الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة. ذهب ابن عبّاس إلى أن الخطاب في هذه الآية: {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ} للأزواج، وكان الرجل يتزوّج بلا مهر، يقول: أرثك وترثينني، فتقول: نعم، فأمروا أن يسرعوا إلى إيتاء المهور.
وقيل: الخطاب للأولياء، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرّجل إذا زوّج أيّما (وهي المرأة التي لا زوج لها) أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك، ونزلت:{وَآتُوا النِّساءَ} .
فإن طابت نفوسهن بإعطائكم شيئا من المهر من غير ضرار ولا خديعة، فكلوه هنيئا مريئا، أي يحلّ لكم ذلك ولا ذنب عليكم في أخذه، لا تخافون في الدّنيا مطالبة، ولا في الآخرة تبعة.
وعبر بالأكل وأراد حلّ التصرّف فيه، وخصّ الأكل بالذّكر؛ لأنه معظم وجوه التّصرفات المالية، كما في قوله تعالى المتقدم:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت آية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا} على ما يأتي:
1 -
وجوب التزام العدل في كلّ شيء، سواء في الإشراف على أموال اليتامى، أو في الزّواج بهن، أو في أثناء تعدّد الزوجات من غير اليتيمات، قال ابن عبّاس وابن جبير وغيرهما: المعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فكذلك خافوا في النّساء؛ لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى، ولا يتحرّجون في النّساء.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ، قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ
فِيهِنَّ، وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قالت: وقوله تعالى: {وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ} المراد منه هذه الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} والمعنى: وإن علمتم ألا تعدلوا في نكاح اليتامى اللاتي تلونهن، فانكحوا، ما مالت إليه نفوسكم من النّساء غيرهنّ.
والمقصود النّهي عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل.
2 -
الآية على تأويل عائشة هذا تشهد لمن قال: إن لغير الأب والجدّ أن يزوّج الصغيرة أو يتزوّجها؛ لأنها على هذا التأويل نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في مالها وجمالها، ولا يقسط لها في الصداق، وأقرب ولي تكون اليتيمة في حجره ويجوز له تزوّجها هو «ابن العم» .
وعليه تكون الآية متضمنة جواز أن يتزوّج ابن العم اليتيمة التي في حجره.
وإذا جاز له أن يتزوّجها، فإما أن يلي هو النكاح بنفسه، وإما أن يزوّجه إياها أخوها مثلا. وأيّا ما كان فلغير الأب والجدّ أن يزوّج الصغيرة.
وأما من قال من الأئمة: لا يزوج الصغيرة إلا الأب أو الجد، يحمل الآية على أحد التّأويلين الآخرين (عدم الإقساط في مهرها، أو التّحرّج في ولاية الأيتام) أو يحمل اليتامى على الكبار منهن، وعلى طريق المجاز المرسل باعتبار ما كان لقرب عهدهن باليتيم.
3 -
تعلّق أبو حنيفة بهذه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ، وقال:
إنما تكون يتيمة قبل البلوغ، وبعد البلوغ هي المرأة مطلقة لا يتيمة، بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطّها عن صداق مثلها؛ لأنها تختار ذلك، فيجوز إجماعا.
وذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ
وتستأمر، لقوله تعالى:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ} والنساء اسم ينطلق على الكبار كالرجال في الذكور، واسم الرجل لا يتناول الصغير، فكذلك اسم النساء، والمرأة لا يتناول الصغيرة. وقد قال:{فِي يَتامَى النِّساءِ} والمراد به هناك:
اليتامى هنا، كما قالت عائشة رضي الله عنها، فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الآية، فلا تزوّج إلا بإذنها، ولا تنكح الصغيرة إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها، لكن لا تزوّج إلا بإذنها،
كما رواه الدّارقطني عن ابن عمر، قال: زوّجني خالي قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون، فدخل المغيرة بن شعبة على أمها، فأرغبها في المال وخطبها إليها، فرفع شأنها إلى النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال قدامة: يا رسول الله، ابنة أخي، وأنا وصي أبيها، ولم أقصّر بها، زوّجتها من قد علمت فضله وقرابته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنها يتيمة واليتيمة أولى بأمرها» فنزعت مني وزوّجها المغيرة بن شعبة.
4 -
دلّ تفسير عائشة للآية على وجوب صداق المثل إذا فسد تعيين الصداق ووقع الغبن في مقداره، لقولها:«بأدنى من سنّة صداقها» .
5 -
إذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي في صداقها، جاز له أن يتزوّجها، ويكون هو النكاح والمنكح، على ما فسّرته عائشة. وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأبو ثور، أي أنه يمكن انعقاد الزواج بعاقد واحد.
وقال زفر والشافعي: لا يجوز له أن يتزوّجها إلا بإذن السلطان، أو يزوجها منه وليّ لها غيره؛ لأن الولاية شرط من شروط العقد،
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي عن عمران وعن عائشة: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» فتعديد الناكح والمنكح والشهود واجب، أي لا بدّ من تعدد العاقد.
6 -
في الآية دلالة على جواز تعدد الزوجات إلى أربع، وأنه لا يجوز التّزوج بأكثر من أربعة مجتمعات في عصمة رجل واحد؛ لأن هذا العدد قد ذكر في مقام
التوسعة على المخاطبين، فلو كان وراء هذا العدد مباح، لاقتضى المقام ذكره.
