الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ولا تزال ريح السموم التي تهب من الغرب الحاقد ترمي بلاد الإسلام بألوان الزيف والبهتان كي تعمي الأبصار عن حقيقة الأشياء، فيتيه الغلمان والفتيان، بخداع بريق البهتان، ويضيع سبيل الحق. لكن بصيص النور الخافت -نور الإيمان- يتلألأ في بعض الاحيان؛ ليهدي إلى بَر الأمان، وكذلك صوت العلماء، وعلماء الدين يعلو في بعض الأحيان؛ ليدل الناس على سبيل الحق ويبعدهم عن مواطن الزلل ومهاوي الضياع. ونذكر من هذه المنكرات التي يصدرها الغرب إلينا ما يلي:
1-
تصدير العقائد الزائغة وتأليه الدولة:
يموج العصر الحديث بمذاهب متعددة في كل مجالات الحياة، والسمة الغالبة على معظم هذه المذاهب هي المادية النفعية التي تظهر تحت أسماء مختلفة مثل: المذهب التجريبي، والوضعية المنطقية، والوجودية، والمادية الجدلية، ومذهب التطور أو النشوء والارتقاء، وغيرها من الأسماء التي تعرفها المحافل العلمية والفلسفية في علوم الطبيعة والنفس والاقتصاد وغيرها من العلم، ولكنها في النهاية تعكس لدى معتنقيها فكرًا غلابًا أساسه الإيمان بالمادة1.
إن الهمجية الاستعمارية الأوربية التي تعرض لها الشرق الإسلامي في العصر الحديث كانت رغم أعلامها السياسية ورايتها العسكرية وأهدافها الاقتصادية ذات مضمون تبشيري فكري واضح؛ هدفه استبدال الفكر الغربي المادي بالفكر الإسلامي، وتصوير فكرنا لدى الأجيال الناشئة الحائرة بأنه سبب تخلفنا، مع الربط بين تقدمهم المادي والفكر الذي يروجون له في
1 د/ عبد البديع عبد العزيز الخولي، مقال بعنوان: القضاء والقدر، من كتاب الدراسات الدينية للتأهيل التربوي، مقرر "101د" ص205، "بتصرف" إلى ص 215.
الشعوب الخاضعة لتأثيرهم.
وساعد الاستعمار في هذا النهج ذلك الخواء الذي سيطر على الحياة العقلية للمسلمين في القرون المظلمة بتأثير عوامل الضعف والمقولات التي اجترها بعض السابقين بحثا على التقليد والخنوع ونفورا من الإبداع وإعمال العقل، وتبريرا لما في حياة المسلمين من سلبية وهوان. هذا فضلا عن ولع المغلوب بتقليد الغالب. ولهذا انبهر بعض شباب المسلمين بما عليه الآخرون انبهارا ملك علهيم أقطار أنفسهم، وأفقدهم النظرة الدقيقة الفاحصة التي لا تكتفي بالسطح، وإنما تغوص إلى الأعماق ناقدة كاشفة ما في التجربة الأوربية من سلبيات وإيجابيات؛ سبليات تتمثل في ترويج الإلحاد تحت دعاوى مختلفة، وخواء الروح والتمزق النفسي الذي يعانون من أوضاره، والتحلل من قيم إنسانية أصيلة كالعفة والسلام والمساواة بين البشر1.
إن خطر الفكر المادي علينا كمسلمين يتمثل في محاربته العقيدة السماوية التي تؤمن بها، وما يمثله هذا من هدم لكل خير في حياة الإنسان، وتنتقل إلى مرتبة الحيوان الأعجم الذي لا هدف له غير إشباع مطالبه "البيولوجية" كما يتمثل هذا الخطر في محاولة القضاء على هويتنا كأمة تعنتق الدين الخاتم الذي يجعله الله منقذًا للبشرية من تعاستها ومادياتها، هذا فضلا عن الأخطار السياسية والاجتماعية التي تبدو مثلا في تحويلنا إلى شعوب تابعة مستهلكة حائرة بين سراب الترف المادي، وواقع الخطر الممسك بتلابيبها على أرضها، ضائعة بين مادية الشرق ومادية الغرب، مادية صنعوها للمسلمين ووجهوها إلى شبابهم، مادية أفروغها من المصانع المنتجة، والأراضي الخصبة واحترام الإنسان، وصواريخ الفضاء والاكتفاء
1 المصدر السابق نفسه.
