الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
…
ليس الفتى من يقول كان أبي
قلت: وأنشدني سيدنا ومولانا القاضي شهاب الدين بن حجر رحمه الله للشيخ بدر الدين الصاحب في مليح يطوف بالفول:
أنا ابن الذي في الليل تسطع ناره
…
كثير رماد القدر للعب يحمل
يدور بأقداح العوافى على الورى
…
ويصبح بالخير الكثير يقوّل
قال محمد بن العفيف في مليح طباخ:
رب طباخ مليح
…
فاتر الطرف غرير
مالكي أصبح لكن
…
شغلوه بالقدور
وقال الصفدي: كافى بطباخ تملك مهجتى
…
فعذاب قلبي في هواه سرمد
وكأنما أنا منصب قادمه
…
نار تشب وزفرة تتصعد
وقال المعمار:
كافى بطباخ تنوع حسنه
…
ومزاجه للعاشقين يوافق
لكن مخافى من جفاه غدت
…
منه قلوب في الصدور خوافق
وقال أيضاً مواليا:
هويت طباخاً بالصبحة اخدميه
…
حلو المزاج كانوا بن تركيه
ولو أطارف نواعم بيض زيديه
…
لها معانى على الأخوان مخفيه
وقال بعضهم ما على الشيخ المسن أضر من أن يكون له طباخ حاذق وجارية حسناء لأنه يكثر من الطعام فيسقم ومن النكاح فيهرم وقال إبراهيم المعمار:
وطباخ بمنصبه افتخار
…
وقدر قد علا في الناس وافى
3أياديه على الأخوان مدّت
…
وكم قلب له بالودّ صافى
وكم آمنوا به من خوف جوع
…
سيعطى الآمن في يوم المخاف
دخل ابن الفضل الشاعر يوماً على الوزير ابن هبيرة وكان نقيب الإشراف وكان مبجلا وكان ذلك في يوم شديد الحر من شهر رمضان فقال له الوزير أين كنت فقال في مطبخ سيدي النقيب فقال له ويحك أيش عملت في شهر رمضان في المطبخ فقال كسرت الحر فيه يا مولانا فتبسم وخجل النقيب الفرزدق:
وقد علم الجيران أن قدورنا
…
ضوامن للأرزاق والريح رفرف
ترى حولهن المعتقين كأنهم
…
على صنم في الجاهلية عكف
وقال أمية بن أبي الصلت: وكأنها بفنائه
…
للضيف مترعه زواجر
وكأنهن بما سجن
…
وما حمين به ضرائر
وقال الفرزدق يهجو:
لو أن قدرا بكت من طول ما حبست
…
على الجفون بكت قدر ابن عمار
ما مسها دسم مذ نض مدمعها
…
ولا رأت بعد نار القين من نار
الباب الثامن والعشرون
في الأسماك واللحوم والجزور
كتب الوزير المرحون فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس إلى شيخ بدر الدين البشتكى رحمه الله وقد كانوا بمجلس انس بشاطئ الروضة في أيام وفاء النيل السعيد فاتفق أن الشيخ بدر الدين صاد حوتاً عظيماً بالصنارة يداعبه بلغنى رفع الله قدرك على السماك وأعلى محلك وأسماك وأجرى يسعدك وأمرك في نهر السماء وبحور الأرض الأفلاك ولا زلت همم نظمك البدرية ونثرك تعلو على النثرة وفتكات عزماتك الماركية تسمو إلى صيد نسر السماء من وكره وحوتها من المجرو ولا برحت تصرف حروف المحاسن فتخدمك من كل محجر عين ومن كل جانب نون ولا فتئت تجمع شمل المعالي إلى أن يفترق الفرقدان ويلتقى الضب والنون ويغدو سهيل في السماء مصادف الثريا ويصبو الحوت للسرطان أن مولانا مع جماله خلافا للمعز أقلق السابح في لجه وراع كل حوت حتى حوت الأرض في تخومه وحوت السماء في برجه وجاور ذوات البحر فكان لها بئس الجار يطعمه الذي أقامه عليهم في الحيلة مقام بنجه وانه شد وسطه للصيد وكان من الحزم وأرسل آلة صيده إلى الأسود والأحمر من أمم البحار فعادت عود أولى العزم فعد بعد ذلك مولانا للصيد بالمرصاد وأطاعته حروف النص فكلما تلا لسان البحر نونا لسان العزم صاد (مفرد) .
