الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها، يشركها في مالها، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوّجها من غير أن يقسط في صداقها؛ فلا يعطيها مثل ما يعطى أترابها من الصداق، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع.
وقال سعيد بن جبير وقتادة والرّبيع والضّحّاك والسّدّي: كانوا يتحرّجون عن أموال اليتامى ويترخّصون في النّساء، ويتزوّجون ما شاؤوا، فربّما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما سألوا عن اليتامى، فنزلت آية اليتامى:{وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} الآية، أنزل الله تعالى أيضا:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى} يقول: كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء ألا تعدلوا فيهنّ، فلا تتزوّجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهنّ؛ لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز.
وهذا قول ابن عبّاس في رواية الوالبي (علي بن ربيعة بن نضلة ثقة من كبار الثالثة).
نزول الآية (4):
{وَآتُوا النِّساءَ} : أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوّج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك، فأنزل:{وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً} .
التفسير والبيان:
موضوع الآية يتحدد بحسب النزول فهو إما في التزوّج بالنساء غير اليتيمات، أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه.
وإما في العدل بين النساء ومنع إلحاق الظلم بهنّ حالة التعدد، أي أنه لما نزلت آية:{وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} تحرج الأولياء من ولايتهم مع أنهم كانوا
لا يتحرّجون من ترك العدل في حقوق النساء، حيث كان تحت الرجل عشرة منهن، لا يعدل بينهن، فقيل لهم: إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى، فتحرجتم، فخافوا أيضا ترك العدل بين النساء، وقللوا عدد المنكوحات منهن؛ لأن من تحرّج من ذنب، وهو مرتكب مثله، فهو غير متحرج.
والمراد من الخوف: العلم، عبر بذلك إيذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا.
أي إن علمتم وأحسستم من أنفسكم إلحاق الظلم باليتامى بعدم إعطائهن مهورهن، أو بأكل أموال الأيتام بالباطل، فعليكم ألا تتزوّجوا باليتيمة، وتزوّجوا بغيرها من النساء واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا، أو عليكم أن تعدلوا بين النساء حال التعدد، فلا تتزوجوا بأكثر من أربع لتتمكنوا من العدل والقسم بينهن، وتكون أحوال الرجال زمرا متنوعة، فمنهم من يتزوّج اثنتين، ومنهم من يتزوّج ثلاثا، ومنهم من يتزوّج أربعا، وعدد الأربع هو الحدّ الأقصى الذي يمكن معه العدل بين الزوجات.
والأمر في قوله: {فَانْكِحُوا} للإباحة، مثل قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة 187/ 2 وغيرها]، وقيل: للوجوب أي وجوب الاقتصار على العدد المأخوذ من قوله تعالى: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} لا وجوب أصل النكاح.
وقوله: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} تدلّ كلّ كلمة منها على المكرر من نوعها، فمثنى تدلّ على اثنين اثنين، وثلاث تدلّ على ثلاثة ثلاثة، ورباع تدلّ على أربعة أربعة، والمراد منها الإذن لكلّ من يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور، متّفقين فيه أو مختلفين.
ثمّ أكّد الله تعالى ضرورة التزام العدل بين الزوجات المتعددات، المفهوم من قوله {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا..} . فذكر أنه إن خفتم ألا تعدلوا حال تعدّد الزوّجات،
فعليكم أن تلزموا الزوّاج بواحدة، فإن الذي يباح له التعدّد هو من يثق بنفسه بتحقيق العدل المأمور به صراحة في قوله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء 129/ 4]. وقد يحمل هذا على العدل في ميل القلب، ولولا ذلك لكان مجموع الآيتين منتجا عدم جواز التعدّد بوجه ما.
والخوف من عدم العدل يشمل حال الظنّ والشّك في ذلك. فإما أن تقتصروا على واحدة من الحرائر أو تقتصروا على الاستمتاع بما تشاؤون من الإماء (السّراري) بطريق التّسري لا بطريق النكاح لعدم وجوب العدل بينهن، وإنما المطلوب فقط حقّ الكفاية في نفقة المعيشة بحسب العرف.
ذلك أي اختيار الواحدة أو التّسري أقرب إلى الوقوع في عدم الجور والظلم، فالمراد من قوله:{أَلاّ تَعُولُوا} ألا تجوروا. وحكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه فسّر {أَلاّ تَعُولُوا} بألا تكثر عيالكم، نقل الكسائي والأصمعي والأزهري عن فصحاء العرب: عال يعول: إذا كثرت عياله.
والخلاصة: إن البعد عن الجور سبب في تشريع الاقتصار على واحدة أو على التّسري، وفيه إشارة إلى اشتراط العدل بين الزوجات. والعدل المطلوب بين النساء هو العدل المادي أي القسم بينهن في المبيت، والتّسوية في نفقات المعيشة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن. أما العدل المعنوي أو الأمر القلبي وهو الميل والحبّ فغير مطلوب؛ لأنه ليس في وسع الإنسان ولا يدخل في حدود طاقته. لذا كان الرّسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يميل إلى عائشة أكثر من غيرها
يقول فيما ذكرته السنن عن عائشة: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك» أي من ميل القلب.
وإذا خاف الشخص عدم العدل حرم عليه أن يتزوّج أكثر من واحدة.
ثم خاطب الله الأزواج فأمرهم بإعطاء الزّوجات مهورهن عن طيب نفس دون تلكؤ، رمزا للمودّة التي تقوم بين الزّوجين، وعنوانا على المحبة وتكريم