ولا يدلّ هذا العدد: مثنى وثلاث ورباع على إباحة تسع، وعضد ذلك بأن النّبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعا، وجمع بينهن في عصمته.
ويرده إجماع الصحابة والتابعين على الاقتصار على أربع، ولم يخالف في ذلك أحد،
وأخرج مالك في موطئه والنسائي والدّارقطني في سننهما أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أميّة الثقفي، وقد أسلم وتحته عشر نسوة:«اختر منهن أربعا وفارق سائرهن» .
7 -
وتمسّك الإمام مالك وداود الظاهري والطبري بظاهر هذه الآية في مشروعية نكاح الأربع للأحرار والعبيد، على حدّ سواء، فالعبيد داخلون في الخطاب بقوله تعالى:{فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ.} . فيجوز لهم أن ينكحوا أربعا كالأحرار، ولا يتوقّف نكاحهم على الإذن؛ لأنهم يملكون الطلاق فيملكون النكاح.
وذهب الحنفية والشافعية إلى أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين، لما روى الليث عن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين. قالوا: والخطاب في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ.} . لا يتناول العبيد؛ لأنه إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها، والعبد لا يملك ذلك؛ لأنه لا يجوز نكاحه إلا بإذن مولاه،
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه عن ابن عمر: «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» .
ولأن قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} لا يمكن أن يدخل فيه العبيد، لعدم الملك، وكذلك قوله تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ.} . لا يشمل العبيد؛ لأن العبد لا يتملك، بل يكون الشيء الموهوب له لسيّده، فيكون الآكل السيّد لا العبد.
وما عقوبة الذي يتزوّج خامسة وعنده أربع؟ اختلف العلماء، فقال مالك والشافعي وأبو ثور: عليه الحدّ إن كان عالما.
وقال الزّهري: يرجم إذا كان عالما، وإن كان جاهلا أدنى الحدين الذي هو الجلد، ولها مهرها، ويفرّق بينهما ولا يجتمعان أبدا.
وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليه في شيء من ذلك.
وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليه في شيء من ذلك.
وقال الصاحبان (أبو يوسف ومحمد): يحدّ في ذات الزواج المحرّم ولا يحدّ في غير ذلك من النّكاح، مثل أن يتزوّج مجوسية أو خمسة في عقد، أو تزوّج متعة أو تزوّج بغير شهود، أو أمة تزوّجها بغير إذن مولاها.
7 -
الاقتصار على امرأة واحدة واجب عند خوف الظلم؛ لأن معنى قوله:
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً} : إن خفتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} فمن خاف من ذلك، فليقتصر على واحدة أو على الجواري السّراري، فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج.
وأرشدت الآية: {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ} إلى ما يأتي:
1 -
وجوب المهر للزّوجة: إن الفروج لا تستباح إلا بصداق يلزم، سواء أسمي ذلك في العقد أم لم يسمّ. وإن الصداق ليس في مقابلة الانتفاع بالبضع؛ لأن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركة بين الزوجين، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزّوجة المهر، فكان ذلك عطية من الله ابتداء. وهذا مجمع عليه ولا خلاف فيه: ونظير الآية قوله: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء 25/ 4] أي أعطوهن مهورهن.
وأجمع العلماء أيضا على أنه لا حدّ لكثير المهر، واختلفوا في قليله على ما يأتي بيانه في قوله:{وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً} .
2 -
التنازل عن المهر: يجوز للزوجة أن تعطي زوجها مهرها أو جزءا منه، سواء أكان مقبوضا معينا أم كان في الذمة، فشمل ذلك الهبة والإبراء. ولكن ينبغي للأزواج الاحتياط فيما أعطت نساؤهم، حيث بنى الشرط على طيب النفس فقال:{فَإِنْ طِبْنَ} ولم يقل: فإن وهبن، إعلاما بأن المراعى في ذلك التنازل عن المهر طيبة به نفسها من غير إكراه مادي أو أدبي، أو سوء معاشرة، أو خديعة.
ويدلّ عموم قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ} على أن هبة المرأة صداقها لزوجها جائزة، سواء أكانت بكرا أم ثيّبا. وبه قال جمهور الفقهاء. ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها، وجعل ذلك للولي، مع أن الملك لها.
واتّفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها، نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه.
وإن تنازلت المرأة عن شيء من صداقها بشرط عند عقد النّكاح ألاّ يتزوّج عليها، ثمّ تزوّج عليها، فلا شيء لها في رواية ابن القاسم عن مالك؛ لأنها شرطت عليه ما لا يجوز شرطه.
وقال ابن عبد الحكم: إن خالف هذا الشرط، رجعت عليه بتمام صداق مثلها؛ لأنه شرط عليه نفسه شرطا وأخذ عنه عوضا، كان لها واجبا أخذه منه، فوجب عليه الوفاء،
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحاكم عن أنس وعائشة: المسلمون عند شروطهم».
3 -
إباحة أخذ الزّوج المهر: يحلّ للزّوج أخذ ما وهبت زوجته بالشّرط السابق: «طيب النّفس» من غير أن يكون عليه تبعة في الدّنيا والآخرة.