الذاتي في إنتاج الغذاء، وألبسوها زخارف خادعة هشة تبدو في إنكار الإله والتنكر للأنبياء، والسخرية من يوم الحساب، والتمسك بالقشور والطلاء، والتهكم بالمقدسات!! عليهم لعنة الله1.
ثم ماذا قدمت إلينا حضارة الغرب؟ أو حضارة الشيوعية؟ إنهم قدموا لنا السيارة والقاطرة والباخرة والطائرة والأجهزة المتعددة؛ لخدمة أغراض الإنسان النفعية، كما قدموا لنا أسلحة الدمار الشامل؟ وهل هذه الحضارة المادية في علوم الجمادات يصح أن يطلق عليها اسم الحضارة بمفهومها الشامل؟
إنها حضارة ناقصة تفتقر إلى الأخلاق. وكما قال شاعرنا:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
…
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لم تقدم لنا حضارة الغرب سمو الاخلاق الذي تحرص عليه حضارة الإسلام، وليس لأهل الغرب بحضارتهم الزائفة أي نصيب في هذا المضمار، ولن يكون لهم نصيب فيه في المستقبل وعلى مدى الأيام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟؛ ذلك لأن علومهم علوم دينوية تسعى؛ لتحقيق رفاهية الإنسان وإشباع نزواته ورغباته فقط، والقرآن يبين لنا خطورة هذا الأمر على الإنسان؛ فإنه إن شبع من كل شيء طغى وبغى كما جاء في قوله تعالى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} ، وعند الاستغناء تموت الحواس، وتطغى النفس البشرية وينمو فيها عامل الغرور والفجور:{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ، من ذلك يتبين لنا خطورة هذه الحضارة الغربية التي تتفاخر علينا بزيادة الإنتاج وإشباع الرغبات من كل شيء، ومآل ذلك إلى
1 المصدر السابق نفسه.
إلى الطغيان والفساد في الأرض وسوء العاقبة.
وهل تصدِّر لنا هذه الحضارة الغربية أو الشيوعية إلا الفساد؟ إنهم هناك يستخدمون علومهم في تصنيع المخدرات، وإلا فأين تصنع هذه المواد المميتة؟
إنهم يقدمون لنا العنف والإرهاب، ويشهد على ذلك أفلامهم السينمائية، إنهم يقدمون لنا الجنس والشذوذ في شكله البغيض، ويتاجرون في الأعراض حتى لا يكاد يعرف الإنسان منهم أباه، واختلطت عندهم الأنساب؛ لأن النسب لا قيمة له في عرفهم، حتى انتشرت فيهم الأمراض التي لاعلاج لها لا سيما الإيدز الذي يعانون منه، كفى به مصيبة تهدد الأرحام وتقتل النسل.
ومن أسوأ ما تجرأوا عليه في علومهم أنهم اخترعوا ما يمسى بالهندسة الوراثية، ويبحثون في إمكانية أن الرجل يحمل ويلد بعد سبعة أشهر كما جاء في الخبر:
"أكد البروفسير د. أدموند كونفينو أن العلم يستطيع الآن تحقيق رغبة الرجل في الحمل والولادة، وأن ذلك أصبح ممكنا بعد نجاح التجارب على الحيوانات. بأن يتم حقن الرجل بهرمون يمنع جسمه من إنتاج هرمون الذكورة، ثم يحقن بهرمون البروجسترون والاستروجين؛ لإيجاد مناخ مناسب لنمو الطفل ثم يزرع له جنين في تجويف البطن ويمكن توليده بعد 7 شهور بعملية قيصرية".
