالأجساد ولم يفسده شيء من الأحجار غير الآبار فلذلك قلت إنه حجر ذهبي وأقول أن الماس إنما كان في معدنه وابتداء خلقته ليكون ذهباً وذلك أن الماء في معدنه فلما سخنته الحرارة يبس الماء من الحر الذي سخنته جداً فصار حجراً فلما كثرت عليه الحرارة وعرض في الماء غلظ فصارت فيه لزوجة لغلظه وصار أشبه شيء بالزيبق وتولد فيها رطوبة المعدن ويبسه بلطافة الطباع وملح وشفه الماء والريح فغلظ واشتدت عليه الحرارة فقوي الملح على نسف الحر واليبس واشتدت يبوسته فظهرت على وجه الماء اللزج الذي هو يشبه الزيبق فانعقد حجراً بإفراط اليبس عليه وإنما انعقد ليكون ذهباً فأعقده عن الذهبية انعقاده باليبس والملوحة فلو انعقد باللين ولم يفرط عليه اليبس وبالحلاوة مكان الملوحة لكان ذهباً فلما انعقد وكان فيه ملوحة وشدة يبس نقص عن كيان الذهب فصار حجراً صلباً يأكل الأحجار كلها بملوحة طبيعته وشدة يبسه وإنما صار يتكسر للملوحة فبقيت الملوحة واليبس في جسده وإنما صار لا يفسده شيء غير الآبار لأنه ذهبي كما أن الآبار يفسد الذهب ويسحقه وإنما يسحق الآبار الماس لكثرة يبسه وذلك لاجتماع الكبريت الذي في الآبار مع ملوحة الماس لأن الملح الذي في الماس إذا أحس برائحة الكبريت تفتت وانسحق وإنما صار لون الماس أبيض لانعقاده بالرطوبة ودفع رطوبة الموضع عنه وهج النار فصار لذلك أبيض فهذه علة تكون الماس.
معدنه الذي يتكون فيه، يوجد في معدن الياقوت ويتكون فيه ويخرج منه كما يخرج الياقوت فهو حصاء معدن الياقوت إذا أخرجته الرياح والسيول من معدنه حسبما بيناه فيما سلف.
جيده ورديئه: الماس نوعان الزيتي والبلوري والزيتي أجودهما والبلوري أبيض شديد البياض كالبلوري والزيتي يخالط بياضه صفرة كلون الزجاج الفرعوني.
خواصه في ذاته: من خواصه أن جميعه ذو زوايا قائمة ست زوايا وثمان زوايا وأكثر من ذلك وأقل، يحيط بزواياه سطوح قائمة مثلثة الشكل إذا كسر فلا ينكسر إلا مثلثاً ومن خواصه أنه يقطع كل حجر يمر عليه وهو في نفسه عسر الانكسار وإن وضع على سندان حديد ودق بمطرقة لم ينكسر ودخل في وجه السندان ووجه المطرقة وكسرهما وإنما يكسر بأن يصير في شيء من الشمع ثم يدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة غيرها برفق ومداراة بحيث لا يباشر جسمه الحديد حتى ينكسر أو يصير في أسربة ويفعل به ذلك.
ومن خواصه أن الإنسان إذا ابتلع منه قطعة ولو كانت أصغر ما يكون حرقت أمعاءه فقتلته على الفور ومن خواصه ما ذكره ارسطاطاليس من أن بينه وبين الذهب محبة ينشب به حيث كان حتى يخالط منه الحبة الخفيفة يعرف ذلك صباغ الذهب فإنهم إذا بردوه وقعت تلك الحبة تحت مباردهم فأكلت المبارد وأفسدتها ومن خواصه أنه يثقب الدر والياقوت والزمرد وغيرها من جميع ما لا يعمل فيه الحديد من الأحجار كما يثقب الخشب وذلك بأن تركب في رأس مثقاب حديد منه قطعة بقدر ما يراد من سعة الثقب وضيقه ثم يثقب به فيثقب بسرعة وأما طبعه فإنه بارد يابس في الدرجة الرابعة.
