الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى الأمة الإسلامية بأن يكون منها جماعة متخصصة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وأولئك الكمّل هم المفلحون في الدّنيا والآخرة.
وتخصص هذه الفئة بما ذكر لا يمنع كون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجبا على كلّ فرد من أفراد الأمّة بحسبه، كما ثبت
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ، و
في رواية: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» .
وروى أحمد والترمذي وابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم، عقابا من عنده، ثّم لتدعنّه فلا يستجيب لكم» .
وكان الواحد من السّلف الصالح لا يتوانى في هذا الواجب، ولا يخشى في الله لومة لائم، فقد خطب عمر على المنبر قائلا:«إذا رأيتم فيّ اعوجاجا فقوّموه» فقام أحد رعاة الإبل، وقال: لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا.
ولا تكونوا أيّها المؤمنون كأهل الكتاب الذين تفرّقوا، في الدّين، وكانوا شيعا، واختلفوا اختلافا كثيرا، من بعد ما جاءتهم الأدلّة الواضحات التي تهديهم إلى السبيل لو اتّبعوها، لأنهم تركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فاستحقّوا العذاب العظيم في الدّينا والآخرة، أما في الدّنيا فيجعل بأسهم بينهم شديدا، ويذيقهم الخزي والنّكال، وأما في الآخرة ففي جهنم هم فيها خالدون، ونظير هذه الآية قوله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة 78/ 5 - 79].
وهذا الوعيد لأهل الكتاب يقابل الوعد بالفلاح والنّجاة والفوز لأهل الإيمان، والاختلاف المنهي إنما هو الاختلاف في أصول الدّين وتحكيم الهوى والمصلحة الشخصية في القضايا العامة. أما الاختلاف في الفروع المذهبية والاجتهادات الجزئية، كاختلاف المذاهب في كثير من تفاصيل العبادات والمعاملات، فليس مذموما لتعدد المفاهيم المستوحاة من النّصّ القرآني، وتعدّد أفعال النّبي صلى الله عليه وسلم، وكيفيّة ثبوت الأخبار والرّوايات.
وزمان العذاب للكفار هو يوم القيامة، يوم تبيضّ وتشرق وتسرّ وجوه المؤمنين كما في آية أخرى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} [القيامة 22/ 75 - 23] وتسودّ وجوه المختلفين الذين لم يتواصوا بالحقّ والصّبر من أهل الكتاب والمنافقين حينما يرون ما أعدّ لهم من العذاب الدّائم، وذلك مثل قوله تعالى:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ} [القيامة 24/ 75 - 25]، وقوله:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ} [عبس 40/ 80 - 41]، وقوله:{وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس 27/ 10].
ثمّ أوضح الله تعالى مصير الفريقين، فبيّن سوء حال الفريق الثاني ثمّ حال الفريق الأوّل على طريقة اللّف والنّشر المشوش، أمّا الذين اسودّت وجوههم بسبب تفرّقهم واختلافهم، فيوبخهم تعالى ويؤنّبهم بقوله: أكفرتم بالرّسول محمد بعد إيمانكم به، فقد كنتم على علم ببعثته، ولديكم أوصافه والبشارة به؟ ولكن كفرتم به حسدا وحقدا، فكان جزاؤكم أن تذوقوا العذاب بكفركم.
وأمّا الذين ابيضّت وجوههم باتّحاد الكلمة وعدم التّفرق في الدّين، فهم خالدون في رحمة الله، أي ماكثون في الجنّة أبدا، لا يبغون عنها حولا.
هذه الآيات: آيات الله وحججه وبيّناته نتلوها عليك يا محمد مقررة ما هو