ولكن من أين يأتي الجنين الذي سوف يزرع داخل التجويف البطني للرجل؟ يقول د. محسن حسني أستاذ أمراض النساء بطب الأزهر: "لقد أجرى العلماء كثيرا من التجارب في المملكة الحيوانية مستخدمين فيها الهندسة الوراثية الحديثة، وأمكن عمل الأنسجة التي يتكون منها الحيوان المنوي في جسم الأنثى كما أمكن تنشيطه، وبذلك أمكن إيجاد حمل في الحيوان بدون أن يتلقى الحيوان الذكر مع الأنثى، لذلك ليس هناك ما يمنع نظريا من افتراض عمل بويضة في جسم الذكر
وتنشيطها تقابل حيوانه المنوي لكي تصبح بويضة مخصبة.
أفبعد ذلك تكون هذه حضارة؟ إنها الفتنة وإذن التي هي نتاج ذلك الانبهار بالتحصيل العلمي المادي الذي يكفر بالدين ويكفر بالله.
والعجب كل العجب من هؤلاء الذين يقلدون أصحاب الحضارة المادية، ويطالبوننا بالأخذ من مناهجهم، ويرغبوننا في الاقتداء بهم؛ كي تسير على دربهم في كل شيء، ويعدون تفوقهم في العلوم والمخترعات غاية الأمل في الوصول إلى تحقيق سعادة البشرية ورخاء الإنسانية.
ولا ينبغي لنا أن ننسى أن النفوذ الغربي وثقافة الغرب يسعيان كلاهما لتحيطم نظام التربية الإسلامية؛ حيث يحاول الغرب فرض مناهج الإرساليات الذي دمر أسلوب الثقافة الإسلامية.
"حين أقام منهجه العلماني المادي الانشطاري أسلوبا للمعرفة في مجال الجامعات والصحافة".
لن تكون الحضارة أو التقدم أو الحداثة على حساب الركائز الأساسية، أو القيم الأصيلة ولن يكون مفهوم التقدم سبيلا للقضاء على جذر واحد من جذور الأصالة.
فنحن نفهم التقدم جامعا بين المعنوي منه والمادي وليس التقدم
1 جريدة الأهرام ملحق الجمعة ص3 "14/ 1/ 1996".
المادي الخالص.
نحن لا نرفض العصر ولا نتقوقع في الماضي، ولكنا نقيم أساسًا إسلاميًّا خالصا نواجه به التراث والفكر المعاصر على السواء.
إن حاجتنا إلى الغرب تتلخص في حاجتنا إلى مفاتيح العلوم التجريبية والتكنولوجية؛ لننقلها إلى لغتنا العربية ومحيطنا الإسلامي.
إن النظرية التي تحاول أن تربط بين العلوم التجريبية والفلسفات هي نظرية باطلة ولن نقبلها. نحن نرفض أن يكون منهج الفلسفة الغربية موازيا لمنهج العلم التجريبي. أما طريقة العيش الغربية فهي لا تناسبنا؛ ذلك لأن لنا منهجا إسلاميًّا خاصًّا في العيش والحياة.
إن أكذب ما ينقل إلينا ونضلل به هو تلك الرابطة الوهمية بين العلم التجريبي وأسلوب العيش الغربي، إن كل ما ينقل إلينا لا يزيد عن أن يكون خامات نشكلها في إطار فكرنا ومعتقداتنا"1.
يقول بعض علمائنا2:
إن مشكلة الحضارة الغربية كمشكلة الحضارات السابقة في التردي إلى عبادة وثن من صنع المجتمع نفسه وهو "تأليه الدولة" السائد الآن بين 190 من سكان العالم.
لقد أدى هذا التأليه إلى انهيار 14 أو 16 حضارة سابقة من عشرين حضارة، وتأليه اليوم أشد إرهابًا؛ لأنه تدعمه أيديولوجيات، وتمكن له التكنولوجيا الحديثة سواء في وسائل الإعلام أو غيرها.
1 أنور الجندي: عالمية الإسلام، مجموعة اقرأ، ص132، 133 طبعة دار المعارف سنة 1977م.
2 هو الأستاذ الدكتور/ حسن عباس زكي، من مقال بعنوان "الإيمان يحقق التوازن المفقود في عالمنا المعاصر" بتصرف قليل ص11 من جريدة الأهرام ملحق الجمعة بتاريخ 18/ 1/ 1996.