المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجّوا، فأنزل الله: {وَمَنْ كَفَرَ - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٤

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌الرّد على اليهود في تحريم بعض الأطعمة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منزلة البيت الحرام وفرضية الحج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إصرار أهل الكتاب على الكفر وصدهم عن سبيل الله

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيه المؤمنين إلى الحفاظ على الشخصيةوالاعتصام بالقرآن والإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وتأكيد النّهي عن التّفرّق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سبب خيرية الأمة الإسلامية وضرب الذلة والمسكنة على اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (110):

- ‌نزول الآية (111):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفئة المؤمنة من أهل الكتاب والثواب على أعمالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضياع أعمال الكافرين يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الثقة بالكفار واطلاعهم على الأسراروموقفهم الثابت من المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غزوة أحدتنظيم الجيش الإسلامي والتذكير بالنصر في غزوة بدر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}:

- ‌المناسبة:

- ‌ غزوة بدر

- ‌نبذة يسيرة عن غزوتي بدر وأحد:

- ‌غزوة أحد:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إرشادات للمؤمنين بفعل الخيراتوترك المنكرات وجزاء الطائعين والعصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (130):

- ‌نزول الآية (135):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المكذّبين والمتّقين وتوفير العزّة للمؤمنين بالجهاد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (139):

- ‌نزول آخر الآية (140):

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عتاب لبعض أهل أحد بقدسية الجهاد وضرورة الثبات على المبدأوتذكير بأن الموت بإذن الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (143):

- ‌نزول الآية (144):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التحذير من طاعة الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (149):

- ‌نزول الآية (151):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسباب انهزام المسلمين في أحد وتفرقهم بعد وعدهم بالنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (154):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحذير المؤمنين من أقوال المنافقين وترغيبهم في الجهاد وبيان فضله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالرفق والعفو والمشاورةوالوعد بالنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌لمفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدالة النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم ومهامه في إصلاح أمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أخطاء المؤمنين في غزوة أحد وبعض قبائح المنافقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منزلة الشهداء المجاهدين في سبيل الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (169):

- ‌نزول الآية (172):

- ‌تاريخ غزوة حمراء الأسد:

- ‌تاريخ غزوة بدر الصغرى:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إزالة الحزن من قلب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد ومناقشة الكفاروالبخلاء وتمييز الخبيث من الطيب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (179):

- ‌سبب نزول الآية (180):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض قبائح اليهود من نسبة الفقر إلى الله وتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الموت مصير كل نفس والثواب يوم القيامة والابتلاء في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أخذ الميثاق على أهل الكتاب بالبيان للناسومحبتهم المدح بغير موجب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيه النفوس نحو التفكر في خلق السموات والأرضوجزاء العاملين ذكورا وإناثا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (190):

- ‌نزول الآية (195):

- ‌المناسبة:

- ‌فضل هذه الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الكافرون والأتقياء ومؤمنو أهل الكتاب وجزاء كل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (196):

- ‌نزول الآية (199):

- ‌نزول الآية (200):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النساء

- ‌مدنيتها:

- ‌فضلها:

- ‌مناسبتها لآل عمران:

- ‌لتسمية:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌وحدة الأصل الإنساني ووحدة الزوجين ورابطة الأسرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيتاء اليتامى أموالهم وتحريم أكلها

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة تعدد الزوجات إلى أربع ووجوب إيتاء المهر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (3):

- ‌نزول الآية (4):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكمة من تعدد الزوجات:

- ‌أسباب تعدّد زوجات النّبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الحجر على السفهاء والصغار ونحوهموعدم تسليم المال إليهم إلا بالرشد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حقوق الورثة في التّركةوحقوق المحتاجين والأيتام والقرابة غير الوارثين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (7):

- ‌نزول الآية (10):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آيات المواريث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان والأحكام:

- ‌حقوق الأولاد في الميراث:

- ‌ميراث الوالدين:

- ‌تقديم الديون ثم الوصايا:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الكلالة:

- ‌أحكام أخرى من آيات المواريث:

- ‌حدود الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الفاحشة في مبدأ التشريع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌عقوبة الزانيات:

- ‌عقوبة الزناة:

- ‌الأحكام:

- ‌وهل يجتمع النفي مع الجلد

- ‌حالة قبول التوبة ووقتها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معاملة النساء في الإسلامتحريم إرث النساء كرها والعضل عن الزواج وأخذ شيء من المهوركرها والمعاشرة بالمعروف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحق الأول-تحريم إرث ذات النساء:

- ‌الحق الثاني-عضل المرأة:

- ‌الحق الثالث-المعاشرة بالمعروف:

- ‌الحق الرابع-حق المرأة في كامل المهر:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحارم من النساء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أولا-النكاح المقت:

- ‌ثانيا-المحرمات بسبب قرابة النسب أو المصاهرة أو الرضاع:

- ‌1 - نكاح الأصول:

- ‌2 - نكاح الفروع:

- ‌3 - نكاح الحواشي القريبة والبعيدة:

- ‌4 - ما يحرم بسبب الرضاع:

- ‌5 - ما يحرم بسبب المصاهرة:

- ‌6 - ما يحرم بسبب عارض:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجّوا، فأنزل الله: {وَمَنْ كَفَرَ

لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجّوا، فأنزل الله:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} .

وقد ذكرت عن مجاهد سبب نزول آية {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} في مقدّمة تفسير الآيات السابقة.

‌التفسير والبيان:

إنّ البيت الحرام قبلة المسلمين في الصلاة والدعاء: هو أوّل بيت وضع معبدا للناس، بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للعبادة:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ} [البقرة 127/ 2]، ثمّ بني المسجد الأقصى بعد ذلك بقرون، بناه سليمان بن داود سنة 1005 قبل الميلاد، فكان جعله قبلة أولى، فيكون النّبي صلى الله عليه وسلم على ملّة إبراهيم الذي كان يتّجه بعبادته إلى الكعبة المشرّفة.

فالبيت الحرام أول بيت عبادة، وهي أولية زمان، تستتبع أولية الشرف والمكانة، وله مزايا عديدة هي:

1 -

إنه مبارك كثير الخيرات، فهو بالرغم من كونه في واد غير ذي زرع، بصحراء جرداء، كما قال تعالى:{يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص 57/ 28]، ففيه الخضار والفواكه ومنتجات الدّنيا، وهو أيضا كثير البركة في الثواب والأجر، ففيه تضاعف الحسنات، ويستجاب الدّعاء.

2 -

إنه مصدر هداية للناس، يتّجه إليه المصلّون، وتهواه الأفئدة، ويزحف إليه الملايين مشاة وركبانا، يأتون إليه من كلّ فجّ عميق، لأداء مناسك الحجّ والعمرة، ببركة دعوة إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ، لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم 37/ 14]، وقد

ص: 12

أجاب الله دعاء إبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ..} . الآية [الحجّ 27/ 22 - 28].

3 -

فيه آيات واضحات، منها مقام إبراهيم (موضع قيامه للصلاة والعبادة) تعرفه العرب بالنقل المتواتر جيلا عن جيل، ويدلّ عليه أثر قدمه الشريف على الحجر.

4 -

ومن دخله كان آمنا على نفسه وماله من أي اعتداء وإيذاء، فلا يسفك فيه دم حرام، ولا يقتل الشخص فيه ولو كان مطلوبا للثأر أو القصاص، لقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت 67/ 29]، وقوله:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} [القصص 57/ 28]، وقوله:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً} [البقرة 125/ 2]، وكما دعا إبراهيم عليه السلام:{رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة 126/ 2]. وقال عمر بن الخطاب: «لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه» .

وقال أبو حنيفة: «من وجب قتله في الحلّ بقصاص أو ردّة أو زنا، فالتجأ إلى الحرم، لم يتعرّض له، إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه» . واتّفقت قبائل العرب على تعظيمه واحترامه، بنسبته إلى الله، حتى إن القاتل اللاجئ إلى الحرم يصير فيه آمنا ما دام فيه.

قال الجصاص الرازي: «هذه الآي متقاربة المعاني في الدلالة على حظر قتل من لجأ إلى الحرم، وإن كان مستحقا للقتل قبل دخوله، ولما عبّر تارة بذكر البيت، وتارة بذكر الحرم، دلّ على أنّ الحرم في حكم البيت في باب الأمن ومنع قتل من لجأ إليه»

(1)

.

