الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان بعضُ السلف يقوم الليل، فقام ليلةً، فأتاه آتٍ في منامه، فقَالَ له: قمْ فصلِّ، ثم قَالَ له: أما علمتَ أن مفاتيحَ الجنة مع أصحابِ الليل، هم خزَّانها (1).
نام أبو سليمانَ ليلة، فأيقظته حوراءُ، فقَالَت: يا أبا سليمان! أنا أُرَبَّى لك في الخدور منذ خمس مئة عام.
واشترى بعضُهم من الله حوراءَ بصَداق ثلاثينَ ختمةً، فنام ليلةً، قبل أن يكمل الثلاثين، فرآها في منامه تقول:
أتخْطُبُ مِثْلِي وَعَنِّي تنَامُ
…
وَنَوْمُ المُحِبِّينَ عَنِّي حَرَامُ
لِأَنَّا خُلِقْنَا لِكُلِّ امْرِىءٍ
…
كَثيرِ الصَّلاةِ بَرَاهُ الصِّيَامُ
في الحديث: "إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، فَصَلَّيا رَكْعَتَيْنِ، كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ الله كَثيراً والذَّاكِرَاتِ"(2).
* * *
فصل: في صيام النهار
قَالَ الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "المنامات"(ص: 141 - 142).
(2)
رواه أبو داود (1309) عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
قال مجاهدٌ وغيرُه: نزلت في الصوَّام.
صام بعضُ التابعين؛ حتى اسودَّ من طول صيامه، وصام الأسودُ بن يزيدَ؛ حتى أفسد جسمَه، واصفرَّ، فكان إذا عوتب برفقه بجسده، يقول: كرامةَ هذا الجسدِ أُريدُ.
وصام بعضهم؛ حتى وجد طعم دماغِه في حلقه.
كان بعضُهم يَسْرُدُ الصومَ، فمرضَ، فقالوا له: أفطر، فقال: ليس هذا وقتَ ترك [الصيام].
وقيل لآخر منهم، وهو مريض: أفطر، قَالَ: كيف أفطر وأنا سائرٌ لا أدري ما يُفعل بي.
مات عامرُ بن عبد الله بن الزبير، وهو صائمٌ ما أفطرَ. ودخلوا على أبي بكرِ بن أبي مريمَ، وهو في النَّزْع، وهو صائم، فعرضوا عليه ماءً ليفطرَ، فقال: أَغرَبتِ الشمس؟، قَالَوا: لا، فأبى أن يفطر، ثم أتوه بماء، وقد اشتدَّ نزعه، فأومأَ إليهم: أغربت الشمس؟ قالوا: نعم، فقطَروا في فيه قطرة من ماء، ثم مات رحمه الله.
واحتُضر إبراهيمُ بن هانئ صاحبُ الإمامِ أحمدَ الموت، وهو صائم، فطلب ماء، وسأل: أغرَبتِ الشمس؟ فقالوا: لا، وقالوا: قد رخص لك في الفرض، وأنت متطوِّعٌ، قال: أمهل، ثم قَالَ:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]، ثم خرجت نفسه، وما أفطر.
الدنيا كلُّها شهر، صيامُ المتقين، وعِيدُ فطرهم يومَ لقاءِ ربهم.
ومعظمُ نهارِ الصائمِ قد ذهب، وعيدُ اللقاء قد اقترب.
وَقَدْ صمْتُ عَنْ لَذَّاتِ دَهْرِيَ كُلِّهَا
…
وَيَوْمَ لِقَاكُمْ ذَاكَ فِطْرُ صِيَامِي
قَالَ بعض السلف: بلغَنا عن عيسى بن مريم عليه السلام: أنه قَالَ: إذا كان يوم صوم أحدِكم، فليدْهَنْ لحيتَه، ويمسحْ شفتيه من دهنه؛ حَتَّى ينظر إليه الناظر، فيظن أنه ليس بصائم (1).
صام بعضُ السلف أربعين سنة، لا يعلم به أحدٌ، كان له دكان، فكان كلَّ يوم يأخذ رغيفين، ويخرج إِلَى دكانه، فيتصدَّق بهما في طريقه، فيظن أهلُه أنه يأكلها في السوق، ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته قبل أن يجيء.
اشتُهر بعضهم بكثرة الصوم، فكان يصوم يومَ الجمعة، فيأخذ إِبريقاً، فيضع بلبلته في فيه، ويمتصها، والناسُ ينظرون إليه، ولا يدخل حلقَه منه شيء؛ لينفي عنه ما اشتُهر به.
ريحُ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك.
لمَّا دُفن عبد الله بن غالبٍ، كان يفوحُ من قبره رائحةُ المسك، فرئي في المنام، فسئل عن تلك الرائحة التي توجد من قبره، فقَالَ: تلك رائحة التلاوة والظَّمأ (2).
• • •
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35549) عن هلال بن يساف.
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 248).