وهي السعادة في السماء فلو تشا
…
لطعنت منها رامحا بالاعزل
فمن ذلك صيد الحوت الذي قدم من أقصى النيل فيا له من سفر بعيد وفارق وطنه وورد مع التيار السريع في البحر المديد فآوى إلى الشط طالبا غداءه إذ لقي من سفره هذا نصبا وركن إلى البر فليته لو عقل (فاتخذ سبيله في البحر سربا) ولم يعلم أن سيدنا وضع الحبل وجعله لصيده معنى وصورة سببا فاختر منه يد المنية باعوجاج الصنارة التي نصبها لدواب البحر فخا للقهر والضعيفة التي تعامل أقوياء الأسماك في أعظم البحور السائلة بالنهر كان هذا المسكين من صالح الأسماك الذي أفنى الأيام سحبا طويلا فساح وأتى يقبل جداراً حل فيه قدم مولانا وبركته مجازاة فجازاة التمساح أو كأنه لجا إلى البر هربا من عوارض المواج وآمن بمجاورته فأخذ من منأمنه وخاب أمله من لاج فسبح بعد بحار المن من بحار المنون في لجج وقالت له الحيتان إذا اعماك القضاء عن رشدك حدث عن البحر ولا حرج وكان ظنه أن عومه في الشط ينجيه فكان حتفه في ذلك العوم وعلى الجملة فقد آن أجله ولو آوى إلى جبل لقيل لا عاصم اليوم فأتت به حوتا يلوح بياضه بين هضباب الموج كالبدر من سجف الغمام وتبدو عليه مهابة تشر انه من نسل حوت يونس عليه السلام فأعيذ هذا الحوت بالنون وصائده الكاتب الأديب بالقلم وما يسطرون فلقد ظفر بما لا ظفر به الحواريون في شباكهم المشبكة ووقع له ما لو وقع لابن صياد لتطاول عجباً وانتفخ حتى مل الشبكة وحصل به للجماعة من السرور ما يحصل بوفاء النيل وشاهدوا من جزله العظيمة كل خير جزيل ومنحوا من سنه وعظمه بالجوهر النقي وأنياب الفيل وأرخصوه للقرى بعد أن أمسى في القدور يغلى وقلوه فطاب مأكلاً وغن كان مما لا يقلى ونوعوه محلى وحامضاً فالمحلى جعلوه نقلا على الكئوس حين تجلى وفازوا على رأى ابن حزم وإن لم يكن من أصحاب الرأى بالمحلى والمجلى والحامض فقطعوا عند أكله بالذوق أن ذلك الحوت مر لا محالة وقال آخرون بل هو هالة لتناسب البدور والهالة وحملوا به الموائد لصائده بالتقدم على الضفدع الأديب في مصائد الشوارد وقدموه على ما عندهم من طري وبائت وأكلوه من ساعته كيلا يندموا على فائت قائلين لا تؤخروه فللتأخير ولا تبيتوه فكلما بات فات وبادروا طرواته لعلهم طرواته لعلهم أنه أطيب ما يؤكل من السمك البورى الطري واستطابوه ضرورة ولا خلاف أن صائد الحوت اكثر تلذذا بأكله من المشترى هذا وأما الأسماك بذلك الشاطئ فقد نادى مناديهم بالرحيل وقال أديبهم للبنية مصحفا يا بنية ليس المقام هنا جميل فكم فرخ حول وكر أمه من هناك وشال وكم عصبة من السمك صرخت قاقا وقطعت الجبال وكم طائفة من رشادها فرت إلى البرور الخالية من العباد وكم طائفة تخلفت ووقعت في الشباك فقيل ضلت عن سبيل الرشاد وكم طائفة أسرعت إلى رءوس الجيال الحركة وكذبت العروضيين في قولهم لم أر على ظهر جبل سمكة وكم سمكة قالت لفراخها اهجروا ماءكم ومأواكم كما هجرت مأواى وأخلوا هذه الديار وان أعشبت وابتغوا صائب الرأي ومنهم من عمد إلى عمق البحر نجاه وسارت به سفينة عزمه في موج كالجبال وكان سبب النجاة وتواصوا لما رأوا طغيان الماء أن لا يأووا إلى البرور وتحققوا انه الطوفان لما فار على أخيهم المصاب التنور وكم قائل الحمد لله الذي قطع عنا أثر هذا