خواصه في منافعه منها ما ذكره أرسطاطاليس أنه من كانت به الحصاة الحادثة في المثانة من مجرى البول ثم أخذ حبة من هذا الحجر والصقها في مردود نحاس أو فضا بمصطكا إلصاقا محكماً ثم أدخل ذلك المردود إلى الحصاة فتتها قال أحمد بن أبي خالد المعروف بابن الجزار في كتابه في الأحجار وبهذا الفعل عالجت أنا وصيفاً الخادم من حصاة كانت به وامتنع من الفتح عليها بالحديد فلما فعلنا به هذا الفعل انسلخت الحصاة حتى صغرت وسهل عليه خروج ما بقي منها في البول ومن خواصه انه ينفع من المغص الشديد ومن فساد المعدة إذا علق على البطن من خارج.
عين الهر: معدنه الذي يتكون فيه هذا الحجر يوجد في معدن الياقوت مع الماس فهو حصباء معدن الياقوت كما ذكرناه عن الماس فيما سلف.
جيده ورديئه: هذا الحجر غريب الشكل وذلك أن الغالب على لونه البياض بإشراق عظيم ومائية رقيقة شفافة إلا أنه يرى في باطنه نكتة على قدر عين الهر أعني الناظر الحامل للنور المتحرك في فص مقلته وعلى ذلك اللون سواء وتلك النكتة مع ذلك متحركة على الدوام إذا حرك الفص تحركت بخلاف جهة حركته بحيث إن أميل إلى جهة اليسار مالت النكتة متحركة إلى جهة اليمين وذلك في الأعلى والأسفل فهي كناظر الهر حقيقة ولذلك سمي به فإن كسر أو قطع على أقل الأجزاء ظهرت تلك النكتة في كل جزء من أجزائه وأجوده ما اشتد بياض أبيضه وشفيفه واشتدت كثرة مائية تلك النكتة التي فيه وسرعة حركتها وإشراقها وحسن الشكل وكبر الجرم زائد أن في جودته كسائر الأحجار.
خواصه ومنافعه: هو أنه يحفظ حامله من عين السوء والأنفس الخبيثة ومما أنقله فيه عن ثقات الجوهريين ممن دخل الهند ومارس هذا الفن ومهر فيه أنه يجمع خواص الياقوت البهرماني في منافعه ويزيد عليه بمنفعتين إحداهما أنه لا ينقص مال محتمله ولا تعتريه الآفات والنكبات والأخرى أنه إذا كان في يد رجل أو معه وحضر مصاف حرب ثم هزم حربه فألقى نفسه بين القتلى يراه كل من يمر عليه من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه فتنفر عنه النفوس حتى لا يقربه بشر منهم وأخبرني بعض من دخل الهند من الجوهريين أنه رأى هذا الجوهر يعبد في المعبد كما تعبد الأصنام قال وثمنه عندهم أغلى من ثمنه ببلاد العرب وهم به أغبط وهو عندهم اعز وذكر أنه وقف على حجر بيع في المعبد بمائة وخمسين ديناراً ولعله يساوي في الهند عشر هذا الثمن وذلك لعلمهم بخواصه ووقوفهم عليها بالتجربة.
البازهر: الموجود من هذا الحجر الآن بأيدي الناس نوعان أحدهما حيواني والآخر معدني فأما المعدني منهما فيقال إنه ينفع من لدغة العقرب فقط وهو مقصر عن جميع ما يذكر في الكتب عن البازهر الحيواني ويذكر أنه يجلب من الصين وهو حجر خفيف هش أصفر وأغبر منقط نقطة خفيفة توجد طبقات رقاق في أصل تكونه طبقة فوق طبقة لا توجد إلا كذلك وينحك سريعاً إذا حك ومحكه يميل للبياض وأعظم ما يوجد منه من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل يؤتى به من بلد فارس من تخوم الصين والحيوان الذي يوجد فيه هو الأيل الذي يكون بتلك الجهات ويذكر أن الأيل الذي يوجد فيه البازهر يشتهي أكل الحيات لاسيما من صغر من أولادها وهو معظم غذائه يبحث عنها ويستخرجها من حيث كانت فيأكلها وقد اختلف الناس في أي موضع من الحيوان يتكون البازهر على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يتكون في عينيه قالوا وذلك أنه إذا أكثر من أكله لفراخ الحيات اعترته حكة في سائر جسده من سمها فيعمد إلى بركة ماء فيغوص فيها رافعاً رأسه عن الماء إلى أن يغيب كله في الماء حتى لا يظهر منه إلا حدقتاه فيرتفع حينئذ من سائر جسده بخار رطب إلى عينيه ثم يخرج من مأقيه اللذان يليان أنفه يمنة ويسرة ويستحيل ماء فإذا ضربه الهواء جمد وجسده حجراً وبقي معلقاً بشعر ناحيتي أنفه ثم يعرض له مثل ذلك العارض فيفعل مثل هذا الفعل فيخرج بخار آخر ويستحيل ماء ويسيل من ذلك الموضع بعينه على الحجر المتكون قبل فيجمد إذا باشره الهواء فوق الحجر الأول كما جمد الذي قبله ولا يزال كذلك حتى يثقل الحجر فيسقط من ذاته أو يحكه الحيوان إذا ثقل عليه إلى حجر أو أصل شجرة فيسقط فتتبع مظانه حتى يوجد فيؤخذ منها وأخبرني من لا أشك في صدقه وثقة نقله ان بتخوم الشام فيما بينها وبين بلد الروم بموضع يسمى مرعش وما يتصل به أيل يأكل فراخ الحيات ويعرض له من أكلها ما ذكرناه ويفعل الوصف الذي وصفناه وأن البازهر يتكون في عيونه على حسب ما ذكرناه.
