الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التربية بشغل أوقات الفراغ وتنظيم الأوراد
مدخل
…
ج- التربية بشغل أوقات الفراغ وتنظيم الأوراد:
ليس لدى المؤمن وقت فراغ؛ لأن الوقت عنده ثمين وهو محسوب عليه، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله"، وسئل: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله"1.
وروى عن ابن عمر أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعُد نفسك من أهل القبور"2.
والمؤمن الحق هو الذي يشعر بأنه موصول دائما بالله، وأن الله معه في كل حين، وأن الله ناظر إليه أينما حل، وهذا المعنى دقيق، وقلما تجده متحققا في الناس في هذه الأيام؛ نظرا لما عليه حالة العصر من الزخام وتعقد المصالح وتعدد الأمور، وسطحية التربية في المنازل والمدراس، وكثرة موارد اللهو والغناء وانتشارها.
ووقت الفراغ غير وارد في حياة المسلم إذا عاش هذا المعنى؛ أي إذا أحس أنه دائما موصول بالله؛ لأنه يكون مشغولا دائما بطهارة نفسه؛ عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء" قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله، قال: "ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت البلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء
…
" 3.
1 رواه الترمذي في جامعه في أبواب الزهد حديث رقم 2330 طبعة الحلبي.
2 رواه الترمذي في جامعه في أبواب الزهد حديث رقم 2333 طبعة الحلبي.
3 رواه الترمذي في جامعه في أبواب صفة القيامة حديث رقم 2458 طبعة الحلبي.
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي "ت795":
"جعل الله سبحانه وتعالى في كل يوم وليلة لعباده المؤمنين وظائف موظفة عليهم من وظائف طاعته فمنها ما هو فرض كالصلوات الخمس، ومنها ما يندبون إليه من غير افتراض كنوافل الصلاة والذكر وغير ذلك، وجعل في شهور الأهلة وظائف موظفة أيضا على عباده كالصيام والزكاة والحج ومنه فرض مفروض عليهم كصيام رمضان وحجة الإسلام منه ما هو مندوب كصيام شعبان وشوال والأشهر الحرم وجعل الله سبحانه لبعض الشهور فضلا على بعض كما قال تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} ، وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} ، كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر، وأقسم بالعشر وهو عشر ذي الحجة على الصحيح، وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته يُتقرب بها إليه، ولله فيها لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته عليه فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات، وقد خرَّج أبن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا: "اطلبوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم"، وفي رواية للطبراني من حديث محمد بن مسلمة مرفوعا: "إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها؛ فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا". وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن
1 ابن رجب الحنبلي، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، نشر دار الدعوة، ص6.