المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٤

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌الرّد على اليهود في تحريم بعض الأطعمة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منزلة البيت الحرام وفرضية الحج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إصرار أهل الكتاب على الكفر وصدهم عن سبيل الله

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيه المؤمنين إلى الحفاظ على الشخصيةوالاعتصام بالقرآن والإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وتأكيد النّهي عن التّفرّق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سبب خيرية الأمة الإسلامية وضرب الذلة والمسكنة على اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (110):

- ‌نزول الآية (111):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفئة المؤمنة من أهل الكتاب والثواب على أعمالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ضياع أعمال الكافرين يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الثقة بالكفار واطلاعهم على الأسراروموقفهم الثابت من المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌غزوة أحدتنظيم الجيش الإسلامي والتذكير بالنصر في غزوة بدر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}:

- ‌المناسبة:

- ‌ غزوة بدر

- ‌نبذة يسيرة عن غزوتي بدر وأحد:

- ‌غزوة أحد:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إرشادات للمؤمنين بفعل الخيراتوترك المنكرات وجزاء الطائعين والعصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (130):

- ‌نزول الآية (135):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المكذّبين والمتّقين وتوفير العزّة للمؤمنين بالجهاد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (139):

- ‌نزول آخر الآية (140):

- ‌المناسبة:

- ‌التّفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عتاب لبعض أهل أحد بقدسية الجهاد وضرورة الثبات على المبدأوتذكير بأن الموت بإذن الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (143):

- ‌نزول الآية (144):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التحذير من طاعة الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (149):

- ‌نزول الآية (151):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أسباب انهزام المسلمين في أحد وتفرقهم بعد وعدهم بالنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (154):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحذير المؤمنين من أقوال المنافقين وترغيبهم في الجهاد وبيان فضله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالرفق والعفو والمشاورةوالوعد بالنصر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌لمفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدالة النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم ومهامه في إصلاح أمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أخطاء المؤمنين في غزوة أحد وبعض قبائح المنافقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌منزلة الشهداء المجاهدين في سبيل الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (169):

- ‌نزول الآية (172):

- ‌تاريخ غزوة حمراء الأسد:

- ‌تاريخ غزوة بدر الصغرى:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إزالة الحزن من قلب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد ومناقشة الكفاروالبخلاء وتمييز الخبيث من الطيب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (179):

- ‌سبب نزول الآية (180):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض قبائح اليهود من نسبة الفقر إلى الله وتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الموت مصير كل نفس والثواب يوم القيامة والابتلاء في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أخذ الميثاق على أهل الكتاب بالبيان للناسومحبتهم المدح بغير موجب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توجيه النفوس نحو التفكر في خلق السموات والأرضوجزاء العاملين ذكورا وإناثا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (190):

- ‌نزول الآية (195):

- ‌المناسبة:

- ‌فضل هذه الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الكافرون والأتقياء ومؤمنو أهل الكتاب وجزاء كل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (196):

- ‌نزول الآية (199):

- ‌نزول الآية (200):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النساء

- ‌مدنيتها:

- ‌فضلها:

- ‌مناسبتها لآل عمران:

- ‌لتسمية:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌وحدة الأصل الإنساني ووحدة الزوجين ورابطة الأسرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيتاء اليتامى أموالهم وتحريم أكلها

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة تعدد الزوجات إلى أربع ووجوب إيتاء المهر

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (3):

- ‌نزول الآية (4):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكمة من تعدد الزوجات:

- ‌أسباب تعدّد زوجات النّبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الحجر على السفهاء والصغار ونحوهموعدم تسليم المال إليهم إلا بالرشد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حقوق الورثة في التّركةوحقوق المحتاجين والأيتام والقرابة غير الوارثين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (7):

- ‌نزول الآية (10):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آيات المواريث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان والأحكام:

- ‌حقوق الأولاد في الميراث:

- ‌ميراث الوالدين:

- ‌تقديم الديون ثم الوصايا:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الكلالة:

- ‌أحكام أخرى من آيات المواريث:

- ‌حدود الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الفاحشة في مبدأ التشريع

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌عقوبة الزانيات:

- ‌عقوبة الزناة:

- ‌الأحكام:

- ‌وهل يجتمع النفي مع الجلد

- ‌حالة قبول التوبة ووقتها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌معاملة النساء في الإسلامتحريم إرث النساء كرها والعضل عن الزواج وأخذ شيء من المهوركرها والمعاشرة بالمعروف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحق الأول-تحريم إرث ذات النساء:

- ‌الحق الثاني-عضل المرأة:

- ‌الحق الثالث-المعاشرة بالمعروف:

- ‌الحق الرابع-حق المرأة في كامل المهر:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المحارم من النساء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أولا-النكاح المقت:

- ‌ثانيا-المحرمات بسبب قرابة النسب أو المصاهرة أو الرضاع:

- ‌1 - نكاح الأصول:

- ‌2 - نكاح الفروع:

- ‌3 - نكاح الحواشي القريبة والبعيدة:

- ‌4 - ما يحرم بسبب الرضاع:

- ‌5 - ما يحرم بسبب المصاهرة:

- ‌6 - ما يحرم بسبب عارض:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها

وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق، فأنزل الله تعالى هذه الآية

(1)

.

