الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول نعمةٌ أنعم الله بها على المؤمنين وعلى العالمين:
والرسول نعمة من النعم التي أنعم الله بها على المؤمنين بعامة والعرب خاصة، فقد نشأ فيهم؛ من نسبهم وجنسهم، فهو عربي مثلهم، كلامه مفهوم لهم، ثم إنه من أشرف قبائل العرب وبطونهم، وهم يعلمون عن يقينٍ أنه الصادق الأمين، فلهم أن يفخروا بأن النبوة ظهرت فيهم على يديه صلى الله عليه وسلم، وأنهم يأتيهم خبر السماء عن طريقه؛ فهو يتلو عليهم آيات الله، ويفيدهم بعلومٍ لم يكن لهم بها علم إذ كانوا جهّالًا لم يسمعوا الوحي، وضلَّالًا لا يهتدون سبيلًا. وأما عامة المؤمنين فإنه يأتيهم الشرف من حيث إنهم أتباعه ومناصروه، وشرف الانتساب إلى محمدٍ الرسول يفوق شرف الأنساب؛ لأن الله سبحانه وصف الذين آمنوا به واتبعوه من مختلف الأجناس والألوان بأنهم خير أمة أخرجة للناس، ولم تقتصر هذه الصفة العظمى على جنس العرب؛ فأمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، واتِّبَاع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به هو الطريق إلى الجنة، ومن هنا كان الرسول منّةً كبرى مَنَّ الله بها على المسلمين؛ لأنه عَرَّفَهم طريق الجنة عن طريق رسول صلى الله عليه وسلم،
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ، أي: ويعلمهم القرآن ويعلمهم السنة؛ فالكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة.
كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل 44] ، والبيان هو التبيلغ والإيضاح والشرح والإظهار، فالبيان هو السنة، وقد روي عن الأوزاعي عن حسان بن عطية إنه قال: كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن، والسنة تفسر القرآن1.
1 الخطيب البغدادي، كتاب الكفاية في علم الرواية، دار الكتب الحديثة، ط1، 1979.
وكان -صلوات الله وسلامه عليه- فصيح اللسان، جزل العبارة مع فخامة المعنى ووضوح الغاية، ولا عجب، فقد أعطي جوامع الكلم، ثم هو لا ينطق عن هوًى أو غرضٍ في نفسه، ولكنه يقول ما أمر به أن يبلغه للناس كاملًا موفورًا من غير زيادة أو نقصان، كما كان صلى الله عليه وسلم في كل ما صدر عنه من حركاتٍ أو سكناتٍ أو تقريراتٍ ترجمةً للأخلاق الفاضلة التي دعا إليها القرآن1.
ولقد حذَّر الرسول -صلى الله عليه سلم- من أن يقول الناس بعده: نأخذ ما جاء في القرآن نعمل به؛ فما وجدناه حلالًا حللناه، وما وجدناه حرامًا حرمناه، ثم يَدَعُونَ سنته صلى الله عليه وسلم، بل إن ما جاء به صلى الله عليه وسلم هو عين ما في كتاب الله عز وجل، لذا نجد في الحديث المروي عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني قد أوتيت القرآن ومثله، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي نابٍ من السباع، ولا لقطة من مال معاهد، إلّا أن يستغني عنها صاحبها".
وفي وراية أخرى عن المقدام بن معد يكرب الكندي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه سلم- حرم أشياء، فذكر الحمر الإنسية، ثم قال: "يوشك رجل متكئ على أريكته يحدِّثُ بالحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه حلالًا أحللناه، وما وجدنا
1 ابن كثير الدمشقي، تفسير سورة ن، ج4، ص402.
حرامًا حرَّمْنَاه، ألا وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه سلم- مثل ما حرم الله عز وجل" 1.
