الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للرسول حقوق على كل من آمن به
…
للرسول حقوق كل من آمن به 1:
إن الله سبحانه وتعالى أوجب لنبينا صلى الله عليه وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقًا زائدةً على مجرَّدِ التصديق بنبوته، كما أوجب سبحانه على خلقه من العبادات على القلب واللسان والجوارح أمورًا زائدة على مجرد التصديق به سبحانه، وحرَّمَ سبحانه لحرمة رسوله -مما يباح أن يفعل مع غيره- أمورًا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته.
فمن ذلك: أنه أمر بالصلاة عليه والتسليم، بعد أن أخبر أن الله وملائكته يصلون عليه2، والصلاة تتضمن ثناء الله عليه، ودعاء الخير له، وقربته منه، ورحمته له، والسلام عليه يتضمن سلامته من كل آفة؛ فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات، ثم إنه يصلي سبحانه عشرًا على من يصلي عليه مرةً واحدةً حضًّا للناس على الصلاة عليه؛ ليسعدوا بذلك، وليرحهم الله بها.
ومن ذلك: أنه أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن حقه أن يجب أن يؤثره العطشان بالماء، والجائع بالطعام، وأنه يجب أن يُوقَى بالأنفس والأموال، كما قال سبحانه:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} 3.
1 سورة البينة آية رقم 7، 8.
2 من كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص297.
3 وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] .
4 التوبة: 120.
فعلم أن رغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى مخاطبًا للمؤمنين فيما أصابهم من مشقَّات الحصر والجهاد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} 1.
ومن حقه: أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق، كما دَلَّ على ذلك قوله سبحانه:{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 2 الآية، مع الأحاديث الصحيحة المشهورة، كما في الصحيح من قول عمر: يارسول الله! لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال:"لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فأنت والله يا رسول الله أحب إليّ من نفسي، قال: الآن يا عمر 3 "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" 4 متفق عليه.
ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره وتوقيره فقال: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} 5، والتعزيز: اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.
1 الأحزاب: 21.
2 التوبة: 24.
3 رواه الإمام أحمد 3/ 177، والدرامي 2/ 307، ويروى:"لأحب إليه من نفسه"، "أحب إليه من ماله وأهله" النسائي 8/ 115، ابن ماجه 67.
4 الفتح: 9.
5 النور: 68.
ومن ذلك: أنه خصَّه في المخاطبة بما يليق به فقال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} 1، فنهى أن يقولوا: يا محمد، ويا أحمد، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وكيف لا يخاطبونه بذلك والله سبحانه وتعالى أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدًا من الأنبياء، فلم يدعه باسمه في القرآن قط، بل يقول:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} 2، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} 3، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} 4، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} 5، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} 6، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} 7، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} 8، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} 9، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ} 10، {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ} 11، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} 12، مع أنه سبحانه قد قال:{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} 13، {يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} 14، {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} 15، {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 16، {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} 17، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} 18، {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ} 19.
1 النور: 63.
2 الأحزاب: 28.
3 الأحزاب: 50.
4 الأحزاب: 1.
5 الأحزاب: 59.
6 الأحزاب: 45.
7 الطلاق: 1.
8 التحريم: 1، 2.
9 المائدة: 67.
10 المزمل: 1.
11 المدثر: 1، 2.
12 الأنفال: 64.
13 البقرة: 35.
14 البقرة: 33.
15 هود: 46.
16 هود: 76.
17 الأعراف: 144.
18 ص: 26.
19 المائدة: 110.
ومن ذلك: أنه حرَّم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرَّم رفع الصوت فوق صوته، وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل، وأخبر أن ذلك سبب حبوط العمل1، فهذا يدل على أنه يقتضي الكفر؛ لأن العمل لا يحبط إلّا به، وأخبر أن الذين يغضون أصواتهم عنده هم الذين امتحنت قلوبهم للتقوى، وأن الله يغفر لهم ويرحمهم، وأخبر أن الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون؛ لكونهم رفعوا أصواتهم عليه، ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج، ولكن أزعجوه إلى الخروج2.
ومن ذلك: أنه حرَّمَ على الأمة أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضًا، تمييزًا له، مثل نكاح أزواجه من بعده، فقال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} 3.
وأوجب على الأمة لأجله احترام أزواجه، وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام، فقال سبحانه وتعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} 4.
وأما ما أوجبه من طاعته والانقياد لأمره والتأسي بفعله، فهذا باب واسع، لكن ذلك قد يقال: هو من لوازم الرسالة، وإنما الغرض5 هنا
2 وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} إلى {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات 3-5] .
3 الأحزاب: 53.
4 الأحزاب: 6.
5 الصارم المسلول، ص300، ص301.
أن ننبِّه على بعض ما أوجبه الله له من الحقوق الواجبة والمحرمة مما يزيد على لوازم الرسالة، بحيث يجوز أن يبعث الله رسولًا ولا يوجب له هذه الحقوق.
ومن ذلك: أن الله رفع له ذكره، فلا يذكر الله سبحانه إلّا ذُكِرَ معه، ولا تصح للأمة خطبة ولا تشهد حتى يشهدوا أنه عبده ورسوله، وأوجب ذكره في كل خطبة، وفي الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام، وفي الصلاة التي هي عماد الدين، إلى غير ذلك من المواضع.
هذا، إلى خصائص له أُخَر يطول تعدادها.
وهذه المعاني الجليلة يجدر بنا أن نعلمها أبناءنا حتى يشبوا على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحفظوا له توقيره في نفوسهم وأعماق قلوبهم، وحتى يعلِّمُوا الأجيال من بعدهم هذه الأصول الثابتة في الدين، وتلك الخلال المرعية في التربية1.
1 الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص300.