القول الثاني: أن هذا الحجر يتكون في قلب هذا الحيوان وأنه يصاد لأجله ويذبح ويستخرج الحجر من قلبه وهذا القول رأيته لبعض أطباء مصر حسبما نورده عنه فيما بعد وهو غير صحيح.
القول الثالث: أن هذا الحجر يتكون في مرارة هذا الحيوان كما يتكون كثير من الأحجار في كثير من الحيوان ويذبح فيخرج البازهر من مرارته ومن يقول ذلك يستدل على صحة قوله بأن هذا الحجر إذا ذيق ظاهره باللسان وجد طعم المرارة عليه ظاهراً وأكثر حذاق الجوهريين وأرباب الخبرة منهم على هذا القول وهذا عندي هو الصحيح وأخبرني بعضهم أنه شاهد حجراً منه انكسر فوجد فيه حشيشة اشتمل عليها الحجر في أصل تكونه.
جيده ورديئه: الخالص الجيد الموجود منه في هذا التاريخ هذا الحيواني المذكور قبل وهو الأصغر الخفيف الهش المنقط ذو الطبقات الأبيض المحك المر المذاق.
خواصه في نفسه: منها أنه إذا مر على حمة العقرب أبطل لسعها وإن لسعت لم يؤذ سمها ومنها أنه إن حك على أفواه الأفاعي والحيات خنقها وماتت وهذا والذي قبله مما يختبر به البازهر الحيواني الخالص من المغشوش ومنها أنه إذا جعل مع أجسام خشنة مباشرة لجسمه محتكة معه غيرت صورته وخشنته وغيرت لونه وجميع صفاته حتى لا يكاد يعرف وقد كان عندي حجر بازهر حيواني خالص فجعلته في كيس فيه دنانير ذهباً ثم سافرت من موضع إلى موضع أخر فلما استقربت فتحت الكيس واستخرجت الحجر البازهر فلم أعرفه حتى ظننت أنه قد بدل علي لتغير جميع صفاته ثم وزنته فوجدته أقل مما جعلته في حق صغير بعد أن لففته بإبريسم وغلفت عنه مدة ثم أخرجته فوجدته الحجر الذي كنت أعرفه أولاً قد زالت عنه الهيئة الرديئة التي اكتسبها من احتكاكه بخشونة الذهب إلا أن وزنه قد نقص بما انحك منه في الكيس ولما كان بعد ذلك جرى ذكر البازهر بيني وبين حذاق الجوهريين فعرفني أن من خاصيته أن احتكاكه بالأجسام الخشنة يغيره فعرفته بما شاهدته في ذلك بالتجربة تصديقاً لقوله.
خواصه في منافعه أخص منافعه النفع من السم أي سم كان قاتله أو غير قاتله من سموم الحيوان والنبات من السموم الحارة والباردة ومن عض الهوام واللدغ والنهش إذا شرب منه من ثلاث شعيرات إلى اثني عشر شعيرة مسحوقة أو مسحولة بالمبرد أو محكوكة على المسن بزيت الزيتون أو الماء فإنه يخرج السم بالعرق من جسد المسموم ويخلص نفسه من الموت ويفعل ذلك بجملة جوهره والخاصية المودعة فيه أنه هو حجر شريف نفيس ليس له في جميع الأحجار ما يقوم مقامه في دفع السموم ومن خواصه أنه إذا سحق ونثر على موضع النهش وغيره جذب السم إلى خارجه وأبطل فعله.
