الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه ولايضرب إلا ضربًا غير مبرح، ولا يهجرها إلا في البيت"1 وله أن يغضب عليها ويهجرها في أمر من أمر الدين إلى عشر وعشرين وإلى شهر.
الأدب العاشر: وهو أدب الجماع إذ يستحب أن يبدأ باسم الله تعالى، ويقرأ قل هو الله أحد أولًا، ويكبر ويهلل، ويقول: باسم الله العلي العظيم، اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدَّرت أن تخرج ذلك من صلبي، ولا يستقبل القبلة بالوقاع إكرامًا للقبلة، وليغط نفسه وأهله بثوب، وليقدم التطلف بالكلام والتقبيل، ويكره له الجماع في ثلاث ليالٍ من الشهر؛ الأول والآخر والنصف، وروي كراهة ذلك عن علي ومعاوية وأبي هريرة رضي الله عنهم، ومن العلماء من استحبَّ الجماع يوم الجمعة وليلته، تحقيقًا لأحد التأولين من قوله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله من غسل واغتسل"2.
1 رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية معاوية بن حيدة بسند جيد.
2 إحياء علوم الدين للغزال، ص52، آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح.
التعاون بين الزوجين
1:
إن السنة النبوية الطاهرة قد أوضحت لنا مكانة الحياة الزوجية، وبينت واجب الزوج، وواجب الزوجة، وها قد تلاقى الزوجان وتعارفا وأتلفا، وتزوجا باسم الله جل جلاله، وأنشأ بيت الزوجية المحفوف بالتكريم والتقير، حاول كل منهما أن يؤدي واجبه، فالزوج يستعين ربه ويبذل جهده، فيعد المسكن والأثاث، وينفق من سعته، ويؤدي الحقوق، ويحسن العشرة، وينهض بالتبعات، والزوجة تستعين ربها فتطيع زوجها فيما شرع الله، وتحفظه في ماله وعرضه، وتدبر شئون
1 د/ أحمد الشرباصي: الدين والمجتمع، من ص137، حتى ص139 بدون.
بيته، وترعى ما ساق الله إليها من ذرية.
وإنما يستقيم بناء الزوجية حين يتذكر الزوج أن الله قد جعل زوجته شريكة له، وخلقها من نفسه، وأعدها ليجد في رحابها الأمن والسكن، وجعل بينهما ألفةً ومودةً وتراحمًا ومحبةً {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، ومن واجب الرجل أن يتدبر ذلك، ويفكر فيه، ويعمل بمقتضاه حتى يقدِّر هذه النعم، وينتفع بها على الوجه السليم القويم.
ومن الخطأ الفاحش أن يظن الرجل أن زوجته ليست إلّا خادمة له يتصرف فيها كما يريد، بل يقول الرسول -صلوات الله وتسليماته عليه:"النساء شقائق الرجال"، ويقول القرآن:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ، فالزوج هو رجل البيت، وإليه ينسب الأولاد، وهو ولي الأسرة والناهض بتبعاتها، والمرأة هي شريكة حياته ومستودع سره وأم أبنائه، وراعية بيته وشئونه، فبينهما من الوشائج والذمم ما يجب أن يرعى ويصان.
وهذا هو القرآن الكريم يذكر المرأة حين يذكر الرجل، ويندبها معه إلى صفات الكمال ومحامد الفعال، وحسبنا هنا هذه الآية الكريمة التي عددت الصفات المميزة للأمة المسلمة، فأطلقتها على الرجال والنساء:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} . [الأحزاب: 35] .
والقرآن يصرِّحُ بأن للمرأة ذاتيتها المتميزة وشخصيتها المستقلة؛ فهي مأمورة بأن تعمل، وهي موعودة من الله أن تنال الجزاء على هذا
العمل، وهو يصرح بأن الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل؛ لأنهما من أصل واحد؛ لأن بينهما وثيق اتصال واتحاد، يقول:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195] .
ولذلك كان من اللازم لسعادتها وسعادة من معهما أن يتعاونا معًا بصدق وإخلاص، ليحققا المعيشة الهانئة السعيدة، وليحفظا على الحياة الزوجية جلالها وجمالها، وعلى الأسرة كيانها واطمئنانها.
وأول الأمور التي يقتضيها التعاون بين اثنين هو أن يخفف كلٌّ منهما من غلواء أنانيته وأثرته، وينهنه من استجابته لأهوائه ورغباته، فكيف إذا كان هذا التعاون بين زوجين ارتبطا برباط الزواج المقدس بعد تفاهم وتآلف، وأصبحا قلبين متجاوبين، يعمران دارًا واحدة، ويسعيان في وجهة واحدة؟ 1.
من صدق التعاون بين الزوجين ألا يتطلع أحدهما إلى الاعتداء على حق الآخر واختصاصه أو ميدان عمله، ولقد رُوِيَ أن أم سلمة قالت للنبي -صلوات الله وسلامه عليه: ليت الله كتب علينا الجهاد كما كتبه على الرجال، فيكون لنا من الأجر مثل حالهم، فقرأ قول الله سبحانه:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32] .
1 المصدر السابق ص139.