الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعثَّر الحسن والنبي -صلى الله عليه سلم- على منبره، فنزل فحمله، وقرأ قوله تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} 1. وقال عبد الله بن شداد: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فقال:"إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته" 2.
وفي ذلك معنًى عظيم للرفق بالولد وتعليم لأمته.
1، 2 المصدر السابق نفسه، ص218.
مداعبة الأطفال واللعب معهم:
إن من أهم أبواب التربية الإسلامية التلطف بالأولاد ومجاراتهم في لعبهم ومداعبتهم، لإدخال الفرحة والسرور على نفوس الأطفال، إذ اللعب يفيد في تنشئة الصبيّ على الثقة بنفسه، والتعبير عن ذاتيته، وإظهار مهارته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشجع على هذا الأمر، فقد روي عن أبي هريرة أنه قال: كان الحسن والحسين يصطرعان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"هي حسن هي حسن" فقالت فاطمة: لم تقول هي حسن؟ قال -صلى الله عليه سلم: إن جبريل يقول: "هي حسين"1. كما كان الحسن والحسين يركبان فوق ظهر النبي صلى الله عليه وسلم ويقولان: حَلْ حَلْ، ويقول النبي -صلى الله عليه سلم: " نِعْمَ البعير بعيركما"2 وأثر عن إبراهيم النخعي3 قوله: كانا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلّا اللعب بالكلاب.
كما أثر عن هشام بين يحيى الغساني عن أبيه أنه قال: لا تحزنوا بنيّ، إن الفرحة تشيب الصبي.
1 ابن أبي الدنيا: كتاب الدنيا، حديث رقم 589، ص132.
2 المصدر السابق، حديث رقم 599، وربما كانت كلمة: حالو يا حالو، التي يقولها أطفالنا في العيد من كلمة حل التي تقال للإبل.
3 إبراهيم بن يزيد النخعي، عالم الكوفة ومفتيها هو والشعبي في زمانهما، ت96.
ويجب توزيع وقت الصبي بين الجد والترفيه واللعب حتى ينشأ الصبي في جوٍّ صحيٍّ ملائم، بعيد عن اليأس والملل، قريب من الطمأنينية والثقة بالنفس، ويجب أن يلاحظ ذلك الآباء والأمهات لما يصدر أحيانًا من الأولاد مما قد يثير غضبهم، أو يهيج انفعالاتهم ضد بنيهم، فيغتاظون منهم مما يتسبب في اتخاذ مواقف شديدة، ربما تترك في نفس الأولاد ضغائن وآثار سلبية سيئة لا تغادر أذهانهم، ولا تنمحي من ذاكرتهم في مستقبل أيامهم.
ويجدر بالآباء أن يتحلوا بالصبر والأناة وكظم الغيظ، ومحاولة علاج الأمور بالملاينة في غير ضعف، وبالحزم في غير سخط، ولنا في سلفنا الصالح خير المثل، ولنستمع إلى ما قاله يزيد بن معاوية حين أغضب أباه معاوية، حتى لم يذق معاوية طعم النوم ليلته، فلما أصبح أرسل في طلب الأحنف بن قيس لعله يخفف غضبه على ابنه يزيد:
قال يزيد بن معاوية: أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس، فلما وصل إليه قال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ قال: يا أمير المؤمين، ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة، فإن طلبوا أعطهم، وإن غضبوا فارضهم، يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقلًا ثقيلًَا، فيملوا حياتك، ويودوا فواتك، ويكرهوا قربك.
فقال له معاوية: لله أنت يا أحنف لقد دخلت علي وأنا مملوء غضبًا وغيظًا على يزيد، فلما خرج الأحنف من عنده رضي عن يزيد، وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب، فأرسل يزيد إلى الأحنف بمائة ألف درهم ومائة ثوب، فقاسمه إياها على الشطر1.
1 الغزالي: إحياء علوم الدين، 2/ 218.
ويروى أنه كان لشريح1 القاضي ابن يدع الكتاب ويذهب يلعب مع الصبيان والكلاب يهارش بها، فدعا شريح بداوة وصحيفة فكتب إلى مؤدبه:
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها
…
نحو الهراش مع الغواة الرجس
فإذا أتاك فخصَّه بملامة
…
وعظه موعظة الأديب الأكيس
وإذا هممت بضربه فبدرة
…
إذا ضربت بها ثلاثًا فاحبس
واعلم بأنك ما أتيت لنفسه
…
مع ما يجرعني أعز الأنفس
وروى أبو الحسن الشيباني عن شيخ من أهل الكوفة قال: رأيت ابنًا لمسعر بن كدام2 حدثًا وثب على مسعر، فعضَّ يده حتى تلوّى الشيخ من عضته، ثم رأيته من غدٍ متنكبًا فرسًا له مع شباب أهل الكوفة، فمرَّ بمسعر فقال مسعر:"لقد صنع بي بالأمس ما رأيتم، وما نفس أعز عليّ منه".
ويروى عن الأشجعي قال: كنا مع سفيان الثوري3، فمر ابنه سعيد فقال: ترون هذا، ما جفوته قط، وربما دعاني وأنا في الصلاة غير مكتوبة فأقطعها له.
1 القاضي شريح من علماء الكوفة، ولي القضاء لعمر بن الخطاب وعثمان وعلي ومعاوية، ستين سنة إلى أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، مات وعمره مائة وعشرون سنة.
2 مسعد بن كدام الكوفي، من كبار أتباع التابعين، مات سنة153هـ.
3 سفيان الثوري، أحد الأئمة الأعلام، كان يلقب بأمير المؤمنين في الحديث، وقال شعبة: إن سفيان ساو الناس بالعلم والورع "انظر السيوطي طبقات الحفاظ ص88".