الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السّابع
في ذكر التوبة
قال ابن مسعود: إني لأعلم آيتين في كتاب الله، لا يقرؤهما عبد عندَ ذنبٍ يصيبُه، ثم يستغفرُ الله منه، إلا غفر له: قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 110] الآية، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران: 135] الآية.
واعلمْ: أن التوبة إذا صحت، قُبلت بلا شك؛ إذا وقعت قبل نزولِ الموت، ولو كانت عن أيِّ ذنب كان.
وفي "الصحيحين": أَنَّ رَجُلا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً، ثُمَّ سَأَلَ: هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ؟ فَقِيلَ لَهُ: اخْرُجْ إِلَى قَرْيَةِ كَذَا، فَخَرَجِ، فَأَدْركَهُ المَوْتُ، فَنَأىَ بِصَدْرِهِ نَحْوَ القَرْيَةِ، فَوُجِدَ أَقْرَبَ إِلَيْهَا بِشِبْرٍ، فغُفِرَ لَهُ. (1).
وعن ابن مسعودٍ، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ خَرَجَ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ، وَشَرَاُبهُ، وَزَادُهُ، وَما يُصْلِحُهُ، فَأَضَلَّهَا، فَخَرَجَ في طَلَبِهَا، حَتَّى إِذَا
(1) رواه البخاري (3283)، ومسلم (2766) عن أبي سعيد رضي الله عنه.
أدْركَهُ المَوْتُ، وَلَمْ يَجِدْهَا، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ؛ فَأَمُوتُ فِيهِ، فَأَتَى مَكَانَهُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَاسْتَيْقَظَ؛ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ، وَشَرَابُهُ، وَما يُصْلِحُهُ" (1).
أَنَا عَبْدُكَ الجَانِي وَأَنْتَ المَالِكُ
…
إِنْ لَمْ تُسَامِحْنِي فَإِنِّي هَالِكُ
يا مَنْ تَدَارَكَ طُولَ جَهْلِي حِلْمُهُ
…
ذُخْرِي لِحَشْرِي عَفْوُكَ المُتَدَارِكُ
مَوْلاي أَسْرَرْتُ القَبِيحَ وَظَاهِرِي
…
حَسَنٌ وَأَنْتَ بِحَجْبِ سِتْرِي مَالِكُ
حَسْبِي خَسَاراً أَنْ تَرَانِي مُسْرِفاً
…
وَيَظُنُّ هذا الخَلْقُ أَنِّي نَاسِكُ
سبحانَ من أنعمَ على الأحباب، سبحانَ من سخَّر لهم الأسباب، سبحانَ من جعل جزاءَ الصوم عن الطعام والشراب، يُطاف عليهم بآنيةً من ذهبٍ وأكواب، وصلَ أولو الألباب، وقد زالت تلك الأسقام والأَوْصاب، وقيل لأيوبَ: البلاء إلى كم المصاب، {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
يا حُسْنَهم وقد قدم الغُيَّاب، وأُلبسوا ثيابَ العتاب، وتلقتهم الحورُ الخَفِرَاتُ بلا نِقاب، لا نقص عندهم ولا عاب، ولا شَرَدَ عنهم مطلوبٌ
(1) رواه البخاري (5949).
ولا غاب، ولا يعتري شيبٌ ذاك الشباب، طابت الدار، ودار ذاك الشراب، وغنت الغناء فرنَّت القِباب، وسمعوا من الغناء ما أغنى عن عُودٍ ورَباب، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} .
فتح لهم باب الرضا فدخلوا، ومُهِّدَت لهم المساكنُ فنزلوا، وإليه ثم والله لقد وصلوا إِلَى ما لم يكن في الحساب {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف: 71].