النون العظيم وأزال عينه وقائلة سبحان من أراح ضعفاء السمك من هذا الجبار وفرق بينهم وبينه فشكرا إذا غدا مولانا شيخ البر والبحر وأضحى في نسكه ابن السماك وفي صدق حديثه أبا ذر وأمسى ضرع البلاغة مسخرا له فإن جمح لغيره أو أبادر أحياه الله بدرا يشرق في سماء المعالي وتحلى أجياد الفصاحة من بحور نظمه ونثره بالجواهر والآلى وجمل به السماء كما جعل به الأرض ولا جعله كأدباء أهل هذا الزمان الذين هم كالسماك يأكل بعضهم بالغيبة لحم بعض بمنه وكرمه والسمك بارد رطب يولد البلغم وينفع المحرورين ويضر بالمشايخ ودفع مضرته بالفواه الحارة والصعر والملح وصغاره بالخل نافع لأصحاب الأمزجة الحارة ومن به يرقان وكبده حار والمالح منه حار يابس يولد السوداء ويضر بالمحرورين.
فصل في اللحوم عن أبي الدراداء (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم، وفي حديث آخر سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وقال ل صلى الله عليه وسلم اللحم يطيب النفس ويفرح القلب ويحسن الوجه ويشد العصب، وكان محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ة (عبلا رخص الأنامل يكاد الماء يجري بين جلده ولحمه فقال له أبو حنيفة ما غذاؤك قال ما أزيد على الخبز واللحم شيئاً قال هذه الشحمة منهما تنعقد، ولحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء، وقالت الأطباء أحمد اللحمان ما خصى من الضأن وكان فتيا ولا خير فيما أسن ولحم الضأن وكان فتيا ولا خير فيما أسن ولحم الضأن نافع من المرة السوداء إلا أن الممرودين الذين يصرعون إذا أكلوه اشتد بهم ذلك ولحم المعز يورث الهم ويفسد ويحرك السوداء ويحدث النسيان ويحيل الأولاد، ولحم الدجاج الهرم أضر اللحمان وأغلظها وقال أبو حاتم قال خالد بن يزيد أطيب الإبل لحوماً الورق وأطيب البقر لحوماً البيض، وقال عبد الله بن جعفر سمعت رسول ل صلى الله عليه وسلم يقول أطيب اللحوم لحم الظهر، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من سره أن يقل غيظه فليأكل لحم الدراج، ولما حضرت الوفاة للحرث بن كلدة قيل له أوصنا بما ننتفع به بعدك فقال لا تتزوجوا من النساء إلا الشباب ولا تأكلوا من اللحم إلا الفتى ولا من الفواكه إلا ما نضج ولا يتداوين أحدكم بدواء ما احتمل بدنه الدواء وإذا تغذيتم فناموا قليلاً وإذا تعشيتم فامشوا خطوات، وقال نجتيشوع للمأمون أوصيك يا أمير المؤمنين أربعة أشياء: لا تأكل طعاماً بين نبيذين ولا تجامع على شبع إلى أن يخلو جوفك من الرياح والنجو ولا تأكل من لحم البقر فوالله إني أمر به في الطريق فأغطى عيني وعين برذرنى من شدة مضرته.
نادرة: قرأت في كتاب ملح الكنايات ولمح التعريض والإشارات تأليف جمال الدين يوسف بن مرتفع بن الفقيه فتح الدين مجلد الكتب المعروف بنقانق ووجد الشريف محاسن عريف سوق الكتبيين في دكانه يتغذى فدعاه للأكل فقال من أي شيء تأكل فقال شيء من لحم جمل صغير فاشتهيت أن آكل منه فجلس وأكل معه فنظر إليهما الضياء موسى الناسخ فقال يا محاسن أحذر أن يراك المحتسب فيؤذيك قال على م قال لأنك تحشى النقانق بلحم الجمل فاستحسن ذلك منه، وفي الحديث من داوم على اللحم أربعين يوماً قسى قلبه ومن تركه أربعين يوماً ساء خلقه.
