الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب-
التربية بالقدوة:
والقدوة الأولى لنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المثل الأعلى وهو خير خلق الله على الإطلاق، ونحن مأمورون بالاقتداء به والسير على نهجه بنص القرآن:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ودراسة سيرته مطلوبة لكل مؤمن، حتى يتخلق الإنسان بخلقه ويسير على نهجه، وفي تعلم أخباره وتفهم مواقفه كثير من الحكمة، وقد قال عز من قائل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
وقد جعل الله عز وجل في شخص رسولنا الكريم الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي في التربية والتعليم؛ ليكون للناس على مدار التاريخ القدوة الصالحة وللبشرية في كل مكان النور الهادي إلى سواء السبيل، ومنه تعلم الصحابة صغارا وكبارًا كل معاني العفة والطهارة والصدق والأمانة والشجاعة والطاعة والعبادة، واكتسبوا منه كل الأعمال الصالحة حتى كان منهم رجال أنزل الله فيهم قرآنا، وتحققت فيهم تربيته حتى وصف القرآن حال صحابته صلى الله عليه سلم بقوله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] .
امتدحهم الحق من فوق سبع سماوات بقوله: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17]، وبقوله:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] .
فيكفيهم بذلك فخرا وخلودا أن ذكرهم الله في كتابه الذي تعهد بحفظه على مدى الزمان.
"هذا غيض من فيض مما نزل في كريم مآثرهم، وجميل محامدهم، وقد تحقق بهم فعلا إقامة المجتمع الفاضل الذي كان حلم المفكرين، وأمنية الفلاسفة منذ القدم
…
وكيف لا؟! والقاضي يجلس بينهم سنتين ولا يتخاصم إليه إثنان؟ ولماذا يتخاصمون وبين أيديهم القرآن؟ ولماذا يختلفون وهم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم؟ ولماذا يتاغضون والرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بالمحبة والإخاء،
وحضهم على التعاطف والإيثار؟ "1.
"وإليكم ما قاله الصحابي الجليل "عبد الله بن مسعود" رضي الله عنه في تعداد محامدهم وفضائلهم، ووجوب التأسي بأفعالهم الحميدة، وأخلاقهم الكريمة: "من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا.. اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، وابتعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وما زالت الأجيال المسلمة في كل زمان ومكان يرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة في العبادة والأخلاق، الشجاعة الثبات، والعزم والمضاء والتعاطف والإيثار، والجهاد ونيل الشهادة.. وما زال شباب الإسلام في كل عصر يستقون من معين فضائلهم، ويستضيئون بنور مكارمهم، وينهجون في التربية نهجهم، ويسيرون في بناء المجد سيرهم؛ لكونهم خير القرون هديا، وأفضل العصور قدوة.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيما رواه البيهقي والديلمي: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".
من هذه القدوة الصالحة التي تجسدت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تابعيهم بإحسان.. انتشر الإسلام في كثير من الممالك النائية، والبلاد الواسعة البعيدة في شرق الدنيا وغربها.
والتاريخ يسطر بملء الافتخار والإعجاب أن الإسلام وصل إلى جنوب الهند وسيلان، وجزر لكديف ومالاديف في المحيط الهندي،
1- د. عبد الله ناصح علوان، تربية الأولاد في الإسلام، ج2/ 488، دار السلام للطباعة والنشر، الطبعة الثلاثون، 1996.
وإلى التيبت، وإلى سواحل الصين وإلى الفلبين، وجزر أندونسيا، وشبه جزيرة الملايو.. ووصل إلى أواسط أفريقيا في السنغال، ونيجيريا، والصومال، وتنزانيا، ومدغشقر، وزنجبار، وغيرها من البلاد، وصل الإسلام إلى كل هذه الأمم بواسطة تجار مسلمين، ودعاة صادقين أعطوا الصورة الصادقة عن الإسلام في سلوكهم وأمانتهم، وصدقهم ووفائهم ثم أعقب ذلك الكلمة الطبية، والموعظة الحسنة، فدخل الناس في دين الإسلام أفواجا6.
ولقد تعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم التابعون، ونقلوا إلى الدنيا صورة القدوة العظيمة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تأسوا بأسوته واهتدوا بهديه، وفي حسن اقتدائهم بالصحابة صاروا أمثلة عليا في عصورهم، وقدوة أيضا لمن جاء من بعدهم من أجيال أتباع التابعين، ولا تزال هذه السيرة العطرة تنتقل من جيل إلى جيل، وكلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ملتمس، لذلك كان كل من يقتدي بمعلمه كأنما يرتشف من علم المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فالقدوة تتمثل في كل مربٍّ سار على النهج القويم الذي كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كل عصر ومصر.
ويرى الإمام أبو حامد الغزالي أن المتعلم لا يغنيه كثيرة ما حصل من علم بل إن عليه أن يقتدي بمعلم مربٍّ مرشد يستطيع أن يخرج الأخلاق السيئة من تلميذه بطريقة التربية، ويستبدل ذلك بالأخلاق الفاضلة، فقال لتلميذه بعد ان اطمأن لحفظه القرآن وتحصيل قدرٍ لا بأس به من علوم الشريعة: "
…
اعلم أنه ينبغي للسالك "الطالب" شيخ مرشد مربٍّ؛ ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته، ويجعل مكانها
1 د. عبد الله ناصح علوان، المرجع السابق، ج2/ 489.
خلقًا حسنًا"1.
ثم يوضح الغزالي له معنى التربية بقوله: "ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع؛ ليحسن نباته، ويكمل ريعه2، ولا بد للسالك من شيخ يربيه ويرشده إلى سبيل الله تعالى؛ لأن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله، فإذا ارتحل صلى الله عليه سلم فقد خلف الخلفاء في مكانه، حتى يرشدوا إلى الله تعالى"3.
والتلميذ في مدارسنا يحتاج إلى نموذج عملي وقدة يراها متمثلة في شخص معلمه مربيه، ثم هو يأخ التقليد والمحاكاة أكثر مما يأخذ بالنصح والإرشاد، وعلى هذا فإن نجاح العملية التعليمية يتوقف إلى حد كبير على المعلم أو المربي الذي يقوم بالتعليم والتربية، والذي يحقق بسلوكه وممارساته التربوية الأسوة المطلوبة لتحقيق المنهج التربوي، وهذا المبدأ قد قرره القرآن، فقد أمر الله تعالى نبيه أن يقتدي بهدي من سبقه من الرسل قال:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] .
كما أمر الله المؤمنين بالاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ} [الأحزاب: 21] .
1 الغزالي، أيها الولد، بتحقيق علي محيي الدين القره داغي، درا الاعتصام، 1983م ص112.
2 الريع: النماء والزيادة.
3 المصدر السابق، ص113.