الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثّالث عشر
فيما جاء في ليلة النصف من شعبان
عباد الله! ليلتكم هذه ليلة النصف عظيمةُ القدر، عجيبةُ الوصف، يطَّلع الله فيها على العباد، فيغفر لهم، ما خلا أهلَ العناد.
روي: أنّ الله عز وجل "يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا المُشْرِكَ، وَالمُشَاحِنَ"(1).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَطَّلِعُ الله إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ، إِلا اثنيْنِ: مُشَاحِنٌ، وَقَاتِلُ النَّفْسِ"(2).
قَالَ ابن الجوزيِّ: المشاحِنُ: الذي بينه وبين المسلم عداوة.
وقد قَالَ الأوزاعي: هو الذي في قلبه شحناءُ لأصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنّه قَالَ: "خَمْسُ لَيَالٍ لا يُرَدُّ فِيهِنَّ
(1) رواه ابن ماجه (1390) عن أبي موسى رضي الله عنه.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 176) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
الدُّعَاءُ"، فذكرَ منهن ليلةَ النصفِ من شعبان (1).
سَهْمُ المَنَايا أَبَداً صَائِبٌ
…
يَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ مُسْتَعْرِضَا
بَيْنَ الفَتَى في عَيْشِهِ نَاعِمٌ
…
تَغُرُّهُ الأيَّامُ حَتَّى قَضَى
أين الحبيبُ والخليل؟ ودّعا، أين الرفيقُ؟ رحل عنكم [و] ودَّعا، اسمعوا عظةَ الزمان إن كنتم تسمعون، وتأملوا تقلب الأحوال إن كنتم تبصرون.
تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيا فَإِنَّكَ هَالِكُ
…
وَتَتْرُكُ لِلأَعْدَاء ما أَنْتَ مَالِكُ
وَوَسِّعْ طَرِيقاً أَنْتَ سَالِكُهُ غَداً
…
فَلا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَضِيقُ المَسَالِكُ
اجتهدوا الليلةَ في محو ذنوبكم، واستغيثوا إِلَى مولاكم من عيوبكم، هذه ليلة الإنابة، فيها تفتح أبواب الإجابة، أين اللائذُ بالجناب؟
أين المتعرضُ بالباب؟ أين الباكي على ما جنى؟ أين المستغفر لما قد دنا؟
تَعَالَوْا كُلّ مَنْ حَضَرَا
…
لِنَطْرُقَ بَابَهُ سَحَرا
(1) انظر: "التبصرة" لابن الجوزي (2/ 61 - 62).
وَنَبْكِي كُلُنا أَسَفاً
…
عَلَى مَنْ بَاتَ قَدْ هُجِرَا
إن الله يغفر ليلةَ النصف لعباده إلا مشاحن، وقاتل النفس، فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في ليلة النصف لذكر الله، ودعائِه لغفران الذنوب، وستر العيوب، وتفريج الكروب.
خَابَ عبد بَارَزَ المَوْ
…
لَى بِأسبَابِ المَعَاصِي
وَيْحَهُ مِما جَنَاهُ
…
لَمْ يَخَفْ يَوْمَ القِصَاصِ
كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلِهِ
…
وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
يا ذَا الَّذِي ما كَفَاهُ الذَّنْبُ في رَجَبٍ
…
حَتَّى عَصَى رَبَّهُ في شَهْرِ شَعْبَانِ
لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُما
…
فَلا تُصَيِّرْهُ أَيْضاً شَهْرَ عِصْيَانِ
وَاقْرَا القُرَانَ وَسَبِّحْ فِيهِ مُجْتَهِداً
…
فَإِنَّهُ شَهْرُ تَسْبِيحٍ وَقُرْآنِ
هذه ليلةٌ أمرُها عظيم، والخيرُ فيها جزيلٌ عميم، وكفى وصفُها في الكتاب القديم، {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} .