‌سبب نزول الآية (180):

{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ.} . جمهور المفسرين على أنها أنزلت في مانعي الزكاة. وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته، وأراد بالبخل: كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى

(2)

.

‌المناسبة:

أدى انتصار المشركين في أحد وإصابة المؤمنين بشيء كثير من الأذى، إلى استغلال المنافقين تلك النتيجة، فصاروا يقولون: لو كان محمد نبيا ما قتل ولا هزم، وإنما هو طالب ملك، فتارة ينتصر وتارة ينهزم، وبادروا في نصرة الكفار وتثبيط المؤمنين عن القتال، فتألم النبي صلى الله عليه وسلم وحزن، فنزلت هذه الآيات تسري عنه وتزيل الحزن من نفسه، كما سرّى عنه حينما أعرض الكافرون عن الإيمان، وطعنوا في القرآن أو شخصه، في قوله تعالى:{وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [يونس 65/ 10] وقوله: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف 6/ 18].

‌التفسير والبيان:

يخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم لشدة حرصه على الناس: لا يحزنك أيها الرسول مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق ومناصرة الكفر، كأبي سفيان وغيره من أهل مكة، واليهود والمنافقين.

(1)

أسباب النزول للواحدي: ص 75 - 76

(2)

المرجع السابق: ص 76

ص: 176

إنهم لن يضروا أولياء الله وهم النبي وصحته شيئا من الضرر، وإنما يضرون أنفسهم، ويحاربون الله تعالى ويستعدونه عليهم والدائرة تكون عليهم، ويحرمون من ثواب الله تعالى في الآخرة، ولهم عذاب عظيم لا يعرف قدره، والله يعاقبهم على فعلهم لا يظلمهم، وإنما هم الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم وضلالهم ومناصرتهم ملة الكفر ومقاومة المؤمنين:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ} .

[فاطر 43/ 35] وهذا يدل على أنه لا يؤبه بهم ولا يخشى خطرهم.

وهي مثل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، مِنَ الَّذِينَ قالُوا: آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة 41/ 5].

وهذا لا يقتصر عليهم، وإنما هو حكم عام مقرر يشمل كل من آثر الكفر على الإيمان، لذا قال: إن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا، ولكن يضرون أنفسهم، ولهم عذاب مؤلم شديد الألم في الدنيا والآخرة.

وهي تشبه آية {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون 55/ 23] وآية: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [القلم 44/ 68] وآية: {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا، وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ} [التوبة 85/ 9].

ثم بيّن تعالى استدراج الكافرين وإمهالهم لوقت معين، فأخبر أنه لا يحسبن هؤلاء الكفار أن إمهالنا لهم وإطالة أعمارهم خير لأنفسهم؛ لأنهم لا يستغلون العمر في عمل الخير، وإنما يستغلونه في الشر، فتكون عاقبتهم ازدياد الإثم على الإثم، والمبالغة في الباطل والبهتان، ولهم عذاب مهين: ذو إهانة وإذلال لهم، أي إنما هو معدّ لهم.

ولا يظنن الكفار أن إمهالنا يقصد به ازدياد الإثم كما يفعلون، وإنما الإمهال

ص: 177

لهم هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان، لا لزيادة الإثم وللتعذيب، فيكون الإملاء خيرا لهم، ولكن علم الله سابقا أن بعضهم لن يعود إلى دائرة الحق والخير والرشاد، فهؤلاء لهم عذاب مهين.

قال الزمخشري في قوله: {أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ} : ما: هذه حقها أن تكتب متصلة؛ لأنها كافة، دون الأولى. وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها، كأنه قيل: ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيرا لهم؟ فقيل: {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} .

فإن قلت: كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضا لله تعالى في إملائه لهم؟ قلت: هو علة للإملاء، وما كل علة بغرض، فلو قلت: قعدت عن الغزو للعجز والفاقة، وخرجت من البلد لمخافة الشر، ليس شيء منها بغرض لك، وإنما هي علل وأسباب، فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإمهال وسببا فيه.

