الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم التربية والتعليم علم بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
علم التربية والتعليم علمٌ بدأه رسول الله -صلى الله عليه سلم:
التربية لفظ يقترن بالتعليم؛ لأنه مشتمل عليه؛ فالتربية والتعليم معنيان متلازمان لا يكادان ينفصلان، كما أنهما ينطبقان على عالم الإنسان وعالم الحيوان، فالطيور تربي صغارها، وتكلأ أولادها منذ ولادتهم حتى إذا قويت أعضاؤهم علَّمَتها الطيران، وكيف تقتات لنفسها، فاستغنت بعد ذلك عن الأبوين، وكذلك الوحوش تكلأ أولادها منذ ولادتها، وتعتني بها، وتجلب لها الطعام، حتى إذا قويت أعضاؤها خرجت بها إلى رحابة الحياة تعلمها كيف تقتات وتحصل على فرائسها، فتستغني بذلك عن رعاية الأبوين.
أما التربية والتعليم في عالم الإنسان فشيء عظيم، له قواعد معينة، وأصول مرعية، تنبثق من طبيعة المجتمع وعقيدته ووثقافته.
والمجتمع الإسلامي يُعَدُّ أرقى المجتمعات الإنسانية في مجال التربية والتعليم، وللمسلمين -كما نعلم- فضل كبير في نشر العلوم إلى مختلف بقاع العالم أيام الفتوحات الإسلامية، وكان لهم قصب السبق في طرق التربية والتعليم، وفي المنهج العلمي في التفكير، وذلك في الاقتصاد والاجتماع والفلك والطبيعة والكيماء والرياضة والطب والتشريح، حتى في التفكير والطيران، ومؤلفاتهم تشهد بذلك.
والتربية والتعليم كعلمٍ نشأ مع بزوغ فجر الإسلام، وصارت له مدرسة في مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه المدرسة التي أنشأها الرسول الكريم للتربية والتعليم، كان كتابها القرآن، وهو الوحي المتلو، وبيانها ما جاء به عن النبي من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، فكل حركاته صلى الله عليه وسلم وسكناته، إنما هي بيانٌ عمليٌّ لهذا الكتاب المقرر على المسلمين، وقد شرحه لهم عمليًّا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونستطيع أن نقول: إن التربية والتعليم علمٌ بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، مصداقًا لقوله -عزَّ وعَلَا: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} سورة الجمعة آية 2.
فكان صلى الله عليه وسلم يربيهم على القرآن، يشرح لهم معنى الآية، ويجيبهم عن كل ما يصعب عليهم فهمه.
سأله بعض صحابته قال: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟
قال: "كان في عماءٍ ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء"1.
قال يزيد بن هارون: العماء، أي: ليس معه شيء.
وكان اليهود يسألونه عن أشياء في كتبهم وهم يعلمونها، ولكنهم كانوا بها يختبرون النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا عن الرعد ما هو؟
قال: "ملك من الملائكة، موكَّلٌ بالسحاب، معه مخاريق -آلة تضرب بها الملائكة السحاب- من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله"
فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟!
قال: "زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر".
قالو: صدقت، فأخبرنا عما حرَّم إسرائيل على نفسه؟
قال: "اشتكى عرق النسا، فلم يجد شيئًا يلائمه إلّا لحوم الإبل وألبانها، فلذلك حرّمها".
1 الترمذي، الجامع الصحيح، ج5/ 288، طبعة الحلبي، الطبعة الثانية 1395هـ/ 1975م، بتحقيق إبراهيم عطوة عوض.
قالوا: صدقت1
…
وكان القرآن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم يعالج أمور المسلمين ويوجههم ويحملهم إلى الهداية والرشاد.
ورى ابن عباس أنه كانت امرأ تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدَّم حتى يكون في الصف الأول لئلَّا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} 2 وروي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال:
"كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أُبَيِّ سلول يقول لأصحابه: "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" و"لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" فذكرت ذلك لعمي، فذكر ذلك عمي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني صلى الله عليه وسلم وصدقه، فأصابني شيء لم يصبني قط مثله، فجلست في البيت، فقال عمي: ما أردت إلّا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} فبعث إليَّ رسول الله ثم قال: "إنا الله صدقك"3.
1 الترمذي، الجامع الصحيح، ج5/ 296، والآية من سورة الحجر برقم 24.
2 الترمذي، الجامع الصحيح ج5/ 294 طبعة الحلبي، والآية من سورة الحجر برقم 24.
3 رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج5 ص415، كتاب تفسير القرآن.