ومن خواصه ما ذكره ابن جميع في كتابه المبقب بالإرشاد إلى مصالح النفس والأجساد قال والحيواني من البازهر وهو الموجود في قلوب الأيائل أفضل في جميع الأوصاف المذكورة في البازهر حتى أنه إذا حك بالماء على مسن وسقي منه كل يوم وزن نصف دانق للصحيح على طريق الاستعداد والتقدم بالحوطة قادم المسموم القادمة وحسم من مضارها ولم يخش غائلة ولا إثارة خلط حام كما يخشى من المثرود يطوش ولا يضر المحرورين ولا النحيفين لأنه إنما يفعل ذلك بخاصية جوهره ومن خواصه أنه من تختم منه بوزن اثنتي عشرة شعيرة في فص خاتم ثم وضع ذلك الفص على موضع اللدغ من العقارب والهوام الطيارات وغير الطيارات ذوات السموم وأجناس الزنابير والدراريج نفع منها نفعاً بينا ومن خواصه أنه إذا سحق ثم نثر على موضع اللدغ من الهوام الأرضية حين تلدغ اجتذب السم وأرشحه وإن عفر الموضع قبل أن يبادر إليه بالدواء ثم نثر عليه من هذا الحجر مسحوقاً أبرأه ومن خواصه ما ذكره بعض الحكماء من الأوائل أنه إذا صنع خاتم من ذهب ويكون فصه بازهر ونقش عليه صورة العقرب حين يكون القمر في العقرب ويكون العقرب وتداً من أوتاد الطالع ثم طبع بهذا الخاتم طوابع من كندر ممضوغ ممعمول منه قرص والقمر في العقرب أيضاً ويرفع فمن لدغته العقرب وشرب قرصاً من هذه الأقراص المختومة بهذا الفص البازهر لم تضره اللسعة وبرأ منها وقد جرب هذا فوجد صحيحاً وختم به على غير الكندر لئلا تكون الخاصية للكندر ففعل كما يفعل إذا ختم به على الكندر انتهى.
الفيروزج: حجر نحاس يتكون من أبخرة النحاس الصاعدة من معدنه على ما نذكره بعد في تكون غيره من الأحجار النحاسية.
معدنه الذي يتكون فيه الفيروزج يجلب من معدن جبل النيسابور ومنه يحمل إلى سائر البلاد ومنه نوع يوجد في نشاور إلا أن النيسابوري خير منه.
جيده ورديئه: الفيروزج نوعان سبحاني وقبحاني والخالص منه العتيق وهو السبحاني والأجود منه الأزرق الصافي اللون المشرق الصفا الشديد اللمعان المستوي الصبغ وأكثر ما يكون فصوصاً وذكر الكندي أنه رأى حجراً زنته أوقية ونصف، خواصه في نفسه منها أنه حجر يصفو لونه في صفاء الجو ويكدر مع كدورته وذكر أرسطاطاليس أن كل حجر يستحيل عن لونه فهو رديء للابسه ومنها أنه إذا أصابه شيء من الدهن أفسد حسنه وغير لونه وكذلك العرق يفسده ويطفئ لونه بالكلية وكذلك المسك إذا باشره أبطل لونه وأذهب حسنه.
خواصه ومنافعه: منها أنه يجلو البصر بالنظر إليه ومنها أنه ينفع العيون إذا سحق في الأكحال ومنها إذا سحق وشرب نفع من لدغ العقارب وطبيعته البرد واليبوسة.
العقيق: حار يابس وفيه ثلاث خصال من الخواص: الأولى: أنه من تقلد بالأحمر منه الشديد سكنت روعته عند الخصام.
الثانية: أنه من تختم بالنوع الثاني منه وهو الذي لونه لون ماء اللحم إذا ألقي فيه الملح وفيه خطوط بيض قطع عن حامله نزف الدم عن أي موضع كان من الجسد ولاسيما النساء اللواتي يدوم طمثهن.
