الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكون المراد: آتوا الصغار الذين لا أب لهم {أَمْوالَهُمْ} إذا بلغوا {الْخَبِيثَ} الحرام {بِالطَّيِّبِ} الحلال، أي لا تأخذوا بدل الطيب الحلال مالا حراما، كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم، وجعل الرديء من مالكم مكانه.
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} أي لا تجعلوها مضمومة إليها {إِنَّهُ} أي أكلها {كانَ حُوباً كَبِيراً} إثما وذنبا عظيما.
سبب النزول:
قال مقاتل والكلبي: نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال، فمنعه عمه، فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يوق شح نفسه ورجع به هكذا، فإنه يحلّ داره، يعني جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثبت الأجر وبقي الوزر، فقالوا: يا رسول الله، قد عرفنا أنه ثبت الأجر، فكيف بقي الوزر، وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال:
ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده
(1)
.
التفسير والبيان:
موضوع الآية: يأمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة، وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم. والخطاب للأوصياء ما دام المال بأيديهم واليتامى عندهم.
وهذا شروع في بيان أحوال التقوى، وأولها الحفاظ على مال الأيتام الضعفاء، بعد تذكير الله بصلة الرحم والقرابة.
(1)
أسباب النزول للواحدي: ص 81
والمعنى: يا أيها الأوصياء على اليتامى، أعطوا الأيتام أموالهم بعد البلوغ كاملة غير منقوصة، وأنفقوا عليهم في حال أصغر من أموالهم، ولا تضموا شيئا منها إلى أموالكم، وعبر بالأكل عن سائر التصرفات المتلفة للأموال وسائر وجوه الانتفاع؛ لأن معظم ما يقع من التصرفات لأجل الأكل. وقوله:{إِلى} بمعنى «مع» أو بمعناها الحقيقي أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل. فإنكم إن فعلتم ذلك استبدلتم بالحلال وهو مالكم المكتسب من فضل الله، الحرام وهو مال الأيتام، ويكون هذا الأكل ذنبا عظيما وإثما كبيرا. روي أنهم كانوا يضعون الشاة الهزيلة ويأخذون بدلها شاة سمينة، فنهوا عن ذلك.
واليتيم: من مات أبوه مطلقا، ولكن خصص في الشرع والعرف كما بينت بالصغير،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم-فيما يرويه أبو داود عن علي رضي الله عنه:
وليست الآية في إيتاء اليتامى أموالهم على ظاهرها، فلا يعطونها قبل البلوغ، ويكون إيتاء الأموال مجازا عن تركها سالمة من غير أن يتعرض لها بسوء، بدليل الآية الأخرى:{وَابْتَلُوا الْيَتامى} أي اختبروا صلاحيتهم لتسلم أموالهم عند البلوغ، فهذه الآية حث على تسليم المال فعلا عند حصول البلوغ والرشد، وأما الآية:{وَآتُوا الْيَتامى} فهي حث على حفظ أموال اليتامى لتسلم لهم عند بلوغهم ورشدهم.
والأولى أن يكون الإيتاء مستعملا بمعناه الحقيقي وهو الإعطاء بالفعل، وتكون كلمة {الْيَتامى} مجازا باعتبار ما كان، وعبر باليتامى لقرب العهد بالصغر، وللإشارة إلى وجوب المسارعة والمبادرة بدفع أموالهم إليهم؛ لأن اليتم ضعف، وهو يستدعي الرحمة والعفة، حتى كأن اسم اليتم باق بعد البلوغ، وهذا المعنى يسمى في أصول الفقه بإشارة النص.