فإن قلت: كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء، كما كان العجز علة للقعود عن الحرب؟ قلت: لما كان في علم الله المحيط بكل شيء أنهم مزدادون إثما، فكأن الإملاء وقع من أجله وبسببه، على طريق المجاز

(1)

.

والخلاصة: إن هذا الإمهال والتأخير ليس عناية من الله بهم، وإنما هو قد جرى على سنته في الخلق: بأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر، فإنما هو ثمرة عمله. ومن مقتضى هذه السنة العادلة أن يغتر الإنسان بهذا الإمهال، ويسترسل في فجوره، فيوقعه ذلك في الإثم، الذي يترتب عليه العذاب المهين

(2)

.

ثم بيّن الله تعالى أن المحن والشدائد تظهر صدق الإيمان، وأنه لا بد من أن

(1)

الكشاف: 364/ 1

(2)

تفسير المنار: 205/ 4، تفسير المراغي: 141/ 4

ص: 178

يعقد شيئا من المحنة، يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه، فلا يترك الناس على مثل حالتهم يوم أحد، حتى يميز المؤمن من المنافق، ويعرف المؤمن الصابر والمنافق الفاجر، كما قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ} [محمد 31/ 47].

يقصد به أن يوم أحد كان اختبارا امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستار المنافقين، فظهرت مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد يفكر بعض الناس أن تمييز المؤمن الصادق من المنافق يحدث بالوحي وبأن يطلع الله المؤمنين على الغيب، فأجاب الله تعالى: لم يكن من شأنه تعالى أن يطلع عامة الناس على الغيب، وإنما خلق الإنسان وقدر له أن يصل إلى مراده بعمله الكسبي الذي ترشد إليه الفطرة ويهدي إليه الدين وتدل عليه النبوة، فهو تعالى يختار من رسله من يشاء، ويطلعه على بعض المغيبات، كما قال سبحانه:{عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ} [الجن 26/ 72 - 27] ثم يخبر الرسول بعض الناس بنفاق رجل وإخلاص آخر، فيكون مصدر ذلك الخبر هو اطلاع الله على كفر أناس وإيمانهم، لا أنه يطلعه على ما في القلوب اطلاع الله.

ثم يترك الناس لتمييز المؤمن منهم والمنافق بواسطة الأسباب الكاشفة عن ذلك.

لذا يجب عليكم الإيمان بالله والرسل ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم، وإطاعة الله والرسول واتباعه فيما شرع لكم، والاعتقاد بأن الرسل لا يخبرون عن شيء إلا بما أخبرهم الله به من الغيوب. وهذا رد على الكافرين، قال السّدّي: قال الكافرون: إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر، فنزلت.

ص: 179

وإن تؤمنوا بما جاؤوا به من أخبار الغيب، وتتقوا الله بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، فلكم ثواب عظيم لا يستطيع أحد تحديد مقداره.

ويلاحظ أن القرآن يقرن دائما بين الإيمان والتقوى، كما يقرن بين الصلاة والزكاة، لتلازمهما والاعلام بأن الإيمان لا يكتمل إلا بهما، ويقرن أيضا بين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال.

وبما أن الآيات السابقة كانت في الحث على الجهاد والتحريض على بذل النفس، أعقب ذلك الحث على بذل المال في الجهاد.

فلا يظننّ أحد أن بخل البخلاء خير لهم بكنز المال وادخاره، وأن الجود والإنفاق يفقر، وإنما هو شر عظيم على الأمة والفرد في الدنيا والآخرة، والمراد بالبخل: حجب الزكاة المفروضة عن المستحقين، وعدم الصدقة عند رؤية حاجات المحتاجين.

أما ضرر البخل في الدنيا فتعريض مال الغني للضياع والنهب والسرقة والأحقاد، وفي عصرنا وغيره ظهور الحملات الشنيعة على الأغنياء المترفين، وانتشار الأفكار والنظريات المسماة بالاشتراكية التي ظهرت لتقويض أركان الرأسمالية.

وأما ضرره في الآخرة والدين: فهو ما أخبر عنه تعالى بأنهم سيلزمون وبال بخلهم وعاقبة شحهم إلزام الطوق في العنق، فلا يجدون مناصا ولا مهربا من توجيه اللوم والسؤال والعقاب على فعلهم.

أخرج البخاري عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته، مثّل له شجاعا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه-أي شدقيه-ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك» ثم تلا هذه الآية: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ.} . إلى آخر الآية.

ص: 180