الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التربية بالعقوبة
مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة
…
التربية بالعقوبة:
يأخذ الإسلام بمبدأ الثواب والعقاب في التربية بعد تقديم النصح الإرشاد بطريقة الترغيب والترهيبن فالثواب لكل من أحسن العمل والعقاب لمن أساء العمل. وعندما يخرج الولد عن المسار الصحيح للدين يأتي دور العقاب ليعيده إلى المسار الصحيح، وطريقة الإسلام في ذلك تنتهج الخطوات التالية.
1-
مراعاة طبيع الطفل المخطئ في استعمال العقوبة:
الأولاد يتفاوتون فيما بينهم ذكاء ومرونة واستجابة.. كما أن أمزجتهم تختلف على حسب الأشخاص، فمنهم صاحب المزاج الهادئ المسالم، ومنهم صاحب المزاج المتعدل. ومنهم صاحب المزاج العصبي الشديد.. وكل ذلك يعود إلى الوراثة، وإلى مؤثرات البيئة، وإلى عوامل النشأة والتربية.
فبعض الأطفال ينفع معهم النظرة العابسة للجر والإصلاح، وقد يحتاج الطفل آخر إلى استعمال التوبيخ في عقوبته، وقد يلجأ المربي إلى استعمال العصا في حالة اليأس من نجاح الموعظة، واستعمال طريقة التوبيخ والتأنيب.
وعند كثير من علماء التربية الإسلامية ومنهم ابن سينا والعبدري وابن خلدون -أنه لا يجوز للمربي أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة.
القصوى، وأن لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء.. لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل، وتكوينه خلقيًّا ونفسيا1.
"ويحدثنا الغزالي عما يسميه علماء النفس بتدعيم السلوك الحسن أو أسلوب التدعيم والتعزيز من خلال مكافأة الأطفال وإثابتهم على السلوك الحسن، يقول الغزالي في ذلك: "ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل، وفعل محمود، فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به، ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة، فينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه، فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانيا، فينبغي أن يعاتب سرًّا، ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا"2.
وقد قرر ابن خلدون في مقدمته أن القسوة المتناهية مع الطفل تعوده الخور، والجبن، والهروب عن تكاليف الحياة، فمما قاله:"من كان مربَّاه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، حمله على الكذب والخبث خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة، ولذلك صارت له هذه عادة وخلقًا وفسدت معاني الإنسانية له".
وقد أسهب ابن خلدون في توضيح ما ينشأ من الأثر السيء، والنتائج الوخيمة، بسبب القهر واستعمال الشدة والعنف في الولد.
1 د. عبد الله ناصح علوان، تربية الأولاد في الإسلام، ج2/ 564.
2 د. موسى محمود أبو حوسة، تصور الغزالي لعملية التنشئة الاجتماعية، مجلة دراسات، المجلد الثامن عشر "أ"، عمان، الأردن، ص223.
فقال: "إن من يعامل بالقهر يصبح حملا على غيره، إذ هو يصبح عاجزًا عن الذود عن شرفه وأسرته لخوله من الحماسة الحمية على حين يقعد عن اكتساب الفضائل الخلق الجميل.. وبذلك تنقلب النفس عن غايتها ومدى إنسانيتها". وهذا الذي ذكره ابن خلدون يتفق كل الاتفاق مع التوجيه النبوي الذي سبق ذكره في الملاطفة والرفق واللين، وينسجم تمامًا مع المعاملة الرقيقة الرحيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل عليها الأولاد جميعًا، ويتلاءم أيضا مع المعالجة الحكيمة التي كان عليه الصلاة والسلام يعالج بأسلوبها مشاكل الناس، وأبناء المجتمع على اختلاف أعمارهم، وتباين طبقاتهم.. بل كان رجال السلف وأصحاب المناصب العالية يأخذون أولادهم بالحكمة والرفق واللين.. ولا يلجؤون إلى العقوبة الشديدة إلا بعد اليأس من استعمال أسلوب الموعظة والتأنيب.
ومما ترويه كتب التاريخ أن الخليفة الرشيد طلب إلى "الأحمر" مؤدب ولده ألا يدع ساعة تمر دون أن يغتنم فائدة تفيده من غير أن تحزنة فتميت ذهنه، وألا يمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، ويقومه ما استطاع بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليه بالشدة والغلظة.. والأمثلة على ذلك كثيرة ومستفيضة.
الذي نخلص إليه بعدما تقدم أن على المربي أن يكون حكيمًا في استعمال العقوبة الملائمة التي تتفق مع ذكاء الطفل وثقافته ومزاجه، كما عليه ألا يلجأ إلى العقوبة إلا في مرحلتها الأخيرة.