المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نقتل، لكنّا أخرجنا كرها. فرد الله عليهم: {قُلْ: لَوْ كُنْتُمْ - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٤

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌الرّد على اليهود في تحريم بعض الأطعمة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منزلة البيت الحرام وفرضية الحج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إصرار أهل الكتاب على الكفر وصدهم عن سبيل الله

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيه المؤمنين إلى الحفاظ على الشخصيةوالاعتصام بالقرآن والإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وتأكيد النّهي عن التّفرّق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سبب خيرية الأمة الإسلامية وضرب الذلة والمسكنة على اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (110):

- ‌نزول الآية (111):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفئة المؤمنة من أهل الكتاب والثواب على أعمالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضياع أعمال الكافرين يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الثقة بالكفار واطلاعهم على الأسراروموقفهم الثابت من المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غزوة أحدتنظيم الجيش الإسلامي والتذكير بالنصر في غزوة بدر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}:

- ‌المناسبة:

- ‌ غزوة بدر

- ‌نبذة يسيرة عن غزوتي بدر وأحد:

- ‌غزوة أحد:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إرشادات للمؤمنين بفعل الخيراتوترك المنكرات وجزاء الطائعين والعصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (130):

- ‌نزول الآية (135):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المكذّبين والمتّقين وتوفير العزّة للمؤمنين بالجهاد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (139):

- ‌نزول آخر الآية (140):

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عتاب لبعض أهل أحد بقدسية الجهاد وضرورة الثبات على المبدأوتذكير بأن الموت بإذن الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (143):

- ‌نزول الآية (144):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التحذير من طاعة الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (149):

- ‌نزول الآية (151):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسباب انهزام المسلمين في أحد وتفرقهم بعد وعدهم بالنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (154):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحذير المؤمنين من أقوال المنافقين وترغيبهم في الجهاد وبيان فضله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالرفق والعفو والمشاورةوالوعد بالنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌لمفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدالة النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم ومهامه في إصلاح أمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أخطاء المؤمنين في غزوة أحد وبعض قبائح المنافقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منزلة الشهداء المجاهدين في سبيل الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (169):

- ‌نزول الآية (172):

- ‌تاريخ غزوة حمراء الأسد:

- ‌تاريخ غزوة بدر الصغرى:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إزالة الحزن من قلب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد ومناقشة الكفاروالبخلاء وتمييز الخبيث من الطيب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (179):

- ‌سبب نزول الآية (180):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض قبائح اليهود من نسبة الفقر إلى الله وتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الموت مصير كل نفس والثواب يوم القيامة والابتلاء في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أخذ الميثاق على أهل الكتاب بالبيان للناسومحبتهم المدح بغير موجب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيه النفوس نحو التفكر في خلق السموات والأرضوجزاء العاملين ذكورا وإناثا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (190):

- ‌نزول الآية (195):

- ‌المناسبة:

- ‌فضل هذه الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الكافرون والأتقياء ومؤمنو أهل الكتاب وجزاء كل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (196):

- ‌نزول الآية (199):

- ‌نزول الآية (200):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النساء

- ‌مدنيتها:

- ‌فضلها:

- ‌مناسبتها لآل عمران:

- ‌لتسمية:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌وحدة الأصل الإنساني ووحدة الزوجين ورابطة الأسرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيتاء اليتامى أموالهم وتحريم أكلها

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة تعدد الزوجات إلى أربع ووجوب إيتاء المهر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (3):

- ‌نزول الآية (4):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكمة من تعدد الزوجات:

- ‌أسباب تعدّد زوجات النّبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الحجر على السفهاء والصغار ونحوهموعدم تسليم المال إليهم إلا بالرشد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حقوق الورثة في التّركةوحقوق المحتاجين والأيتام والقرابة غير الوارثين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (7):

- ‌نزول الآية (10):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آيات المواريث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان والأحكام:

- ‌حقوق الأولاد في الميراث:

- ‌ميراث الوالدين:

- ‌تقديم الديون ثم الوصايا:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الكلالة:

- ‌أحكام أخرى من آيات المواريث:

- ‌حدود الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الفاحشة في مبدأ التشريع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌عقوبة الزانيات:

- ‌عقوبة الزناة:

- ‌الأحكام:

- ‌وهل يجتمع النفي مع الجلد

- ‌حالة قبول التوبة ووقتها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معاملة النساء في الإسلامتحريم إرث النساء كرها والعضل عن الزواج وأخذ شيء من المهوركرها والمعاشرة بالمعروف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحق الأول-تحريم إرث ذات النساء:

- ‌الحق الثاني-عضل المرأة:

- ‌الحق الثالث-المعاشرة بالمعروف:

- ‌الحق الرابع-حق المرأة في كامل المهر:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحارم من النساء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أولا-النكاح المقت:

- ‌ثانيا-المحرمات بسبب قرابة النسب أو المصاهرة أو الرضاع:

- ‌1 - نكاح الأصول:

- ‌2 - نكاح الفروع:

- ‌3 - نكاح الحواشي القريبة والبعيدة:

- ‌4 - ما يحرم بسبب الرضاع:

- ‌5 - ما يحرم بسبب المصاهرة:

- ‌6 - ما يحرم بسبب عارض:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: نقتل، لكنّا أخرجنا كرها. فرد الله عليهم: {قُلْ: لَوْ كُنْتُمْ

نقتل، لكنّا أخرجنا كرها. فرد الله عليهم:{قُلْ: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ.} .

