الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تربية الرسول للصحابة:
نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استوعب أصحابه وهم كثيرون بالتوجيه والتربية النموذجية، في فترة تعتبر قياسية على المستوى العالمي؛ بحيث لا يستطيع جهاز أمة من الأمم في قرون أن يستوعب نفس القدر من الصحابة، وبنفس المستوى الرفيع، فما هي الميزة التي اختصر بها الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق في التربية على هذه الصورة.
يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي:
"لقد أجاد صلى الله عليه وسلم المنهج الإسلامي في التربية، وهو أن يحسن المرِبي -بكسر الباء- كيف يأخذ المربَّى -بتفح الباء، ومن اقتصر طريق إلى موقع الحق في أي قضية من القضايا.
هذه القضية قد تكون صعبة، وللعقل فيها وقفة، ولكن لياقة المربي وحسن استعداده واتساع ثقافته، تتصبح كلها أدوات تعينه على أن يصل بالمربى إلى الحقيقة التي يريدها من أيسر طريق إلى الفهم، وبأقل وسيلة في الإقناع.
وقد أخرج الإمام أحمد والبيهقي في الشعب، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن فتًى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن امرؤ أحب النساء، فائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، فقال:"ادن" فدنا منه قريبًا، فقال:"اجلس" فجلس، فقال -صلى الله عليه سلم:"أتحبه لأمك"؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال:"وكذلك الناس لا يحبه لأمهاتهم، أفتحبه لابنتك"؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك؟ قال:"وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أفتحبه لأختك"؟ قال: لا والله يا سول الله، جعلني الله فداءك، قال: "وكذلك الناس
لا يحبونه لأخواتهم، أفتحبه لعمتك"؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال:"وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم، أفتحبه لخالتك"؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك؟ قال:"وكذلك الناس لا يحبونه لخالاتهم".
قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه، وقال:"اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه".
قال: فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء، وقال: فوالله ما همتْ نفسي بمعصية من ذلك النوع إلّا ذكرت أن يفعل بأمي أو بزوجتي أو بابنتي فأمتنع.
إذن فالرسول صلى الله عليه وسلم واجه بتشبيع المسألة من أقرب طريق يتصل به، وبكرامته، وبعواطفه، وبمكانته، وبمقامه، فإذا ما أراد أن يفعل ذلك تذكَّر ما يمكن أن يفعل به"1.
وبهذا الأسلوب المقنع عالج الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الرذائل التي تفشَّت في العرب، لا سيما القتل، إذ انتشرت بينهم جريمة القتل والاعتداء على النفس، وربما تتحول إلى وقوع الحروب بين القبائل لأتفه الأسباب، ولم يكن لهم قانون يقضي على هذه الجريمة، ويوقف هذا النزيف الدموي، حتى جاء الرسول الكريم فأوقف هذا النزيف بتربية القرآن لهم؛ حيث يقول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33]، وبتربيته لهم صلى الله عليه وسلم؛ إذ بيَّن لهم الحق الذي تزهق به النفوس في قوله عن ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل دم امرئٍ مسلم إلّا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس
1 جريدة الأهرام، ملحق الجمعة بتاريخ 2 يناير 1998، مقال بعنوان "هكذا يتكلم الشعراوي- المنهج التربوي في الإسلام- ص10.
بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري ومسلم، وما روي عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي بسنده، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لزوالُ الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" 1.
وهناك أحاديث كثيرة تبين لنا الآداب وفضائل الأعمال التي بثَّها الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس الصحابة، وطهَّرَ بها قلوبهم، ومحا ما علق بها من آثار الجاهلية.
هكذا سلك الرسول صلى الله عليه وسلم مسلكًا راقيًا في توجيه صحابته، وهذا المسلك يعتبر من أعظم المناهج في التربية؛ لأن قوامه الرأفة والرفق والموعظة الحسنة، استطاع به أن يحوّل كثيرًا من العرب إلى رجال صالحين ونساء صالحات، بصبره عليهم ورأفته بهم، فنقلهم من رعاة إبلٍ غلاظٍ يشعلون الحرب لأوهى الأسباب، إلى قادةٍ عظماء هداة مرشدين.
ومن يقرأ كتب السنة يدرك مدى جهاده صلى الله عليه وسلم في تعليم العرب رجالًا ونساءً، وصبره عليهم، ولسوف يطَّلِعُ على أمورٍ في التعليم والتربية من أمتع وأعظم الأساليب في هذا المجال، ثم إنهم من بعده نهضوا بهذه التربية خير نهوض حين فتحوا البلاد شرقًا وغربًا، برًّا وبحرًا، فكانوا مشاعل هداية أوصلوا نور الإسلام إلى جميع البشرية.
1 الترمذي، جامع الترمذي، باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن، ج4/ 16، من طبعة مصطفى البابي الحلبي.