الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصرين من المؤمنين وردّ الشبهات، لتوجيه الأنظار نحو ما يثبت وجود الله ووحدانيته وعظمته وكبرياءه.
فضل هذه الآيات:
ورد في فضل هذه الآيات أحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن مردويه وعبد بن حميد عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب، فقالت: يا عبيد؛ ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول الشاعر: زر غبا تزدد حبا، فقال ابن عمر:
ذرينا أخبرينا بأعجب ما رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت، وقالت: كل أمره كان عجبا، أتاني في ليلتي حتى مسّ جلده جلدي، ثم قال:«ذريني أتعبد لربي عز وجل» قالت: فقلت، والله، إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبد ربك، فقام إلى القربة، فتوضأ، ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي، فبكى حتى بلّ لحيته، ثم سجد، فبكى حتى بل الأرض، ثم اضطجع على جنبه، فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت: فقال: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال:«ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ} ثم قال: «ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها» .
قيل للأوزاعي: ما غاية التفكر فيهن؟ قال: يقرءوهن وهو يعقلهن
(1)
.
التفسير والبيان:
إن في إبداع السموات والأرض، الأولى في ارتفاعها واتساعها، والثانية في انخفاضها وكثافتها وصلاحيتها للحياة، وما فيها من نظام بديع وأفلاك وكواكب
(1)
تفسير ابن كثير: 440/ 1 وما بعدها.
ومجرّات، وبحار وجبال وأنهار، وزروع ونبات وأشجار مثمرة وغير مثمرة، ومعادن وثروات، وتعاقب الليل والنهار مع الطول والقصر والاعتدال على مدار العام وبحسب الفصول والموقع، لأدلة دالة على وجود الله وكمال قدرته وعظمته ووحدانيته، بشرط أن يكون من ذوي العقول التامة الناضجة التي تدرك الأشياء بحقائقها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها، وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ، وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف 105/ 12 - 106].
ثم وصف الله تعالى أولي الألباب بأنهم يجمعون بين التذكر والتفكير، يذكرون الله في مختلف أحوالهم من قيام وقعود واضطجاع، لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم.
ويتفكرون ويفهمون ما في السموات والأرض من أسرار ومنافع وحكم دالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه ورحمته.
والتفكر يكون في مصنوعات الخالق لا في الخالق، لاستحالة الوصول إلى حقيقة ذاته وصفاته،
أخرج الأصبهاني عن عبد الله بن سلام قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وهم يتفكرون، فقال: تفكروا في الخلق، ولا تفكروا في الخالق، فإنكم لا تقدرون الله قدره» . وقال الحسن البصري: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
ويقول المتفكرون الذاكرون: ربنا ما خلقت هذا الخلق عبثا ولا أوجدته باطلا زائلا، فأنت منزه عن الباطل والعبث، وكل خلقك حق مشتمل على فائدة وحكمة وقدرة، أي أن المؤمن المتفكر بعد أن تدبر ونظر ودقق وتفكر يتوجه إلى الله تعالى متضرعا معلنا قناعته بحكمة الله العليا في خلق المخلوقات، فاجعل لنا وقاية وحاجزا من عذاب النار، وأجرنا من عذابها، ووفقنا للعمل الصالح
والاعتقاد الجازم الثابت الصحيح.
ومعنى {سُبْحانَ اللهِ} : تنزيه الله عن السوء، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث موسى بن طلحة.
إن من أدخلته النار بعدلك وبسبب انحرافه وضلاله وخطئه، فقد أهنته وجعلته ذليلا؛ لأن من يعصيك فأنت قاهره ومذلّه، وما للكافرين الظالمين أنفسهم بسبب جورهم وظلمهم أعوان ومؤيدون ينقذونهم من عذاب الله تعالى.
فهو جزاء عادل لمحض الظلم وتجاوز الحدود، وإعلام بأن من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها.
ربنا إننا سمعنا مناديا داعيا يدعو إلى الإيمان، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
آمنوا بربكم، فآمنا أي فاستجبنا له واتبعناه، أي أنهم مزجوا إيمانهم بالله وبقدرته، بالإيمان بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرائع وأحكام وآداب وأخلاق.
ربنا فاستر ذنوبنا الكبائر، وسيئاتنا الصغائر، وأكرمنا بصحبة الأخيار الصالحين، المعدودين في جملتهم، العاملين بمثل أعمالهم، كما قال تعالى:
{فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء 69/ 4].
{رَبَّنا وَآتِنا} : أعطنا ما وعدتنا من حسن الجزاء كالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة، على ألسنة رسلك، أو على الإيمان والتصديق برسلك. وفي هذا إشعار بتقصيرهم، والاعتماد على توفيق الله وعنايته. ولا تفضحنا أمام الناس يوم القيامة، إنك صادق الوعد ومنجزه على الإيمان والعمل الصالح، سواء في الدنيا بالتقدم والتفوق والسيادة، كما قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور 55/ 24] وفي الآخرة بالفوز بالجنة، كما قال:{وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} [التوبة 72/ 9].