الثالثة: أنه إذا استيك به من أي أنواعه اتفق أذهب عن الأسنان صداها وبيضها وأذهب الحفر ومنع الأسنان أن يخرج من أصولها الدم.
ظرائف تليق بهذا المكان: قال بعض الفضلاء ممن يعتمد على قوله من تمذهب للشافعي وقرأ لأبي عمر ولبس البياض وتختم بالعقيق وحفظ قصيدة ابن زريق البغدادي فقد استكمل الظرف ومما سمع عنه قيل إن خاتمه ما وجد في إصبع قتيل.
وقيل:
وما أحسن استخدام فيه
…
عج بالعقيق فمدمعي يحكيه
وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة:
لا تسل عن حديث دمعي لما
…
ظعن الركب واستقل الفريق
لونته وأمطرته دموعي
…
جرى منه الوادي وسال العقيق
وقال صدر الدين بن عبد الحق:
اذكرها الغضا ولذيذ عيش
…
تقضي بالعقيق دوين سلع
فقالت ما الغضا فأجبت قلبي
…
وقالت ما العقيق فقلت دمعي
وأنشدني الشيخ تقي الدين بن حجة من قصيدة بنوبة أولها:
شدت بكم العشاق لما ترنموا
…
فغنوا وقد طاب المقام وزمزم
وضاع شذاكم بين سلع وحاجر
…
فكان دليل الظاعنين إليكم
وجزتم بوادي الجزع والتوى
…
على خذه بالنبت صدغ متمتم
ولما روى أخبار نشر ثغوركم
…
أراك الحمى جاء الهوى يتنسم
ومنها في المديح الشريف:
فيا ساكني واد العقيق بأحمد
…
خواتم خير قد أتت فختموا
وهذه القصيدة كلها غرر فسح الله في وجود قائلها وأنالنا شفاعة ممدوحها صلى الله عليه وسلم وكيف لا تكون غرة وهو القائل فيها:
نبي غدا في جبهة الدهر غرّة
…
بسبته البيضاء والشرك أدهم
وروضة حسن في ربيع لنا بدت
…
ومنبتها البيت العتيق المحرم
له النسب الأعلى فيا مادح الورى
…
إذا كان مدح فالنسيب المقدم
ويا من غدا في حب زينب هائماً
…
وكان له عند الرباب ترنم
بحب ابن عبد الله أولى فإنه
…
به يبدأ الذكر الجميل ويختم
تأمل ما أحسن هذا التضمين: اليشم واليشب: حجران فضيان وكيانهما قريب بعضه من بعض ويتكونان من أبخرة مقصرة على كيان الفضة على ما تقدم القول فيما سلف، معدنه الذي يتكون فيه كاشغر ومنه يجلب إلى البلاد وكاشغر بين الصين وغزنة مسيرة نيف وعشرين يوماً من غزنة إلى جهة الشمال لسانهم تركي.
جيده ورديئه: اليشم نوعان أحدهما أبيض والآخر أصفر كلون العاج العتيق ويقال إن هذا هو الخالص.
خواصه ومنافعه من خواصه ومنافعه في نفسه إذا لفت عليه شعرة من شعر الإنسان ثم وضع في النار لم يحترق الشعر وكثير من المحرفين في بلاد العجم يحملونه ويفعلون به ذلك ويدعون أنه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيوهمون العوام بذلك وبهذه الخاصية يختبر الخالص من هذا الحجر ممن سواه ومن خواصه ومنافعه أن الصاعقة لا تقع عليه وعلى من حمله البتة وقد أخبرني ثقات من العجم أنهم شاهدوا ذلك ببلاد العجم حيث تقع الصواعق كثيراً فبنوا في القلعة منارة وعلوا فيها هذا الحجر فترى الصواعق نازلة من السماء تحيد عن موضع الحجر إلى سائر الجهات البعيدة عنه ويقال إن من تختم له قطع عنه كثرة الاحتلام ومن خواصه ما ذكر جالينوس في الأدوية المفردة أنه ينفع من وجع المعدة بالتعليق عليه من خارج.
