الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثّاني عشر
في ذكر شهر شعبان
عبادَ الله! قد أقبل عليكم شهرٌ مباركُ الأيام، وهو سببٌ لمحو الذنوبِ والآثام، وفيه يتوفر جزيل الفضل والإنعام، ويكتب أسماء من يموت في هذا العام.
عن عائشة رضي الله عنها، قَالَت: ما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهرٍ من السنة أكثرَ من شعبانَ (1).
وعن عائشة أيضاً، قَالَت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ شعبانَ كلَّه حَتَّى يصلَه برمضان (2).
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"تُقْطَعُ الآجَالُ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ، وَيُولَدُ لَهُ، وَقَدْ خَرَجَ اسْمُهُ في المَوْتَى"(3).
(1) رواه البخاري (1869)، ومسلم (782).
(2)
رواه ابن ماجه (1649)، وابن حبان في "صحيحه"(3643).
(3)
رواه الطبري في "تفسيره"(25/ 109)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3839)، عن المغيرة بن الأخنس، مرسلاً.
فيا أيها الغافل! تنبه لرحيلك ومسراك، واحذر أن تسلب على موافقة هواك.
قَدْ آنَ بَعْدَ ظَلامِ الجَهْلِ إِبْصَارِي
…
الشَّيْبُ أَصْبَحْ يُنَاجِيني بِإِسْفَارِ
لَيْسَ السَّعِيدُ الَّذِي دُنْيَاهُ تُسْعِدُهُ
…
إِنَّ السَّعِيدَ الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّارِ
لقد بلغت المواعظ، وبلغت أي بلاع، وأي بلوغ وأنت تتلون هكذا وهكذا ثم تروغ! إياكَ وسؤرَ الهوى، فسؤرُ الهوى ما يسوغ.
إخواني! سلوا المقابر بألسنةِ الفِكْرة، تجيبكم بألسنةِ العِبْرة، أما يكفي العاقلَ تجاربُه؟! أما [أ] يقظَ الفطنَ نوائبُه؟! غلبَ الموتُ فمن ذا يغالبه؟! قهر الخلق فمن ذا يحاربُه؟!
كأنكم به قد دبَّتْ عقاربُه، قل للمفرِّطِ، وقد حانتْ مصائبُه: القلبُ غائبٌ فكيف تعاتبه؟!
وَمَكَاسِبُ الدُّنْيا وَإِنْ كَثُرَتْ فَما
…
تبقى سِوَى تَبِعَاتِهَا وَالمَأْثَمِ
فَعَلَيْكَ بِالفِعْلِ الجَمِيلِ فَإِنَّهُ
…
أُنْسُ المُقِيمِ غَداً وَزَادُ المُعْدِمِ
يا قليلَ النظر في أمرِه، يا غافلاً عن ذكرِ قبره، أما نقل الموتُ واحداً واحداً؟ وها هو قد أضحى نحوَكَ قاصداً، كم سلب ولداً، وأخذَ والداً! إِلَى متى تصبح جاهلاً، وتمسي مارداً؟ وتُحَضُّ علئ النهوض،
وما تبرَحُ قاعداً! لقد رضيتَ لنفسكَ الغبينَة، وبعتَ الدارَ الشريفةَ بالدارِ المَهينَة، وأعجبَك مع عقلِك ما يعجبُ الأطفالَ من الزينة، أتراك ما علمتَ أن الدنيا صحبةُ سفينة؟!
عَجِبْتُ لطالِبِ الأمْرِ البَصِيرِ بِما
…
فِيهِ مِنَ الغَيِّ إِذْ يَسْعَى لَهُ طَلَبَا
وَلِلمُدَاوِي ضَنَى جِسْمٍ عَرَاهُ وَقَدْ
…
دَعَا إِلَى نَفْسِهِ الأوْجَاعَ وَالوَصَبَا
إِذَا أتيْتَ المَعَاصِي فَاخْشَ غَايَتَهَا
…
مَنْ يَزْرعِ الشَّوْكَ لا يَحْصُدْ بِهِ عِنَبا (1)
• • •
(1) انظر: "التبصرة" لابن الجوزي (2/ 56 - 58).