وقد أقرّ الإسلام ميزة البيت الحرام. وأما ما كان من فتح مكّة عنوة بالسّيف

(1)

أحكام القرآن: 23/ 1

ص: 13

فكان لضرورة تطهيره من الشّرك، ولأجل أن يعبد الله وحده، واستحلّ ساعة من نهار لم تحلّ لأحد بعد النّبي صلى الله عليه وسلم، ثم

أعلن النّبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في السيرة:

«من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» .

وأما ما حدث أيام الحجاج فهو شذوذ لم يقرّه عليه أحد، ولم يعتقد أحد حل ما فعل بابن الزّبير، وإنما هو ظلم وإلحاد فيه:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} [الحج 25/ 22].

وأما بعض حوادث الاعتداء على الأنفس والأموال فهو فعل الفجار الفساق الذين لم يرعوا لله حرمة في كعبة ولا غيرها.

وأما ما أجازه الإمامان مالك والشافعي من الاقتصاص من القاتل عمدا في الحرم كله فهو عقوبة حقّ وعدل أمر بها القرآن الكريم، لا تجاوز فيها على أحد.

واتّفق أهل العلم على أنه إذا قاتل أحد في الحرم قتل، قال الله تعالى:

{وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة 191/ 2]، ففرّق بين الجاني في الحرم وبين الجاني في غيره إذا لجأ إليه. روي عن ابن عبّاس وبان عمر وغيرهما من الصّحابة والتابعين، فيمن قتل غيره ثم لجأ إلى الحرم: إنه لا يقتل. قال ابن عبّاس: «ولكنه لا يجالس ولا يؤوى ولا يبايع حتى يخرج من الحرم فيقتل، وإن فعل ذلك في الحرم أقيم عليه الحدّ»

(1)

.

5 -

ومن مزايا البيت الحرام تجمع الحجيج فيه وجعل الحجّ واجبا على المسلمين، فيجب الحجّ على المستطيع منهم، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفي هذا تعظيم للبيت. واستطاعة السبيل إلى الشيء: إمكان الوصول إليه، والسبيل عام يشمل الشيء البدني والمالي، فالحج فريضة على كلّ مسلم ما لم يوجد مانع من

(1)

المرجع السابق: ص 21

ص: 14

الوصول إلى الحرم، سواء أكان بدنيا أم ماليا أم بدنيا وماليا، فالبدني: كالمرض والخوف على النفس من العدو ومن السّباع، أي ألا يكون الطريق مأمونا.

والمالي كفقد الزّاد والرّاحلة إذا كان ممن يتعسّر عليه الوصول إلى البيت إلا بزاد وراحلة. والبدني والمالي معا: فقد الزّاد والراحلة والمرض أو عدم أمن الطريق.

وقد اتّفق أكثر العلماء على أنّ الزّاد والرّاحلة شرطان في الاستطاعة، بدليل

ما رواه علي عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه الترمذي من حديث ضعيف: «من ملك زادا وراحلة تبلّغه بيت الله، ولم يحجّ، فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا» ، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه:{وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} . وفسّر الصحابة كابن عمر وغيره استطاعة السبيل:

بالزّاد والرّاحلة.

{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} أي من جحد كون هذا البيت أول بيت وضع للعبادة، ولم يمتثل أمر الله في الحجّ، فإن الله غير محتاج إليه، إذ هو الغني عن جميع العالمين. والجمهور حملوا ذلك على تارك الحجّ إعراضا عنه مع توافر الاستطاعة، بدليل

قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وفيه ضعف: «من مات ولم يحجّ، فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا» . وبدليل

ما روي عن الضّحّاك في سبب النزول قال: لما نزلت آية الحج جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان الستّة: المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمشركين والمجوس وقال فيما رواه أحمد وسلم والنسائي: «إنّ الله كتب عليكم الحج، فحجّوا» فآمن به المسلمون، وكفر به الباقون، وقالوا: لا نؤمن به ولا نصلّي ولا نحجّ، فأنزل الله قوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ} .

والغرض من الآية والأخبار التنفير من ترك الحجّ والتغليظ على المستطيعين حتى يؤدّوا الفريضة.

ص: 15