الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
موضوع هذه الآيات بتعبير العصر: تقوية الرّوح المعنوية للمؤمنين، وجعلها عالية سامية لا تتأثر ولا تهتز بأحداث المعارك والقتال. وفي تعبير المفسّرين: هذا تسلية من الله تعالى للمؤمنين.
وهي تذكرهم بسنّة الله الدّائمة في الكون، وهي ارتباط الأسباب بالمسببات، مع الإيمان بالقدرة المطلقة لله في إيجاد ما يشاء، إنها تذكير بهلاك من كذب قبلنا أنبياءهم كعاد وثمود، والعاقبة أي آخر الأمر للمؤمنين، فإن انتصر المشركون يوم أحد، فهذا إمهال واستدراج، وسيكتب النّصر النهائي للنّبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وسيهلك أعداؤهم الكافرون.
ثمّ عزّى الله المؤمنين وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح، وحثّهم على قتال عدوّهم، ونهاهم عن العجز والفشل والقعود عن جهاد الأعداء، فإن الهزيمة أو المصيبة تذكر بضرورة تصحيح الأخطاء، وتهيئ لدراسة عميقة لمستقبل الأحداث، وتخطط لمعارك كثيرة، يكون الماضي خير درس وعبرة فيها، وعندئذ تكون العاقبة بالنصر والظفر للمؤمنين إذا أحسنوا الإعداد، واستفادوا من أخطاء الماضي.
وتحقق وعد الله للمؤمنين بأنهم الأعلون أي الغالبون على الأعداء بعد أحد، فكان النّصر والظّفر في المعارك المتوالية، في عهد النّبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصحابة من بعده أيضا. وهذا دليل على فضل هذه الأمّة: لأنه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه، فقال لموسى عليه السلام:{إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى} [طه 68/ 20]، وقال لهذه الأمّة:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} .
وتداول الأيام بين الناس في الحرب، فيكون النّصر مرّة للمؤمنين لنصر الله عز وجل، ومرّة للكافرين إذا عصى المؤمنون، إنما هو ليرى المؤمن من المنافق،
فيميز بعضهم من بعض، كما قال تعالى:{وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، فَبِإِذْنِ اللهِ، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا} [آل عمران 166/ 3].
ومن فوائد المداولة: إكرام قوم بالشّهادة، فيقتلون، فيكونون شهداء على النّاس بأعمالهم، وليصيروا مشهودا لهم بالجنّة، وللشهادة فضل عظيم، كما قال تعالى:
{إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.} . [التوبة 111/ 9]، وقال:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} إلى قوله: {ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصّف 10/ 61 - 12]. و
في صحيح البستي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من القرحة» .
ودلّ قوله: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ} على أن الإرادة غير الأمر، كما يقول أهل السّنة، فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين: حمزة وأصحابه، وأراد قتلهم، ونهى آدم عن أكل الشجرة، وأراده، فواقعه آدم، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرده، فامتنع منه، وأشار تعالى لذلك:{وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة 46/ 9]. وأمر تعالى الجميع بالجهاد، ولكنه خلق الكسل والأسباب القاطعة عن المسير، فقعدوا.
ودلّ قوله: {وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ} أي المشركين على أنه تعالى وإن حقق نصر الكفار على المؤمنين مرة، فهو لا يحبّهم ويعاقبهم، وإن أوقع ألما بالمؤمنين فإنه يحبّهم ويثيبهم.
وتتلخّص نتيجة المداولة بين المؤمنين والكفار في الحروب: أن الله شرع اللقاء ليبتلي المؤمنين ويثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم، ويستأصل الكافرين بالهلاك.