فصل: كتب الوزير فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس سامحه الله تعالى إلى فتح الدين صدقة بن سعيد بديوان الخاص وكان المذكور أسود ينحرف من ذكر العبيد والسواد يقبل اليد الكريمة السديدة الفتحية لا زال فتحها رشيداً وفعلها سديدا وسعدها جديداً وقولها مفيدا ومطلعها صبيحا ومفلح مقاصدها نجيحها وإقبال سرورها مستمرا ورواق العز عليها مسيطرا كثر الله عبيدها وألحق مقترها بسعيدها ويصف ولاءه الذي تشهد به ذاته الكريمة بل السواد الأعظم وإخلاصه الذي صفا وده إلى أن عاد كغرة البدر في الليل الأدهم ويبدى ما يجده إلى مولانا في نفسه من الميل ويذكر محبته التي لا تتغير ما ولج الليل في النهار والنهار في الليل وينهى أنه يبسط عذر مولانا في تأخير أبقار الأضحية بهذا سواد ويمشي في سواد وكيف لا مولانا إنسان عين الزمان والمفدا بسويداء القلوب من طوارق الحدثان فأبقاه الله يجرر في ميادين الكرم الذيل ويستر بحمله سقطات الجهال ستر الليل وعلم المملوك أن المقر الأشرف المالك قد اقتدى في أضحية المملوك خاصة برأي الإمام مالك إذ يرى الأضحية بالغنم أفضل وان القربى بذبحها أكمل وأن الله جعل الأبقار لحرث الأراضي ذات الطول والعرض وأنه خصها من أضحية المملوك بكل ذلول تثير الأرض فإذا عوتب على ذلك قال نعم أحلينا بأضحيته في هذا العيد وقابلناه عن محبته لنا من الحرمان بما لا عنه مزيد وقطعنا مرتبه من الديوان إذا كان عندنا المخلص (وما ربك بظلام للعبيد) ثم تأخذه العزة لأنفه المناصب ويتذكر عن المطلوب وذل الطالب فيقول قد منعنا ما سقنا من هدى إنعامه إليه وان هو إلا عبد أنعمنا عليه فلو كان الأمر لمولانا مستبدا بع لبدل البقر بكرائم الخيل وأوضح من فخر الأنعام الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومحا من ظلمة المنع آية الليل وساق أيده الله ما شاء من البقر إلينا وانعم علينا غير معتذر ولا متعنت يقول (إن البقر تشابه علينا) على أن مولانا إذا لاحظ أنعم لك صفراء فاقع لونها لكن من الذهب العين وإذا نأى نعق بفراق البقر غراب البين وإذا شاء أتحف من شآبيب أنعامه مسكويه وحركات فضله محبوبه والسنة الخواص قائلة الحمد لله الذي كف عنا النوب بأكف النوبة والمملوك ما برح كثير المحبة لمولانا من حين شمله بجزيل الإحسان هاجر مسموع الطير بجملته كرها للقائل منها ما دق قفا السودان، وقال الشيخ زين الدين بن الوردى مضمنا:
بتنا ضيوفا لغادة قصدت
…
ذبح خروف قد طاب واعتدلا
حلت رباط الخروف منشدة
…
أما ترى الشمس حلت الحملا
وممن ولع بذكر الجزارة الجزور الأديب الفاضل أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم الجزار فمن ذلك بقوله:
إني لمن معشر سفك الدما لهم دأب
…
وسل عنهم إن رمت تصديقى
تضيء بالدم إشراقا عراصهم
…
فكل أيامهم أيام تشريق
وقوله:
حسن التأنى مما يعين على
…
رزق الفتى والخطوب تختلف
والعبد مذ كان في جزارته
…
يعلم من أين يؤكل الكتف