الآية، أي أن من قدّر عليه القتل قاده أجله إلى الخروج في مكان فقتل فيه، ولم ينجه قعوده في منزله؛ لأن قضاءه تعالى كائن لا محالة.

‌التفسير والبيان:

والله لقد وفي لكم ربكم وعده النصر على العدو حين أخذتم تقتلونهم قتلا ذريعا وتفتكون بهم فتكا بتأييد الله ومعونته ومشيئته وإرادته.

صدقكم الله وعده، حتى إذا جبنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم في الرأي والعمل في تنفيذ أمر نبيكم بالثبات على جبل الرماة، فقال بعضكم: فيم وقوفنا وقد انهزم المشركون؟ وقال آخرون: لا نخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبدا، ولم يثبت إلا عبد الله بن جبير مع نفر من أصحابه، لما حدث ذلك تأخر النصر وأحدقت الهزيمة بكم.

وبعبارة أخرى: فلما واجهتموهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام، ولما اختلفتم وحصل ما حصل من عصيان الرماة، وفشل بعض المقاتلة، تأخر الوعد الذي كان مشروطا بالثبات والطاعة

(1)

.

عن عروة بن الزبير قال: وكان الله عز وجل وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وكان قد فعل؛ فلما عصوا أمر الرسول، وتركوا مصافّهم. وترك الرّماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ألا يبرحوا من منازلهم، وأرادوا الدنيا، رفع عنهم مدد الملائكة، وأنزل الله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} فصدق الله وعده، وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء

(2)

.

(1)

تفسير ابن كثير: 411/ 1 - 412

(2)

تفسير القرطبي: 235/ 4

ص: 126

فألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم، ووجه التوبيخ لهم: أنهم رأوا مبادئ النصر، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات، لا في الانهزام.

ثم بين سبب التنازع فقال: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا} يعني الغنيمة، قال ابن مسعود: ما شعرنا أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يوم أحد. وهؤلاء هم الذين تركوا أماكنهم على الجبل طلبا للغنيمة.

{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} وهم الذين ثبتوا في مركزهم، ولم يخالفوا أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم مع أميرهم عبد الله بن جبير، فحمل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل عليه، وكانا يومئذ كافرين، فقتلوه مع من بقي، رحمهم الله.

والعتاب مع من انهزم، لا مع من ثبت، فإن من ثبت فاز بالثواب.

ثم بعد أن استوليتم عليهم، ردكم عنهم بالانهزام، فعل هذا ليمتحن إيمانكم، ولقد عفا الله عنكم وغفر لكم ذلك الصنيع، بذلك الابتلاء الذي محا أثر الذنب من نفوسكم وتاب عليكم لما ندمتم على ما فرطتم به، والله ذو فضل على المؤمنين أي لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة، وربما كان سبب العفو والفضل والرحمة كثيرة عدد العدو وعددهم، وقلة عدد المسلمين وعددهم.

ثم ذكّر هم الله تعالى، فقال: اذكروا وقت أن صرفكم عنهم حين أصعدتم في الجبل أي ذهبتم منهزمين، وأنتم لا تلتفتون لأحد من الدهش والخوف والرعب، والحال أن الرسول قد خلفتموه وراء ظهوركم، يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، قائلا:

«إلي عباد الله، إلي عباد الله، أنا رسول الله، من يكرّ فله الجنة»

وقال ابن عباس وغيره: كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «أي عباد الله ارجعوا» فالرسول يدعوكم في آخركم، جاء في البخاري: أخراكم: تأنيث آخركم.

قال البراء بن عازب: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرّجّالة يوم أحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم. ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا.

ص: 127

وكان جزاؤكم غمّا بغمّ، والغم الأول: إلحاق الهزيمة وحرمان الغنيمة والقتل بالصحابة، والغم الثاني الذي سبّب الغم الأول: هو ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم من ألم وضيق بسبب عصيانكم أمره، ومخالفتكم رأيه. وهذا أرجح الأقوال كما قال ابن جرير الطبري.

وقد فعل بكم ذلك كله لتتمرنوا على الشدائد، وتتعودوا احتمال المكاره، فإنها تصقل الأمم والأفراد، ولئلا تحزنوا على ما فاتكم من المنافع والمغانم، ولا على ما أصابكم من المضارّ من عدوكم، كالجراح والقتل، والله خبير بأعمالكم، فمجازيكم عليها، إذ العمل سبب النجاح والظفر، وتكميل الإيمان والتحلي بالفضائل. وفي هذا ترغيب بالطاعة وزجر عن المعصية.

