الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ا
لمفردات اللغوية:
{لِنْتَ لَهُمْ} اللين: الرفق والتساهل في المعاملة، أي سهلت أخلاقك إذ خالفوك.
{فَظًّا} سيء الخلق، شرس الطباع {غَلِيظَ الْقَلْبِ} قاسيا جافيا لا يتأثر قلبه بشيء {لانْفَضُّوا} تفرقوا من حولك {فَاعْفُ} تجاوز عما أتوه {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ذنبهم لأغفر لهم {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} تعرّف على آرائهم في سياسة الأمة في الحرب والسلم وشؤون الحياة الدنيوية تطييبا لقلوبهم، وليستن بك، وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم {فَإِذا عَزَمْتَ} على إمضاء ما تريد بعد المشاورة {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} ثق به بعد المشاورة، والتوكل: الاعتماد على الله في كل أمر.
المناسبة:
المناسبة واضحة، فالآيات ما تزال تتحدث عن غزوة أحد وآثارها، فبعد أن عفا الله عما بدر من المسلمين في أحد، وحذرهم من التأثر بأقوال المنافقين، أعقبه بعفو القائد المصطفى الذي ساءه هذا الموقف وما أدى إليه من الجراح والآلام، فقد عاملهم بالرفق واللين والحلم، وخاطبهم باللطف وحسن المعاشرة، بل استشارهم في مستقبل الأحداث ومصالح الدنيا؛ لما عرف عنه من سمو الأخلاق وحكمة القيادة، فهو رحمة للعالمين، ووصفه القرآن بقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم 4/ 68].
التفسير والبيان:
خاطب الله نبيه بعد خطاب المؤمنين، ممتنا عليه وعليهم فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره التاركين لزجره. فبرحمته تعالى وتوفيقه لك ولهم جعلك الله ليّن المعاملة، رفيق المعاشرة، لطيف اللفظ والكلام، في إرشادهم وقبول عذرهم فيما فرط منهم في غزوة أحد.
وهذا إظهار لسمو القيادة، وحكمة الرئاسة، وأخلاق النبوة، وهي مثل قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم 4/ 68] وقوله: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ
رَحِيمٌ} [التوبة 128/ 9]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا حلم أحبّ إلى الله تعالى من حلم إمام ورفقه، ولا جهل أبغض إلى الله من جهل إمام وخرقه» .
ولو كنت غليظ الكلام خشنا قاسي القلب جافّ الطبع في معاملتهم، لتفرقوا من حولك، وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم، تأليفا لقلوبهم، كما قال عبد الله بن عمرو:«إني أرى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح»
وروى محمد بن إسماعيل الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بإقامة الفرائض»
(1)
.
وإذا كنت يا محمد بهذه الأخلاق فاعف عنهم، وتجاوز عما صدر منهم، واطلب لهم المغفرة من الله حتى يغفر لهم، وشاورهم في أمور السياسة العامة ومصالح الأمة في الحرب والسلم، وكل شؤون المصالح الدنيوية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا يشاور أصحابه في الأمور كلها، تطييبا لقلوبهم، وليستن الناس بفعله، قال الحسن رضي الله عنه: قد علم الله أن ما به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستنّ به من بعدهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الماوردي:
«ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم» وقال أبو هريرة رضي الله عنه فيما رواه الترمذي: «لم يكن أحد أكثر مشاورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
-شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير، فقالوا: يا رسول الله، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا
(1)
حديث غريب.
هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب فنحن معك وبين يديك، وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون.
-وشاورهم أيضا أين يكون المنزل، حتى أشار المنذر بن عمرو بالتقدم أمام القوم.
-وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم.
-وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى ذلك عليه السعدان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فترك ذلك.
-وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصدّيق: إنا لم نجئ لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال.
-و
قال صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك: «أشيروا علي معشر المسلمين في قوم أبنوا أهلي
(1)
ورموهم، وايم الله، ما علمت على أهلي من سوء، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه إلا خيرا».
-واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة رضي الله عنها
(2)
.
وللشورى فوائد كثيرة أهمها تقدير المستشارين، وإنضاج بحث الرأي المقترح بعد تقليب وجهات النظر، واتحاد الناس على مسعى واحد، واختيار الرأي الأصوب.
جاء في مصنف أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«المستشار مؤتمن» .
(1)
أبن فلان يؤبن بكذا: يذكر بقبيح.
(2)
تفسير ابن كثير: 420/ 1
فإذا عزمت فتوكل على الله، أي إذا شاورتهم في الأمر، وعزمت عليه، فتوكل على الله فيه، إن الله يحب المتوكلين عليه الواثقين به، فينصرهم ويرشدهم إلى ما فيه الخير لهم. وليس معنى التوكل هو التواكل وإهمال الأسباب، وإنما هو حسن الاعتماد على الله والثقة به وتفويض النتائج إليه، بعد اتخاذ الأسباب.
قال الرازي: دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال، وإلا كان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل، بل التوكل عليه أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعوّل بقلبه عليها، بل يعول على عصمة الحكمة.
ففي الكسب والمعاش لا بد من السعي في الأرض، كما قال تعالى:{فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك 15/ 67].
وفي السياسة والحرب يجب الانتباه والحذر والإعداد المكافئ لقوى العدو:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء 71/ 4]{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال 60/ 8].
ومن أجل الدنيا والآخرة لا بد من الصلاح والاستقامة والتزود بالتقوى:
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى} [البقرة 197/ 2].
وفي كل شيء يكون التوكل مقرونا بالسعي،
روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا»
وأخرج ابن حبان في صحيحة: «حديث الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته، وقال: أأعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل» .
ثم أعلن الله تعالى عن مصدر النصر في الحقيقة فأخبر أنه إن أراد الله أن ينصركم في أحد، كما نصركم في بدر، حين التزمتم الطاعة، وثبتم، واتكلتم على