الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي عشر
في ذكر التفكر
قال الله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191].
قيل لإبراهيمَ بنِ أدهمَ: إنك تُطيل الفكرة، قَالَ: الفكرةُ مخُّ العمل (1). وقال بِشْرٌ الحافي: لو تفكّر الناسُ في عظمة الله، ما عَصَوهُ، ومن تفكر في خلق نفسِه، دهش، أو في إمساكِ الأرضِ بالجبال، وانظر إِلَى أقلِّ الأشياء، وهو العنكبوت، كيف تبني بيتاً في موضعين متقاربين؟! حَتَّى يمكنها أن تصل الخيط بين طرفيها، فإذا أحكمت المعاقد، اشتغلت بالجمع، وتجعل ذلك شباكة للذباب، فإن عجزت عن الصيد، علّقت نفسَها بخيط، وتنكس، فإذا قاربها ذباب، رمت نفسَها إليه، ولفّت خيطَها على رجليه، أفتراها تعمل هذه الصناعة من نفسها؟!
وذكر القزويني في "عجائب المخلوقات": أن للعنكبوت أنواعاً كثيرة.
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 109).
وكذا الفأر، إلا أنه ذُكر منه صنف يجيء منه مسكٌ خير من مسك الغزلان بعشرة أمثاله.
والنحل تعمل لها ملكاً يهندس لحكم العمل، وتعمل بواباً لا يدع أحداً يدخل وعليه نجاسة.
ما مَرَّ يَوْلم عَلَى حَيٍّ وَلا ابْتكرَا
…
إِلا رَأَى عِبَراً فِيهِ إِنِ اعتبَرَا
وَما مَضَتْ سَاعَةٌ في الدَّهْرِ وانْصَرَفَتْ
…
حَتَّى تُؤَثِّرَ في قَوْمٍ لَها أثَرَا
إِنَّ اللَّيَالِيَ وَالأيَّامَ لَوْ سُئِلَتْ
…
عَنْ عَيْبِ أنْفُسِها لَمْ تكتُمِ الخَبَرَا
يا هذا! تفكَّر في أمرك، وانقضاءِ عمرك، وإخراجِك من قصرك، والوزرِ الذي على ظهرك، ومحاسبتِك على سرِّك وجهرك.
عن أبي بكبر القرشيِّ، قال: كان رجل من أهل النعمة واليسار، له جارية كان بها مشغوفاً، وكان يتمنى الولدَ منها، فمكثت عندَه سنتين، ثم إنها اشتملت على حملٍ، فاشتد [فرحُه] بذلك، وطالت عليه الأيام؛ لشوقه إِلَى ولدها، حَتَّى إذا دخلت شهرَها، وَحَزَبَها الطلقُ، عرضت له علة، فمرض أياماً يسيرةً، وهي في طُلْقها، ثم إن الموتَ نزلَ به، وولدتِ الجارية غلاماً في الليلة التي مات منها، فقال رجل من قريش، يعتبر بذلك:
فِيمَنْ مَضَى لَكَ إِنْ فَكَّرْتَ مُعتبَرُ
…
وَفي اللَّيَالِي وَفي الأيَّامِ مُدَّخَرُ
بيْنَا الفَتَى بِلَذِيذِ العَيْشِ مُغْتَبِطٌ
…
إِذْ صَار في القَبْرِ لا عينٌ وَلا أثَرُ
لوْ لَمْ يَرَ المرءُ إِلا ما يُعَايِنُهُ
…
لَكَانَ فيهِ لَهُ وَعْظٌ وَمُزْدَجَرُ
أما رَأَيْتَ ابن حَفْصٍ يَرتَجِي ذَكَراً
…
مِنْ مُنْبِهٍ زَانَها مَعَ دِلِّها الخَفَرُ
لمَّا دَنَا دك مِنْها وافتَلا فَرَحاً
…
وَمَدَّ عَيْنَيْهِ لِلمَوْلُـ[ـو] دِ يَنْتَظِرُ
إذا المَنِيَّةُ وَافَتْهُ تركت
…
والصَّفْوُ لا بُدَّ مَقْرُونٌ بِهِ الكَدَرُ
فهُوْ يُعَالِجُ كَرْبَ المَوْتِ مُشْتَغِلاً
…
وَتلْكَ في الطَّلْقِ قَدْ حَلَّتْ بِها الغِيَرُ
لم يَلْبَثِ المَرء حَتَّى مَجَّ مُهْجَتَه .... وَأَتْبَعَ المَيْتَ مَوْلُودٌ لَهُ ذَكَرُ
يا يتمَهُ قَبْلَ أَخْذِ القَابِلاتِ لَه
…
أَضْحَى يَميماً وَلَم تُقْطَعْ لَهُ السُّرَرُ
منْ ذَا حَفِيَّاً بِهِ مَنْ ذَا يُسَرُّ بِه
…
لا يَعْرِف الأبُ أن الفَيْ لَهُ عَبَرُ
[.........] فاصطَبِروا .... فَالصَّبْرُ أَفْضَلُ شَيءٍ نَالَهُ البَشَرُ