ثم ذكر الله تعالى ما امتنّ به على عباده من بعد الغم الذي اعتراهم، وهو إنزال السكينة والأمن

(1)

وهو النعاس الذي غشيهم وغلبهم، وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان، ليستردوا ما فقدوه من القوة، وما عرض لهم من الضعف، كما قال في سورة الأنفال في قصة بدر {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال 11/ 8]. قال أبو طلحة: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارا، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه

(2)

. وروى البخاري أيضا في التفسير عن أبي طلحة قال: غشينا النعاس، ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه

(3)

.

وكان النعاس يغشى طائفة من الناس-والطائفة: تطلق على الواحد

(1)

الأمن والأمنة سواء.

(2)

هكذا رواه البخاري في المغازي معلقا.

(3)

ورواه أيضا الترمذي والنسائي والحاكم بلفظ مقارب.

ص: 128

والجماعة-، وهم المهاجرون وعامة الأنصار الذين كانوا على بصيرة في إيمانهم، كما قال ابن عباس، أو هم أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل على الله، وهم الجازمون بأنّ الله سينصر رسوله، وينجز مأموله.

وطائفة أخرى قد أهمتهم أنفسهم أي حملتهم على الهم، وملأ الخوف قلوبهم، لعدم ثقتهم بنصر الله، ولعدم إيمانهم بالرسول، وهم جماعة من المنافقين كعبد الله بن أبي ومعتّب بن قشير وأتباعهم، لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف، ولا يهتمون بأمر الرسول والدين، وهم كما أخبر الله:{يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ} أي غير الظن الحق الذي يجب أن يظنوه؛ إذ قالوا: لو كان محمد نبيا حقا ما تسلط عليه الكفار، وهو قول أهل الشرك بالله.

وهذه الطائفة الثانية يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لنا من الأمر والنصر والفتح نصيب؟ يعنون أنه ليس لهم من ذلك شيء؛ لأنهم يعتقدون أن هذا ليس بحق. وهذا سبب خطئهم الفاحش، فإن نصر الله رسله لا يمنع أن تكون الحرب سجالا، والمهم تمام الأمر والعاقبة.

فرد الله تعالى عليهم: بأن كل أمر يجري فهو بحسب سنته تعالى في الخليقة، تلك السنة القائمة على ربط الأسباب بالمسببات، وأن الأمر والنصر كله لله، لا لغيره، وهو ناصر عباده المؤمنين كما وعدهم بقوله:{كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة 21/ 58] وقوله: {وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} [الصافات 173/ 37].

وهؤلاء المنافقون يضمرون في أنفسهم العداوة والحقد، ويتساءلون في الظاهر سؤال المؤمنين المسترشدين:{هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} لكنهم يبطنون الإنكار والتكذيب والنفاق.

ويقولون في أنفسهم أو لبعضهم بعضا منكرين لقولك لهم: {إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ

ص: 129

لِلّهِ}: لو كان الأمر كما قال محمد: إن الأمر كله لله ولأوليائه وإنهم الغالبون، لما غلبنا قط، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة، فهم يربطون بين النبوة والنصر، وأنه لو كان محمد نبيا ما هزم، وفاتهم أن النصر من عند الله وتوفيقه، وأن الهزيمة بسبب مخالفات المسلمين.

فرد الله عليهم بأن الآجال والأعمار بيد الله، وأن النصر من عند الله، وأن من كتب عليه القتل فلا بد أنه مقتول، فلو كان في بيته وانتهى أجله، لخرج إلى مكان مصرعه، والحذر لا يمنع القدر، والأمر كله بيد الله.

وقد فعل الله ما فعل من إلحاق الهزيمة بالمسلمين في نهاية غزوة أحد، ليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص والثبات، وليميز ما في القلوب من أمراض ووساوس الشيطان، والله عليم بذات الصدور أي بالأسرار والخفيات، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وإنما فعل هذا لينكشف حال الناس، وتظهر الحقائق، وتنجلي مواقف المؤمنين الصابرين والمنافقين المخادعين.

وإن المؤمنين الذين انهزموا أو تركوا أماكنهم يوم التقاء الجمعين من المسلمين والمشركين في أحد، إنما أوقعهم الشيطان فريسة له في الزلل والخطأ، بسبب بعض ما كسبوا من ذنوبهم، ومعناه أن الذين انهزموا يرم أحد، كان السبب في توليهم الأدبار: أنهم كانوا أطاعوا الشيطان، فاقترفوا ذنوبا أدت بهم إلى منع التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا. وهذا يدل على أن الذنب يجز إلى الذنب، كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة، وتكون لطفا فيها، كما قال الزمخشري

(1)

.

وتكون المصائب والعقوبات ومنها الهزائم آثارا للأعمال السيئة، فإن من جزاء السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.

(1)

الكشاف: 356/ 1

ص: 130