الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأوّل
في ذكر العشر
عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"ما مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْم بِسَنَةٍ، وَكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ"(1).
وروى بعضُ أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعُ صيامَ تسعِ ذي الحجة (2).
وفي "ابن حبان" عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ما مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ الله مِنْ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ"(3).
وخَرَّجَ البزارُ، وغيرُه من حديث جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ العَشْرِ"، قَالَوا: يا رسول الله! ولا مثلُهن في سبيل الله؟! قَالَ: "وَلا لِمِثْلِهِنَّ في سَبِيلِ الله إِلا مَنْ عُفِّرَ وَجْهُهُ في التُّرَابِ"(4).
(1) رواه الترمذي (758).
(2)
رواه أبو داود (2437) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة.
(3)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(3853).
(4)
رواه أبو عوانة في "المسند"(3023)، ورواه البزار (4/ 17 - مجمع الزوائد =
وهذا كلُّه يدلُّ على أن شهر ذي الحجة أفضلُ الأشهر الحرام.
العَشْرُ أَوْقَاتُ الإِجَابَهْ
…
فَبَادِرُوا رَغْبَةً تَلْحَقُوا ثَوَابَه
أَوْقَاتُ العَشْرِ حَقّاً فَشَمِّر
…
وَاطْلُبَنْ فِيهَا الإِنَابَهْ
إخواني! احذروا المعاصي؛ فإنها تحرِمُ المغفرةَ في مواسم الرحمة، إخوانُكم في هذه الأيام قد عقدوا (1) الإحرام، وقصدوا البيتَ الحرام، وملؤوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام، لقد ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فإن كان لنا معهم نصيبٌ سعدنا.
يا سَائِرِينَ إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ لَقَدْ
…
سِرْتُمْ جُسُوماً وَسِرْنَا نَحْنُ أَرْوَاحَا
إِنَّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وَقَدْ رَحَلُوا
…
وَمَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ كَمَنْ رَاحَا
الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، إلا ولها قيمة، والمبادرة بالعمل.
عن ابن عباسٍ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ فِيهَا إِلَى الله عز وجل مِنْ هذهِ الأَيَّامِ" -يعني: أيام العشر-، قَالَوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟!
= للهيثمي)، قال الهيثمي: وإسناده حسن، ورجاله ثقات.
(1)
في الأصل: "قعدوا".
قَالَ: "وَلا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِمَالِهِ، وَنَفْسِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلك بِشَيْءٍ" انفرد بإخراجه البخاري (1).
يا من قد سارت (2) بالمعاصي أخبارُه! يا من قد قبح إعلانُه وإسرارُه! يا فقيراً من الهدى أهلكه إعسارُه! أتؤثر الخسرانَ، قلْ لي وتختارُه؟ يا كثيرَ الذنوبِ وقد دنا إحضارُه! يا أسيراً (3) في حبس الزلل لا ينفعه إحضارُه! كم رد على مثلك درهمه وديناره! يا محترقاً (4) بنار الهوى متى تخبو ناره؟
أَيَّتُهَا النَّفْسُ اسْمَعِي لِقِيلِي
…
أَنْتِ مِنَ الحَيَاةِ في أَصِيلِ
وَفي غُرُورِ أَمَلٍ طَوِيلِ
…
فَلا يَغُرَّنْكِ ضُحَى التَّأْمِيلِ
فَقَدْ دَنَتْ شَمْسُكِ (5) لِلأُفُولِ
عبادَ الله! هذه الأيام مطايا، فأين العدَّةُ قبل المنايا؟ أين الأَنَفَة من دار الأذايا؟ أين العزائم؟ أرضيتُم بالدنايا؟ إن بلية الهوى لا تشبه البلايا، وإن خطيئة الإصرار لا كالخطايا، يا مستورين! ستظهر الخبايا، سريَّةُ الموت لا تشبه السرايا، قضيةُ الزمان ليست كالقضايا،
(1) رواه البخاري (926).
(2)
في الأصل: "أسأت".
(3)
في الأصل: "موسر".
(4)
في الأصل: "متحرقاً".
(5)
في الأصل: "شموسك".
راعي السلامة يقتل الرعايا، رامي المنون يُصْمِي الرمايا، مَلَكُ الموت لا يقبل الهدايا، وكأني به قد أخذكم جيلاً جيلاً، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} .
أيها الشاب! ستُسأل عن شبابك، أيها الكهل! تأهب لعتابك، أيها الشيخ! تدبر أمرك قبل استداد بابك، [لا تُقبلن] إليَّ وعملك قليلاً، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77].
كنت في بداية الشباب أصلح، فيا عجباً كيف أفسدَ مَنْ أصلح؟!
يا مريضَ القلبِ قفْ ببابِ الطبيب، يا منحوسَ الحظ! اشكُ فواتَ النصيب، فأنت بالتوبة مطيلا، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77].
لُذ بالجناب ذليلاً، وقفْ على الباب طويلاً، واتخذ في هذا العشر سبيلاً، واجعل جَناب التوبة مَقيلاً، واجتهد في الخير، تجد ثواباً جزيلاً، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77].
قل لي في الأسحار: أنا تائب، نادِ في الدجا: قد قدم الغائب.
أَنَا المُسِيءُ المُذْنِبُ الخَاطِي
…
المُفْرِطُ البَيِّنُ إفراطِي
فَإِنْ تُعَاقِبْني (1) فَأَهْلٌ لَهُ
…
وَأَنْتَ أَهْلُ العَفْوِ عَنْ خَاطِي
• • •
(1) في الأصل: "تعاقب".