قال الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية ما نصه:
"ومن يزعم أنه لا يأخذ بالسنة، ويكتفي بالقرآن، بأي مبرر استجاز ذلك لنفسه؟ لا يستطيع أن يأتي بدليلٍ من القرآن على ترك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يجب عليه أن يأتي بنصٍّ صريح من القرآن، أن لا نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، إلّا فيما جاء صريحًا في القرآن.
وإن مَنْ يريد فَهْمَ القرآن لا يستطيع أن يفهمه كما ينبغي أن يُفْهَمَ، إلّا إذا أحاط بأسباب النزول، وفي الظروف والمناسبات التي نزل فيها، فإن القرآن الكريم نزل بالتوالي مدة ثلاث وعشرين سنة، في أحوال خاصة، ووقائع خاصة.
فكيف نستطيع أن نعرف معنى قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ} 2، إن لم نعرف سبب نزولها.
وكيف نعرف معنى قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} 3.
وكيف نعرف معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} 4.
1 الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، بمراجعة عبد الحليم محمد عبد الحليم وعبد الرحمن حسن محمود، طبعة دار الكتب الحديثة القاهرة سنة 1972.
2 سورة القيامة 17.
3 سورة المجادلة 1.
4 سورة النجم 14.
وكيف نعرف قصر الصلاة، وكيف نعرف معنى قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 1
وكيف نعرف معنى قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} 2.
كيف نفهم هذه الآيات وغيرها إذا لم نعرف أسباب النزول؟
لا سببيل لذلك إلّا بالرجوع إلى السنة.
فهل حكَّم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسولَ فيما شجر بينهم واختلفوا فيه؟ وبماذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وبماذا قضى؟ بآباءنا هو وأمهاتنا، وقد أمر الله عز وجل أن لا يجد أصحابه صلى الله عليه وسلم حرجًا مما قضى ويسلموا تسليمًا؛ فلا تردد في ضمائرهم، وإنما هو التسليم المطلق؛ لأن معناه حق"4.
ويقول الخطيب البغدادي يرد على من زعم الأخذ بالقرآن فقط:
وهذه النابتة في زماننا ألَا يجب عليهم أن يبحثوا عَمَّا قضى به رسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وأن لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضى، ويسلموا تسليمًا؟
1 سورة الأحزاب 36.
2 سورة الأحزاب 37.
3 سورة النساء 68.
4 الخطيب البغدادي، والكفاية في علم الرواية ص 8، 9.
أما المؤمنون فسيبحثون؛ لأن قضاءه صلى الله عليه وسلم نبراس، وقضاء حق للأمة أولها وآخرها، ولا محيص من الرجوع إلى السنة في ذلك، فإن كان هؤلاء مؤمنين فيسيروا مع ركب الأمة، وإلّا فقد وسموا أنفسهم بالزيغ والخروج عن سبيل المؤمنين.
من لم يأخذ بالسنة فقد كفر بالقرآن:
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2.
والبيان هو التبيلغ والإيضاح والشرح والإظهار، فهل بيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطاع ربه في ذلك البيان"3.
فإن قالوا لم يبيّن فقد كفروا، وإذًا فقد بيَّنَ بجميع وجوه البيان، فإن اعترفوا بذلك، فالبيان هو السنة، فلا يسعهم إلّا الرجوع إليها كما رجع إليها المؤمنون.
روى الحاكم في المستدرك عن الحسن قال: "بينما عمران بنحصين يحدِّث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ قال له رجل: يا أبا نجيد! حدثنا بالقرآن، فقال له عمران: أنت وأصحابك تقرأون القرآن، أكنت محدثي عن الصلاة وما فيها وما حدودها؟ أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والغنم والبقر وأصناف المال؟ ولكن شهدت وغبت أنتم، ثم قال: فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الزكاة كذا وكذا، فقال الرجل: أحييتني أحياك الله، قال الحسن:
1 سورة النساء 115.
2 سورة النحل 44.
3 الخطيب البغدادي، كتاب الكفاية ص11.