الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية: الاستعداد لإستقبال المولود
إعداد البنية الصالحة لنشأة الطفل قبل الميلاد
…
المرحلة الثانية: الاستعداد لاستقبال المولود
إعداد البيئة الصالحة لنشأة الطفل قبل الميلاد:
وفيها يوجه الإسلام عنايته إلى الطفل قبل ولادته؛ حيث يتم إعداد البيئة الصالحة لنشأة الطفل، وذلك عن طريق الرجل والمرأة اللذين هما سبب النشأة، فيرشد كلًّا منهما إلى حسن اختيار الزوج، يبين للرجل كيفية اختيار الزوجة، ويبين للمرأة كيفية حسن اختيار الزوج، حتى يضمن السلامة لهذا المولود قبل أن يُولَدَ، كما يبين لكليهما علة الزواج، وهي أن الزواج الغرض منه عمارة الأرض، وعمارة الأرض إنما تكون بالنسل الصالح المؤهل للخلافة؛ بمعنى أن هذا المولود الناشئ يصلح لخلافة الله في أرضه، فيؤدي ما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ} وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} 1 وقال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 2، قال ابن عباس:"المودة: حب الرجل امرأته، والرحمة: شفقته عليها أن يصيبها بسوء"3.
وعلى أساس المودة والرحمة تنشأ الأجيال الصالحة من الرجال والنساء، ويتحقق معنى خلافة الإنسان لله في أرضه، ولا يتحقق هذا المعنى إلّا في الرجل المتدين الذي يمتثل لأوامر الدين.
وفي ظل هذه المودة والرحمة يأتي دور الإنجاب والذرية؛ حيث يقول الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} 4 أي: أن الكثرة
1 النساء: 1.
2 الروم: 21.
3 الصابوني: صفوة التفاسير، ج2/ 476.
4 النحل: 72.
الناشئة عن الزوجية، هي كثرة متسلسلة في أجيال متعاقبة من الأولاد والأحفاد، فهم فروع الأسرة وفروع فروعها، وينظر الإسلام إلى هذا النموّ على أنه ليس نموًّا عدديًّا فقط، وإنما هو مع ذلك نمو في العلاقة بين أفراده، فمهَّدَ لها السبيل إلى الاطراد في جوٍّ من الاطمئنان والمودة والرحمة، ولهذا وجّه عنايته إلى الناشئة واهتم بها أيما اهتمام، ونلخص مظاهر هذا الاهتمام فيما يلي:
قلنا: إن الرجل ينبغي أن يحسن اختيار من تشاركه حياته؛ لأنها سوف تتولى أجلَّ وظيفة وهي صناعة الرجال، فهي المدرسة الأولى التي يتعلم منها الطفل، كما قال حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها
…
أعددت شعبًا طيب الأعراق
وقال أيضًا:
وإذا النساء نشأن في أمية
…
رضع الرجال جهالة وخمولا
ولقد دعا منهج الإسلام الرجل المسلم إلى تحصين ذريته من جميع الآفات، بأن يحسن اختيار زوجته أولًا؛ لأنه سوف يرث الأولاد عنها كثيرًا من المزايا والصفات، في أحضانها تنمو عواطف الطفل وتتربى ملكاته، فأوضحت السنة حسن اختيار ذات الدين، صاحبة الأصل الطيب، ولهذا حذّر الرسول -صلى الله عليه سلم- من زواج المرأة الجميلة التي ترعرعت في منابت السوء فقال:"إياكم وخضراء الدمن؟ قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء"1.
كما قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بالمال
1- السيد سابق: فقه السنة، الطبعة الثانية "1411هـ-1990م"، دار الفتح للإعلام العربي، ج2/ 134، "نقلًا عن الدارقطني".
والجمال عند الإقبال على الزواج، فقال:"لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، لا تزوجهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين"1.
وذلك أول تحصين لضمان سلامة الذرية من سوء الحضانة، أما ثاني التحصينات فتكون عند معاشرة الزوجة ومباشرتها عند الجماع، فإذا أتى الرجل امرأته يُسْتَحَبُّ أن يبدأ باسم الله تعالى، ويقرأ قل هو الله أحد أولًا، ثم يكبر ويهلل، ويقول: باسم الله العلي العظيم، اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي، فإذا أدّى ذلك الزوج فقد استبرأ لدينه وعرضه، وإذا رزقه الله مولودًا كان من الذرية الصالحة إن شاء الله تعالى.
والإسلام لا يهيئ السبيل لمتعة الرجل وحده وراحته وسكينته، وإنما يرتب لأداء حقوق الطفل القادم، فإن الأم المرباة على خلق فاضلٍ ودين، هي الجديرة بإنبات أطفال أسوياء أصحاء النفس والملكات والقدرات، بل هي التي تشرف أبناءها وتضفي عليهم من كرامتها شرف عزتها، وقد ذكر الشاعر العربي مذكِّرًا أبناءه بفضله عليهم؛ إذ اختار لهم أمًّا صالحة عفيفة تشرفهم:
وأول إحساني إليهم تخيري
…
لماجدة الأحساب بادٍ عفافها
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟
قال عمر: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن
1 ابن ماجه، سنن ابن ماجه ج1/ 597.
ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب "القرآن"، قال الولد: يا أمير المؤمنين؛ إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلًا "أي: خنفساء"، ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك، قد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك".
"صدق الشاعر في تشبيهه الولد أو الطفل بعامة بالنبت، ويشبه الأم الجاهلة الخالية من الدين والخلق بالصحراء التي لا ماء فيها، ومن ثَمَّ يكون النبت الناشئ بها شوكًا لا خير فيه، وفي المقابل يشبه الأم المؤدبة التي يزينها الخلق والدين، بالروضة الخصبة الغناء، فلا شك أن النبت بها سيكون نضرًا طريًّا يرجى خيره، فيقول:
وليس النبت في جنان
…
كمثل النبت ينبت في الفلاة
وهل يرجى لأطفال كمال
…
إذا ارتعضوا ثدي الناقصات1
وكما حرص الإسلام على توجيه نظر الشباب إلى اختيار زيجات قائمة على خلق فاضل ودين صحيح، فقد حرص كذلك على توجيه نظر الفتيات والنساء إلى اختيار وترجيح صاحب الخلق الفاضل، والدين الصحيح زوجًا لهن، وهذا هو الإمام الترمذي يروي لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا جاءكم من ترضون دينه خلقه فزوجوه، إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" ولا ريب أن الفتنة والفساد، يدخل فيهما توريث الأب الفاسد الخالي من الخلق والدين، ما عنده من ضعف وفساد لأبنائه، ولو على أقل تقدير، بالقدوة وضرب المثل، حيث إن من شأن الصغار تقليد الكبار والنقل عنهم، وعند ذلك سيكون نقلًا أسود غير مأمون العاقبة"2.
1 على عيد: كيف احتفى الإسلام بالطفل، مقال في مجلة رسالة الإسلام، تصدر عن المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين العالمية، العدد 14، رمضان 1417-يناير 1997، ص16.
2 المصدر السابق ص 17.