البلور: معدنه الذي يتكون فيه ما يوجد بتربة العرب بالحجاز الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام وهو أجوده ومنه ما يؤتى به من الصين وهو دون العربي ومنه ما يكون ببلاد إفرنجة وهو جيد أيضاً ومنه معادن بناحية أرمينية يميل إلى الصفرة الزجاجية كأنه مطبوخ بالنار وقد ظهر منه بهذا التاريخ معدن بالمغرب الأقصى بمقربة من مراكش حاضرة الغرب نقي اللون إلا أن فيه تشعيراً وهو كثير عندهم حتى فرش منه ملك المغرب مجلساً كبيراً أرضاً وحيطانا.
جيده ورديئه: أجوده أنقاه وأصفاه وأشفه وأبيضه وأسلمه من التشعير فإن كان مع ذلك كبير الجرمانية كان أو غير آنية كان الغاية في نوعه قال التيفاشي أخبرت أن تاجراً من تجار الإفرنجة أهدى إلى ملك من ملوك المغرب قبة من البلور قطعتين يجلس فيها أربع نفر ورأيت منه صورة ديك مخروطاً إذا صب فيه الشراب ظهر لونه في أظفار الديك ورؤوس أجنحته صنعة بلاد الإفرنجة ويصنع منه كل عجيب من الأواني وقال الكندي إن في البلور قطعاً يخرج في القطعة منها من المعدن أكثر من مائة من قال التيفاشي وأخبرني غير واحد من أهل غزنة بنقل متفق على صحته أن بالقرب منها بينها وبين كاشغر بمسيرة ثلاثة عشر يوما وادياً بين جبلي ذلك الوادي طريق موصل إلى كاشغر والجبلان اللذان على الوادي من جهته بلور خالص يقطع في الليل لأن أشعته إذا طلعت عليه الشمس تمنع العمل فيه بالنهار ويصنع منه خواب للماء في كاشغر وغزنة وأخبرني من كان متصلاً بشهاب الدين الغوري ملك غزنة أنه رأى في قصره أربعة خوابي للماء كل خابية تحمل ثلاث روايا ماء من روايا الجمال جميعها على محمل يصعد منها إليها من بلور كل واحد من محمل ثلاث قناطير إلى أربعة.
خواصه في نفسه: أنه يذوب كما يذوب الزجاج ويقبل الصبغ ومنها أنه يستقبل به الشمس ثم ينظر إلى موضع الشعاع الذي قد خرج من الحجر فيستقبل به خرقة سوداء فتحترق وتوجد فيها النار.
خاصيته في منفعته من علق عليه لم ير منام سوء تم ذلك.
ذكر القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري في تاريخه الذي سماه مسالك الأبصار أن شخصاً من بعض التجار في أصناف الجوهر يجهز كل سنة مماليكه وجماعة إلى المغاص ليغوصوا على اللؤلؤ في الوقت المعتاد وهو في شهرين في السنة فاتفق أنه أنفذ جميع ما يملكه في ذلك ولم يحصل على طائل ولم يطلع له شيء وافتقر ولم يبق له ما يجهز به إلى المغاص فطلب من امرأته معضدة كانت في عضدها ذهبا فقالت له يا هذا تعمل لك بهذه المعضدة حرفة غير ما أنت فيه من اللؤلؤ فقال ما أرجع عن صنفي ومتجري وتجهز هو بنفسه في جماعة إلى المغاص فغاصوا له في الوقت المعتاد إلى اليوم التاسع والخمسين فلم يطلع له شيء إلى آخر النهار طلعت درة ما لها قيمة فأحضروها إليه وقالوا له هذه غصنى على اسم إبليس وقد رد الله عليك جميع ما أنفقته فاستدعى بحجرين ووضعها بينهما إلى أن عدمها وكسرها ثم رمى بها في البحر فلامه الحاضرون رفقاؤه التجار على ما فعل وقالوا: قطعة مثل هذه تقع لك وما عندك مثلها تعدمها فقال: هذه القطعة ما أنتفع به ولا أجد لها بركة ويجيء كل من يأتي بعدي يقتدي بفعلي ويغوصون له على اسم إبليس ويبقى على أثم ذلك إلى يوم القيامة اذهبوا وغوصوا على اسم الله عز وجل فأصبحوا تمام الستين يوماً غاصوا له على اسم الله فطلعت لهم الدرة اليتيمة فوجه بها إلى الخليفة ببغداد هو ذاك المقتدر فابتاعها عليه بثلاثمائة ألف درهم وحسن حاله ببركة اسم الله عز وجل. انتهى ذلك والله أعلم.