الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحقيقة أن لله ما في السموات والأرض مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره، فكيف يصح لقوم يبخلون عليه بملكه، ولا ينفقونه في سبيله. وهذا مثل قوله تعالى:{وَأَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد 7/ 57] فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عز وجل، فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم، والله خبير بنياتكم وضمائركم وأعمالكم، لا تخفى عليه خافية منها، ويجازي كل نفس بما كسبت من خير أو سوء.
فقه الحياة أو الأحكام:
لا داعي للغم والحزن على مناصرة الكفار واليهود والمنافقين ألوان الكفر، فهم لن يضروا إلا أنفسهم، بتعريضها للعذاب الشديد، وبالإعلام عن سوء تصرفهم وسخف عقولهم وخطأ رأيهم، ولن يضروا بالتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المطلوب منه هو الإبلاغ، والله مؤيده وناصره وحافظه وعاصمه من الناس.
لكن قال القشيري: والحزن على كفر الكافر طاعة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرط في الحزن على كفر قومه، فنهي عن ذلك، كما قال:{فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ} [فاطر 8/ 35] وقال: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف 6/ 18].
ولن يضروا الله شيئا أي لا ينقصون من ملك الله وسلطانه شيئا بكفرهم.
وقد أكد تعالى هذا المعنى في كلتا الآيتين (177، 176) فهم سواء بادروا إلى نصرة الكفر، أو أخذوا الكفر بدلا عن الإيمان، لن يضروا الله شيئا قليلا ولا كثيرا، وإنما يضرّون أنفسهم بما أوجبوا لها من العذاب الأليم.
والله تعالى لا يعجل أحدا بعقوبة على ذنب ولو كان الذنب كالكفر كبيرا، وإنما يمهله ويزيد في عمره ويوفر له رغد العيش ليتوب ويتمكن من العمل الصالح، فكأن شأن الإمهال وإطالة العمر أن يحقق الأثر المنشود وهو الإيمان
وطاعة الله والرسول وزيادة الحسنات، والإقلال من السيئات، ولكن الأمر في واقع الناس مفهوم خطأ، فاستمروا في غيهم وضلالهم وكفرهم، وتوهموا أن زيادة العمر ورغد العيش وإرجاء العذاب عنهم هو خير لهم، مع أنه شر مستطير وسبب لزيادة الإثم والذنب، واستحقاق العذاب الأليم جزاء وفاقا.
لا يحسبن هؤلاء الذين يخوفون المسلمين ويشككونهم في جدوى الإيمان والعمل الصالح أنهم يفعلون خيرا، فإن الله قادر على إهلاكهم، ولا يظنون أن ما أصابوه من ظفر يوم أحد كان خيرا لهم، وإنما كان ذلك سببا في زيادة عقوبتهم. قال ابن مسعود: ما من أحد برّ ولا فاجر إلا والموت خير له؛ لأنه إن كان برّا فقد قال الله تعالى: {وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ} [آل عمران 198/ 3] وإن كان فاجرا فقد قال الله: {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} .
وفي الشدائد والمحن اختبار مدى صدق الإيمان، فبها يتميز المؤمن والمنافق، وحينئذ ينكشف حال المنافقين فيحذرهم المسلمون، ويقدرون مدى ما لديهم من القوة الصحيحة التي يمكن الاعتماد عليها، بل إن المحنة توضح مدى إيمان المؤمن، فلا يغتر بالظواهر، ويقف على حقيقة حاله من ضعف في الاعتقاد، وفساد في الأخلاق، ومرض في النفس.
والاطلاع على الغيب مقصور على الأنبياء والرسل، فهم أهل الكرامة والمرتبة العالية التي تؤهلهم لذلك الاطلاع، وما على الناس إلا أن يؤمنوا بما جاء به الرسل من أخبار الغيب، ويتقوا الله حق تقاته بامتثال المأمورات وترك المنهيات والمحظورات. ولا يشتغل الكفار بما لا يعنيهم من تعريفهم بمن يؤمن منهم ومن لا يؤمن، وعليهم الاشتغال بما يعنيهم وهو الإيمان أي التصديق واليقين لا التشوف إلى اطلاع الغيب، فإن آمنوا واتقوا لهم الجنة.
ودلت آية {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ.} . على ما يأتي:
1 -
لا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم، بل هو شر لهم؛ لأنهم ببخلهم يعرّضون أموالهم للضياع والتلف والسرقة وغيرها، ويضرون أمتهم لتقصيرهم بما يجب عليهم من التكافل الاجتماعي والتعاون على القضاء على ظاهرة الفقر، والفقر يضر بالأمة جمعاء، وحياة الأمم متوقفة على بذل النفس والمال.
والفرق بين البخل والشح: أن الأول: هو الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والثاني: الحرص على تحصيل ما ليس عندك. والصحيح أن الشح هو البخل مع حرص،
لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
2 -
{وَلِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يدل على بقاء الله تعالى ودوام ملكه، وأنه في الأبد كهو في الأزل غني عن العالمين، فيرث الأرض بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم، فتبقى الأملاك والأموال لا مدّعى فيها، فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق، وهو ليس بميراث في الحقيقة، لأن الوارث في الحقيقة:
هو الذي يرث شيئا لم يكن ملكه من قبل، والله سبحانه وتعالى مالك السموات والأرض وما بينهما. ونظير هذه الآية قوله تعالى:{إِنّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها} [مريم 40/ 19] والمعنى في الآيتين: أن الله تعالى أمر عباده بأن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا ذلك ميراثا لله تعالى، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا.
3 -
علم الله تعالى واسع ودقيق، فهو يعلم صغار الأشياء والأعمال وكبارها، ويعلم ما دقّ وخفي من الأعمال، بل يعلم السر وأخفى، فيجازي كل عامل بما عمل، ويكافئه بحسب نيته، كما جاء
في الحديث المشهور عن عمر لدى الشيخين: